الفصل الثاني
ماهية الإبداع
في بحوثه الباكرة عن الإبداع التي بدأها منذ منتصف هذا القرن حاول غيلفورد أن يعرف الإبداع تعريفاً بسيطاً فقال :
إن الإبداع ، بمعناه الضيق ، يشير الى القدرات التي تكون مميزة للأشخاص المبدعين . إن القدرات الإبداعية تحدد ما اذا كان الفرد يملك القدرة على إظهار السلوك الإبداعي الى درجة ملحوظة . ويتوقف إظهار الفرد المالك للقدرات الإبداعية نتائج إبداعية أو عدم إظهاره مثل هذه النتائج بالفعل ، يتوقف على صفاته الاثارية والطبعية ... إن مشكلة عالم الشخصية الإبداعية .
إن شخصية الفرد النمط الفرد لملامحه . ويتجلى الإبداع من خلال السلوك . ويشمل السلوك الإبداعي - فيما يشمل - الاختراع والتصميم والاستنباط والتأليف والتخطيط . والأشخاص الذين يظهرون مثل هذه الأنواع من السلوك والى درجة واضحة هم الذين يوصفون بالمبدعين .
ولقد تساءل الناس : لماذا كان الإبداع دوماً أمراً نادراً ؟ ولقد قدر العلماء ان نسبة المبدعين في الناس ومنذ فجر التاريخ لا تتجاوز اثنين في المليون، كما تساءل الناس : لماذا ينشأ الكثيرون من العباقرة من بيوت متواضعة ؟ ولماذا كان الترابط بين العبقرية والتربية منحطاً في كثير من الأحيان ؟ ولماذا لم يزد عدد العباقرة في عصرنا الحاضر زيادة تتناسب مع زيادة التربية كماً وكيفاً ؟ إن هذه الأسئلة وسواها أسئلة جادة تستحق التفكير والبحث . ويبدو لنا ان مشكلتنا الحاضرة مع الإبداع مشكلة ذات وجهين :
(١) أولهما عن كيفية اكتشاف القدرات الإبداعية الواحدة عند أطفالنا وشبابنا .
(۲) ثانيها عن كيفية تنمية شخصياتهم المبدعة .
على انه لا فائدة من محاولة الاجابة عن هذين السؤالين اذا لم نعرف ماهية الإبداع لننتقل بعد ذلك الى البحث عنه عند أولادنا وشبابنا ولنعمل على تنمية شخصياتهم المبدعة .
ويهمنا في مقامنا هذا أن نشير الى أن ثمة قناعة عامة عند علماء النفس المعاصرين بأن الأفراد ملكون الى درجة ما كل القدرات ولا يستثنى من ذلك إلا الحالات المرضية، ولذلك فإننا نستطيع أن نتوقع الأعمال الإبداعية عند جميع الأفراد بقطع النظر عن مقدارها ومقدار قونها ومقدار تكررها . وقد سبق ان أشرنا إلى نوع العلاقة القائمة بين حاصل الذكاء ( نسبة الذكاء ) وبين الإبداع مما يعفينا من تكرار القول فيه ، ولكننا لا نرى غنى عن الإشارة ها هنا الى أن علماء النفس مجمعون على توقع الأعمال المبدعة من الأذكياء أكثر من توقعهم إياها ممن لم يرزقوا هذه النعمة ، على ان علماء النفس يستدركون القول فيشيرون الى أنه ما كل حاد ذكاء عبقرياً وان كان العكس صحيحاً ، والحق ان روائز الذكاء العادية لا تروز الإبداع بقدر ما تروز المعلومات والانجاز المدرسي . ان تفحص فحوى روائز الذكاء لا يدل إلا على قليل من الأمور ذات الطبيعة الإبداعية .
وقبل أن نبحث في طبيعة الإبداع يهمنا أن نقرر ان في الإمكان عمل الكثير الذي يشجع نمو الإبداع. اننا نسمع كثيراً من الناس يقولون انه في ظروف التربية الجماعية الجارية اليوم لا يستطيع المربي أن يفعل الكثير من أجل كشف المبدعين وتربيتهم ، ذلك بأن الطفل اليوم يدفع الى الانسجام مع رفاقه والسير في ركابهم والتمشي مع مقاييس ومعايير وضعت للتلميذ المتوسط وفي هذا ما فيه من قتل للمواهب والقدرات الإبداعية وتثبيط مهمة المبدع الذي يتصف بالفردية والتميز . أضف الى ذلك إن الحاح المعلمين على الحفظ والاعادة والتكرار يقتل المواهب ويحمد الإبداع . والحق اننا لا نعرف - ولا يعرف سوانا - مدى خطورة هذه الاتهامات وذلك لأنه لم يتصد عالم بعد لدراسة هذه الأمور دراسة تجريبية مقارنة .
ان العديدين من علماء التربية والمعلمين الواعين يؤكدون ان الهدف الرئيسي في التربية والتعليم يجب الأطفال كيف يفكرون وكيف يتعلمون بأنفسهم . وحين يقولون ( كيف يفكرون ) فإنهم يقصدون ( كيف يفكرون بصورة بناءة ) ، ولا شك في ان هذا هدف عظيم يساعد على الإبداع وتنمية المواهب، ولكن دعونا نتساءل مخلصين : هل نعرف - نحن علماء النفس - طبيعة التفكير بالضبط ؟ وهل نعرف نحن وعلماء الخطوات الدقيقة الواجب اتباعها في تعليم الطلاب كيف يفكرون ؟ اننا نحن وهم - بحاجة الى مزيد من المعرفة بطبيعة التفكير وطرائق تعليم القيام بعملية التفكير .
انني من المعلمين الذين يحرصون على تعليم طلابهم كيف يفكرون ، ولكني كثيراً ما أفاجىء نفسي وقد أعطيت طلابي امتحانات تعتمد على حفظ المعلومات وسردها. وبهذه المناسبة أرجو أن لا تحسبوا اني ضد حفظ المعلومات أو اني أجهل قيمة المعلومات في التفكير ، ولكن تبقى المعلومات شيئاً والتفكير فيها ، والتفكير بالاستناد اليها ، وحل المشكلات على أساس منها - شيئاً آخر . ثم أرجو أن لا تنسوا ان الامتحانات قائد يقود الطلاب في طريق التعلم المطلوب .
ومن هنا كانت دعوتي ودعوة الكثيرين من المشتغلين بعلم النفس الى أنه قبل أن نحسن طريقنا في تعليم طلابنا كيف يتعلمون يجب نظريتنا في التعليم تغييراً جذرياً .
ماهية الإبداع
في بحوثه الباكرة عن الإبداع التي بدأها منذ منتصف هذا القرن حاول غيلفورد أن يعرف الإبداع تعريفاً بسيطاً فقال :
إن الإبداع ، بمعناه الضيق ، يشير الى القدرات التي تكون مميزة للأشخاص المبدعين . إن القدرات الإبداعية تحدد ما اذا كان الفرد يملك القدرة على إظهار السلوك الإبداعي الى درجة ملحوظة . ويتوقف إظهار الفرد المالك للقدرات الإبداعية نتائج إبداعية أو عدم إظهاره مثل هذه النتائج بالفعل ، يتوقف على صفاته الاثارية والطبعية ... إن مشكلة عالم الشخصية الإبداعية .
إن شخصية الفرد النمط الفرد لملامحه . ويتجلى الإبداع من خلال السلوك . ويشمل السلوك الإبداعي - فيما يشمل - الاختراع والتصميم والاستنباط والتأليف والتخطيط . والأشخاص الذين يظهرون مثل هذه الأنواع من السلوك والى درجة واضحة هم الذين يوصفون بالمبدعين .
ولقد تساءل الناس : لماذا كان الإبداع دوماً أمراً نادراً ؟ ولقد قدر العلماء ان نسبة المبدعين في الناس ومنذ فجر التاريخ لا تتجاوز اثنين في المليون، كما تساءل الناس : لماذا ينشأ الكثيرون من العباقرة من بيوت متواضعة ؟ ولماذا كان الترابط بين العبقرية والتربية منحطاً في كثير من الأحيان ؟ ولماذا لم يزد عدد العباقرة في عصرنا الحاضر زيادة تتناسب مع زيادة التربية كماً وكيفاً ؟ إن هذه الأسئلة وسواها أسئلة جادة تستحق التفكير والبحث . ويبدو لنا ان مشكلتنا الحاضرة مع الإبداع مشكلة ذات وجهين :
(١) أولهما عن كيفية اكتشاف القدرات الإبداعية الواحدة عند أطفالنا وشبابنا .
(۲) ثانيها عن كيفية تنمية شخصياتهم المبدعة .
على انه لا فائدة من محاولة الاجابة عن هذين السؤالين اذا لم نعرف ماهية الإبداع لننتقل بعد ذلك الى البحث عنه عند أولادنا وشبابنا ولنعمل على تنمية شخصياتهم المبدعة .
ويهمنا في مقامنا هذا أن نشير الى أن ثمة قناعة عامة عند علماء النفس المعاصرين بأن الأفراد ملكون الى درجة ما كل القدرات ولا يستثنى من ذلك إلا الحالات المرضية، ولذلك فإننا نستطيع أن نتوقع الأعمال الإبداعية عند جميع الأفراد بقطع النظر عن مقدارها ومقدار قونها ومقدار تكررها . وقد سبق ان أشرنا إلى نوع العلاقة القائمة بين حاصل الذكاء ( نسبة الذكاء ) وبين الإبداع مما يعفينا من تكرار القول فيه ، ولكننا لا نرى غنى عن الإشارة ها هنا الى أن علماء النفس مجمعون على توقع الأعمال المبدعة من الأذكياء أكثر من توقعهم إياها ممن لم يرزقوا هذه النعمة ، على ان علماء النفس يستدركون القول فيشيرون الى أنه ما كل حاد ذكاء عبقرياً وان كان العكس صحيحاً ، والحق ان روائز الذكاء العادية لا تروز الإبداع بقدر ما تروز المعلومات والانجاز المدرسي . ان تفحص فحوى روائز الذكاء لا يدل إلا على قليل من الأمور ذات الطبيعة الإبداعية .
وقبل أن نبحث في طبيعة الإبداع يهمنا أن نقرر ان في الإمكان عمل الكثير الذي يشجع نمو الإبداع. اننا نسمع كثيراً من الناس يقولون انه في ظروف التربية الجماعية الجارية اليوم لا يستطيع المربي أن يفعل الكثير من أجل كشف المبدعين وتربيتهم ، ذلك بأن الطفل اليوم يدفع الى الانسجام مع رفاقه والسير في ركابهم والتمشي مع مقاييس ومعايير وضعت للتلميذ المتوسط وفي هذا ما فيه من قتل للمواهب والقدرات الإبداعية وتثبيط مهمة المبدع الذي يتصف بالفردية والتميز . أضف الى ذلك إن الحاح المعلمين على الحفظ والاعادة والتكرار يقتل المواهب ويحمد الإبداع . والحق اننا لا نعرف - ولا يعرف سوانا - مدى خطورة هذه الاتهامات وذلك لأنه لم يتصد عالم بعد لدراسة هذه الأمور دراسة تجريبية مقارنة .
ان العديدين من علماء التربية والمعلمين الواعين يؤكدون ان الهدف الرئيسي في التربية والتعليم يجب الأطفال كيف يفكرون وكيف يتعلمون بأنفسهم . وحين يقولون ( كيف يفكرون ) فإنهم يقصدون ( كيف يفكرون بصورة بناءة ) ، ولا شك في ان هذا هدف عظيم يساعد على الإبداع وتنمية المواهب، ولكن دعونا نتساءل مخلصين : هل نعرف - نحن علماء النفس - طبيعة التفكير بالضبط ؟ وهل نعرف نحن وعلماء الخطوات الدقيقة الواجب اتباعها في تعليم الطلاب كيف يفكرون ؟ اننا نحن وهم - بحاجة الى مزيد من المعرفة بطبيعة التفكير وطرائق تعليم القيام بعملية التفكير .
انني من المعلمين الذين يحرصون على تعليم طلابهم كيف يفكرون ، ولكني كثيراً ما أفاجىء نفسي وقد أعطيت طلابي امتحانات تعتمد على حفظ المعلومات وسردها. وبهذه المناسبة أرجو أن لا تحسبوا اني ضد حفظ المعلومات أو اني أجهل قيمة المعلومات في التفكير ، ولكن تبقى المعلومات شيئاً والتفكير فيها ، والتفكير بالاستناد اليها ، وحل المشكلات على أساس منها - شيئاً آخر . ثم أرجو أن لا تنسوا ان الامتحانات قائد يقود الطلاب في طريق التعلم المطلوب .
ومن هنا كانت دعوتي ودعوة الكثيرين من المشتغلين بعلم النفس الى أنه قبل أن نحسن طريقنا في تعليم طلابنا كيف يتعلمون يجب نظريتنا في التعليم تغييراً جذرياً .
تعليق