ابن إسحاق (محمد-)
اسحاق (محمد)
Ibn Ishaq (Mohammad-) - Ibn Ishaq (Mohammad-)
ابن اسحاق (محمد ـ)
(85ـ 151هـ / 704ـ 768م)
رائد التأليف التاريخي وأول من وضع كتاباً في سيرة الرسول r ومغازيه. وهو من أصل فارسي، كان جدّه يسار من سبي عين التمر بالعراق، سباه خالد بن الوليد سنة 12هـ فأرسل إلى المدينة المنوّرة حيث غدا مولى قيس بن مَخْرَمة بن المطّلب بن عبد مناف بن قُصَيّ.
اهتم أبوه إسحاق برواية الحديث، فروى عنه ابنه محمّد منذ حداثة سِنّه، كما سمع وروى عن كبار محدِّثي المدينة وعلمائها الذين عاشوا في نهاية القرن الأول ومطلع القرن الثاني الهجري فأخذ عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصدّيق، وأبان بن عثمان بن عفان، ومحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ونافع مولى عبد الله بن عمر، وسعيد بن المسيِّب، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وسمع الكثير من المقْبُريّ والأعرج.
ثم قصد الاسكندرية سنة 119هـ ليسمع من محدِّثها يزيد بن أبي حبيب، ولما عاد إلى المدينة اختلف مع اثنين من كبار علمائها هشام بن عُروة بن الزُبير، ومالك بن أنس. أما خلافه مع الأول فكان سببه أن ابن إسحاق روى بعض الأحاديث عن زوج هشام، فاطمة بنت المنذر بن الزبير، التي روت عن أسماء بنت أبي بكر فأنكر هشام عليه ذلك. أما خلافه مع مالك بن أنس فكان سببه طعن ابن إسحاق بنسب مالك وعلمه، وقد اصطلحا بعد ذلك.
غادر ابن إسحاق المدينة فأتى الكوفة والجزيرة والريّ والحيرة وبغداد واجتذبه المنصور العباسي، وكلّفه تأليف كتاب لولي عهده، ابنه المهديّ، فلما أنجزه وجده المنصور مطوّلاً، فقال له: اذهب فاختصره، فعاد وقدّم السيرة، وهو أول كتاب من كتب رواة التأليف التاريخي انتهت إلينا قطع منه وهو ثلاثة أقسام:
المبتدأ: وهو تاريخ العصر الجاهلي منذ الخليقة. والمبعث: وهو تاريخ النبيr حتى السنة الأولى للهجرة، والمغازي: حتى وفاة النبيr.
لم تصل النسخة الأصلية من سيرة ابن إسحاق كاملة، وإنما وصل مختصر ابن هشام لها، وكان ابن هشام قد روى السيرة عن أحد تلامذة ابن إسحاق، وهو البكائيّ.
أخذ على الكتاب قسمه الأوّل «المبتدأ»، وطُعن فيه، وهو القسم الذي استمد أكثره من وهب بن منبّه، أورد فيه مقتبسات شعرية لا وزن لها، ولم يذكر من أنشده إياها، ولذلك قال عنه محمد بن سلام الجُمَحيّ [ر] إنه هجّن الشعر وأفسده، مع أن قصائد كثيرة استشهد بها ابن إسحاق لم تكن مزيّفة، وأن قسما ً كبيراً منها لايتطرق الشك إلى صحته. وأخذ على هذا القسم أيضاً اعتماده على التوراة ونقله عن اليهود والنصارى والمجوس نقلاً حرفياً، واصفاً إيّاهم بأنهم أهل العلم من أهل الكتاب الأُوَل. لذلك حذف ابن هشام ما أثبته ابن إسحاق من تاريخ الأنبياء بين آدم وإبراهيم، وأهمل كذلك من فروع إسماعيل الفروع التي لم تكن في أجداد النبي r.
وقد اعتُرف بفضل ابن إسحاق في جمع الأحداث وترتيبها وتبويبها، إلاّ أنه كان قليل الإسناد في القسم الأول من كتابه، كثيره في القسمين الثاني والثالث.
ومع ما أُخِذ على ابن إسحاق من اتصاله بالعباسيين، حتى قيل عنه: حاباهم في العبّاس، ومع إمساك بعض العلماء عن الاحتجاج برواياته، فقد وصفه كثيرون بأنه ثقة، وشهدوا بفضله ورووا عنه، وممن روى عنه سفيان بن سعيد الثوري وشعبة بن الحجاج وسفيان بن عيينة ويزيد بن زريع وإبراهيم بن سعد وإسماعيل بن عُليّة ويزيد بن هارون ويعلى ومحمد ابنا عبيد وعبد الله بن نمير وغيرهم. قال الشافعي: «من أراد أن يتبحّر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق» وقال الزُهري: «من أراد المغازي فعليه بابن إسحاق»، أما أبو زرعة الدمشقي فقال عنه: «ابن إسحاق رجل قد أجمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ عنه وقد اختبره أهل الحديث فرأوا فيه صدقاً وخيراً». وقال سفيان بن عينية: «ما أدركت أحدا يتهم ابن إسحاق في حديثه». أما ابن حيان فوصفه بأنه أحسن الناس سياقاً للأخبار.
ومختصر ابن هشام لسيرة ابن اسحاق مايزال مرجعاً فريداً يعوّل عليه الدارسون، وقد شرحه السهيلي (ت 581هـ) في «الروض الأُنُف». وقد ذكر ابن النديم كتاباً آخر لابن إسحاق عنوانه :«تاريخ الخلفاء».
توفي ابن إسحاق في بغداد ودفن في مقبرة الخيزران أم الرشيد.
شوقي أبو خليل
اسحاق (محمد)
Ibn Ishaq (Mohammad-) - Ibn Ishaq (Mohammad-)
ابن اسحاق (محمد ـ)
(85ـ 151هـ / 704ـ 768م)
رائد التأليف التاريخي وأول من وضع كتاباً في سيرة الرسول r ومغازيه. وهو من أصل فارسي، كان جدّه يسار من سبي عين التمر بالعراق، سباه خالد بن الوليد سنة 12هـ فأرسل إلى المدينة المنوّرة حيث غدا مولى قيس بن مَخْرَمة بن المطّلب بن عبد مناف بن قُصَيّ.
اهتم أبوه إسحاق برواية الحديث، فروى عنه ابنه محمّد منذ حداثة سِنّه، كما سمع وروى عن كبار محدِّثي المدينة وعلمائها الذين عاشوا في نهاية القرن الأول ومطلع القرن الثاني الهجري فأخذ عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصدّيق، وأبان بن عثمان بن عفان، ومحمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ونافع مولى عبد الله بن عمر، وسعيد بن المسيِّب، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وسمع الكثير من المقْبُريّ والأعرج.
ثم قصد الاسكندرية سنة 119هـ ليسمع من محدِّثها يزيد بن أبي حبيب، ولما عاد إلى المدينة اختلف مع اثنين من كبار علمائها هشام بن عُروة بن الزُبير، ومالك بن أنس. أما خلافه مع الأول فكان سببه أن ابن إسحاق روى بعض الأحاديث عن زوج هشام، فاطمة بنت المنذر بن الزبير، التي روت عن أسماء بنت أبي بكر فأنكر هشام عليه ذلك. أما خلافه مع مالك بن أنس فكان سببه طعن ابن إسحاق بنسب مالك وعلمه، وقد اصطلحا بعد ذلك.
غادر ابن إسحاق المدينة فأتى الكوفة والجزيرة والريّ والحيرة وبغداد واجتذبه المنصور العباسي، وكلّفه تأليف كتاب لولي عهده، ابنه المهديّ، فلما أنجزه وجده المنصور مطوّلاً، فقال له: اذهب فاختصره، فعاد وقدّم السيرة، وهو أول كتاب من كتب رواة التأليف التاريخي انتهت إلينا قطع منه وهو ثلاثة أقسام:
المبتدأ: وهو تاريخ العصر الجاهلي منذ الخليقة. والمبعث: وهو تاريخ النبيr حتى السنة الأولى للهجرة، والمغازي: حتى وفاة النبيr.
لم تصل النسخة الأصلية من سيرة ابن إسحاق كاملة، وإنما وصل مختصر ابن هشام لها، وكان ابن هشام قد روى السيرة عن أحد تلامذة ابن إسحاق، وهو البكائيّ.
أخذ على الكتاب قسمه الأوّل «المبتدأ»، وطُعن فيه، وهو القسم الذي استمد أكثره من وهب بن منبّه، أورد فيه مقتبسات شعرية لا وزن لها، ولم يذكر من أنشده إياها، ولذلك قال عنه محمد بن سلام الجُمَحيّ [ر] إنه هجّن الشعر وأفسده، مع أن قصائد كثيرة استشهد بها ابن إسحاق لم تكن مزيّفة، وأن قسما ً كبيراً منها لايتطرق الشك إلى صحته. وأخذ على هذا القسم أيضاً اعتماده على التوراة ونقله عن اليهود والنصارى والمجوس نقلاً حرفياً، واصفاً إيّاهم بأنهم أهل العلم من أهل الكتاب الأُوَل. لذلك حذف ابن هشام ما أثبته ابن إسحاق من تاريخ الأنبياء بين آدم وإبراهيم، وأهمل كذلك من فروع إسماعيل الفروع التي لم تكن في أجداد النبي r.
وقد اعتُرف بفضل ابن إسحاق في جمع الأحداث وترتيبها وتبويبها، إلاّ أنه كان قليل الإسناد في القسم الأول من كتابه، كثيره في القسمين الثاني والثالث.
ومع ما أُخِذ على ابن إسحاق من اتصاله بالعباسيين، حتى قيل عنه: حاباهم في العبّاس، ومع إمساك بعض العلماء عن الاحتجاج برواياته، فقد وصفه كثيرون بأنه ثقة، وشهدوا بفضله ورووا عنه، وممن روى عنه سفيان بن سعيد الثوري وشعبة بن الحجاج وسفيان بن عيينة ويزيد بن زريع وإبراهيم بن سعد وإسماعيل بن عُليّة ويزيد بن هارون ويعلى ومحمد ابنا عبيد وعبد الله بن نمير وغيرهم. قال الشافعي: «من أراد أن يتبحّر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق» وقال الزُهري: «من أراد المغازي فعليه بابن إسحاق»، أما أبو زرعة الدمشقي فقال عنه: «ابن إسحاق رجل قد أجمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ عنه وقد اختبره أهل الحديث فرأوا فيه صدقاً وخيراً». وقال سفيان بن عينية: «ما أدركت أحدا يتهم ابن إسحاق في حديثه». أما ابن حيان فوصفه بأنه أحسن الناس سياقاً للأخبار.
ومختصر ابن هشام لسيرة ابن اسحاق مايزال مرجعاً فريداً يعوّل عليه الدارسون، وقد شرحه السهيلي (ت 581هـ) في «الروض الأُنُف». وقد ذكر ابن النديم كتاباً آخر لابن إسحاق عنوانه :«تاريخ الخلفاء».
توفي ابن إسحاق في بغداد ودفن في مقبرة الخيزران أم الرشيد.
شوقي أبو خليل