الفرقة الأجنبية
الفرقة الأجنبية Foreign Legion تشكيل عالي التجهيز، أنشأه الملك لويس فيليب[ر] Louis Philippe عام 1831 اعتماداً على متطوعين أجانب من الأوربيين خاصة؛ للعمل خارج فرنسا، وتوفير الطاقة البشرية الفرنسية إبان فتح الجزائر لما غزاها الفرنسيون عام 1830. وغدت الفرقة الأجنبية فيما بعد قوة نظامية دائمة في الجيش الفرنسي، وصار في وسع أفرادها الحصول على الجنسية الفرنسية بعد خدمة خمس سنوات؛ إن كانوا من ذوي السلوك الجيد والسمعة الحسنة.
بدايات تشكل الفرقة الأجنبية
الفرقة الأجنبية مصطلح عربي يقابله بالفرنسية «ليجيون إترانجِه» Légion Étrangère. والليجيون كلمة لاتينية، استخدمها الرومان بمعنى التجميع (الفيلق). وقد اعتُمدت ترجمة الليجيون بالفرقة انطلاقاً من مقاربات التشكيل، مع أن معنى الكلمة أقرب إلى الفيلق من حيث الاستقلالية. وقد أُطلق مصطلح الليجيون على كثير من التشكيلات العسكرية ذات الطابع الخاص أو المهمة الخاصة، ومنها الليجيونات البولندية التي شُكلت بدءاً من القرن الثامن عشر حتى القرن العشرين وناضلت من أجل استقلال بولندا. وكذلك الليجيون (الفيلق) العربي الذي أنشأه جون باغوت غلوب J.B.Glubb البريطاني الشهير بأبي حنيك- في شرقي الأردن (1921-1951)، وقد قاتل هذا الفيلق في قوام قوات الحلفاء لاستعادة السيطرة على العراق في الحرب العالمية الثانية، كما شارك في الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948.
أما مصطلح (أجنبي) فقد استخدم ليعبر عن أن الفرقة الأجنبية تضم مرتزقة من بلدان مختلفة غير الوطن الأم (وقد بلغت جنسيات أفراد الفرقة الأجنبية الفرنسية نحو 57 جنسية مختلفة)، وهي لا تقتصر على جنسية واحدة لتوسم بها.
خاضت الفرقة الأجنبية الفرنسية معارك كثيرة من أجل استعمار الجزائر، كما شاركت في حرب الكارلين Carlist War (مطالبة دون كارلوس Don Carlos بالعرش الإسباني 1788-1855م)، وفي حرب القرمCrimean War ما بين (1853-1856)، وإبان التدخل في المكسيك (1861-1867). وكانت الفرقة الأجنبية من أولى التشكيلات الفرنسية التي حاز أفرادها الأوسمة في الحرب العالمية الأولى. كذلك شاركت الفرقة في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية في المعارك التي دارت في أصقاع مختلفة من العالم، ولاسيما في المغرب؛ لإخضاع ثورة الريف بقيادة عبد الكريم الخطابي بالتعاون مع الإسبان، كما شاركت في استعمار إفريقيا. وفي الحرب العالمية الثانية قامت إحدى كتائب الفرقة بغارة سريعة على نارفيك Narvik في شمالي النروج لتدمير بعض المنشآت الحيوية الألمانية، كما حاربت بعض وحداتها في شمالي إفريقيا وفي فرنسا وألمانيا، وفقدت الفرقة نحو 12000 من أفرادها في المعارك المختلفة في أربعينيات وأوائل خمسينيات القرن العشرين. وكانت الفرقة الأجنبية رأس الحربة في محاولة الانقلاب الفاشل على الجنرال ديغول[ر] de Gaulle في عام 1961 للحيلولة دون منح الجزائر استقلالها.
تطور الفرقة الأجنبية
جاءت الفرقة الأجنبية في عام 1831، تحديثاً لأفواج الملك الأجنبية القديمة. ويعد الانضباط والانصياع الكامل للأوامر من أهم مقومات الفرقة الأجنبية، وتُتخذ في سبيل فرضه أساليب صارمة. إلا أن التشدد في الانضباط أصبح مع الزمن أقل تزمتاً.
وحتى تاريخ استقلال الجزائر في عام 1962، لم تخدم الفرقة الأجنبية داخل فرنسا باستثناء الحرب الفرنسية - البروسية 1870، والحربين العالميتين الأولى والثانية.
جاء مفهوم الارتزاق mercenary من الجندي الذي يُستأجر للخدمة في جيش أجنبي من دون أي مراعاة للمبادئ أو المثل أو القضية التي يقاتل من أجلها، فهو عقد مقبول بين الطرفين، في حين أن الجندي الوطني يعمل للدفاع عن قضية بلده ومصالحه، ولو كان يتقاضى راتباً. ومهما يكن من أمر فمفهوم الارتزاق قديم ويختلط مع مفهوم خدمة الوطن، فالغنائم والمكاسب والترقي في سلم الرتب والمجد والشهرة الشخصية ليست إلا إرهاصاً للارتزاق بمفهوم أسمى. والارتزاق قديم جداً، فقد كان لدى المصريين القدماء نوبيون مقاتلون في عهد الدولة المتوسطة يعملون على هذا الأساس.
قوام الفرقة الأجنبية
الفرقة الأجنبية في الوقت الحاضر رأس الحربة في القوات المسلحة الفرنسية العاملة في الخارج، ومقر قيادتها في أوبان Aubagne قرب مرسيليا. وكانت تتألف من ثلاثة أفواج: فوج مشاة، وفوج مدرع، وفوج مظلات استبدل بفوج إنزال بعد تسريح الأول في العام 1961. كما أضيف إليها فوج رابع مشاة، ولواء مدرعات خفيفة، وفوج هندسة ميدان، علماً بأن معظم ضباط الفرقة هم من الفرنسيين حصراً وخاصة من يحتل المناصب الرئيسية فيها.
يبلغ تعداد الفرقة الأجنبية اليوم نحو 8000 مقاتل من المغامرين والمبعدين وعاثري الحظ، ممن يتمتعون بكفاءات عالية ولياقة بدنية ملحوظة، ولو كانوا من أصحاب السوابق، وقد تخفي القيادة الفرنسية حقيقة بعضهم. كما كان من بين أفراد الفرقة بعض الأدباء والشعراء والمهووسين من محبي المغامرة. وتجدر الإشارة إلى أهمية الأساليب النفسية التي تتبع لجعل هؤلاء المقاتلين يُغيّرون من قناعاتهم ويخضعون لأنظمة الفرقة، إضافة إلى إغداق المكاسب عليهم وفتح باب الشهرة أمامهم.
أُعدت الفرقة للمواقف الصعبة، وهي تزج دائماً حيث القتال ضارٍ وفي المناطق المعزولة والمناخ السيئ.
تسليح الفرقة الأجنبية ووضعها الراهن
غدت الفرقة الأجنبية من قوات الانتشار السريع الفرنسية منذ ثمانينيات القرن الماضي. وأعيد النظر بتسليحها على هذا الأساس، فمالت إلى استخدام التقانات الحربية الحديثة - ولاسيما الحوامات وطائرات النقل الثقيلة لنقل عتادها من مدرعات ومدفعية خفيفة - واستخدام البنادق الأُتماتية الصغيرة العيار، الغزيرة النيران، الخارقة للتصفيح. كما زُود جنود المشاة بأجهزة الرؤية الليلية إضافة إلى ما يلزم من الآليات والأسلحة المضادة للدبابات والطائرات، وتوسيع مجال التدريب على أساليب الإنزال والاقتحام بدعم من أسلحة الدقة العالية البحرية والجوية.
الارتزاق ومستقبله في القوات المسلحة
بعد أن ألغت دول كثيرة الخدمة الإلزامية منذ سبعينيات القرن الماضي، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا ونيوزلندا والهند والباكستان وغيرها، وكذلك اليابان إثر هزيمتها في عام 1945، واختصرت دول أخرى مدة الخدمة الإلزامية؛ صار استكمال جيوش مثل هذه البلدان يعتمد على المتطوعين ورجال الحرس الوطني والمرتزقة. ويوجد بين الجنود الأمريكيين العاملين في العراق اليوم كثير من المرتزقة الموعودين بالجنسية الأمريكية، أو من المتطوعين بعقود خدمة محددة الأجل. وبذلك تعود عجلة التاريخ نسبياً إلى الوراء، فتحظى المرتزقة بمكانة أكبر مما كانت لهم منذ بداية العصور الحديثة؛ وقد يؤدي ذلك إلى تراجع فكرة الواجب العسكري المقدس.
هاني صوفي
الفرقة الأجنبية Foreign Legion تشكيل عالي التجهيز، أنشأه الملك لويس فيليب[ر] Louis Philippe عام 1831 اعتماداً على متطوعين أجانب من الأوربيين خاصة؛ للعمل خارج فرنسا، وتوفير الطاقة البشرية الفرنسية إبان فتح الجزائر لما غزاها الفرنسيون عام 1830. وغدت الفرقة الأجنبية فيما بعد قوة نظامية دائمة في الجيش الفرنسي، وصار في وسع أفرادها الحصول على الجنسية الفرنسية بعد خدمة خمس سنوات؛ إن كانوا من ذوي السلوك الجيد والسمعة الحسنة.
بدايات تشكل الفرقة الأجنبية
الفرقة الأجنبية مصطلح عربي يقابله بالفرنسية «ليجيون إترانجِه» Légion Étrangère. والليجيون كلمة لاتينية، استخدمها الرومان بمعنى التجميع (الفيلق). وقد اعتُمدت ترجمة الليجيون بالفرقة انطلاقاً من مقاربات التشكيل، مع أن معنى الكلمة أقرب إلى الفيلق من حيث الاستقلالية. وقد أُطلق مصطلح الليجيون على كثير من التشكيلات العسكرية ذات الطابع الخاص أو المهمة الخاصة، ومنها الليجيونات البولندية التي شُكلت بدءاً من القرن الثامن عشر حتى القرن العشرين وناضلت من أجل استقلال بولندا. وكذلك الليجيون (الفيلق) العربي الذي أنشأه جون باغوت غلوب J.B.Glubb البريطاني الشهير بأبي حنيك- في شرقي الأردن (1921-1951)، وقد قاتل هذا الفيلق في قوام قوات الحلفاء لاستعادة السيطرة على العراق في الحرب العالمية الثانية، كما شارك في الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948.
أما مصطلح (أجنبي) فقد استخدم ليعبر عن أن الفرقة الأجنبية تضم مرتزقة من بلدان مختلفة غير الوطن الأم (وقد بلغت جنسيات أفراد الفرقة الأجنبية الفرنسية نحو 57 جنسية مختلفة)، وهي لا تقتصر على جنسية واحدة لتوسم بها.
خاضت الفرقة الأجنبية الفرنسية معارك كثيرة من أجل استعمار الجزائر، كما شاركت في حرب الكارلين Carlist War (مطالبة دون كارلوس Don Carlos بالعرش الإسباني 1788-1855م)، وفي حرب القرمCrimean War ما بين (1853-1856)، وإبان التدخل في المكسيك (1861-1867). وكانت الفرقة الأجنبية من أولى التشكيلات الفرنسية التي حاز أفرادها الأوسمة في الحرب العالمية الأولى. كذلك شاركت الفرقة في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية في المعارك التي دارت في أصقاع مختلفة من العالم، ولاسيما في المغرب؛ لإخضاع ثورة الريف بقيادة عبد الكريم الخطابي بالتعاون مع الإسبان، كما شاركت في استعمار إفريقيا. وفي الحرب العالمية الثانية قامت إحدى كتائب الفرقة بغارة سريعة على نارفيك Narvik في شمالي النروج لتدمير بعض المنشآت الحيوية الألمانية، كما حاربت بعض وحداتها في شمالي إفريقيا وفي فرنسا وألمانيا، وفقدت الفرقة نحو 12000 من أفرادها في المعارك المختلفة في أربعينيات وأوائل خمسينيات القرن العشرين. وكانت الفرقة الأجنبية رأس الحربة في محاولة الانقلاب الفاشل على الجنرال ديغول[ر] de Gaulle في عام 1961 للحيلولة دون منح الجزائر استقلالها.
تطور الفرقة الأجنبية
جاءت الفرقة الأجنبية في عام 1831، تحديثاً لأفواج الملك الأجنبية القديمة. ويعد الانضباط والانصياع الكامل للأوامر من أهم مقومات الفرقة الأجنبية، وتُتخذ في سبيل فرضه أساليب صارمة. إلا أن التشدد في الانضباط أصبح مع الزمن أقل تزمتاً.
وحتى تاريخ استقلال الجزائر في عام 1962، لم تخدم الفرقة الأجنبية داخل فرنسا باستثناء الحرب الفرنسية - البروسية 1870، والحربين العالميتين الأولى والثانية.
جاء مفهوم الارتزاق mercenary من الجندي الذي يُستأجر للخدمة في جيش أجنبي من دون أي مراعاة للمبادئ أو المثل أو القضية التي يقاتل من أجلها، فهو عقد مقبول بين الطرفين، في حين أن الجندي الوطني يعمل للدفاع عن قضية بلده ومصالحه، ولو كان يتقاضى راتباً. ومهما يكن من أمر فمفهوم الارتزاق قديم ويختلط مع مفهوم خدمة الوطن، فالغنائم والمكاسب والترقي في سلم الرتب والمجد والشهرة الشخصية ليست إلا إرهاصاً للارتزاق بمفهوم أسمى. والارتزاق قديم جداً، فقد كان لدى المصريين القدماء نوبيون مقاتلون في عهد الدولة المتوسطة يعملون على هذا الأساس.
قوام الفرقة الأجنبية
الفرقة الأجنبية في الوقت الحاضر رأس الحربة في القوات المسلحة الفرنسية العاملة في الخارج، ومقر قيادتها في أوبان Aubagne قرب مرسيليا. وكانت تتألف من ثلاثة أفواج: فوج مشاة، وفوج مدرع، وفوج مظلات استبدل بفوج إنزال بعد تسريح الأول في العام 1961. كما أضيف إليها فوج رابع مشاة، ولواء مدرعات خفيفة، وفوج هندسة ميدان، علماً بأن معظم ضباط الفرقة هم من الفرنسيين حصراً وخاصة من يحتل المناصب الرئيسية فيها.
يبلغ تعداد الفرقة الأجنبية اليوم نحو 8000 مقاتل من المغامرين والمبعدين وعاثري الحظ، ممن يتمتعون بكفاءات عالية ولياقة بدنية ملحوظة، ولو كانوا من أصحاب السوابق، وقد تخفي القيادة الفرنسية حقيقة بعضهم. كما كان من بين أفراد الفرقة بعض الأدباء والشعراء والمهووسين من محبي المغامرة. وتجدر الإشارة إلى أهمية الأساليب النفسية التي تتبع لجعل هؤلاء المقاتلين يُغيّرون من قناعاتهم ويخضعون لأنظمة الفرقة، إضافة إلى إغداق المكاسب عليهم وفتح باب الشهرة أمامهم.
أُعدت الفرقة للمواقف الصعبة، وهي تزج دائماً حيث القتال ضارٍ وفي المناطق المعزولة والمناخ السيئ.
تسليح الفرقة الأجنبية ووضعها الراهن
غدت الفرقة الأجنبية من قوات الانتشار السريع الفرنسية منذ ثمانينيات القرن الماضي. وأعيد النظر بتسليحها على هذا الأساس، فمالت إلى استخدام التقانات الحربية الحديثة - ولاسيما الحوامات وطائرات النقل الثقيلة لنقل عتادها من مدرعات ومدفعية خفيفة - واستخدام البنادق الأُتماتية الصغيرة العيار، الغزيرة النيران، الخارقة للتصفيح. كما زُود جنود المشاة بأجهزة الرؤية الليلية إضافة إلى ما يلزم من الآليات والأسلحة المضادة للدبابات والطائرات، وتوسيع مجال التدريب على أساليب الإنزال والاقتحام بدعم من أسلحة الدقة العالية البحرية والجوية.
الارتزاق ومستقبله في القوات المسلحة
بعد أن ألغت دول كثيرة الخدمة الإلزامية منذ سبعينيات القرن الماضي، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا ونيوزلندا والهند والباكستان وغيرها، وكذلك اليابان إثر هزيمتها في عام 1945، واختصرت دول أخرى مدة الخدمة الإلزامية؛ صار استكمال جيوش مثل هذه البلدان يعتمد على المتطوعين ورجال الحرس الوطني والمرتزقة. ويوجد بين الجنود الأمريكيين العاملين في العراق اليوم كثير من المرتزقة الموعودين بالجنسية الأمريكية، أو من المتطوعين بعقود خدمة محددة الأجل. وبذلك تعود عجلة التاريخ نسبياً إلى الوراء، فتحظى المرتزقة بمكانة أكبر مما كانت لهم منذ بداية العصور الحديثة؛ وقد يؤدي ذلك إلى تراجع فكرة الواجب العسكري المقدس.
هاني صوفي