جدار الفصل العنصري Racial segregation(Wall of) جدار تشيده إسرائيل في فلسطين المحتلة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • جدار الفصل العنصري Racial segregation(Wall of) جدار تشيده إسرائيل في فلسطين المحتلة

    الفصل العنصري (جدار -)
    معنى الجدار وأساسه
    جدار الفصل الذي تشيده إسرائيل في الأراضي العربية المحتلة هو أحدث أساليب التمييز والفصل العنصري وأكثرها قسوةً وإيلاماً على الإطلاق، فبتاريخ 23 حزيران/يونيو من عام 2002 أقرت الحكومة الإسرائيلية خطة إنشاء جدار أمني بطول الضفة الغربية يفصل بين الأراضي المحتلة في الضفة وإسرائيل، ويبلغ طـول هذا الجدار 600كم فيما يصل ارتفاعه إلى 8 أمتار تعلوه أسلاك شائكة وبه أبراج مراقبة في مواقع عدة، وكذلك أجهزة إنذار إلكترونية، وتقدر كلفته بـ 6,5 مليار شيكل، ويتكون هذا الجدار من ثلاثة أجزاء: الجزء الشمالي والجزء الجنوبي والجزء المحيط بمدينة القدس. والتفكير بعزل الشعب الفلسطيني بهذا الشكل العنصري ليس ابتكاراً حديثاً بل هو عقيدة راسخة في الفكر الصهيوني منذ القدم، وهي أفكار تستمد أصولها من جابوتنسكي الأب الروحي للمتطرفين الصهاينة وخاصةً دعوته إلى إقامة جدار حديدي بين العرب واليهود، وهو ما يُنفّذ بدقة اليوم، علماً أن تجدد الدعوة لإقامة هذا الجدار كان على يد رئيس الوزراء الإسرائيلي المقتول إسحاق رابين منذ عام 1993، وعادت هذه الفكرة تطرح نفسها من جديد عام 2001 مع اندلاع انتفاضة الأقصى وتزايد عمليات المقاومة الفلسطينية ونجاحها في العمق الإسرائيلي.
    مضمون إقامته على مستقبل الصراع العربي - الإسرائيلي وعلى الفلسطينيين
    إن إقامة هذا الجدار بالصورة التي تخطط لها إسرائيل وتنفذها بالفعل على أرض الواقع سينهي عملياً إمكان إقامة سلام حقيقي عادل ودائم وشامل بين العرب والإسرائيليين، وسيعيد هذا الصراع إلى نقطة البداية، لأن هذا الجدار يقيد كثيراً من فرص إمكان الدولة الفلسطينية، وهو يرسم حدوداً من جانب واحد لهذه الدولة المنتظرة، كما أنه يعزل القدس ويخلق واقعاً جديداً لهذه المدينة يرسخ فكرة تهويدها وتحويل أحيائها إلى مناطق سكانية بين مستوطنات كبيرة وبؤر استيطانية، يصعب تصورها عاصمةً للدولة الفلسطينية، وفضلاً عن ذلك فسيكون لهذا الجدار انعكاسات سلبية بالغة الخطورة على الشعب الفلسطيني وهو سوف يؤثر في حياة 680 ألف فلسطيني أي نحو ثلث سكان الضفة؛ إذ سيفرض عليهم واقعاً مريراً وسيحرمهم من أبسط مقومات الحياة الإنسانية الكريمة وحقوقهم المكفولة لهم بشراً يعيشون في عالمٍ يفترض أنه متمدن (كالحق في الحياة وتأمين الغذاء والعمل والتنقل والذهاب إلى المدارس والمستشفيات)، وهي كلها حقوق ستهدر بسبب إقامة هذا الجدار، ومن ضمن الانعكاسات السلبية للجدار على الشعب الفلسطيني أيضاً حرمانه من مصادر المياه، هذا فضلاً عن قيام إسرائيل بمصادرة الأراضي الفلسطينية تمهيداً لإقامة هذا الجـدار عليها؛ إذ تشير الدراسات إلى أن هذا الجـدار سوف يبتلع بعد بنائه كاملاً ما بين 43 و45% من مساحة الضفة ويضمها إلى إسرائيل، ومن ثمَّ فإنّ نحو 108918 فلسطينياً سيضمّون بشكل غير قانوني إلى «إسرائيل»، أو يطوّقون داخل الجدار.
    الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل وتخرق بها قواعد القانون الدولي
    ما ينبغي تأكيده في هذا السياق أن إسرائيل دولة قائمة بالاحتلال، وأن هذا الجدار يُقام على أراضٍ محتلة occupied territories وليست أراض متنازع عليها disputed، وهذا يعني أن إسرائيل ليست مطلقة الصلاحية في التصرف بالأراضي التي تحتلها وإنما هناك قيود قانونية ينبغي مراعاتها والتزامها وفقاً لما تشير إليه القواعد والاتفاقات القانونية الناظمة لحال الاحتلال الحربي، ويشار في هذا الصدد بصفة خاصة إلى اتفاقيتي لاهاي للحرب البرية لعام 1907 وجنيف الرابعة لعام 1949؛ إذ تفرض اتفاقية لاهاي على دولة الاحتلال التزاماً إيجابياً يضمن رفاهية الأراضي الخاضعة للاحتلال - المادة 43 - وتحظر ضم الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال - المادة 52 - كما تحرّم اتفاقية جنيف الرابعة تدمير الممتلكات في الأراضي المحتلة - المادة 53 - وتحظر العقاب الجماعي - المادة 33 - وتحظر أيضاً قيام سلطات الاحتلال بأي تغيير على الممتلكات بالأراضي المحتلة - المادة 47 - بل إنها تفرض على دولة الاحتلال التزاماً يضمن مرور خدمات الطوارئ الطبية، واحترام المرضى، والسماح بمرور المؤن الغذائية والإمدادات الطبية، وتيسير التعليم… المواد 16/20/25/50/55/59. ومن الطبيعي القول إن إسرائيل، بإقامتها هذا الجدار وبممارسات أخرى عدة ألِفَتْها، إنما ترتكب مخالفات جسيمة grave breaches بالمعنى الذي تشير إليه المادة 147من اتفاقية جنيف الرابعة وتحدّده، والمادة (85) من ملحق جنيف الأول لعام 1977، مما يستوجب إخضاعها للمساءلة والحساب كونها مرتكبة جرائم حرب war crimes.
    يُعد أيضاً قيام إسرائيل ببناء الجدار العازل وتوسيع مستوطنات جديدة وإنشاؤها انتهاكاً لنصوص القانون الدولي والمعاهدات الدولية الأخرى، كالاتفاقية الدولية بشأن «قمع وعقاب جريمة الفصل العنصري» «الأبارتهيد» لعام 1978، وأيضاً مجمل اتفاقيات ومعاهدات القانون الدولي الإنساني[ر].
    رأي محكمة العدل الدولية فيه ورأي القانون الدولي الجزائي منه
    طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بجلستها بتاريخ 21 كانون أول/ديسمبر 2003 اعتماداً على المادة 96 من ميثاق الأمم المتحدة بالتوافق مع المادة 65 من النظام الأساسي من محكمة العدل الدولية أن تصدر بسرعة رأياً استشارياً حول السؤال الآتي؟
    «ما هي النتائج القانونية المترتبة على بناء الجدار الذي يقام من قبل إسرائيل، القوة المحتلة، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن ضمنها داخل القدس الشرقية، وكما وصف في تقرير الأمين العام، مع الأخذ بالاعتبار قواعد ومبادئ القانون الدولي، ومن ضمنه اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والقرارات ذات الصلة لمجلس الأمن والجمعية العامة؟».
    وقد أعلنت محكمة العدل الدولية في قرارها رقم 131 الصادر في التاسع من تموز/يوليو 2004 وهو رأيها الاستشاري الرابع والعشرون منذ قيامها أن الجدار ينافي القانون الدولي ومن ثم فهو غير قانوني. مؤكدة الانتهاكات التي يمثلها الجدار للحقوق الفلسطينية وللقانون الدولي.
    ويتضمن قرار محكمة لاهاي الذي جاء تحت عنوان «النتائج القانونية لبناء جدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة» خمس توصيات بعد ما قررت اختصاصها للإجابة عن السؤال الموجه إليها كونه مسألة قانونية رافضة بذلك حجة إسرائيل ومن محاضرها بأنه سؤال محض سياسي:
    أ - تقرر المحكمة أن: «إنشاء الجدار الذي تقيمه إسرائيل، كقوة احتلال، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك داخل القدس الشرقية وما حولها، وما يسانده من نظام يتناقض مع القانون الدولي».
    ب - تقرر المحكمة أن «إسرائيل ملزمة بإنهاء خروقاتها للقانون الدولي، كما أنها ملزمة بوقف أعمال بناء الجدار الذي يتم بناؤه في الأراضي الفلسطينية المحتلة من الآن فصاعداً، بما في ذلك داخل القدس الشرقية وما حولها، كما أنها ملزمة من الآن فصاعداً بهدم البناء الذي تمت إقامته، كما أن عليها أن تتراجع أو تبطل جميع القوانين والتعليمات المتعلقة به».
    ج - تقرر المحكمة أن «إسرائيل ملزمة بإصلاح جميع الأضرار التي تسبب بها بناء الجدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك داخل القدس الشرقية وما حولها».
    د - تقرر المحكمة أنه «على جميع الدول أن تلتزم بعدم الاعتراف بالوضع غير الشرعي المترتب على بناء الجدار، وبعدم تقديم أي دعم أو مساعدة للإبقاء على الوضع الذي خلقه بناء الجدار. وجميع الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 آب 1949 يقع عليهم إضافة إلى ذلك عند احترامهم لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني بضمان خضوع إسرائيل للقانون الدولي كما هو منصوص عليه في الاتفاقية».
    هـ - تقرر المحكمة أنه «على الأمم المتحدة وخاصة الجمعية العمومية ومجلس الأمن أن ينظروا في اتخاذ الإجراءات الإضافية اللازمة لإنهاء الوضع غير القانوني الناتج عن بناء الجدار وما سانده من نظام، آخذة بالحسبان استحقاق هذا الرأي الاستشاري».
    ويتوافق رأي المحكمة بوضوح مع موقف القانون الدولي الجزائي من هذا الجدار، إذ يعدّ هذا القانون سياسة الاستيطان التي تقوم بها إسرائيل جريمة دولية كبرى لأنها تؤدي إلى حرمان الفلسطينيين من ممارسات حقوقهم الأساسية على رأسها حق تقرير المصير والحق في الاحتفاظ بأملاكهم وحق استغلال الموارد الطبيعية لبلادهم والحق في حرية التنقل كما أن سياسة الاستيطان ترسخ «الفصل العنصري المرفوض دولياً، ولذلك فقد نص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على تجريم سياسة الاستيطان الإسرائيلية واعتباره من جرائم الحرب واعتبار المستوطنين مجرمي حرب.
    مصير الرأي وقوته القانونية
    في تقويم هذا الرأي ينبغي الأخذ في الحسبان الأغلبية التي كادت تبلغ حد إجماع قضاة محكمة العدل الدولية، الذين يمثلون جميع الأنظمة القانونية الرئيسية في عالم اليوم، ويعبرون عن الضمير القانوني العام للمجتمع الدولي.
    وهنا ينبغي التأكيد أنه ليس دقيقاً القول إن الرأي الاستشاري الصادر عن المحكمة يتساوى مع معنى الرأي الاستشاري في اللغة الدارجة، وسبب الخلط هو استعانة الإعلام بغير المتخصصين الذين أجروا مقارنة بين المصطلح الفني والمصطلح الدارج.
    ومن المعلوم أن للمحكمة وظيفتين: الأولى قضائية، والثانية إفتائية، وأن ما تصدره المحكمة من قرارات، سواء في مجال الإفتاء أو المنازعات أو الإجراءات التحفظية هو وحده ملزم، إن الرأي الاستشاري يختلف في أساس إلزامه في طبيعته القانونية عن الحكم؛ لأنه إذا كان الحكم قد صدر عن طريق التقاضي الذي يلجأ إليه أطراف النزاع من الدول، فإن الرأي يصدر بناء على طلب الجمعية العامة ومجلس الأمن في قضايا تتصل بسياسة الأمم المتحدة ومواقفها القانونية فيما يعرض أمامها من منازعات، ولذلك فإن أثر الرأي الاستشاري أكثر وضوحاً من الحكم، فالحكم ملزم لأطراف النزاع، والرأي الاستشاري ملزم للكافة لسبب بسيط، لكونه يتضمن الكشف عن طريق المحكمة عن أحكام القانون الدولي في المسألة المعروضة.
    ومن الناحية التاريخية فإن كل الآراء الاستشارية التي أصدرتها المحكمة منذ عام 1945 حتى اليوم حظيت بالاحترام الكامل، ولاسيما الآراء الاستشارية في القضايا الإقليمية، أو ما يسمى بقضايا تصفية الاستعمار،كما أن متابعة ورصد الفتوى السابقة التي أصدرتها المحكمة يكشف بوضوح أن محكمة العدل الدولية قد تعاملت مع الفتاوى التي أصدرتها سوابق قضائية ولم تخالفها، وأما الأجهزة التي طلبت الفتوى فقد تعاملت مع هذه الفتاوى كما لو أنها ملزمة قانوناً لها.
    مستقبل الجدار
    برغم ما صدر عن محكمة العدل الدولية حول عدم شرعية هذا الجدار فإن إسرائيل ما زالت ماضيةً في إقامته وتعديل مساره على الدوام بما يخدم مصالحها ويزيد من مصاعب الشعب الفلسطيني وآلامه مستندةً في ذلك إلى الدعم الأمريكي المطلق، ويكفي الإشارة هنا إلى أن مجلس النواب الأمريكي، وبعد صدور رأي محكمة العدل الدولية حول الجدار الفاصل، وافق بأكثرية 361 صوتا (من أصل 435) على قرار يستنكر رأي محكمة لاهاي، ويعدّ رأي المحكمة خضوعاً لمحاولات تهدف إلى تقويض سمعتها والتدخل لعرقلة إيجاد حل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وينظر إلى الجدار الإسرائيلي على أنه «رد على حملة الإرهاب الفلسطينية المستمرة» وهو أمر رفضته المحكمة في حيثيات قرارها، ولذلك فإن مستقبل هذا الجدار سيتوقف على مدى جدّية المجتمع الدولي في احترام رأي المحكمة، والسعي إلى تنفيذه على أرض الواقع وهو أمر يعتمد أيضاً على استمرار الجهد الفلسطيني والعربي في أن يتحول هذا الرأي إلى قرار دولي، يُنفذ فيُهدم الجدار ويُعوَّض الفلسطينيون المتضررون منه.
    محمد عزيز شكري
يعمل...
X