انسجام
Harmony - Harmonie
الانسجام
الانسجام harmony في الموسيقى هو فن وعلم تشكل الأصوات الموسيقية وترابطها بعضها مع بعض في أشكال عمودية تدعى «اتفاقات» chords وهو عنصر أساس في الموسيقى الغربية. والانسجام في معناه العام، المظهر «العمودي» لتركيب الأصوات وهو على النقيض من الطِباق counterpoint الذي ينظم مجموعة من الخطوط اللحنية فيما بينها أفقياً من دون اعتبار الاتفاقات التي تنتج عنها. ومع أن الموسيقى في الواقع ليست عمودية أو أفقية الشكل السمعي، إلا أن ترابط الأصوات فيما بينها يكون أفقياً وعمودياً في آن معاً، ويشكل مظهراً منسجماً سواء أدى إلى توافق النغم أو تنافره وهو ما يؤلف في مجموعه تعدد الأصوات (البوليفونية) polyphony. وأما الاتفاق فهو مجموعة أصوات (ثلاثة أو أكثر) تؤدى معاً ويتوضع بعضها فوق بعض وتفصل بينها أبعاد intervals معينة، (البعد هو المسافة الصوتية بين صوتين أو علامتين أو درجتين موسيقيتين). والبعد المهم الذي يبنى عليه الاتفاق هو البعد الثلاثي، إذ يتركب الاتفاق الأساسي (الائتلاف الثلاثي triad) من بعدين ثلاثيين موضوعين أحدهما فوق الآخر (الشكل 1). ولما كانت الموسيقى تتألف من ثلاثة عناصر رئيسة هي اللحن والإيقاع والانسجام، فإن الانسجام هو أقل العنصرين الآخرين بساطة وعفوية وأكثرهما صنعة.
كان إحساس الإنسان باللحن والإيقاع طبيعياً وعفوياً، أما الانسجام فقد أدركه الإنسان فكرياً وبتسلسل زمني، حتى إنه لم يكن معروفاً في الغرب قبل القرن التاسع الميلادي تقريباً. وكانت الألحان كلها في ذلك الحين مفردة وقد غيّر الموسيقيون الذين بدؤوا ممارسة تجارب الانسجام الأولية وتأثيراتها فعلياً، مصير الموسيقى بأكمله فأصبح الانسجام - نتيجة تطوره - علماً له شأنه ويعد في أهم أحداث التاريخ الموسيقي. وكانت الأشكال الأولى للانسجام الموسيقي بدائية، ويعرف أقدمها باسم «الأورغانوم» organum وهو يتمثل بإضافة بعد ثلاثي أو سداسي أعلى أو أسفل اللحن الأصلي (الميلودية melody) بعد أن كان بعداً رباعياً أو خماسياً أصلاً. وقد حدّد الموسيقي الإيطالي زرلينو G.Zarlino في القرن السادس عشر، تشكيلات الاتفاقات وترابطها وتسلسلها بعضها مع بعض، بوضع أسس لها في بعض كتبه حول هذا الموضوع، وأخذ الانسجام يتطور مع استعمال «الصوت المنخفض المستمر» basso continuo.
أما النظرة الحديثة للانسجام فترجع إلى بدايات القرن الثامن عشر حين أعلنها الفرنسي رامو J.Ph.Rameau في كتابه «دراسة الانسجام المعاد إلى أصوله الطبيعية» traité de l'harmonie à ses principes naturels وفيه أن كتلة الانسجام هي الاتفاق الذي ينظر إليه حسب وضعه في السلم الموسيقي وعلاقته بالدرجة الصوتية الأولى فيه.
والاتفاق التام، في نظر رامو، هو من عطاء الطبيعة لأنه نتيجة طبيعية لتقسيمات الوتر، وإن جميع الاتفاقات التي تدعى بالانسجام التقليدي «الكلاسيكي» الذي سيطر على الموسيقى منذ مطلع القرن السابع عشر حتى بداية القرن العشرين، كانت عملية الانسجام فيها تتركز على الائتلافات الثلاثية في أوضاعها الرئيسة معتمدة العلامة السفلى (الدرجة الأخفض صوتاً) للاتفاق أساساً له، وأما الاتفاقات الأخرى فما هي إلا انقلابات لتلك الائتلافات في أوضاعها الأساسية. ومن أهم مظاهر الانسجام، الانتقال المقامي modulation وهو الانتقال الطبيعي من سُلّم أو مقام إلى آخر في سياق القطعة الموسيقية الواحدة.
وفي نهاية القرن التاسع عشر، تحرّر بعض المؤلفين الموسيقيين من قواعد الانسجام التقليدي فبدؤوا يستخدمون التنافر الصوتي dissonance، وأصبح المفهوم القديم للمقامية tonality مهملاً. ثم جاءت نظريات جديدة باللامقامية atonality، وتعدّد المقامات polytonality، والموسيقى الاثنى عشرية twelve-tone system or technique أو الدوديكافونية dodecaphonic وغيرها، وقلبت مفاهيم الانسجام التقليدي المرتكزة على القواعد المنطقية لمركز السلم أو أساسه. ونتيجة لذلك فإن معظم الأعمال الموسيقية منذ بداية القرن العشرين، لا يخضع تحليلها، أو الحكم عليها، لحدود أو منطلقات نظريات الانسجام التي سيطرت على الموسيقى في عصور الباروك baroque والاتباعية classicism والإبداعية romantism.
حسني الحريري