الفِنْد الزِّمّانيّ (شهل بن شيبان -)
(… - نحو 70ق.هـ/… - نحو 555م)
شَهْل بن شيبان بن ربيعة بن زِمّان ابن مالك بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل، ثم من ربيعة بن نزار بن معدّ بن عدنان.
شاعر جاهليّ، وأحد فرسان ربيعة المعدودين، شهدَ حربَ البَسوس بين بكر وتغلب وقد قارب المئة من عمره، فأبلى فيها بلاءً حسناً.
وبنو زِمّان قليلون، كانوا باليمامة مع بني حنيفة البكرييّن، وعِدادهم فيهم، ولذلك نسبه بعض العلماء إلى حنيفة؛ ووقع تحريفٌ وتصحيفٌ في اسمه واسم أبيه في عدد من المصادر، فسُمّي بـ (سهل) وسُمّي أبوه بـ (سيّار). وليس في العرب القدماء من اسمه (شَهْل) إلا هو، وشهل بن أنمار من بجيلة.
وقد ترك ذُرّيّةً من بعده، منهم أبو طالوق الخارجيّ، واسمه مَطَر بن عقبة ابن زيد بن الفند، كان من قادة الخوارج، وله أخبارٌ في أواسط القرن الأول الهجريّ.
وكانت مشاركته في حرب البسوس في (يوم قِضّة)، وهو (يوم تَحْلاق اللِّمَمْ)؛ وذلك أنّ بني بكر بن وائل تخاذلوا في تلك الحرب لأسباب، منها أنّهم استعظموا قتل كُليب التّغلبيّ وكان قائدَ بكر وتغلب معاً، فكان قتلُه سبب تفرّقهما؛ فلمّا قُتِل (همّام بن مرّة) سيّدُ بني شيبان وأخو جسّاس قاتلِ كليب أرسلت بنو شيبان إلى بني حنيفة يستنجدونهم، فوجّهوا إليهم بشَهْل بن شيبان وهو شيخٌ كبير مجرِّبٌ للحروب ومعه سبعون رجلاً، واصطحبَ ابنتينِ لهُ وُصِفَتا بأنّهما «شيطانتان من شياطين الإنس»، وأرسلوا إليهم: «إنّا قد بعثنا إليكم ألفَ رجلٍ»، فلمّا أتى بني شيبان قالوا: وما يُغني عنّا هذا العَشَبة؟!ـ والعشبة: الشيخ الكبير، فقال: أَوَما ترضون أن أكون لكم فِنْداً تأوُون إليه؟!، والفِنْد: القطعة العظيمة من الجبل، فلُقِّب من يومئذٍ بـ (الفِند)، وقيل له: (عَدِيْد الألف).
وكان له ولابنتَيْه عظيمُ الأثر في ذلك اليوم، بالتحريض والمشاركة في القتال حتى ظَفِرت بكر وانهزمت تغلب؛ إذ جعلتْ إحدى ابنتيه تُنشد وتحرّض بني بكر:
وَعَا وعا وعا وعا
حَرَّ الجَرادُ والْتَظَى
ومُلِئتْ منه الرُّبا
يا حَبّذا يا حبّذا
المُلْحِـــفون بالضُّـــحى
وجعلت الأخرى تتمثّل بقول هند بنت بيّاضة الإياديّة في محاربة إيادٍ لجيش الفرس بجزيرة الموصل:
إنْ تُقْبلُوا نُعانقْ
ونفرشُ النَّمارقْ
أو تُدْبروا نُفارقْ
فِراقَ غيرَ وامِقْ
ولَحِق الفِنْد بمالك بن عوف التّغلبيّ ووراءَه رِدْفٌ خَلْفَهُ، وقد طعنَ مالكٌ صبيّاً من صبيان بكر ورفعه على رأس قناة رمحِه مُتفاخراً، فطعنه الفند فأنفذ الرّمحَ منه ومن رِدْفِهِ، وجعلَ يقول، من أبيات:
أَيا طعنةَ ما شيخٍ
كبيرٍ يَفَنٍ بالِ
تَفتَّيْتُ بها إذ كَـ
ـرِهَ الشِّكّةَ أمثالي
يتعجّب من طعنته هذه وهو الشيخ. واليَفَن: الشيخ الكبير. وتفتّى: تكلّف فِعْل الفِتيان. والشّكّة: ما يُلبس مِنَ السّلاح.
وليس فعلُ الفند بمستَنْكرٍ، فقد ذكر أسامة بن منقذ أن بعضَ فرسانه فعلَ مثل ذلك ببعضِ الفرنجة، وأنّه جرى معه مثل ذلك، واستذكر أبيات الفِند الزِّمّانيّ؛ وفَعَلَ مثل ذلك أبو دُلف العِجليّ الحَنَفيّ في بعض حروبه.
وذكَرَ بعضُ رواة أخبار حرب البسوس أنّ الفِند كان رئيس القوم في ذلك اليوم، وقيل: بل كان رئيسهم الحارث بن عُبادٍ اليَشْكُريّ البكريّ.
وذُكِرَت له أشعارٌ وأخبارٌ في كتاب (البسوس)، وهو كثير التحريف والتصحيف، وتحتاج أخباره وأشعاره إلى تحقيق وتوثيق. وله أشعارٌ في المصادر اللّغويّة والأدبيّة بعضُها مختلط النسبة بينه وبين شعراء آخرين، وتغلب عليه الحماسة والفخر، وخفّةُ الوزن؛ ومن ذلك شعره المشهور من قطعةٍ في أوّل حماسةِ أبي تمّام:
صَفَحْنا عَنْ بني ذُهْلٍ
وقُلْنا القومُ إِخْوانُ
ويروى (عن بني هند)، وهي (هند بنت مرّ بن أُدّ) أمّ تغلب بن وائل، ولعلّها الرواية الصحيحة.
عسى الأيّامُ أنْ يَرْجِعْـ
نَ قوماً كالذي كانوا
فلمّا صرّحَ الشَّرُّ
وأمسى وَهْوَ عُريانُ
ولم يبقَ سِوى العُدوا
نِ دِنّاهُمْ كما دانوا
وهو من الشعر الذي كان يُغنّى قديماً.
محمد شفيق البيطار
(… - نحو 70ق.هـ/… - نحو 555م)
شَهْل بن شيبان بن ربيعة بن زِمّان ابن مالك بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل، ثم من ربيعة بن نزار بن معدّ بن عدنان.
شاعر جاهليّ، وأحد فرسان ربيعة المعدودين، شهدَ حربَ البَسوس بين بكر وتغلب وقد قارب المئة من عمره، فأبلى فيها بلاءً حسناً.
وبنو زِمّان قليلون، كانوا باليمامة مع بني حنيفة البكرييّن، وعِدادهم فيهم، ولذلك نسبه بعض العلماء إلى حنيفة؛ ووقع تحريفٌ وتصحيفٌ في اسمه واسم أبيه في عدد من المصادر، فسُمّي بـ (سهل) وسُمّي أبوه بـ (سيّار). وليس في العرب القدماء من اسمه (شَهْل) إلا هو، وشهل بن أنمار من بجيلة.
وقد ترك ذُرّيّةً من بعده، منهم أبو طالوق الخارجيّ، واسمه مَطَر بن عقبة ابن زيد بن الفند، كان من قادة الخوارج، وله أخبارٌ في أواسط القرن الأول الهجريّ.
وكانت مشاركته في حرب البسوس في (يوم قِضّة)، وهو (يوم تَحْلاق اللِّمَمْ)؛ وذلك أنّ بني بكر بن وائل تخاذلوا في تلك الحرب لأسباب، منها أنّهم استعظموا قتل كُليب التّغلبيّ وكان قائدَ بكر وتغلب معاً، فكان قتلُه سبب تفرّقهما؛ فلمّا قُتِل (همّام بن مرّة) سيّدُ بني شيبان وأخو جسّاس قاتلِ كليب أرسلت بنو شيبان إلى بني حنيفة يستنجدونهم، فوجّهوا إليهم بشَهْل بن شيبان وهو شيخٌ كبير مجرِّبٌ للحروب ومعه سبعون رجلاً، واصطحبَ ابنتينِ لهُ وُصِفَتا بأنّهما «شيطانتان من شياطين الإنس»، وأرسلوا إليهم: «إنّا قد بعثنا إليكم ألفَ رجلٍ»، فلمّا أتى بني شيبان قالوا: وما يُغني عنّا هذا العَشَبة؟!ـ والعشبة: الشيخ الكبير، فقال: أَوَما ترضون أن أكون لكم فِنْداً تأوُون إليه؟!، والفِنْد: القطعة العظيمة من الجبل، فلُقِّب من يومئذٍ بـ (الفِند)، وقيل له: (عَدِيْد الألف).
وكان له ولابنتَيْه عظيمُ الأثر في ذلك اليوم، بالتحريض والمشاركة في القتال حتى ظَفِرت بكر وانهزمت تغلب؛ إذ جعلتْ إحدى ابنتيه تُنشد وتحرّض بني بكر:
وَعَا وعا وعا وعا
حَرَّ الجَرادُ والْتَظَى
ومُلِئتْ منه الرُّبا
يا حَبّذا يا حبّذا
المُلْحِـــفون بالضُّـــحى
وجعلت الأخرى تتمثّل بقول هند بنت بيّاضة الإياديّة في محاربة إيادٍ لجيش الفرس بجزيرة الموصل:
إنْ تُقْبلُوا نُعانقْ
ونفرشُ النَّمارقْ
أو تُدْبروا نُفارقْ
فِراقَ غيرَ وامِقْ
ولَحِق الفِنْد بمالك بن عوف التّغلبيّ ووراءَه رِدْفٌ خَلْفَهُ، وقد طعنَ مالكٌ صبيّاً من صبيان بكر ورفعه على رأس قناة رمحِه مُتفاخراً، فطعنه الفند فأنفذ الرّمحَ منه ومن رِدْفِهِ، وجعلَ يقول، من أبيات:
أَيا طعنةَ ما شيخٍ
كبيرٍ يَفَنٍ بالِ
تَفتَّيْتُ بها إذ كَـ
ـرِهَ الشِّكّةَ أمثالي
يتعجّب من طعنته هذه وهو الشيخ. واليَفَن: الشيخ الكبير. وتفتّى: تكلّف فِعْل الفِتيان. والشّكّة: ما يُلبس مِنَ السّلاح.
وليس فعلُ الفند بمستَنْكرٍ، فقد ذكر أسامة بن منقذ أن بعضَ فرسانه فعلَ مثل ذلك ببعضِ الفرنجة، وأنّه جرى معه مثل ذلك، واستذكر أبيات الفِند الزِّمّانيّ؛ وفَعَلَ مثل ذلك أبو دُلف العِجليّ الحَنَفيّ في بعض حروبه.
وذكَرَ بعضُ رواة أخبار حرب البسوس أنّ الفِند كان رئيس القوم في ذلك اليوم، وقيل: بل كان رئيسهم الحارث بن عُبادٍ اليَشْكُريّ البكريّ.
وذُكِرَت له أشعارٌ وأخبارٌ في كتاب (البسوس)، وهو كثير التحريف والتصحيف، وتحتاج أخباره وأشعاره إلى تحقيق وتوثيق. وله أشعارٌ في المصادر اللّغويّة والأدبيّة بعضُها مختلط النسبة بينه وبين شعراء آخرين، وتغلب عليه الحماسة والفخر، وخفّةُ الوزن؛ ومن ذلك شعره المشهور من قطعةٍ في أوّل حماسةِ أبي تمّام:
صَفَحْنا عَنْ بني ذُهْلٍ
وقُلْنا القومُ إِخْوانُ
ويروى (عن بني هند)، وهي (هند بنت مرّ بن أُدّ) أمّ تغلب بن وائل، ولعلّها الرواية الصحيحة.
عسى الأيّامُ أنْ يَرْجِعْـ
نَ قوماً كالذي كانوا
فلمّا صرّحَ الشَّرُّ
وأمسى وَهْوَ عُريانُ
ولم يبقَ سِوى العُدوا
نِ دِنّاهُمْ كما دانوا
وهو من الشعر الذي كان يُغنّى قديماً.
محمد شفيق البيطار