كاتدرائية نوتردام... اكتشافات معمارية جديدة بعد الحريق
علوم وآثارمحمد الحداد
التهم الحريق أجزاء كبيرة من المبنى (عزيز نيتو/ Getty)
+الخط-
عام 2019 وقع حريق هائل ألحق أضراراً جسيمة بكاتدرائية نوتردام دو باري في العاصمة الفرنسية. وعلى الرغم من هذه المأساة، فإن الحريق مكّن العلماء من دراسة مكونات بناء الكاتدرائية التي كانت أطول مبنى شُيّد على الإطلاق عند بنائها في منتصف القرن الثاني عشر، إذ بلغ ارتفاعها 32 متراً، وفقاً للدراسة التي نشرت في مجلة PLOS ONE في 15 مارس/ آذار الحالي.
اكتشافات بعد الحريق
كشفت نتائج الدراسة الجديدة أن الكاتدرائية تعد أول بناء معروف للهندسة المعمارية على الطراز القوطي، إذ يبنى في البداية باستخدام مكثف للحديد، لربط الأحجار ببعضها البعض. وأسفرت جهود التجديد عن الكشف بشكل غير متوقع عن دبابيس حديدية كبيرة تجمع العديد من الكتل الحجرية. وأظهرت الدراسة أن نوتردام كانت أول كاتدرائية قوطية تستخدم مثل هذا التعزيز الحديدي في جميع أنحاء هيكلها. كانت الكنيسة أطول مبنى جرى تشييده على الإطلاق، عندما بدأ المشروع لأول مرة في باريس في العصور الوسطى خلال ستينيات القرن الثاني عشر. سمح فحص الكاتدرائية أثناء التجديد المستمر، للباحثين بتقدير أنها تحتوي على آلاف الدبابيس، أو يمكن وصفها بالمشابك التي تساعد على التحام الكتل الحجرية معاً، من الطوابق إلى الجدران العلوية.
ملاحظات أثرية
وفقاً للمؤلف الرئيسي للدراسة، مكسيم لاريتييه، الباحث في جامعة باريس، فإن طول الدبوس أو المشبك الواحد نحو 50 سنتيمتراً، ويزن ما بين 2 إلى 4 كيلوغرامات، وصنعت من الحديد الزهر. "يجري تخفيف خام الحديد باستخدام الكربون النشط في حالة صلبة في فرن الزهر عند حوالي 1400 درجة مئوية. بعدها، تنتج قطعة حديد زهر جاهزة للضغط لعمل القضبان الحديدية"، يقول لاريتييه. ويوضح لاريتييه، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الوصول للنتائج تطلب إجراء ملاحظات أثرية في الموقع لرسم خريطة لاستخدام الحديد في المبنى، بالإضافة إلى تحليلات علم المعادن على العينات المختارة لفهم كيفية تشكيل هذه الدبابيس، وخاصة كيفية لحامها بالأحجار. وأخيراً، جرى استخدام التأريخ بالكربون المشع على الأجزاء الفولاذية (سبيكة الكربون والحديد) للحصول على تاريخ تصنيع هذه الدبابيس. "يمكننا القول إن الدبابيس كانت تستخدم على نطاق واسع في نقاط معينة من الهيكل: فوق الأقواس الرئيسية (التي يبلغ ارتفاعها 10 أمتار)، وعلى الجدران العلوية، حيث قد يكون للإطار حمولة جانبية مهمة. لذلك يبدو أن هذه الدبابيس كان لها تأثير حقيقي على نقاط الضعف المحتملة في هيكل الكاتدرائية" يضيف.
مراحل البناء الأولى
أظهر التحليل الدقيق لـ 12 قطعة معدنية من الدبابيس المأخوذة من المبنى أنها استخدمت في المراحل الأولى من بناء الكاتدرائية. ويرى المؤلف الرئيسي للدراسة أن استخدام الحديد لتعزيز أحجار المبنى والميزات الأخرى -مثل الوصلات الحديدية لنوافذ الزجاج الملون- كان أمراً أساسياً في إنشاء الطراز القوطي للعمارة في الكاتدرائية. على عكس العمارة الحجرية المليئة بالحجارة في العصر الروماني، واستفاد بناة العصور الوسطى في العمارة القوطية من هذا الابتكار الحديدي لإنشاء هياكل تبدو أخف وزناً وأكثر إبرازاً للتفاصيل. بالإضافة إلى المعرفة الأثرية والتاريخية الأخرى لتلك الفترة الزمنية، توفر التحليلات أيضاً معلومات يمكن أن تساعد في تعميق فهم تجارة الحديد وتداوله ومزجه في باريس في القرنين الثاني عشر والثالث عشر.
ويلفت الباحثون إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من التحليلات لعينات نوتردام وقاعدة بيانات شاملة لمنتجي الحديد التاريخيين في المنطقة لتأكيد وتوسيع النتائج الجديدة المتعلقة بسوق الحديد الباريسي في العصور الوسطى. لا يتوقع لاريتييه أن تتعرض نتائج دراسته إلى نقد كبير من الباحثين أو تطرح أسئلة نقدية على التقديرات الزمنية، أو تلك المرتبطة بطريقة تشكيل هذه الدبابيس، لكنه يشير إلى أنه يأمل في مزيد من التعاون مع الباحثين الآخرين الذين يدرسون نواحي تاريخية أخرى مرتبطة بالبناء، مثل الأخشاب المستخدمة في بناء الكاتدرائية، بالإضافة إلى تقديم تفسيرات مرتبطة بمكونات البناء من الداخل.
علوم وآثارمحمد الحداد
التهم الحريق أجزاء كبيرة من المبنى (عزيز نيتو/ Getty)
+الخط-
عام 2019 وقع حريق هائل ألحق أضراراً جسيمة بكاتدرائية نوتردام دو باري في العاصمة الفرنسية. وعلى الرغم من هذه المأساة، فإن الحريق مكّن العلماء من دراسة مكونات بناء الكاتدرائية التي كانت أطول مبنى شُيّد على الإطلاق عند بنائها في منتصف القرن الثاني عشر، إذ بلغ ارتفاعها 32 متراً، وفقاً للدراسة التي نشرت في مجلة PLOS ONE في 15 مارس/ آذار الحالي.
اكتشافات بعد الحريق
كشفت نتائج الدراسة الجديدة أن الكاتدرائية تعد أول بناء معروف للهندسة المعمارية على الطراز القوطي، إذ يبنى في البداية باستخدام مكثف للحديد، لربط الأحجار ببعضها البعض. وأسفرت جهود التجديد عن الكشف بشكل غير متوقع عن دبابيس حديدية كبيرة تجمع العديد من الكتل الحجرية. وأظهرت الدراسة أن نوتردام كانت أول كاتدرائية قوطية تستخدم مثل هذا التعزيز الحديدي في جميع أنحاء هيكلها. كانت الكنيسة أطول مبنى جرى تشييده على الإطلاق، عندما بدأ المشروع لأول مرة في باريس في العصور الوسطى خلال ستينيات القرن الثاني عشر. سمح فحص الكاتدرائية أثناء التجديد المستمر، للباحثين بتقدير أنها تحتوي على آلاف الدبابيس، أو يمكن وصفها بالمشابك التي تساعد على التحام الكتل الحجرية معاً، من الطوابق إلى الجدران العلوية.
ملاحظات أثرية
وفقاً للمؤلف الرئيسي للدراسة، مكسيم لاريتييه، الباحث في جامعة باريس، فإن طول الدبوس أو المشبك الواحد نحو 50 سنتيمتراً، ويزن ما بين 2 إلى 4 كيلوغرامات، وصنعت من الحديد الزهر. "يجري تخفيف خام الحديد باستخدام الكربون النشط في حالة صلبة في فرن الزهر عند حوالي 1400 درجة مئوية. بعدها، تنتج قطعة حديد زهر جاهزة للضغط لعمل القضبان الحديدية"، يقول لاريتييه. ويوضح لاريتييه، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الوصول للنتائج تطلب إجراء ملاحظات أثرية في الموقع لرسم خريطة لاستخدام الحديد في المبنى، بالإضافة إلى تحليلات علم المعادن على العينات المختارة لفهم كيفية تشكيل هذه الدبابيس، وخاصة كيفية لحامها بالأحجار. وأخيراً، جرى استخدام التأريخ بالكربون المشع على الأجزاء الفولاذية (سبيكة الكربون والحديد) للحصول على تاريخ تصنيع هذه الدبابيس. "يمكننا القول إن الدبابيس كانت تستخدم على نطاق واسع في نقاط معينة من الهيكل: فوق الأقواس الرئيسية (التي يبلغ ارتفاعها 10 أمتار)، وعلى الجدران العلوية، حيث قد يكون للإطار حمولة جانبية مهمة. لذلك يبدو أن هذه الدبابيس كان لها تأثير حقيقي على نقاط الضعف المحتملة في هيكل الكاتدرائية" يضيف.
مراحل البناء الأولى
أظهر التحليل الدقيق لـ 12 قطعة معدنية من الدبابيس المأخوذة من المبنى أنها استخدمت في المراحل الأولى من بناء الكاتدرائية. ويرى المؤلف الرئيسي للدراسة أن استخدام الحديد لتعزيز أحجار المبنى والميزات الأخرى -مثل الوصلات الحديدية لنوافذ الزجاج الملون- كان أمراً أساسياً في إنشاء الطراز القوطي للعمارة في الكاتدرائية. على عكس العمارة الحجرية المليئة بالحجارة في العصر الروماني، واستفاد بناة العصور الوسطى في العمارة القوطية من هذا الابتكار الحديدي لإنشاء هياكل تبدو أخف وزناً وأكثر إبرازاً للتفاصيل. بالإضافة إلى المعرفة الأثرية والتاريخية الأخرى لتلك الفترة الزمنية، توفر التحليلات أيضاً معلومات يمكن أن تساعد في تعميق فهم تجارة الحديد وتداوله ومزجه في باريس في القرنين الثاني عشر والثالث عشر.
ويلفت الباحثون إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من التحليلات لعينات نوتردام وقاعدة بيانات شاملة لمنتجي الحديد التاريخيين في المنطقة لتأكيد وتوسيع النتائج الجديدة المتعلقة بسوق الحديد الباريسي في العصور الوسطى. لا يتوقع لاريتييه أن تتعرض نتائج دراسته إلى نقد كبير من الباحثين أو تطرح أسئلة نقدية على التقديرات الزمنية، أو تلك المرتبطة بطريقة تشكيل هذه الدبابيس، لكنه يشير إلى أنه يأمل في مزيد من التعاون مع الباحثين الآخرين الذين يدرسون نواحي تاريخية أخرى مرتبطة بالبناء، مثل الأخشاب المستخدمة في بناء الكاتدرائية، بالإضافة إلى تقديم تفسيرات مرتبطة بمكونات البناء من الداخل.