إلهام الشاعر
ماذا يقول الشعراء عن لحظات الإلهام وعن طرائقهم في العمل ؟ كتب ( ستيفن سبندر Stephen Spener عام ١٩٤٦ ) يقول : الإلهام هو بداية القصيدة وهو أيضاً هدفها النهائي انه الفكرة الأولى التي تقع في نفس الشاعر وهو الفكرة الأخيرة التي ينجزها مصبوبة في كلمات وفيما بين هذه البداية وتلك النهاية هناك السباق الشاق وهناك العرق والكدح . وهو يقص علينا قصة جملة لمعت مرة في نفسه ومن الممكن أن تكون في المستقبل نواة قصيدة مقبلة، والجملة هي : : « لغــة اللحم والورود . ويضيف : إن خبرتي الخاصة عن الإلهام هي بالتأكيد خيرة سطر أو جملة أو كلمة ، بل وفي بعض الأحيان شيء ما زال غامضاً ، سحابة غائمة عن فكرة أشعر انه لا بد من تكثيفها وتحويلها الى غيث من الكلمات :
إن أشهر تقرير عن الكتابة يتحدث عن العرق والكدح ، موجود في مقدمة (كوليردج Coleridge ) لكتاب ( قبلا خان Kublai Khan ) يقول :
في صيف عام ۱۷۹۷ انسحب الكاتب الذي كان مريضاً الى بيت ريفي منعزل واقع بين ( بورلوك ) و ( لنتون ) ونتيجة لتوعك بسيط وصف للكاتب مسكن ( يسميه كوليردج في مكان آخر و قمحتان الأفيون ) نام على أثره في كرسيه في الوقت الذي كان يقرأ فيه الجملة التالية ، أو كلمات مكونة من نفس المادة : « وهنا أمر الخان قبلا ببناء قصر من حوله حديقة ملكية . وهكذا فقد أحيطت أرض خصبة مساحتها عشرة أميال بسور » . وقد استغرق الكاتب في نوم عميق دام ثلاث ساعات ، نوم شمل حواسه الخارجية على الأقل ، وكان واثقاً انه في أثناء ذلك نظم ما لا يقل عن مائتين الى ثلاثمائة بيت من الشعر ، وذلك اذا كان من الممكن أن نسمي ما حصل نظماً على اعتبار ان الصور انتصبت أمامه كأشياء مع انتاج التعبيرات المناسبة ، وذلك دون إحساس أو شعور بالجهد . وحين استيقظ بدا له انه يذكر كل شيء بوضوح. وحين أخذ قلمه وورقة كتب بالحال وبحماس السطور التي ما زالت محفوظة ها هنا . وفي هذه الأثناء دعاه ، لسوء الحظ ، شخص لعمل ما وشغله مدة تزيد على الساعة . ولما رجع الى غرفته وجد لدهشته وألمه انه بالرغم من انه ما زال يذكر بغموض مجمل الرؤيا فإنه ، باستثناء ثمانية أو عشرة سطور ، تلاشى كل شيء ( كوليردج ١٩٥٤ ) : ويؤكد ( جان کوکتو J. Cocteau )طبيعة العمل اللاشعوري عند الفنان والقوة المسيطرة الهائلة التي تستعملها في المطالبة بالتعبير عن ذاتها :
إن هذه القوى المجهولة تعمل بعمق في داخلنا ، وذلك بالاستعانة بعناصر الحياة اليومية وحين تثقل علينا وتجبرنا على التغلب على النحاس الذي ننغمس فيه وكأننا مرضى نحاول إطالة الحلم ونخاف معاودة الاتصال بالواقع ، وباختصار حين يطالب العمل الذي يعتمل في ذواتنا وبالرغم عنا بأن يولد ، نستطيع أن نعتقد ان هذا العمل يحضر الينا من بعيد ، من وراء الأفق وانه يقدم الينا من قبل الآلهة . . ( كوكتو عام ١٩٥٢ ) : ولعل أشهر من أحس بالقوة البدائية لإلهامه من الشعراء المحدثين ، تلك القوة التي تهبط متى شاءت والتي لا يمكن التحكم فيها ، هو الشاعر الألماني ( راينر ماريا رايلکه Rainer M. Rilke ) انه بدأ القصائد التي عرفت فيما بعد باسم « مراثي دوينو Dino legies بسطر جاءه على ما منفلتاً من عاصفة ، وذلك في أثناء ذرعه خارج بيته في شتاء عام ۱۹۱۲ . لقد ناضل خلال سنين للتعبير عن هذه المراثي ، كاتباً واحدة مرة وقسماً من أخرى مرة ثانية محاولاً أن يخلق من خلالها رؤيا عن العالم ، لا كما يراه البشر ولكن كما يكون في ذات ملاك . ولكن العمل لم ينته إلا عام ۱۹۲۲ وحينئذ أعلن نهاية عمله وانتصاره في كتاب بعث به إلى الأميرة ( ماري فون ثورن ) مالكة قلعة ( دوينو ) التي تجد المراثي أصلها فيه فقال :
وأخيراً أيتها الأميرة ، أخيراً جاء اليوم المبارك مبارك ، الذي أستطيع فيه أن أعلن لك انتهائي، كما أرى، من المرئيات: ، ويا له من يوم عشرة .
من الأخيرة ، ما زالت يدي مرتجفة الحادي عشر من الشهر وفي تمام الساعة السادسة مساء انتهت المرثاة الأخيرة أما الأولى فقد بدأت منذ زمن طويل في (دوينو) وقد بزغت من رؤيا مرعبة واني لأنفجر شاكراً الملائكة التي وافقت على ذلك .
وخلال بضعة أيام كانت ثمة عاصفة غير ذات اسم، كان هناك إعصار في ذات نفسي ( شبيه بعاصفة دوينو ) . كل شيء كان منقسماً في نفسي، لم أكن أفكر في الأكل ، والله وحده يعلم من الذي أطعمني .
ولكن الآن أستطيع أن أقول ان القصائد موجودة ، موجودة . آمين . وهكذا فقد عشت حتى انهيها ، انهيها جميعها ، وهذا ما كنت أحتاجه . احتاجه وحده » . (رایلكه ۱۹۳۹ ) مقدمة لايشمان .
اننا نرى هنا الشحنة العاطفية ، الهوى والهوس في لحظة الإبداع ولكن ثمة شروطاً ثانوية يمكن أن تكون ضرورية للإبداع . ان الالهام المحض يمكن أن يحضر في أي مكان ، ولكن لا بد من شروط تقــود الى التركيز من أجل توسيع الرؤيا ومن أجل جعلها محسوسة وتحويلها الى عمل في شعري أو نثري. ومثال ذلك ان رايلكه كان بحاجة الى هدوء الريف وعزلته في حين ان غيره احتاجوا الى شروط أخرى كان (شيللر) يحتاج الى مساعدة رائحة التفاح العطن المخبأ في مكتبه والى مقادير كبيرة من القهوة . أما ( بالزاك ) فقد كان يحتاج الى القهوة والى المناشف الرطبة يحيط بها رأسه ليكتب في منتصف الليل وأخرياته . أما الدكتور (جونسون) فقد كان لا يحسن عمله إلا بحضور قطة تخرخر وكمية من قشر البرتقال بقربه ومقدار كبير من الشاي يشربه . وهكذا نرى ان مطاليب الكتاب عديدة وعجيبة غريبة الشام .
ماذا يقول الشعراء عن لحظات الإلهام وعن طرائقهم في العمل ؟ كتب ( ستيفن سبندر Stephen Spener عام ١٩٤٦ ) يقول : الإلهام هو بداية القصيدة وهو أيضاً هدفها النهائي انه الفكرة الأولى التي تقع في نفس الشاعر وهو الفكرة الأخيرة التي ينجزها مصبوبة في كلمات وفيما بين هذه البداية وتلك النهاية هناك السباق الشاق وهناك العرق والكدح . وهو يقص علينا قصة جملة لمعت مرة في نفسه ومن الممكن أن تكون في المستقبل نواة قصيدة مقبلة، والجملة هي : : « لغــة اللحم والورود . ويضيف : إن خبرتي الخاصة عن الإلهام هي بالتأكيد خيرة سطر أو جملة أو كلمة ، بل وفي بعض الأحيان شيء ما زال غامضاً ، سحابة غائمة عن فكرة أشعر انه لا بد من تكثيفها وتحويلها الى غيث من الكلمات :
إن أشهر تقرير عن الكتابة يتحدث عن العرق والكدح ، موجود في مقدمة (كوليردج Coleridge ) لكتاب ( قبلا خان Kublai Khan ) يقول :
في صيف عام ۱۷۹۷ انسحب الكاتب الذي كان مريضاً الى بيت ريفي منعزل واقع بين ( بورلوك ) و ( لنتون ) ونتيجة لتوعك بسيط وصف للكاتب مسكن ( يسميه كوليردج في مكان آخر و قمحتان الأفيون ) نام على أثره في كرسيه في الوقت الذي كان يقرأ فيه الجملة التالية ، أو كلمات مكونة من نفس المادة : « وهنا أمر الخان قبلا ببناء قصر من حوله حديقة ملكية . وهكذا فقد أحيطت أرض خصبة مساحتها عشرة أميال بسور » . وقد استغرق الكاتب في نوم عميق دام ثلاث ساعات ، نوم شمل حواسه الخارجية على الأقل ، وكان واثقاً انه في أثناء ذلك نظم ما لا يقل عن مائتين الى ثلاثمائة بيت من الشعر ، وذلك اذا كان من الممكن أن نسمي ما حصل نظماً على اعتبار ان الصور انتصبت أمامه كأشياء مع انتاج التعبيرات المناسبة ، وذلك دون إحساس أو شعور بالجهد . وحين استيقظ بدا له انه يذكر كل شيء بوضوح. وحين أخذ قلمه وورقة كتب بالحال وبحماس السطور التي ما زالت محفوظة ها هنا . وفي هذه الأثناء دعاه ، لسوء الحظ ، شخص لعمل ما وشغله مدة تزيد على الساعة . ولما رجع الى غرفته وجد لدهشته وألمه انه بالرغم من انه ما زال يذكر بغموض مجمل الرؤيا فإنه ، باستثناء ثمانية أو عشرة سطور ، تلاشى كل شيء ( كوليردج ١٩٥٤ ) : ويؤكد ( جان کوکتو J. Cocteau )طبيعة العمل اللاشعوري عند الفنان والقوة المسيطرة الهائلة التي تستعملها في المطالبة بالتعبير عن ذاتها :
إن هذه القوى المجهولة تعمل بعمق في داخلنا ، وذلك بالاستعانة بعناصر الحياة اليومية وحين تثقل علينا وتجبرنا على التغلب على النحاس الذي ننغمس فيه وكأننا مرضى نحاول إطالة الحلم ونخاف معاودة الاتصال بالواقع ، وباختصار حين يطالب العمل الذي يعتمل في ذواتنا وبالرغم عنا بأن يولد ، نستطيع أن نعتقد ان هذا العمل يحضر الينا من بعيد ، من وراء الأفق وانه يقدم الينا من قبل الآلهة . . ( كوكتو عام ١٩٥٢ ) : ولعل أشهر من أحس بالقوة البدائية لإلهامه من الشعراء المحدثين ، تلك القوة التي تهبط متى شاءت والتي لا يمكن التحكم فيها ، هو الشاعر الألماني ( راينر ماريا رايلکه Rainer M. Rilke ) انه بدأ القصائد التي عرفت فيما بعد باسم « مراثي دوينو Dino legies بسطر جاءه على ما منفلتاً من عاصفة ، وذلك في أثناء ذرعه خارج بيته في شتاء عام ۱۹۱۲ . لقد ناضل خلال سنين للتعبير عن هذه المراثي ، كاتباً واحدة مرة وقسماً من أخرى مرة ثانية محاولاً أن يخلق من خلالها رؤيا عن العالم ، لا كما يراه البشر ولكن كما يكون في ذات ملاك . ولكن العمل لم ينته إلا عام ۱۹۲۲ وحينئذ أعلن نهاية عمله وانتصاره في كتاب بعث به إلى الأميرة ( ماري فون ثورن ) مالكة قلعة ( دوينو ) التي تجد المراثي أصلها فيه فقال :
وأخيراً أيتها الأميرة ، أخيراً جاء اليوم المبارك مبارك ، الذي أستطيع فيه أن أعلن لك انتهائي، كما أرى، من المرئيات: ، ويا له من يوم عشرة .
من الأخيرة ، ما زالت يدي مرتجفة الحادي عشر من الشهر وفي تمام الساعة السادسة مساء انتهت المرثاة الأخيرة أما الأولى فقد بدأت منذ زمن طويل في (دوينو) وقد بزغت من رؤيا مرعبة واني لأنفجر شاكراً الملائكة التي وافقت على ذلك .
وخلال بضعة أيام كانت ثمة عاصفة غير ذات اسم، كان هناك إعصار في ذات نفسي ( شبيه بعاصفة دوينو ) . كل شيء كان منقسماً في نفسي، لم أكن أفكر في الأكل ، والله وحده يعلم من الذي أطعمني .
ولكن الآن أستطيع أن أقول ان القصائد موجودة ، موجودة . آمين . وهكذا فقد عشت حتى انهيها ، انهيها جميعها ، وهذا ما كنت أحتاجه . احتاجه وحده » . (رایلكه ۱۹۳۹ ) مقدمة لايشمان .
اننا نرى هنا الشحنة العاطفية ، الهوى والهوس في لحظة الإبداع ولكن ثمة شروطاً ثانوية يمكن أن تكون ضرورية للإبداع . ان الالهام المحض يمكن أن يحضر في أي مكان ، ولكن لا بد من شروط تقــود الى التركيز من أجل توسيع الرؤيا ومن أجل جعلها محسوسة وتحويلها الى عمل في شعري أو نثري. ومثال ذلك ان رايلكه كان بحاجة الى هدوء الريف وعزلته في حين ان غيره احتاجوا الى شروط أخرى كان (شيللر) يحتاج الى مساعدة رائحة التفاح العطن المخبأ في مكتبه والى مقادير كبيرة من القهوة . أما ( بالزاك ) فقد كان يحتاج الى القهوة والى المناشف الرطبة يحيط بها رأسه ليكتب في منتصف الليل وأخرياته . أما الدكتور (جونسون) فقد كان لا يحسن عمله إلا بحضور قطة تخرخر وكمية من قشر البرتقال بقربه ومقدار كبير من الشاي يشربه . وهكذا نرى ان مطاليب الكتاب عديدة وعجيبة غريبة الشام .
تعليق