التاريخ
٢٤ مارس، الساعة ١١:٥٣ م ·
إبن الأثير المؤرخ الشهير
(صاحب كتاب الكامل في التاريخ )
------------------------------------------------
هو الإمام البارع ؛العلامة، المحدث، الأديب، النسابة: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري ثم الموصلي المعروف بابن الأثير. ..[1]،
ولد في أحد الربيعين سنة أربع وأربعين وخمسمائة في جزيرة ابن عمر، وهي - على ما يقول ياقوت الحموي معاصر المؤلف - بلدة فوق الموصل؛ بينهما ثلاثة أيام، ونشأ بها في بيئة دينية عريقة في التدين، وبين أسرة علمية أصيلة في العلم ؛ وتلقى من علمائها معارفه الأولى، من تفسير وحديث ونحو ولغة وفقه، ثم تحول سنة (565 هـ) إلى الموصل، وفيها بدأت معارفه تنضج وثقافته تزداد، وأقام بها إلى أن توفي. [2]،
قال عنه الإمام الذهبي في السير :
{ القاضي الرئيس العلامة البارع الأوحد البليغ مجد الدين أبو السعادات المبارك ... ، الكاتب ابن الأثير صاحب " جامع الأصول " و " غريب الحديث " وغير ذلك ... وسمع من يحيى بن سعدون القرطبي ، وخطيب الموصل وطائفة} .[3]
قال ياقوت الحموي في "معجم الأدباء": حدثني أخوه أبو الحسن قال: تولى أخي أبو السعادات الخزانة لسيف الدين الغازي بن مودود بن زنكي، ثم ولاه ديوان جزيرة ابن عمر وأعمالها، ثم عاد إلى الموصل، فناب في الديوان عند الوزير جلال الدين أبي الحسن علي بن جمال الدين محمد بن منصور الأصبهاني، ثم اتصل بمجاهد الدين قايماز - وكان نائب المملكة - بالموصل أيضًا، فنال عنده درجة رفيعة، فلما قُبِضَ على مجاهد الدين سنة 589 هـ [4]
اتصل بخدمة أتابَك عز الدين مسعود بن مودود إلى أن توفي عز الدين وآل الأمر إلى ولده نور الدين شاه، فاتصل بخدمته حتى صار واحد دولته حقيقة، بحيث إن السلطان كان يقصده في منزله في مهام نفسه، لأنه أُقعد في آخر زمانه، فكانت الحركة تصعب عليه، فكان يجيئه بنفسه أو يرسل إليه بدر الدين لؤلؤًا.
وكان قد عرض عليه غير مرة أن يستوزره، وهو يأبى، فركب السلطان إليه، فامتنع أيضًا، حتى غضب عليه، فاعتذر إليه وقال له: أنا رجل كبير، وقد خدمت العلم عمري واشتهر ذلك عني في البلاد، وأعلم أني لو اجتهدت في إقامة العدل بغاية جهدي ما قدرت أن أؤدي حقه، ولو ظُلم أكّار (حرَّاث) في ضيعة من أقصى أعمال السلطان لنسب ظلمه إليَّ، ورجعتَ أنت وغيرك باللائمة عليَّ، والملك لا يستقيم إلا بشيء من العسف والظلم، وأخذِ الخَلْق بالشدة، وأنا لا أقدر عليه، ولا يليق بي، فعذره وأعفاه.
ولما أُقعد آخر عمره، جاء رجل مغربي فعالجه بدهن صنعه، فبانت ثمرته، وتمكَّن من مدِّ رجليه، فقال لأخيه عز الدين أبي الحسن علي بن الأثير: أعطه ما يرضيه، واصرفه، فقال أخوه: لماذا وقد ظهر النُّجح؟! قال: هو كما تقول، ولكني في راحة من صحبة هؤلاء القوم - يعني الأمراء والسلاطين - وقد سكنت نفسي إلى الانقطاع والدعة، وبالأمس كنت أُذِل نفسي بالسعي إليهم، وهنا في منزلي لا يأتون إليَّ إلا في مشورة مهمة، ولم يبق من العمر إلا القليل، فدعني أعش باقيه حرًا سليمًا من الذل، قال أخوه: فقلبت قوله وصرفت الرجل بإحسان.
فلزم بيته صابرًا محتسبًا، يقصده العلماء، ويفد إليه السلاطين والأمراء، يقبسون من علمه، وينهلون من فيضه، حتى توفي رحمه الله بالموصل سنة 606 هـ. [5]،
------------------------------------------------------------------
ابن الأثير ورحلته العلمية :
كان والد ابن الأثير ثريًّا يمتلك عدَّة بساتين وقرية، بالإضافة إلى ذلك كان يشتغل بالتجارة إلى جانب وظائفه الحكوميَّة في جزيرة ابن عمر؛ فقد كان رئيس ديوانها ونائب وزير الموصل فيها .. [6]
وقد سار ابن الأثير إلى الموصل مع والده وأخويه، وسكن الموصل وسمع بها من علمائها، و-أيضًا- قَدِم بغداد مرارًا وسمع بها من الشيوخ، .ثم رحل إلى الشام والقدس وسمع هناك من جماعة،...
ثم عاد إلى الموصل ولزم بيته منقطعًا للنظر في العلم والتصنيف، وكان بيته مجمع الفضل لأهل الموصل والواردين عليها، وكان إمامًا في حفظ الحديث ومعرفته وما يتعلق به، وحافظًا للتواريخ المتقدمة والمتأخرة، وخبيرًا بأنساب العرب وأخبارهم وأيامهم ووقائعهم ..[7].
ابن الأثير وإخوته :
كان لابن الأثير أخوان أحدهما أكبر منه وهو (مجد الدين أبو السعادات) المبارك، وُلد سنة 544هـ وتوفى سنة 606هـ،
وهو أحد العلماء الأفذاذ له كتاب (جامع الأصول في أحاديث الرسول)، وكتاب (النهاية في غريب الحديث والأثر)،
والآخر أصغر منه، وهو (ضياء الدين أبو الفتح) نصر الله، ولد سنة 558هـ، وتوفى سنة 637م،
وكان من ذوي النبوغ في العلوم الأدبية، وله كتب قيمة منها (المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر) و(الوشي المرقوم في حلى المنظوم) .. [8].
تراث ابن الأثير ووفاته :
كان لابن الأثير باع في التاريخ، حيث ألف في التاريخ العام كتاب (الكامل) وهو مرجع مهم في تاريخ الحملات الصليبية التي شاهد بعضًا منها إلى وفاته، وفيه تحدث أيضًا عن هجوم التتار،
وألف في التاريخ الخاص كتاب (أسد الغابة في معرفة الصحابة)، وكتابه هذا يعلن عن سعة اطلاعه، ومعرفته بالأخبار، وغرامة بالبحث ودقته في النقد، وأصالته في التأليف ..[9]،
ومن تراثه أيضًا
كتاب "اللباب في تهذيب الأنساب "
وكتاب "تاريخ الدولة الأتابكية"
وكتاب" الجامع الكبير" في البلاغة،
وكتاب "تاريخ الموصل" الذي لم يتمه ..[10]،
وكانت وفاته في سنة 630هـ= 1233م [11].
----------------------------------------------------------------
اتهم ابن الأثير بالتشيع أو ميله لإنصاف الشيعة لكن لا تثبت هذه التهمة كما وجهت له انتقادات لبعض مواقفه من الخلافة العباسية و غيرها وفي الجملة مؤلفاته في التاريخ موثوقة .
إلا أن له بعض الهنات وللوقوف على حقيقة ذلك يرجى الذهاب إلى صيد الفوائد /من قراءاتي عن الشيعة ( 1 ) هل كان المؤرخ ابن الأثير شيعيًا ؟! /سليمان بن صالح الخراشي
نظرة في كتاب (الكامل) لابن الأثير /د . سليمان الدخيل
( مجلة البيان ، العدد 12) ويرجى متابعة ماسينشره .
-----------------------------------------------------------------
ويكمل الإمام الذهبي في التعريف به :
{ وروى الكتب نازلا فأسند " صحيح البخاري " عن ابن سرايا عن أبي الوقت ، و " صحيح مسلم " عن أبي ياسر بن أبي حبة ، عن إسماعيل بن السمرقندي ، عن التنكتي ، عن أبي الحسين عبد الغافر . ثم عن ابن سكينة إجازة عن الفراوي ، و " الموطأ " عن ابن سعدون ، حدثنا ابن عتاب عن ابن مغيث فوهم ، و " سنن أبي داود والترمذي " بسماعه من ابن سكينة ، و " سنن النسائي " ، أخبرنا يعيش بن صدقة عن ابن محمويه .
ثم اتصل بالأمير مجاهد الدين قيماز الخادم إلى أن توفي مخدومه ، فكتب الإنشاء لصاحب الموصل عز الدين مسعود الأتابكي ، وولي ديوان الإنشاء ، وعظم قدره . وله اليد البيضاء في الترسل ، وصنف فيه . ثم عرض له فالج في أطرافه ، وعجز عن الكتابة ، ولزم داره ، وأنشأ رباطا في قرية وقف عليه أملاكه ، وله نظم يسير .
قال الإمام أبو شامة قرأ الحديث والعلم والأدب ، وكان رئيسا مشاورا ، صنف " جامع الأصول " و " النهاية " وشرحا لمسند الشافعي وكان به نقرس ، فكان يحمل في محفة ، قرأ النحو على أبي محمد سعيد ابن الدهان ، وأبي الحرم مكي الضرير . إلى أن قال : ولما حج سمع ببغداد من ابن كليب وحدث ، وانتفع به الناس ، وكان ورعا ، عاقلا ، بهيا ، ذا بر وإحسان . وأخوه عز الدين علي صاحب " التاريخ " ، وأخوهما الصاحب ضياء الدين مصنف كتاب " المثل السائر " .
وقال ابن خلكان لمجد الدين كتاب " الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف " تفسيري الثعلبي والزمخشري ، وله كتاب " المصطفى المختار في الأدعية والأذكار " وكتاب لطيف في صناعة الكتابة ، وكتاب " البديع في شرح مقدمة ابن الدهان " وله " ديوان رسائل " .
قلت : روى عنه ولده ، والشهاب القوصي ، والإمام تاج الدين ، عبد المحسن بن محمد بن محمد بن الحامض شيخ الباجربقي وطائفة . وآخر من روى عنه بالإجازة الشيخ فخر الدين ابن البخاري .
قال ابن الشعار كان كاتب الإنشاء لدولة صاحب الموصل نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود ، وكان حاسبا ، كاتبا ، ذكيا ، إلى أن قال : ومن تصانيفه كتاب " الفروق في الأبنية " وكتاب " الأذواء والذوات " وكتاب " المختار في مناقب الأخيار " و " شرح غريب الطوال " . قال : وكان من أشد الناس بخلا .
قلت : من وقف عقاره لله فليس ببخيل ، فما هو ببخيل ، ولا بجواد ، بل صاحب حزم واقتصاد -رحمه الله !
عاش ثلاثا وستين سنة . توفي في سنة ست وستمائة بالموصل .
حكى أخوه العز ، قال : جاء مغربي عالج أخي بدهن صنعه ، فبانت ، ثمرته ، وتمكن من مد رجليه ، فقال لي : أعطه ما يرضيه واصرفه قلت : لماذا وقد ظهر النجح ؟ قال : هو كما تقول ، ولكني في راحة من ترك هؤلاء الدولة ، وقد سكنت نفسي إلى الانقطاع والدعة ، وبالأمس كنت أذل بالسعي إليهم ، وهنا فما يجيئونني إلا في مشورة مهمة ، ولم يبق من العمر إلا القليل . [12]
---------------------------------------------------------------------
[1] الذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1405هـ= 1985م، 22/ 353، 354.
[2] ابن خلكان: وفيات الأعيان، تحقق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1900، 3/ 348. و الذهبي: سير أعلام النبلاء، 22/ 354. وابن الأثير: أسد الغابة، دار الفكر، بيروت، 1409هـ= 1989م، 1/ 7.، والزركلي: الأعلام، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشر، 2002م، 4/ 331.
[3]سير أعلام النبلاء جزء ٢٢ ص ٤٨٩ نسخة اسلام ويب
[4] قول الشيخ محمد حامد الفقي في ترجمة المؤلف: حتى قبض على مجد الدين أبي السعادات، مخالف لما جاء في " معجم الأدباء " لياقوت، وهو معاصر المؤلف، وأعرف بهذا من غيره.
[5]مقدمة تحقيق « جامع الأصول في أحاديث الرسول»، طـ مكتبة الحلواني - مطبعة الملاح، الطبعة الأولى
[6]ابن الأثير: أسد الغابة، 1/ 7.
[7] ابن خلكان: وفيات الأعيان، 3/ 348.
[8] ابن الأثير: أسد الغابة، 1/ 7، 8.
[9] ابن الأثير: أسد الغابة، 1/ 8.
[10] والزركلي: الأعلام، 4/ 332.
[11] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 22/ 356، والزركلي: الأعلام، 4/ 331.
[12] السير نسخة اسلام ويب ج ٢٢ ص ٤٨٩- ٤٩١
--------------------------------------------------------------------
#الأعلام_والتراجم_جواهر إبن الأثير