تنمية التفكير المبدع.
في القرن الثامن عشر كتب الشاعر الألماني المشهور ( شيللر Schiller ) الى صديق شكا له نقص قدراته الإبداعية فقال :
يبدو انه من غير المفيد - بل انه مما يعيق العمل الإبداعي للعقل - أن تتفحص النفس الأفكار التي تتدفق عليها تفحصاً مبالغاً في التدقيق ، ولا سيما في البداية ... وفي حالة النفس المبدعة يبدو لي ان العقل يسحب مراقبيه من ( المدخل ) وان الأفكار تنصب على النفس مختلطة ومن بعد ذلك تمعن النفس النظر فيها وتراقبها وأنتم أبها النقاد المحترمون - أو سموا أنفسكم ما شئتم - تخجلون أو تخافون من الجنون الآني والعابر الذي يوجد عند كل المبدعين الحقيقيين والذي يفرق بين الفنان المفكر وبين مجرد الحالم . ومن هنا شكواك من عدم جدوى تفكيرك . ذلك بأنك تسقط أفكارك بسرعة وتشدد في التمييز بينها ) . ( فروید ۱۹۳۸ ) .
ان ( شيللر ) - وقبل فرويد بمدة طويلة - يميز أهمية اللاشعور بوصفه ينبوعاً للأفكار المبدعة وأهمية إرجاء المحاكمة النقدية للأفكار حتى اللحظات المناسبة من عملية الإبداع . وقد كان ( أوزبورن) عام ١٩٥٣ أول من طبق هذا المبدأ مبدأ فصل عملية إنتاج الأفكار عن عملية تقويمها .. وقد سبق أن أشرنا إلى عملية ( إمطار الدماغ ) والطريقة المتبعة فيها . ومما تتميز به هذه العملية جمع عدد من الأشخاص في فرقة والطلب اليهم بأن يدلوا بأية فكرة تخطر لهم بخصوص موضوع ما ، مهما كانت الفكرة جزئية أو سخيفة ودون محاولة لتقويمها . وقد طبق العلماء هذه الطريقة فيما بعد - على الجماعات والأفراد وعملوا جميعاً على أن يرجئوا تقويمهم لأفكارهم ، وذلك بغية السماح للخيال بأن يأخذ مداه البعيد وفيما بعد ، أي بعد تتجمع الأفكار وتتضح ، يعمد الى تقويمها واعمال النظر فيها. وقد تشدد ( بارنس Parnes ) في أهمية نقاط ثلاث :
قيمة تحديد موعد معين " أهمية كتابة مذكرات ( حفظ سجل للأفكار التي تطرأ على ذهن الانسان في أي وقت وفي كل وقت ، بدلاً من الاقتصار على الوقت الذي نعمل في أثنائه على حل مشكلة ما ) وكمية محددة من إنتاج الأفكار ، وأهمية عدم تحديد مواعيد زمنية وأمكنة مقررة من أجل انتاج الأفكار بارنس ١٩٦٧ . ومن أجل اختبار نجاعة مبدأ المحاكمة المؤجلة طلب الى الطلاب أن يفكروا في حلول ممكنة لمشكلات معينة ، على أن يبدأوا بالتقويم وهم يعملون ، ومن ثم وفي خطوة لاحقة على أن يؤجلوا التقويم . وقد تبين انه في الحالة الأولى أنتج الطلاب متوسطاً قدره (٢,٥) من الأفكار الجيدة . أما في الحالة الثانية فقد كان المتوسط (٤,٣) من الأفكار الجيدة . هذا ويجب أن نلاحظ أن بحوثاً أخرى لم تقر هذه النتائج . لقد وجد (تورانس عام ١٩٦٣ ) ان تلامذة المدرسة الابتدائية حسين طلب اليهم ببساطة أن ينتجوا ما يستطيعون من أفكار أنتجوا بالفعل عدداً من الأفكار أقل من العدد الذي أنتجوه حين طلب اليهم أن ينتجوا أقصى عدد ممكن من الأفكار الجيدة والأصلية. وحين قارن العالم (تايلور Taylor عام ١٩٥٨ ) بين عمل الأطفال ضمن فريق وبين عملهم فرادى وجد ان الجهد الفردي متفوق . على أنه يجب الاشارة الى أن الأطفال في الحالتين كانوا يعملون وفق مبدأ المحاكمة المؤجلة .
وقد دلل (بارنس) على ان تدريبه ذو آثار معممة : فهو حين جمع بين الطلاب الذين دربوا وفق طريقته وبين طلاب لم يدربوا إطلاقاً وجد إن نتائج الطلاب المدربين أحسن كما وكيفاً ية هذا وقد وضعت طريقة أكثر تقدماً من أجل زيادة الانتاج المبدع وسميت و سينكتكس Synectics ) ( غوردون Gordon ) عام ١٩٦١. والكلمة يونانية وتعني ( الجمع بين العناصر المختلفة ) وهي شبيهة بطريقة إمطار الدماغ ، في انها تشجع تدفق الأفكار العفوي والحر دون تدخل عملية النقد، وفي ان المجرب عليهم يعملون في فرق بيد ان الطريقة تجاوزت سابقتها في اقتراح آليات شعورية تقصد الى تسهيل عملية التخمر اللاشعوري . انها تستعمل آليتين هما « جعل الغريب مألوفاً » و « جعل المألوف غريباً . أما الآلية الأولى فيقصد بها التعرف على المشكلة وتحليلها الى أجزائها ، وأما الثانية فهي أغرب وخاصة بهذه الطريقة ، وتشتمل على النظر الى ما هو معروف ومألوف من وجهة نظر جديدة ، وذلك بغية اكتساب طرافة وجدة في الرؤية. وتنحصر العملية في البحث عن تماثلات مختلفة Analogies وقد حددت ثلاثة نماذج متمايزة من التماثل : التماثل الشخصي وهو تخيل مشاعر الشخص اذا كان محل الشخص أو الشيء الذي يحل محله ، ومثال ذلك علبة الحذاء التي يسأل عن الاستعمالات الممكنة لها . أما التماثل المباشر فيمثل عليه بعمل ( غراهام بل ) الذي رأى التماثل بين جهاز السمع ( الأذن ) وبين جهاز صنعي هو التلفون . وأما التماثل الرمزي فينحصر في ذكر معاني الكلمات الأساسية بصيغة لغوية رمزية ، ومثال ذلك تعريف كلمة «هدف» بأنها رغبة يركز عليها .. وهناك طرائق أخرى استعملت فيها برامج التعليم المبرمج ووضعت لها كتيبات خاصة أوجدها (کر تشفیلد Crutchfield ) و (كوفنغتون Covington ) عام ١٩٦٩ .
إن ما قدمنا ليس إلا بدايات ، ولا بد من عمل كثير في هذا الصدد لا سيما وان النتائج ليست خالية من الشكوك والتضارب المستقبل يبدو لامعاً فيما يخص زيادة النجاعة في حل المشكلات عن طريق تعليم ما هو هام في تربية المرونة والأصالة في الاستجابة .
في القرن الثامن عشر كتب الشاعر الألماني المشهور ( شيللر Schiller ) الى صديق شكا له نقص قدراته الإبداعية فقال :
يبدو انه من غير المفيد - بل انه مما يعيق العمل الإبداعي للعقل - أن تتفحص النفس الأفكار التي تتدفق عليها تفحصاً مبالغاً في التدقيق ، ولا سيما في البداية ... وفي حالة النفس المبدعة يبدو لي ان العقل يسحب مراقبيه من ( المدخل ) وان الأفكار تنصب على النفس مختلطة ومن بعد ذلك تمعن النفس النظر فيها وتراقبها وأنتم أبها النقاد المحترمون - أو سموا أنفسكم ما شئتم - تخجلون أو تخافون من الجنون الآني والعابر الذي يوجد عند كل المبدعين الحقيقيين والذي يفرق بين الفنان المفكر وبين مجرد الحالم . ومن هنا شكواك من عدم جدوى تفكيرك . ذلك بأنك تسقط أفكارك بسرعة وتشدد في التمييز بينها ) . ( فروید ۱۹۳۸ ) .
ان ( شيللر ) - وقبل فرويد بمدة طويلة - يميز أهمية اللاشعور بوصفه ينبوعاً للأفكار المبدعة وأهمية إرجاء المحاكمة النقدية للأفكار حتى اللحظات المناسبة من عملية الإبداع . وقد كان ( أوزبورن) عام ١٩٥٣ أول من طبق هذا المبدأ مبدأ فصل عملية إنتاج الأفكار عن عملية تقويمها .. وقد سبق أن أشرنا إلى عملية ( إمطار الدماغ ) والطريقة المتبعة فيها . ومما تتميز به هذه العملية جمع عدد من الأشخاص في فرقة والطلب اليهم بأن يدلوا بأية فكرة تخطر لهم بخصوص موضوع ما ، مهما كانت الفكرة جزئية أو سخيفة ودون محاولة لتقويمها . وقد طبق العلماء هذه الطريقة فيما بعد - على الجماعات والأفراد وعملوا جميعاً على أن يرجئوا تقويمهم لأفكارهم ، وذلك بغية السماح للخيال بأن يأخذ مداه البعيد وفيما بعد ، أي بعد تتجمع الأفكار وتتضح ، يعمد الى تقويمها واعمال النظر فيها. وقد تشدد ( بارنس Parnes ) في أهمية نقاط ثلاث :
قيمة تحديد موعد معين " أهمية كتابة مذكرات ( حفظ سجل للأفكار التي تطرأ على ذهن الانسان في أي وقت وفي كل وقت ، بدلاً من الاقتصار على الوقت الذي نعمل في أثنائه على حل مشكلة ما ) وكمية محددة من إنتاج الأفكار ، وأهمية عدم تحديد مواعيد زمنية وأمكنة مقررة من أجل انتاج الأفكار بارنس ١٩٦٧ . ومن أجل اختبار نجاعة مبدأ المحاكمة المؤجلة طلب الى الطلاب أن يفكروا في حلول ممكنة لمشكلات معينة ، على أن يبدأوا بالتقويم وهم يعملون ، ومن ثم وفي خطوة لاحقة على أن يؤجلوا التقويم . وقد تبين انه في الحالة الأولى أنتج الطلاب متوسطاً قدره (٢,٥) من الأفكار الجيدة . أما في الحالة الثانية فقد كان المتوسط (٤,٣) من الأفكار الجيدة . هذا ويجب أن نلاحظ أن بحوثاً أخرى لم تقر هذه النتائج . لقد وجد (تورانس عام ١٩٦٣ ) ان تلامذة المدرسة الابتدائية حسين طلب اليهم ببساطة أن ينتجوا ما يستطيعون من أفكار أنتجوا بالفعل عدداً من الأفكار أقل من العدد الذي أنتجوه حين طلب اليهم أن ينتجوا أقصى عدد ممكن من الأفكار الجيدة والأصلية. وحين قارن العالم (تايلور Taylor عام ١٩٥٨ ) بين عمل الأطفال ضمن فريق وبين عملهم فرادى وجد ان الجهد الفردي متفوق . على أنه يجب الاشارة الى أن الأطفال في الحالتين كانوا يعملون وفق مبدأ المحاكمة المؤجلة .
وقد دلل (بارنس) على ان تدريبه ذو آثار معممة : فهو حين جمع بين الطلاب الذين دربوا وفق طريقته وبين طلاب لم يدربوا إطلاقاً وجد إن نتائج الطلاب المدربين أحسن كما وكيفاً ية هذا وقد وضعت طريقة أكثر تقدماً من أجل زيادة الانتاج المبدع وسميت و سينكتكس Synectics ) ( غوردون Gordon ) عام ١٩٦١. والكلمة يونانية وتعني ( الجمع بين العناصر المختلفة ) وهي شبيهة بطريقة إمطار الدماغ ، في انها تشجع تدفق الأفكار العفوي والحر دون تدخل عملية النقد، وفي ان المجرب عليهم يعملون في فرق بيد ان الطريقة تجاوزت سابقتها في اقتراح آليات شعورية تقصد الى تسهيل عملية التخمر اللاشعوري . انها تستعمل آليتين هما « جعل الغريب مألوفاً » و « جعل المألوف غريباً . أما الآلية الأولى فيقصد بها التعرف على المشكلة وتحليلها الى أجزائها ، وأما الثانية فهي أغرب وخاصة بهذه الطريقة ، وتشتمل على النظر الى ما هو معروف ومألوف من وجهة نظر جديدة ، وذلك بغية اكتساب طرافة وجدة في الرؤية. وتنحصر العملية في البحث عن تماثلات مختلفة Analogies وقد حددت ثلاثة نماذج متمايزة من التماثل : التماثل الشخصي وهو تخيل مشاعر الشخص اذا كان محل الشخص أو الشيء الذي يحل محله ، ومثال ذلك علبة الحذاء التي يسأل عن الاستعمالات الممكنة لها . أما التماثل المباشر فيمثل عليه بعمل ( غراهام بل ) الذي رأى التماثل بين جهاز السمع ( الأذن ) وبين جهاز صنعي هو التلفون . وأما التماثل الرمزي فينحصر في ذكر معاني الكلمات الأساسية بصيغة لغوية رمزية ، ومثال ذلك تعريف كلمة «هدف» بأنها رغبة يركز عليها .. وهناك طرائق أخرى استعملت فيها برامج التعليم المبرمج ووضعت لها كتيبات خاصة أوجدها (کر تشفیلد Crutchfield ) و (كوفنغتون Covington ) عام ١٩٦٩ .
إن ما قدمنا ليس إلا بدايات ، ولا بد من عمل كثير في هذا الصدد لا سيما وان النتائج ليست خالية من الشكوك والتضارب المستقبل يبدو لامعاً فيما يخص زيادة النجاعة في حل المشكلات عن طريق تعليم ما هو هام في تربية المرونة والأصالة في الاستجابة .
تعليق