الفصل الخامس
تحضير الهيئات التدريسية الجامعية المبدعة
في حديث قيم عن تحضير (المعلمين الباحثين) المبدعين من أجل العمل في الجامعات يقول ( دوغلاس براون J. Douglas Brown ) انه لا بد من التفريق بين ( المعلمين - الباحثين ) المبدعين الذين ينهض على أكتافهم التعليم الجامعي المثمر وبين العلماء الذين يقضون حيواتهم في جمع المعلومات من أجلها ذاتها . إن الباحث المبدع يقدم سيلاً من الأفكار الجديدة مستخلصاً إياها من المعلومات المتجمعة . ويضيف ( براون ) قوله : إن فن التعليم يكون مبدعاً بحد ذاته اذا ما أحسن القيام به . كما يقول : ان على المعلم أن بجد باستمرار طرقاً جديدة لنقل الأفكار القديمة والجديدة وتنميتها عند طلابه . وهو يرى ان ما يستثير المعلم الباحث في العملية الإبداعية هو مساعدته طلابه على كسب تبصر أعمق في الموضوعات التي يدرسهم إياها . والباحث الذي لا يكون معلماً فعالاً ونشيطاً قد يتبحر في العلم وينتهي الى احترام سلطة العلماء السابقين على حساب إبداعه هو . ولذلك كان لا بد من التفريق بين المعلم الباحث المبدع وبين الباحث الذي يجمع المعلومات في أي ميدان من ميادين المعرفة . ثم ينتقل (براون) الى تعداد صفات المعلم - الباحث المبدع مؤكداً ان ما يقدمه من صفات انما هو انطباعه الخاص نتيجة لخبرته الطويلة أثناء عمله رئيساً لجامعة أكثر منها صفات علمية دقيقة استخلصها نتيجة لبحث منظم .
صفات ( المعلم – الباحث ) المبدع
۱ - العقل المتسائل An Inquiring Mind
وهي صفة ولادية في ( المعلم الباحث Teacher - Scholar ) تعززها التربية الباكرة ، بشكليها الرسمي وغير الرسمي ، وفي كل مجالات الاهتمام . وحين تكون هذه الصفة موجودة عند الطفل وبشكل يتجاوز مجرد الفضول فإن الأسرة تلعب دوراً هاماً في توضيحها وانضاجها . ويرى براون انه ليس من محض الصدفة أن ينشأ معظم الباحثين المبدعين في أسر علمية وهكذا فإن كلا من الوراثة والبيئة تلعب دورها في إظهار هذا العقل المتسائل . وهكذا يكون من الواجب أن نجيب على الأسئلة : لماذا ؟ وكيف ؟ وبذلك ينمي الأهل والمدرسة في نفس الطفل توقاً متزايداً الى المعرفة .
ويقول (براون) انه لا يعرف السبب في كون شخصين ينتميان الى الخلفية الأسرية ذاتها يتمتع احدهما بهذا العقل المتسائل ولا يتمتع به الآخر ، سر محير ولكنه لا يعفي المربين - في البيت والمدرسة . العناية بهذا العقل المتسائل . وهو يميل الى الاعتقاد بأن هذا العقل المتسائل - من هبة يتمتع بها بعض الناس دون الآخرين . ثم ان ( براون ) لا يعتقد ان هذا العقل المتسائل يقتصر على ميدان واحد كميدان الرياضيات أو العلوم ، بل يرى ان العقول المتسائلة قد تمند عنايتها الى العلوم الانسانية والاجتماعية وسواها ويؤكد ( براون ) ان خبرته قد علمته ان التربية الحرة أقدر على تنمية هذا العقل المتسائل والحفاظ عليه وان سعة حقول الاهتمام وتنوعها أكثر فائدة وأجدى عائدة .
٢ - القدرة على التحليل والتجميع
ويقصد ( براون ) بهذه القدرة الحصول على المعلومات وفهمها وتقويمها والاحتفاظ بها بشكل منظم . ان للنفس البشرية قدرات هائلة على تمثل الخبرة بجميع أشكالها ، لكن الفرق الهام الذي يميز (المعلم – الباحث) المبدع هو أن خبرته أو معرفته الجديدة - في الميادين ذات المعنى على الأقل - لا يحصل عليها على شكل انطباعات عابرة فقط ولكنها خبرات ومعارف تحلل وتقوم وتفهم وتصبح بذلك جزءاً لا يتجزأ من موارده العقلية . ان ( المعلم - الباحث ) المبدع يجمع بين ذات نفسه مكتبة منظمة من المعارف المنظمة بمنح منها عند الحاجة .
هذا ويصبح التحليل والتجميع عند ( المعلم - الباحث ) الناضج طريقة حياة ، وعادة راسخة. وتقوي التربية هذا الموقف كما يقويه التدريب . بيد ان مجرد التجميع مضر ولا بد من التحليل ، ثم انه إذا ان مثل هذا المعلم الباحث قد يعمل منفرداً بعض الأحيان فإن عمله مع ومناقشته للأمور مع طلابه أمر على غاية من الفائدة .
وهنا لا بد من الإشارة الى ضرر التعليم عن طريق إلقاء محاضرة على كبير من الطلاب دون مناقشة هذه المعلومات معهم عدد ان صحيح هذه الطريقة أرخص ولكن حلقات البحث محدودة العدد وما يجري فيها من نقاش هي - الطريقة المثلى. وليس هذا فحسب بل ان اجتماع الزملاء من ( المعلمين الباحثين ) ومناقشاتهم ذات أهمية لا تقدر في البحث المبدع . ولا ننسى الاشارة هنا الى أهمية النقد : ما كان منه ذاتياً، وما كان غيرياً صادراً عن زملاء مخلصين في البحث عن الحقيقة منه ومن نافلة القول أن نؤكد ان تنمية المواهب الإبداعية بحاجة ماسة الى الحرية الجامعية ، حرية البحث ، وحرية المخالفة ، وحرية الرأي، حرية يكون فيها التعلم مهماً كالتعليم ويكون فيها الاكتشاف مهما كالانتاج .
٣ - الحدس
الحدس هو الذي يجعل المعلم ( معلماً - باحثاً ) مبدعاً حقاً . انه صفة صفات الترابط اللاشعوري ، ترابط الأفكار وتمازجها لتكوين أفكار جديدة . ولا بد للحدس من مخزون واسع من المعلومات التي جمعها عقل متسائل ثم قومها وحللها فيما مضى من عمره . إن الإبداع عملية غامضة تشتمل على الاكتشاف ولا تقتصر على المنطق وحده. وينجم الإبداع عن الخبرة المتراكمة ولكنه يتجاوز التحليل الشعوري الذي يفيد
من الخبرة .
والحدس قد تقتله العادات العقلية أو يقضي عليه المحيط . إن الحدس بحاجة للشجاعة ، شجاعة مخالفة ما هو متفق عليه ، وشجاعة تحدي لها ، السلطة التي لا مبرر وشجاعة وضع المنطق في موضعه الحق ، وقبل كل شيء شجاعة المبالغة في التركيز على حقل وحيد من حقول الخبرة . إن أساساً راسخاً من التربية الحرة ينبوع ثر من ينابيع الإبداع . إن احتكاك الأفكار وتفاعلها وغنى الخبرة وثرائها أمور تغني الإبداع وتقويه.
إن ثمة عوامل محيطية كثيرة تقف في وجه الحدس وتعيقه ، ومثال ذلك العقبات الادارية والطرق الروتينية وحب الوصول السريع . وما الحرية الجامعية إلا حرية التفكير حدسياً في المشكلات التي تتطلب الحل والأسئلة التي تطالب بالأجوبة . ثم ان الحدس قد يتطلب وقتاً لا يتطلبه التفكير المنطقي العادي .
هذا ويشير ( براون ) الى ان الحدس ليس وقفاً على فئة قليلة من ( المعلمين - الباحثين ) ولكنه كثيراً ما يواد عند كثيرين منهم . ما كان فإن البراعة في التعليم وفي البحث تقتضي الحدس .
ويعتقد ( براون ) ان الفلسفة الذرائعية ( البراجماتية ) الأمريكية هي المسؤولة عن قصر الحدس على الشعراء والنساء واعتقادها ان المسؤولين عن
تحضير الهيئات التدريسية الجامعية المبدعة
في حديث قيم عن تحضير (المعلمين الباحثين) المبدعين من أجل العمل في الجامعات يقول ( دوغلاس براون J. Douglas Brown ) انه لا بد من التفريق بين ( المعلمين - الباحثين ) المبدعين الذين ينهض على أكتافهم التعليم الجامعي المثمر وبين العلماء الذين يقضون حيواتهم في جمع المعلومات من أجلها ذاتها . إن الباحث المبدع يقدم سيلاً من الأفكار الجديدة مستخلصاً إياها من المعلومات المتجمعة . ويضيف ( براون ) قوله : إن فن التعليم يكون مبدعاً بحد ذاته اذا ما أحسن القيام به . كما يقول : ان على المعلم أن بجد باستمرار طرقاً جديدة لنقل الأفكار القديمة والجديدة وتنميتها عند طلابه . وهو يرى ان ما يستثير المعلم الباحث في العملية الإبداعية هو مساعدته طلابه على كسب تبصر أعمق في الموضوعات التي يدرسهم إياها . والباحث الذي لا يكون معلماً فعالاً ونشيطاً قد يتبحر في العلم وينتهي الى احترام سلطة العلماء السابقين على حساب إبداعه هو . ولذلك كان لا بد من التفريق بين المعلم الباحث المبدع وبين الباحث الذي يجمع المعلومات في أي ميدان من ميادين المعرفة . ثم ينتقل (براون) الى تعداد صفات المعلم - الباحث المبدع مؤكداً ان ما يقدمه من صفات انما هو انطباعه الخاص نتيجة لخبرته الطويلة أثناء عمله رئيساً لجامعة أكثر منها صفات علمية دقيقة استخلصها نتيجة لبحث منظم .
صفات ( المعلم – الباحث ) المبدع
۱ - العقل المتسائل An Inquiring Mind
وهي صفة ولادية في ( المعلم الباحث Teacher - Scholar ) تعززها التربية الباكرة ، بشكليها الرسمي وغير الرسمي ، وفي كل مجالات الاهتمام . وحين تكون هذه الصفة موجودة عند الطفل وبشكل يتجاوز مجرد الفضول فإن الأسرة تلعب دوراً هاماً في توضيحها وانضاجها . ويرى براون انه ليس من محض الصدفة أن ينشأ معظم الباحثين المبدعين في أسر علمية وهكذا فإن كلا من الوراثة والبيئة تلعب دورها في إظهار هذا العقل المتسائل . وهكذا يكون من الواجب أن نجيب على الأسئلة : لماذا ؟ وكيف ؟ وبذلك ينمي الأهل والمدرسة في نفس الطفل توقاً متزايداً الى المعرفة .
ويقول (براون) انه لا يعرف السبب في كون شخصين ينتميان الى الخلفية الأسرية ذاتها يتمتع احدهما بهذا العقل المتسائل ولا يتمتع به الآخر ، سر محير ولكنه لا يعفي المربين - في البيت والمدرسة . العناية بهذا العقل المتسائل . وهو يميل الى الاعتقاد بأن هذا العقل المتسائل - من هبة يتمتع بها بعض الناس دون الآخرين . ثم ان ( براون ) لا يعتقد ان هذا العقل المتسائل يقتصر على ميدان واحد كميدان الرياضيات أو العلوم ، بل يرى ان العقول المتسائلة قد تمند عنايتها الى العلوم الانسانية والاجتماعية وسواها ويؤكد ( براون ) ان خبرته قد علمته ان التربية الحرة أقدر على تنمية هذا العقل المتسائل والحفاظ عليه وان سعة حقول الاهتمام وتنوعها أكثر فائدة وأجدى عائدة .
٢ - القدرة على التحليل والتجميع
ويقصد ( براون ) بهذه القدرة الحصول على المعلومات وفهمها وتقويمها والاحتفاظ بها بشكل منظم . ان للنفس البشرية قدرات هائلة على تمثل الخبرة بجميع أشكالها ، لكن الفرق الهام الذي يميز (المعلم – الباحث) المبدع هو أن خبرته أو معرفته الجديدة - في الميادين ذات المعنى على الأقل - لا يحصل عليها على شكل انطباعات عابرة فقط ولكنها خبرات ومعارف تحلل وتقوم وتفهم وتصبح بذلك جزءاً لا يتجزأ من موارده العقلية . ان ( المعلم - الباحث ) المبدع يجمع بين ذات نفسه مكتبة منظمة من المعارف المنظمة بمنح منها عند الحاجة .
هذا ويصبح التحليل والتجميع عند ( المعلم - الباحث ) الناضج طريقة حياة ، وعادة راسخة. وتقوي التربية هذا الموقف كما يقويه التدريب . بيد ان مجرد التجميع مضر ولا بد من التحليل ، ثم انه إذا ان مثل هذا المعلم الباحث قد يعمل منفرداً بعض الأحيان فإن عمله مع ومناقشته للأمور مع طلابه أمر على غاية من الفائدة .
وهنا لا بد من الإشارة الى ضرر التعليم عن طريق إلقاء محاضرة على كبير من الطلاب دون مناقشة هذه المعلومات معهم عدد ان صحيح هذه الطريقة أرخص ولكن حلقات البحث محدودة العدد وما يجري فيها من نقاش هي - الطريقة المثلى. وليس هذا فحسب بل ان اجتماع الزملاء من ( المعلمين الباحثين ) ومناقشاتهم ذات أهمية لا تقدر في البحث المبدع . ولا ننسى الاشارة هنا الى أهمية النقد : ما كان منه ذاتياً، وما كان غيرياً صادراً عن زملاء مخلصين في البحث عن الحقيقة منه ومن نافلة القول أن نؤكد ان تنمية المواهب الإبداعية بحاجة ماسة الى الحرية الجامعية ، حرية البحث ، وحرية المخالفة ، وحرية الرأي، حرية يكون فيها التعلم مهماً كالتعليم ويكون فيها الاكتشاف مهما كالانتاج .
٣ - الحدس
الحدس هو الذي يجعل المعلم ( معلماً - باحثاً ) مبدعاً حقاً . انه صفة صفات الترابط اللاشعوري ، ترابط الأفكار وتمازجها لتكوين أفكار جديدة . ولا بد للحدس من مخزون واسع من المعلومات التي جمعها عقل متسائل ثم قومها وحللها فيما مضى من عمره . إن الإبداع عملية غامضة تشتمل على الاكتشاف ولا تقتصر على المنطق وحده. وينجم الإبداع عن الخبرة المتراكمة ولكنه يتجاوز التحليل الشعوري الذي يفيد
من الخبرة .
والحدس قد تقتله العادات العقلية أو يقضي عليه المحيط . إن الحدس بحاجة للشجاعة ، شجاعة مخالفة ما هو متفق عليه ، وشجاعة تحدي لها ، السلطة التي لا مبرر وشجاعة وضع المنطق في موضعه الحق ، وقبل كل شيء شجاعة المبالغة في التركيز على حقل وحيد من حقول الخبرة . إن أساساً راسخاً من التربية الحرة ينبوع ثر من ينابيع الإبداع . إن احتكاك الأفكار وتفاعلها وغنى الخبرة وثرائها أمور تغني الإبداع وتقويه.
إن ثمة عوامل محيطية كثيرة تقف في وجه الحدس وتعيقه ، ومثال ذلك العقبات الادارية والطرق الروتينية وحب الوصول السريع . وما الحرية الجامعية إلا حرية التفكير حدسياً في المشكلات التي تتطلب الحل والأسئلة التي تطالب بالأجوبة . ثم ان الحدس قد يتطلب وقتاً لا يتطلبه التفكير المنطقي العادي .
هذا ويشير ( براون ) الى ان الحدس ليس وقفاً على فئة قليلة من ( المعلمين - الباحثين ) ولكنه كثيراً ما يواد عند كثيرين منهم . ما كان فإن البراعة في التعليم وفي البحث تقتضي الحدس .
ويعتقد ( براون ) ان الفلسفة الذرائعية ( البراجماتية ) الأمريكية هي المسؤولة عن قصر الحدس على الشعراء والنساء واعتقادها ان المسؤولين عن
تعليق