اكديون (شعب)
Akkadians / Accadians - Akkadiens
الأَكَّديون
الأَكَّديون أو الأكاديون Akkadians هم أوّل شعبة ظهرت على مسرح التاريخ ممن أطلق عليهم بعض الباحثين اسم «الساميين» الأُوَل الذين استوطنوا المناطقَ الجنوبية من بلاد الرافدين والذين استمر وجودهم اللغوي والحضاري والسياسي بعد ذلك في الامبراطوريتين البابلية والآشورية، ثم في دولة الكلدانيين أخيراً. وقد انحصرت مناطقهم في الجزيرة الجنوبية بين نهري دجلة والفرات؛ من جنوبي بغداد حتى ساحل الخليج العربي، التي كانت مأهولة بالسكان منذ حقبة «فجر التاريخ» أي أواخر الألف الرابع ق.م. وكان سكانها ينتمون إلى سلالتين بشريتين مختلفتين، هما:
ـ السومريون [ر] الذين توزعوا أساساً في مدن المناطق الجنوبية (السواد)؛ ولاسيما الممتدة بين الفرات وشط الغَرّاف، التي عُرفت في المصادر القديمة باسم «بلاد سومر»، وأبرزها: إريدو (أبو شهرين) وأور (تل المقيّر) وأوروك (الوركاء) ولغش (تلول الهبة) ونيبور (نُفّر) وغيرها.
تشير المدونات السومرية إلى أن لوغال ـ زاغيزي [ر] (الملك العظيم) ملك أومّا (تل جوخة) في نحو 2350 ق.م (التواريخ في البحث بحسب التأريخ المتوسط) أخضع لسيطرته معظم مدن الإمارات السومرية وكيش، وسعى إلى إنشاء نظام سياسي جديد يوحد بلاد سومر وأكّد في دولة مركزية. ولكن مشروعه الوحدوي لم يتحقق تماماً، إذ ظهر فجأة منافس قوي له في مدينة كيش هو شَرُّوكين (صرغون الأول [ر]) الذي اغتصب عرشها من ملكها أور زبابا، ثم سيطر على المناطق المحيطة بها، وبنى ـ أو أعاد بناء ـ مدينة أكّد Akkad (في النقوش السومرية: أَغد Agade في جنوبي العراق) وجعلها مركزاً لحكمه. وقد نسبت إليها البلاد والمملكة وجموع السكان ولغتهم، وهي لم تكتشف بعد، وربما تكون مياه الفرات وطميها قد غمرتها، ويرجح وقوعها ـ بحسب المصادر الكتابية ـ غير بعيدة عن كيش وبابل.
قضى شروكين على الملك السومري لوغال زاغيزي، وتولى طوال مدة حكمه الذي دام نحو 65سنة (2340- 2284ق.م) تنفيذ مشروعه الوحدوي، بل تجاوزه وأقام مملكة أكّد العظمى التي شملت معظم مناطق الشرق القديم؛ إذ بلغت سفوح جبال زغروس وأعالي الفرات والبحر المتوسط والأطراف الشمالية للجزيرة العربية. وقد خلف شروكين على عرش أكد ابنه الأصغر ريموش (أي: هديته، إشارة إلى الإله) الذي حكم نحو تسع سنوات (2283ـ2275ق.م)، وواجه في مطلع عهده تمردات في عدد من مدن بلاد سومر، قمعها بعنف، وألحق الخراب بها، وهدم أسوارها. وتتحدث نقوشه عن آلاف الضحايا من سكانها، وتذكر أنه جمع الناجين منهم في معسكرات اعتقال خاصة؛ أبرزها معسكر في موقع سابُم Sabum على الطريق بين أوما والعاصمة العيلامية سوسة.
ثم انصرف إلى محاربة ملكي عيلام وَرَخْشي (أو: بَرَخْشُم) اللذين تحالفا عليه في الجهات القديمة للتحرر من تبعيتهما لمملكته، فنكل بجيوشهما وأعاد إخضاع مناطقهما واحتل سوسة ونقل منها أسلاباً نفيسة كثيرة. وتعبيراً عن تبجيله للآلهة السومرية أهدى معبد الإله إنليل في نيبور عدداً من تماثيله وكمياتٍ ضخمةً من الذهب والنحاس غنمها من الحرب بين أكد وعيلام.
استمرت سيادة ريموش على شمالي بلاد الرافدين، وقد عثر في تل براك [ر] (نَجار القديمة) على إناء نذري دوّنت عليه كتابة تصف ريموش بأنه «ملك الجميع، الذي ذبح (سكان) عيلام وبَرَخْشُم»، كما ينسب إليه بناء مدينة «دور ريموش» شمال الموصل.
وأدى اتساع نطاق المملكة الأكدية إلى ظهور صراعات بين أفراد الطبقة الحاكمة، انتهت على ما يبدو إلى اغتيال ريموش نتيجة تمرد في القصر الملكي كما ورد في نص فأل من العصور اللاحقة.
وحكم بعد ريموش أخوه الأكبر منيشتوشو (أي: مَنْ معه) نحو خمس عشرة سنة (2274-2260ق.م)، ونعمت المملكة بالاستقرار والازدهار، واستطاع أن يحافظ على حدودها السابقة، واستمر يحمل لقب «ملك جهات الكون الأربع". ولم يواجه تمردات إلا في مناطق عيلام وأنشان، وقد قام بحملات ضخمة إلى تلك المناطق وتوغل في أعماق جبال زغروس، وأخضعها ثانية وجلب منها أسلاباً كثيرة، وتروي نقوشه أنه ذبح كثيراً من قواد جيش أنشان، واقتاد ملكها مقيداً إلى معبد إله الشمس في سيبار. كما التفت إلى مناطق شرقي الخليج العربي، وخاض حروباً مع اثنتين وثلاثين مدينة فيها، وأحضر منها حجارة سوداء لإقامة تماثيل له.
تعرض منيشتوشو كأخيه لمؤامرة في القصر الملكي أودت بحياته. وثمة نص فأل يذكر أنه مات أو قتله خادمه الشخصي.
آل الحكم إلى ابنه نارام سين [ر] (2259- 2223ق.م) الذي يعدّ ثاني أعظم الملوك الأكديين بعد جَدّه شروكين. وقد اقتدى بسيرته وأعاد للمملكة هيبتها وأوصلها إلى أوج قوتها واتساعها، ولكن إمعانه في العنف والتوسع في الجهات المختلفة كان مقدمة لصفحة جديدة مختلفة من تاريخ الأكّديين.
وخلف نارام سين ابنه شَرْكَلي شَرّي (أي ملك كل الملوك) (2222- 2198ق.م)، وفي عهده بدأت قوة المملكة بالتراجع لأنه لم يكن حازماً كأبيه، ولم يستطع مواجهة التمردات المتتالية التي ظهرت في معظم المناطق المتطرفة من المملكة. وقد تمكّن في مطلع عهده من مواجهة تغلغل قبائل الأموريين[ر] من الغرب، وخاض معارك عدة مع الكوتيين الذين تنامت قوتهم في مناطق زغروس العليا، ولكن ذلك لم يكن كافياً للحدّ من تفكك المملكة التي اهتزت سلطتها؛ إذ نجحت مدينة أوروك في تحقيق استقلالها جزئياً، وتبعتها عيلام التي تجرأ ملكها على مهاجمة مناطق المملكة المركزية، ووصلت قواته حتى مدينة أكشاك شمال العاصمة أكّد، ثم عادت. كما أن التغلغل الأموري والغارات الكوتية لم تتوقف وباتت المملكة محاطة بالأخطار، وساد فيها الاضطراب والفوضى. وقد أدرك شركلي شري خطورة الموقف، وأقرَّ به؛ إذ استبدل بلقبه «ملك الجهات الأربع» لقب «ملك أكد». وفي غمرة هذه الأوضاع اغتيل في قصره.
استمر الاضطراب ثلاث سنوات تلت اغتياله، «ولم يعد معروفاً من هو الملك، ومن هو ليس ملكاً»، كما ورد في قائمة الملوك السومرية، وتنازعت على الحكم أربع شخصيات هم: إرجيجي ونانوم وإمي وإلولو.
استولى على العرش بعد ذلك دودو، وحكم نحو إحدى وعشرين سنة (2195- 2174ق.م)، وتمكن نسبياً من تهدئة الأوضاع الداخلية، ولكنه لم يستطع إيقاف الأطماع الخارجية، وتقلصت حدود المملكة. ثم خلفه ابنه شودورول (أي: الدورولي؛ وهو الاسم القديم لنهر ديالى) الذي تراجعت سلطته رويداً رويداً، حتى انتهى عهده بغزو القبائل الكوتية للبلاد وانهيار مملكة أكد تماماً في 2159ق.م، بعد أن دامت 181سنة، حكم في أثنائها أحد عشر ملكاً.
كان الغزو الكوتي هو العامل المباشر لانهيار المملكة، ولكن ثمة عوامل أخرى داخلية وخارجية تضافرت وأدت إلى تلك النتيجة، ولعلها كانت ذات تأثير أقوى، وأهمها:
ـ بالغ الملوك الأكديون في الحروب والعنف وإخضاع الشعوب المجاورة وتوسيع نطاق المملكة، فلم يعد ممكناً مواجهة التمردات الاستقلالية لتلك الشعوب كلها؛ ولاسيما عندما كان يتولى العرش ملك ضعيف كما حصل في المرحلة الأخيرة من تاريخهم.
ـ أدى الرخاء الذي تحقق في المناطق المركزية من المملكة، بفضل أسلاب الحروب ونهب ثروات المناطق المحتلة وفرض الجزية عليها، إلى ظهور صراعات ضمن الطبقة الحاكمة، وقد لقي ثلاثة من الملوك حتفهم نتيجة مؤمرات داخلية. كما نشأ توتر في العلاقات بين الطبقة الحاكمة والشعب بسبب الأعباء المرهقة التي كانت تتطلبها الحملات المتكررة، واستئثار المقربين منهم بالوظائف الإدارية والأراضي الزراعية وغيرها من المنافع لأنفسهم.
ـ تحول مركز السلطة إلى القصر الملكي، وأُهمل أي دور متميز للمعابد ورجال الدين، مما أثر في فاعلية الحياة الدينية وفي صلة الشعب الروحية بالطبقة الحاكمة المتسلطة.
ـ استمر ضغط القبائل الأمورية القادمة من الغرب والشمال الغربي إلى مناطق المملكة باحثة عن موطن للاستقرار.
تعليق