اكديون شعبAkkadiens الساميين الذين استوطنوا مناطق جنوبية من بلاد الرافدين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • اكديون شعبAkkadiens الساميين الذين استوطنوا مناطق جنوبية من بلاد الرافدين



    اكديون (شعب)

    Akkadians / Accadians - Akkadiens

    الأَكَّديون

    الأَكَّديون أو الأكاديون Akkadians هم أوّل شعبة ظهرت على مسرح التاريخ ممن أطلق عليهم بعض الباحثين اسم «الساميين» الأُوَل الذين استوطنوا المناطقَ الجنوبية من بلاد الرافدين والذين استمر وجودهم اللغوي والحضاري والسياسي بعد ذلك في الامبراطوريتين البابلية والآشورية، ثم في دولة الكلدانيين أخيراً. وقد انحصرت مناطقهم في الجزيرة الجنوبية بين نهري دجلة والفرات؛ من جنوبي بغداد حتى ساحل الخليج العربي، التي كانت مأهولة بالسكان منذ حقبة «فجر التاريخ» أي أواخر الألف الرابع ق.م. وكان سكانها ينتمون إلى سلالتين بشريتين مختلفتين، هما:
    ـ السومريون [ر] الذين توزعوا أساساً في مدن المناطق الجنوبية (السواد)؛ ولاسيما الممتدة بين الفرات وشط الغَرّاف، التي عُرفت في المصادر القديمة باسم «بلاد سومر»، وأبرزها: إريدو (أبو شهرين) وأور (تل المقيّر) وأوروك (الوركاء) ولغش (تلول الهبة) ونيبور (نُفّر) وغيرها.
    ـ من أطلق عليهم اسم الساميين الذين انتشروا غالباً في الزاوية الشمالية من المنطقة نفسها؛ حيث تقع مدن كيش (تل الأُحيمر) وبابل وسيبّار (أبو حبّة) وفي مدن قرب الجزء السفلي من نهر ديالي شمال شرق بغداد؛ مثل إشنونّة (تل أسمر) وتوتوب (خفاجى)، وعرفت مناطقهم باسم «بلاد أكّد». وامتزجت عناصر ممن أطلق عليهم ساميّون مع السومريين في إماراتهم (الممالك ـ المدن) التي قامت في عصر السلالات الباكرة (2900- 2340ق.م)، وشاركتهم في إنجازاتهم الحضارية التي تعّد ـ من حيث قدمها وتنوعها ووفرتها ـ أقدم إبداعات الشرق القديم. ولكن الساميين لم يكتسبوا شأناً ومكانة مستقلة إلا عند قيام مملكة أكّد؛ أقدم مملكة سامية في المنطقة.
    تشير المدونات السومرية إلى أن لوغال ـ زاغيزي [ر] (الملك العظيم) ملك أومّا (تل جوخة) في نحو 2350 ق.م (التواريخ في البحث بحسب التأريخ المتوسط) أخضع لسيطرته معظم مدن الإمارات السومرية وكيش، وسعى إلى إنشاء نظام سياسي جديد يوحد بلاد سومر وأكّد في دولة مركزية. ولكن مشروعه الوحدوي لم يتحقق تماماً، إذ ظهر فجأة منافس قوي له في مدينة كيش هو شَرُّوكين (صرغون الأول [ر]) الذي اغتصب عرشها من ملكها أور زبابا، ثم سيطر على المناطق المحيطة بها، وبنى ـ أو أعاد بناء ـ مدينة أكّد Akkad (في النقوش السومرية: أَغد Agade في جنوبي العراق) وجعلها مركزاً لحكمه. وقد نسبت إليها البلاد والمملكة وجموع السكان ولغتهم، وهي لم تكتشف بعد، وربما تكون مياه الفرات وطميها قد غمرتها، ويرجح وقوعها ـ بحسب المصادر الكتابية ـ غير بعيدة عن كيش وبابل.
    قضى شروكين على الملك السومري لوغال زاغيزي، وتولى طوال مدة حكمه الذي دام نحو 65سنة (2340- 2284ق.م) تنفيذ مشروعه الوحدوي، بل تجاوزه وأقام مملكة أكّد العظمى التي شملت معظم مناطق الشرق القديم؛ إذ بلغت سفوح جبال زغروس وأعالي الفرات والبحر المتوسط والأطراف الشمالية للجزيرة العربية. وقد خلف شروكين على عرش أكد ابنه الأصغر ريموش (أي: هديته، إشارة إلى الإله) الذي حكم نحو تسع سنوات (2283ـ2275ق.م)، وواجه في مطلع عهده تمردات في عدد من مدن بلاد سومر، قمعها بعنف، وألحق الخراب بها، وهدم أسوارها. وتتحدث نقوشه عن آلاف الضحايا من سكانها، وتذكر أنه جمع الناجين منهم في معسكرات اعتقال خاصة؛ أبرزها معسكر في موقع سابُم Sabum على الطريق بين أوما والعاصمة العيلامية سوسة.
    ثم انصرف إلى محاربة ملكي عيلام وَرَخْشي (أو: بَرَخْشُم) اللذين تحالفا عليه في الجهات القديمة للتحرر من تبعيتهما لمملكته، فنكل بجيوشهما وأعاد إخضاع مناطقهما واحتل سوسة ونقل منها أسلاباً نفيسة كثيرة. وتعبيراً عن تبجيله للآلهة السومرية أهدى معبد الإله إنليل في نيبور عدداً من تماثيله وكمياتٍ ضخمةً من الذهب والنحاس غنمها من الحرب بين أكد وعيلام.
    استمرت سيادة ريموش على شمالي بلاد الرافدين، وقد عثر في تل براك [ر] (نَجار القديمة) على إناء نذري دوّنت عليه كتابة تصف ريموش بأنه «ملك الجميع، الذي ذبح (سكان) عيلام وبَرَخْشُم»، كما ينسب إليه بناء مدينة «دور ريموش» شمال الموصل.
    وأدى اتساع نطاق المملكة الأكدية إلى ظهور صراعات بين أفراد الطبقة الحاكمة، انتهت على ما يبدو إلى اغتيال ريموش نتيجة تمرد في القصر الملكي كما ورد في نص فأل من العصور اللاحقة.
    وحكم بعد ريموش أخوه الأكبر منيشتوشو (أي: مَنْ معه) نحو خمس عشرة سنة (2274-2260ق.م)، ونعمت المملكة بالاستقرار والازدهار، واستطاع أن يحافظ على حدودها السابقة، واستمر يحمل لقب «ملك جهات الكون الأربع". ولم يواجه تمردات إلا في مناطق عيلام وأنشان، وقد قام بحملات ضخمة إلى تلك المناطق وتوغل في أعماق جبال زغروس، وأخضعها ثانية وجلب منها أسلاباً كثيرة، وتروي نقوشه أنه ذبح كثيراً من قواد جيش أنشان، واقتاد ملكها مقيداً إلى معبد إله الشمس في سيبار. كما التفت إلى مناطق شرقي الخليج العربي، وخاض حروباً مع اثنتين وثلاثين مدينة فيها، وأحضر منها حجارة سوداء لإقامة تماثيل له.
    تعرض منيشتوشو كأخيه لمؤامرة في القصر الملكي أودت بحياته. وثمة نص فأل يذكر أنه مات أو قتله خادمه الشخصي.
    آل الحكم إلى ابنه نارام سين [ر] (2259- 2223ق.م) الذي يعدّ ثاني أعظم الملوك الأكديين بعد جَدّه شروكين. وقد اقتدى بسيرته وأعاد للمملكة هيبتها وأوصلها إلى أوج قوتها واتساعها، ولكن إمعانه في العنف والتوسع في الجهات المختلفة كان مقدمة لصفحة جديدة مختلفة من تاريخ الأكّديين.
    وخلف نارام سين ابنه شَرْكَلي شَرّي (أي ملك كل الملوك) (2222- 2198ق.م)، وفي عهده بدأت قوة المملكة بالتراجع لأنه لم يكن حازماً كأبيه، ولم يستطع مواجهة التمردات المتتالية التي ظهرت في معظم المناطق المتطرفة من المملكة. وقد تمكّن في مطلع عهده من مواجهة تغلغل قبائل الأموريين[ر] من الغرب، وخاض معارك عدة مع الكوتيين الذين تنامت قوتهم في مناطق زغروس العليا، ولكن ذلك لم يكن كافياً للحدّ من تفكك المملكة التي اهتزت سلطتها؛ إذ نجحت مدينة أوروك في تحقيق استقلالها جزئياً، وتبعتها عيلام التي تجرأ ملكها على مهاجمة مناطق المملكة المركزية، ووصلت قواته حتى مدينة أكشاك شمال العاصمة أكّد، ثم عادت. كما أن التغلغل الأموري والغارات الكوتية لم تتوقف وباتت المملكة محاطة بالأخطار، وساد فيها الاضطراب والفوضى. وقد أدرك شركلي شري خطورة الموقف، وأقرَّ به؛ إذ استبدل بلقبه «ملك الجهات الأربع» لقب «ملك أكد». وفي غمرة هذه الأوضاع اغتيل في قصره.
    استمر الاضطراب ثلاث سنوات تلت اغتياله، «ولم يعد معروفاً من هو الملك، ومن هو ليس ملكاً»، كما ورد في قائمة الملوك السومرية، وتنازعت على الحكم أربع شخصيات هم: إرجيجي ونانوم وإمي وإلولو.
    استولى على العرش بعد ذلك دودو، وحكم نحو إحدى وعشرين سنة (2195- 2174ق.م)، وتمكن نسبياً من تهدئة الأوضاع الداخلية، ولكنه لم يستطع إيقاف الأطماع الخارجية، وتقلصت حدود المملكة. ثم خلفه ابنه شودورول (أي: الدورولي؛ وهو الاسم القديم لنهر ديالى) الذي تراجعت سلطته رويداً رويداً، حتى انتهى عهده بغزو القبائل الكوتية للبلاد وانهيار مملكة أكد تماماً في 2159ق.م، بعد أن دامت 181سنة، حكم في أثنائها أحد عشر ملكاً.
    كان الغزو الكوتي هو العامل المباشر لانهيار المملكة، ولكن ثمة عوامل أخرى داخلية وخارجية تضافرت وأدت إلى تلك النتيجة، ولعلها كانت ذات تأثير أقوى، وأهمها:
    ـ بالغ الملوك الأكديون في الحروب والعنف وإخضاع الشعوب المجاورة وتوسيع نطاق المملكة، فلم يعد ممكناً مواجهة التمردات الاستقلالية لتلك الشعوب كلها؛ ولاسيما عندما كان يتولى العرش ملك ضعيف كما حصل في المرحلة الأخيرة من تاريخهم.
    ـ أدى الرخاء الذي تحقق في المناطق المركزية من المملكة، بفضل أسلاب الحروب ونهب ثروات المناطق المحتلة وفرض الجزية عليها، إلى ظهور صراعات ضمن الطبقة الحاكمة، وقد لقي ثلاثة من الملوك حتفهم نتيجة مؤمرات داخلية. كما نشأ توتر في العلاقات بين الطبقة الحاكمة والشعب بسبب الأعباء المرهقة التي كانت تتطلبها الحملات المتكررة، واستئثار المقربين منهم بالوظائف الإدارية والأراضي الزراعية وغيرها من المنافع لأنفسهم.
    ـ تحول مركز السلطة إلى القصر الملكي، وأُهمل أي دور متميز للمعابد ورجال الدين، مما أثر في فاعلية الحياة الدينية وفي صلة الشعب الروحية بالطبقة الحاكمة المتسلطة.
    ـ استمر ضغط القبائل الأمورية القادمة من الغرب والشمال الغربي إلى مناطق المملكة باحثة عن موطن للاستقرار.



  • #2
    مظاهر حضارة الأكديين
    التاريخ الحضاري للأكديين أقل وضوحاً من تاريخهم السياسي، وهو أمر مرتبط بسببين؛ أولهما طبيعة الحكم الملكي المركزي، واستئثار الطبقة الحاكمة بالأضواء التي تلقيها المصادر على تاريخهم. وثانيهما قلة المصادر المادية والكتابية المكتشفة، وبقاء العاصمة أكد مجهولة. مع ذلك يمكن رسم الخطوط الأساسية لمظاهر حضارتهم، وهي تبدو ذات ملامح خاصة مع بعض التأثيرات السومرية؛ ولاسيما في حياتهم الثقافية.
    لقد تطلبت الحياة الإدارية تنظيماً دقيقاً للعلاقة بين القصر الملكي وسكان المملكة، سواء في المناطق المركزية أو البعيدة المحتلة. وسُخِّر في ذلك جهاز ضخم من الموظفين والجنود يتزعمهم غالباً رؤساء وقادة ينتمون إلى الأسرة الحاكمة.
    يذكر شروكين مؤسس المملكة في نقوشه أنه كان يأكل الطعام أمامه يومياً 5400 شخص، هم عناصر حاشية القصر بلا شك. كما يذكر: «أن الموظفين في مرتبة «إنزي» وهو لقب وظيفي يعني حرفياً: السيد الروحي من أبناء أكد يسيطرون على المناطق الممتدة حتى البحر السفلي (الخليج العربي)»، وهو يعبر بذلك عن تمكنه من فرض رقابة مشددة على السلطات المحلية السابقة التي استمرت في مطلع عهده تتولى الإدارة جزئياً في تلك المناطق، وكان أولئك «الإنزي» حكام مقاطعات مرتبطين بالملك مباشرة ومقربين منه غالباً، ومن المعلوم أن أحد أبناء نارام سين كان إنزياً في مدينة مَرَد (تل ونّة السعدون). وكانت القوات العسكرية أداة فاعلة لفرض السيادة، وتؤلف مؤسسة متكاملة ومجهزة بأسلحة متنوعة كالنبال والقسي والأدوات القاطعة وغيرها، بلغت أعدادها الآلاف.
    حرص ملوك أكّد على ربط جميع المراكز والفعاليات المهمة في المجتمع بهم وبقصرهم، وبلغ بهم الأمر إلى درجة حصر عملية اختيار كاهنة الإله السومري نانّا في مدينة أور في إطار أميرات القصر، وتولت في عهد شروكين ابنته «إن خِدو أنّا» هذه الوظيفة، وخلفتها فيما بعد إحدى بنات نارام سين. بل وصل الأمر بالملكين نارام سين وشركلي شري إلى ادّعاء الألوهية والتلقب بلقب «إله أكّد». وأُغلق بذلك المجال أمام إمكانية تدخل رجال الدين في شؤون الحكم.
    وهكذا اتخذت الإدارة الأكدية سمتاً جديداً لم يألفه الشعب من قبل، فكان مرغماً على القبول به في عهود الملوك الأقوياء، وجاهزاً ـ في الوقت نفسه ـ للتمرد عليه عند توافر الفرصة المناسبة.
    كذلك ارتبطت الحياة الاقتصادية بالقصر الملكي أيضاً؛ إذ تطلبت نفقات الجهاز الإداري والعسكري الضخم وتجهيزات الحملات العسكرية المتتالية موارد كبيرة جُبيت غالباً من السكان، وفُرضت أتاوى على المناطق المحتلة أو سُلبت منها. وهكذا تجمعت في القصر ثروات هائلة متنوعة استخدمت أيضاً وسيلةً لإرضاء أفراد الطبقة الحاكمة، ولكنها تسببت في ظهور صراعات داخلية بينهم أحياناً.
    امتلك القصر الملكي مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية عن طريق الاحتلال أو الشراء، ويذكر نص مدون على إحدى مسلات الملك منيشتوشو أنه اشترى ما يعادل 330 هكتاراً من الأراضي الزراعية التي كان يمتلكها أصلاً 98 شخصاً. ويشير ذلك إلى احتمال وجود الملكية الخاصة للأراضي، ولكن يبدو أن بيعها صار مفضلاً بسبب ضرائب القصر الباهظة أو الخوف من انتزاعها بالقوة. وتشير الوثائق الكتابية إلى رواج تجارة العبيد في المملكة وإقراض الأموال وممارسة التجارة الخارجية، وكان ذلك بإشراف القصر الملكي، ومن قبل تجار موظفين أو مرتبطين بالدولة ويعملون لمصلحتها. وتركزت العلاقات التجارية بالدرجة الأولى مع المناطق الخاضعة لنفوذ المملكة والغنية بالمواد الخام النفيسة أو غير المتوافرة في بلاد أكد، وأهمها مناطق ميلوخا وماغان وتيلمون ـ أوديلمون ـ (أي مناطق سهل الهندوس وعُمان والبحرين)، وسواحل سورية وبلاد الأناضول وغربي إيران، واستهدفت تلبية رغبة الطبقة الحاكمة في البضائع الكمالية وتوفير حاجات السكان المعيشية. ووجدت في المملكة مراكز حرفية متخصصة تقوم بتصنيع المواد الخام.
    أثرت طبيعة الحكم الملكية المركزية على الحياة الدينية، وتميز هذا العصر بتراجع دور المعبد أمام نفوذ القصر الملكي وسلطته، وضعفت مكانة الآلهة والمجمع الإلهي، وشاعت ظاهرة تأله الملوك. ولكن المعتقدات الدينية وشعائرها كانت متجذرة في أعماق الشعب من قبل، ولم تتأثر كثيراً ببعض ممارسات ملوكهم.
    لقد تأثرت معتقدات الأكديين بالفكر الديني السومري، لكنها تمايزت عنه مع مرور الزمن، واصطبغت بطابع أكدي خاص تمثل في مظاهر جديدة عدة، أهمها:
    ـ كانت مكانة الآلهة السومرية مرتبطة بالقوة السياسية لمدنهم الكثيرة، ولذلك تبدلت أهميتها الدينية باستمرار في حين تحددت الأهمية الدينية لدى الأكديين في العاصمة أكد (موطن عبادة الإلهة عشتار أنونيتو) وفي مدينة سيبار (موطن الإله شمش).
    ـ اتصف مجمع الآلهة الرئيس لدى الأكديين بأسماء الكواكب، إذ ضمّ إله الشمس (شمش) وإله القمر (سين) وإلهة الزُّهرة (عشتار أنونيتو). في حين كان المجمع السومري مرتبطاً بالعناصر الكونية (السماء والعواصف والرياح والأرض والماء).
    ـ صارت آلهة الأكديين الثانوية أكثر اتصالاً بالمدركات المعنوية المجردة؛ إذ خصوا الحكمة والمعرفة والعدالة وغيرها بآلهة مختلفة، في حين غلب على الآلهة السومرية ارتباطها بالحياة الزراعية.
    أما شعائرهم الدينية فلا يمكن معرفة ملامحها التفصيلية بسبب غياب النصوص الدينية من عصرهم. ويذكر هنا أيضاً أنه لم يعثر من العصر الأكدي القديم على نصوص تدخل ضمن إطار القانون والتشريع، ولكن ثمة نصوص مدونة باللغتين الأكدية والسومرية تتضمن عقوداً تجارية مصوغة بأسلوب قانوني، وتبحث في مسائل شراء وتبادل وإقراض وتوزيع الميراث، وكانت تجارة الأراضي الزراعية والحقول والحيوانات والعبيد أبرز موضوعاتها.
    ويتضح منها أنه، بدءاً من هذا العصر، تم التفريق بين نمطين من أنماط أداء القَسَم؛ قَسَم الادعاء الذي يؤدى ضمن المعبد أو عند بوابته، وقَسَم التأكيد والتثبيت الذي كان يؤدى باسم الإله أو الملك. وثمة دلائل على استخدام الاختبار النهري وسيلةً للحكم، وكان يجري برمي المتهم في النهر؛ فإن غرق فيه كان مداناً نال جزاءه، وإن نجا وعاد سالماً كان بريئاً. ولعله كان اختباراً ذا طابع نفسي، وقد شاع استخدامه في العصور اللاحقة.
    وثمة نصوص أكدية من هذا العصر تدخل في نطاق علم الرياضيات الذي تعود أسسه الأولى إلى السومريين في عصر السلالات الباكرة، وتبدو هذه النماذج من حيث المضمون ذات صلة وثيقة بالنماذج السومرية. إنها مصوغة غالباً على شكل مسائل في الجبر والمعادلات البسيطة، وتتعلق بحسابات الأراضي الزراعية. وقد دونت على رُقُم مدرسية الطابع تهدف إلى التمرن على العمليات الحسابية الضرورية. كما توجد شواهد قليلة ذات صلة بعلم الفلك، وهي قوائم بأسماء النجوم والكواكب.
    لقد استعار الأكديون الكتابة المسمارية [ر] من السومريين، وكانت تمر آنذاك بمرحلة صورية رمزية. ثم طوروا أشكالها، وأعطوها الطابع المسماري الذي صارت تعرف به، كما تجاوزوا الدلالات الرمزية للأشكال الكتابية، وصار لكل منها قيمة مقطعية صوتية محددة، وتقلص بذلك عددها الكبير. ويعود الفضل إلى الأكديين في نشرها في المناطق البعيدة التي خضعت لنفوذهم، فوصلت إلى شمالي سورية وبلاد الأناضول وعيلام.
    شهدت مناطق المملكة الأكدية ثنائية لغوية، فقد استمر استخدام اللغة السومرية [ر]، كما بدأ يتزايد فيها استخدام اللغة الأكدية[ر]، ولاسيما في النصوص الإدارية والنقوش الملكية الرسمية. وهو أمر يعبر عن الأهداف السياسية للمملكة الجديدة، ويمثل دليلاً على ازدياد شأن الأكديين كما يمثل في الوقت نفسه دليلاً على السبق الحضاري للسومريين.
    إن أبرز رموز النشاط الأدبي في هذا العصر هو شخصية «إنْ خِدو أَنّا» ابنة شروكين مؤسس المملكة، وقرينة الإله نانا وكاهنته في أور، وكاهنة الإله آنُ في أوروك. وهي تعد أول شخصية تاريخية، معروفة بالاسم، نظمت الشعر باللغة السومرية.
    نظمت إن خدو أنّا مجموعة من «تراتيل المعابد» تتألف من أربعين ترتيلة مخصصة لأشهر معابد البلاد، ومرتبة وفق معيار جغرافي بدءاً من الجنوب إلى الشمال. وتقدم كلمة موجزة ملحقة بالمجموعة الشكر لسيدها الإله نانا لأنه ألهمها هذا العمل الذي لم يستطع أحد أن ينجزه على هذا النحو قبلها. وتبدو تراتيلها متوافقة من حيث أسلوب البناء مع النماذج السومرية الأقدم، ولكنها أطول وأغنى مضموناً. ومن أبرز ما نظمته أيضاً «تراتيل الآلهة"؛ وأشهرها ترتيلة إلى الإلهة إنَنّا إلهة أوروك وسيدة كل القوى الإلهية، تروي فيها حكاية عزلها عن منصبها الديني ثم استرجاعها له بفضل رحمة الإلهة إنَنّا.
    لقد استمرت شهرة «إن خدّو أنّا» بعد موتها، وبقيت أعمالها تلقى اهتماماً زائداً إبان النصف الأول من الألف الثاني ق.م، واستنسخها الكتّاب مراراً.
    ومن اللافت للنظر أنها نظمت جميع أعمالها باللغة السومرية، وليس بالأكدية لغتها الأم مما يدل على عمق التأثير السومري في الأكديين، علماً بأنه لم يقف الآثاريون من ذاك العصر على أي نصوص أدبية محضة كاملة مدونة باللغة الأكدية.
    انتشرت في هذا العصر المرويات التاريخية على ألسنة الناس، وكانت تدور غالباً حول شخصيات السلالة الأكدية الحاكمة؛ ولاسيما شروكين ونارام سين اللذين أثرا في نفوس الناس ببطولاتهما ومآثرهما. وبقيت تلك الحكايات في حيّز المرويات الشفهية حتى بدء تدوينها في أواخر الألف الثالث ق.م. وأقدم نماذجها باللغة السومرية، تعود إلى نحو 2100ق.م، وتعرف بـ«لعنة أكد». تتألف من 281 سطراً، وتصور وصول السلالة الأكدية إلى الحكم، ورخاء البلاد في عهد شروكين واتساع نطاق نفوذه. ثم تبدل الأوضاع في عهد نارام سين الذي استخفَّ بالمكانة الدينية لمدينة نيبور موطن الإلهة إنَنّا. فعوقب بأن بقي سبع سنوات عاجزاً، واستقلت نيبور. وعندما قام بحملة مدمرة على نيبور غضب الإله إنليل ودفع بالكوتيين إلى مهاجمة البلاد، وحلت المجاعة والفوضى حتى انهارت المملكة. إنها منظومة أدبية ذات بواعث سياسية، استقى ناظمها مادتها الأساسية من المرويات التاريخية الشعبية. وتبين بوضوح رأي كهان نيبور في أن انهيار المملكة كان بسبب لعنة إلهية.
    وثمة مرويات أخرى دونت في عصور لاحقة ولكن أحداثها تعود إلى العصر الأكدي، مثل: سيرة شروكين الذاتية، وملحمة ملك المعركة، وملحمة شروكين المحتل، وملحمة شروكين الملك القوي، وتمرد على نارام سين، ونارام سين ملك كوتا.
    يبدو أن فن صياغة التعويذات ذات الطابع السحري كان يعد من واجبات الكاتب الحقيقي، ومعرفته ضرورية له ومهمة في التقاليد الشعبية. وقد كشف عن نماذج قليلة منها تعود إلى هذا العصر، منها تعويذة في 27 سطراً تهدف إلى تمكين الرجل من الفوز بحب المرأة، وأخرى لمواجهة خطر العفاريت أو العين الشريرة. وهي تظهر في أسلوبها ملامح خاصة تميزها من تعويذات إبلا [ر] وأبو صلابيخ الأقدم، وكذلك من النماذج المتأخرة المصوغة وفق قواعد محددة وضعت لها.
    ولا شك في أن أكثر الفنون الأدبية وفرةً في هذا العصر هي النقوش الملكية، وهو أمر يكشف عن مدى اهتمام الملوك الأكديين بالوصف الذاتي والفخر بانتصاراتهم، وقد كانت ذات أغراض دعائية موجهة إلى الشعب. اختلطت فيها اللغتان السومرية والأكدية، وكان ذلك تمهيداً لتحول الأكدية إلى لغة رسمية. وهي، أي النقوش الملكية، مصدر أساسي لتاريخ الأكديين السياسي. ومما تجدر الإشارة إليه ضرورة التفريق بين الأدب الأكدي إبان عصر مملكتهم القديمة الذي تقدم الحديث عنه، والأدب الذي دوّن إبان الألفين الثانية والأولى قبل الميلاد باللهجتين البابلية والآشورية اللتين تفرعت إليهما اللغة الأكدية.
    أما فيما يتعلق بآثار عصر المملكة الأكدية فإن شواهدها المكتشفة مازالت قليلة، ويشكل غياب آثار العاصمة فراغاً واضحا ًفيها، ويمكن على العموم، تصنيفها في ثلاث مجموعات، هي:

    تعليق


    • #3
      العمارة
      كشف في بعض مدن بلاد سومر (مثل: أور [ر] ونيبور وأداب[ر]) عن آثار محدودة لطبقات معمارية من العصر الأكدي، في حين تعود معظم المكتشفات إلى مدن في شمالي بلاد الرافدين. وتندر بينها العمارة الدينية نظراً لطبيعة الحكم الجديدة. ولعل أضخم نماذجها مجموعة أبنية تؤلف وحدة معمارية مترابطة كشف عنها في إشنونة، وهي محاطة بجدار عريض يوحد بينها، وتشكل قصراً ذا ثلاثة أقسام، استخدم مركزاً للحكم والإدارة ومقراً للسكن أيضاً وهو مزود بمرافق صحية كثيرة ودقيقة التوزيع؛ مما يدل على كثرة عدد ساكنيه. وكشف في آشور (قلعة الشرقاط) عن قصر يعرف بـ «القصر القديم"، وهو بناء شبه مربع، يضم نحو 162 غرفة وقاعة تتوسطها عشر باحات مركزية.
      لكن أبرز آثار فن العمارة في هذا العصر هو قصر نارام سين في تل براك[ر] في سورية، وهو أقرب في طابعه إلى الحصن العسكري. ويرجح أن هدف إنشائه كان حماية طريق التجارة مع بلاد الأناضول وسواحل البحر المتوسط، وليكون مركزاً إدارياً لجمع الضرائب. بني وفق مخطط مصمم مسبقاً فوق أنقاض معبد العيون العائد إلى عهد جمدة نصر (3100- 2900ق.م)، واستخدمت فيه ألواح اللبن المربعة أو المستطيلة بدلاً من المسطحة المحدبة التي شاعت قبل ذلك. ويتألف من مدخل وحيد يقود إلى ساحة رئيسة مربعة تحدها شمالاً ثلاث قاعات، وتحيط بها من جميع الجهات نحو أربعين غرفة مستطيلة.
      يتميز هذا القصر بتأريخه المؤكد؛ إذ عثر فيه على نقوش مدونة على ألواح اللبن المستخدمة في بنائه تذكر اسم بانيه الملك نارام سين. وقد كشفت التنقيبات البريطانية التالية في الموقع عن أبنية أخرى من العصر الأكدي. وثمة شواهد معمارية من العصر نفسه عثر عليها في ماري (تل الحريري).
      النحت
      تظهر بعض أعمال النحت الأكدية الأولى تأثراً بالفن السومري من حيث تقسيم المشاهد إلى حقول، ونمط الثياب، والمضمون الرمزي، كما في مسلّة شروكين التي وجدت محطمة في سوسة. ولكن التطورات السياسية الجديدة ظهرت في الفن بوضوح، وصار الفنان مسخراً لخدمة أغراض الملك السياسية فانصرف إلى تشكيل تماثيل له ونحت مشاهد تصور انتصاراته.
      نصب النصر ويخلد انتصار الملك نارام سين على اللولوبيين (متحف اللوفر)
      وظهرت إبان ذلك ملامح فنية جديدة تتمثل في حيوية المشاهد المصورة والواقعية في تشكيل أعضاء الجسم البشري؛ كما في مشهد الأسرى العراة المصور على مسلات عدة، وفي صورة الشاعرة الكاهنة «إن خدو أنّا» على قرص عثر عليه في أور.
      كثرت، بدءاً من عهد منيشتوشو، الأنصاب والتماثيل الضخمة التي استخدمت فيها أنواع من الحجارة المجلوبة من سواحل الخليج العربي؛ كما في أنصاب منيشتوشو التي عثر عليها في سوسة. واستمر تشكيل تماثيل المتعبّدين بأسلوب جديد أقرب إلى الواقعية.
      ترسخت مظاهر الطابع الأكدي الخالص في النحت إبان عهد نارام سين؛ إذ أبدعت قطع فنية معدنية أبرزها الرأس البرونزي الذي عثر عليه في معبد عشتار في نينوى، ويمثل رأس الملك نارام سين أو ربما جده شروكين. وكذلك تمثال نحاسي عثر عليه مصادفة في موقع بَسِّتكي في منطقة دهوك شمالي العراق، ويمثل الجزء السفلي لجسم رجل ذي ساقين عاريتين في حركة متميزة، وعلى قاعدته المستطيلة نقش يذكر انتصارات نارام سين، ويتصف بالدقة الزائدة في تصوير أعضاء الجسم.
      ومن أشهر أنصاب نارام سين «نصب النصر» الذي عثر عليه في سوسة بعد أن نهبه العيلاميون من مدينة سيبار في سنة 1170ق.م، وهو يخلد انتصاره على اللولوبيين في مناطق زغروس حول مدينة السليمانية في العراق، وهو النصب الوحيد الذي عثر عليه بشكله الكامل من العصر الأكدي. وهناك منحوتات أخرى تصور نارام سين عثر عليها في سوسة وفي موقع بير حسين قرب مدينة ديار بكر.
      الأختام الأسطوانية
      توازى تطور هذا الفن مع التطورات التي برزت في أعمال النحت؛ إذ استمر في البداية التركيز على الموضوعات السومرية (البطل العاري، الإنسان الثور والصراع مع الحيوانات)، ولكنه تطور بعد ذلك واتخذ منحى واقعياً، وصار له طابع شعبي، وشاعت فيه موضوعات تتصل بالحياة والموت وبالنظام والفوضى في الطبيعة أو الحياة الاجتماعية، وبدت في نماذجه الطبيعة الحربية للمرحلة التاريخية، وشعائر الحياة الدينية، وكذلك التصورات الفكرية ومرويات التراث الشعبي؛ كما في تصوير مشاهد من أسطورة إتانا الذي صعد إلى السموات بحثاً عن نبات يوفر له الإنجاب، وأسطورة الطائر أنزو الذي سرق ألواح القدر من الإله إنليل.
      يمكن القول ـ أخيراً ـ إن الأكديين هم أقدم شعبة من الشُّعب التي أطلق عليها اسم «الساميين» كان لهم دور مهم في تاريخ الشرق القديم. وكانت البنية السياسية الجديدة لمملكتهم انعطافاً مهماً وذات تأثير في طبيعة منجزاتهم الحضارية. ويمكن عدّ عصرهم العصر الكلاسيكي الذي بقيت ظلاله في العصور التالية.
      فاروق إسماعيل

      تعليق

      يعمل...
      X