الفلسفة في القرن العشرين (فرنسا)
الفلسفة الفرنسية في القرن العشرين هي جزء من الفلسفة الأوربية، تعود نشأتها لأسباب عدة، من أهمها بروز حركات فكرية تعارض المذهب الميكانيكي المادي والمذهب الذاتي، مما أدى إلى تغيرات جذرية في الحياة العقلية والروحية، شملت علم الطبيعة وعلم الرياضيات. فتطور الفكر التحليلي وظهر المنهج الرياضي المنطقي والمنهج الفينومينولوجي، فتولدت تصورات جديدة للعالم، منها التصور اللاعقلي، والاتجاه الميتافيزيقي الواقعي الجديد. وقد أدت هذه الأسباب كلها إلى ظهور مواقف وأفكار ونظريات جديدة لكثير من الفلاسفة الفرنسيين. ففي مجال نقد العلم برز إميل بوترو Émile Boutroux وهنري بوانكاريه Henri Poincare، كما تزعَّم برغسون Bergson الاتجاه اللاعقلي الحيوي وبفضله أصبح هذا الاتجاه قوة رئيسية بين قوى الفكر الغربي في النصف الأول من القرن العشرين.
تميز الفكر الفرنسي بالاتزان والاعتدال والمنطقية والجرأة والبساطة والوضوح، ويعود هذا إلى إدراك المفكرين الفرنسيين أهمية الفلسفة الوضعية والتجريبية. وقد حرص الفكر الفرنسي منذ نشأته على تحليل الأفكار والمشاعر إلى عناصر متميزة، والتعبير عنها باللغة المتداولة، لتكون متاحة إلى الناس عامة، وبهذا أثرت الفلسفة الفرنسية في الإنسانية جمعاء، فشاعت مذاهبها.
وقد تميز الفكر الفرنسي أيضاً بالحرية والروحية؛ فالإنسان حر ويمارس الحرية بالفعل. وقد كانت الروحية دائماً طابع فرنسا الخاص، فالروحية عند الفرنسيين موجودة دائماً واتجاه التفكير الفرنسي في صميمه اتجاه روحي.
ويعد الربع الأول من القرن العشرين عصراً مفعماً بالنشاط الفلسفي وغزيراً بالإنتاج العلمي، وقد ظهر في هذه الفترة مفكرون كبار، عرضوا أفكاراً جديدة، ووفروا لها الانتشار أمثال «برغسون». ومن المدارس الرئيسية في بداية القرن العشرين كانت المدرسة التجريبية والمدرسة المثالية اللتان دافعتا عن تيارات تنتمي إلى القرن التاسع عشر، ومدرسة فلسفة الحياة وهي من أنصار التحديث، والمدرسة الاجتماعية والمدرسة الوجودية. فمن أنصار المدرسة التجريبية ظهر في فرنسا عدد من التجريبيين الذين كانوا قد أخرجوا قدراً كبيراً من إنتاجهم في القرن التاسع عشر، إلا أن تأثيرهم لم يظهر إلا في بداية القرن العشرين، حين أقاموا نوعاً من الميتافيزيقا المبنية على أساس علمي ومنهم ألفرد فوييه Alfred Fouillée ما بين (1838-1912) الذي قدم نظرية في «الأفكار الفاعلة»، وأندريه لالاند André Lalande الذي انتقد التفاؤل التطوري وقدَّم قانون التحلل، والمادي المتطرف فيلكس لودانتك Félix Le Dantec الذي عارض المذهب الروحي والمذهب الحيوي والمذهب الفردي في نظرية الوجود. أما المدرسة المثالية فقد استمرت في التأثير في الفكر الفلسفي الفرنسي حتى قيام الحرب العالمية الثانية، وكان من أهم ممثليها ليون برونشفيك Léon Brunschwig الذي كان تابعاً للفيلسوف الألماني كَنْت Kant وتأثر بالمذهب الوضعي، وذهب إلى عدّ هيكل العلم الطبيعي هيكلاً رياضياً وإلى القول إن كل العلم هو بالاتفاق، فهو نوع من اللغة، ويمكن تصور اتفاقات أخرى فليس العلم مطلقاً. ويرى أن علم الرياضيات هو أعلى درجة وصل إليها الفكر الإنساني. وقد ظهر إلى جانبه عـدد من المثاليين أمثال أوكتاف هامـلان Octave Hamelin الذي قدّم عـدداً مـن الـدراسات العميقة عن عـدد من كـبار الفلاسفة، وله كتاب واحـد هو «محاولـة في العناصـر الرئيسية للتمثل»، وجـول لانيوJules Lagneau ما بين (1851-1894) ودومينك باروديDominique Parodi ما بين (1870-1955). كما ظهر في فرنسا إلى جانب تلك المدارس فلسفة اعتمدت في أفكارها على توما الأكويني Thomas Aquinas وهو التيار الواقعي الرئيسي في فرنسا، فقد بدأ هذا الاتجاه التومائي ينشر مؤلفات ذات قيمة كبيرة مع بداية القرن العشرين حين نشر لاغرانج غاريغوLagrange Garrigou ما بين (1877-1964) كتابيه «الحس المشترك» و«حب الله وصليب اليسوع»، كما نشر جاك ماريتان Jacques Maritain عام 1913 أول كتبه المهمة الذي يهاجم فيه برغسون. وظهر في فرنسا أيضاً في بداية القرن العشرين اتجاه مَثّل فلسفة الحياة سطع فيه نجم برغسون، وظهر مؤلفه الرئيسي «التطور الخلاّق» وأصبح المدار الحقيقي لكل نقاش فلسفي، فعُيِّن برغسون رئيساً لهذه المدرسة وحاز شعبية الجمهور الفرنسي وصار أهم ممثلي فلسفة الحياة، فقد أكمل صورة المدرسة لكنه لم يؤسسها، إذ سبقه كتاب موريس بلوندلMaurice Blondel ما بين (1861-1949) «العمل».
وفي الواقـع، إن هذه الحركة الفلسفية تعد امتداداً للتوجـه الروحاني الإرادي والشخصاني للفلسفة الفرنسية، الذي ابتداه مين دو بيـران Main de Biran ما بين (1766-1824) وواصله كل من فيلكس رافيسونFélix Ravaisson ما بين (1813-1900) وجول لاشلييهJules Lachelier ما بين (1832-1918) وإميل بوترو، كما وجدت المدرسة الاجتماعية لها مناخاً مناسباً في فرنسا، ويُعدّ إميل دوركهايم Émile Durkheim ما بين (1858-1917) الممثل الرئيسي لها، وكان عمل دوركهايم الاجتماعي امتداداً لعمل أوغست كونت Auguste Conte في فرنسا، ومع ذلك فقد انتقد دوركهايم وضعية كونت ورفض بشدة المادية والتجريبية السطحية، وتحدث عن استحالة ما هو اجتماعي وما هو فردي وطالب بالاعتراف بأن للواقعة الاجتماعية طابعاً خـاصاً، ورفض مـنهج الـرد - أي تفسير الأعلى بالأدنى والمركـب بالبسيط - لقد حاول دوركهايم جعل علم الاجتماع علماً طبيعياً مستقلاً بذاته بحيث لا تُفسر الوقائع الاجتماعية بردها إلى الوقائع النفسية، وقد سعى أيضاً إلى استقلال علم الاجتماع عن الفلسفة، فالوقائع الاجتماعية يجب أن تفسر تفسيراً طبيعياً عن طريق تطبيق مبدأ العلّية، فظهرت المدرسة الاجتماعية الفرنسية، وبرز عديد من الأسماء التي كان لها أثر في الفكر الاجتماعي الفرنسي أمثال شارل لالو Charles Lalo الذي طبق المنهج الدوركهايمي في مجال علم الجمال، ومورس هليفاكس Maurice Halifax في مجال علم النفس، ولعل غوستاف لوبون Gustave Le Bon من أشهر علماء الاجتماع الفرنسيين في الوقت الحاضر، وقد نظر إلى الجنس على أنه مجموع خصائص فيزيائية تعدّ الأساس في الفروق النفسية وهي التي تحددها، وقد ذهب إلى أن ما يميز الأجناس العليا من الأجناس الدنيا هي أن الأولى تملك عدداً من العقول الكبيرة والمتطورة، في حين لا تملك الثانية منها شيئاً.
وتبلورت أيضاً في الربع الأخير من القرن العشرين في فرنسا فلسفة سُميت بفلسفة الروح، وهي فلسفة تتعارض مع المثالية والوضعية، ويقيم أصحاب هذه المدرسة فلسفتهم على أسس ثلاثة هي: إقرار القول بالمطلق، ووضع التجربة الإنسانية برمتها في الاعتبار وإقرار جميع الميول الروحية التي يمكنها أن تسهم في تفهم طبيعة الشخصية الإنسانية، ويختلفون فيما بينهم في كثير من وجهات النظر، ومع ذلك فإنهم يتفقون في سمة أساسية تتمثل في ضرب من ضروب الحدس وفي نزوع بارز لتبني وجهات نظر أفلاطونية محدثة. ويعدّ لويس لافيلLouis Lavelle ما بين (1883-1951) وأرنست لوسن من أهم أصحاب فلسفة الروح. ولعل أهم المدارس الفلسفية التي سادت في القرن العشرين هي الفلسفة الوجودية التي صارت حديث الجمهور وموضع الإقبال في عدد من البلاد بعد الحرب العالمية الثانية، ولاشك أن الفلاسفة الوجوديين الفرنسيين قد صنعوا لأنفسهم جمهوراً واسعاً بفضل ما كتبوه من روايات ومسرحيات تتناول مشكلات الوجود اللاإنساني، مثل مشكلة الحياة والموت والألم. وقد ظهر في النصف الأول من القرن العشرين في فرنسا عدد من الفلاسفة الوجوديين أمثال سارتر Sartre ومارسل Marcel وسيمون دو بوفوار Simon de Beauvoir ما بين (1908-1986) إضافة إلى موريس ميرلو - بونتي Maurice Merleau-Ponty ما بين (1908-1961)، وهو واحد من أهم العقول الفلسفية في منتصف القرن العشرين، كان قد اقترح في فلسفته نموذج نقد فينومينولوجياً شرحه في مؤلفه «فينومينولوجا الإدراك» وقد تأثرت الفلسفة الوجودية بكيركيغارد Kierkegaard وهوسرلHusserl ما بين (1859-1938) كما تأثرت بفلسفة الحياة، إذ طورت مذهب العقل والنشاط وتحليلات هذه الفلسفة حول الزمان ونقد المذهب العقلي والعلوم الطبيعية. وتجتمع الفلسفات الوجودية مع اختلافها بأنها تنبع من تجربة حية معيشة؛ تجربة وجودية وموضوعها الرئيسي هو الوجود حيث يتصور على نحو فاعلي نشط.
عبير الأطرش
الفلسفة الفرنسية في القرن العشرين هي جزء من الفلسفة الأوربية، تعود نشأتها لأسباب عدة، من أهمها بروز حركات فكرية تعارض المذهب الميكانيكي المادي والمذهب الذاتي، مما أدى إلى تغيرات جذرية في الحياة العقلية والروحية، شملت علم الطبيعة وعلم الرياضيات. فتطور الفكر التحليلي وظهر المنهج الرياضي المنطقي والمنهج الفينومينولوجي، فتولدت تصورات جديدة للعالم، منها التصور اللاعقلي، والاتجاه الميتافيزيقي الواقعي الجديد. وقد أدت هذه الأسباب كلها إلى ظهور مواقف وأفكار ونظريات جديدة لكثير من الفلاسفة الفرنسيين. ففي مجال نقد العلم برز إميل بوترو Émile Boutroux وهنري بوانكاريه Henri Poincare، كما تزعَّم برغسون Bergson الاتجاه اللاعقلي الحيوي وبفضله أصبح هذا الاتجاه قوة رئيسية بين قوى الفكر الغربي في النصف الأول من القرن العشرين.
تميز الفكر الفرنسي بالاتزان والاعتدال والمنطقية والجرأة والبساطة والوضوح، ويعود هذا إلى إدراك المفكرين الفرنسيين أهمية الفلسفة الوضعية والتجريبية. وقد حرص الفكر الفرنسي منذ نشأته على تحليل الأفكار والمشاعر إلى عناصر متميزة، والتعبير عنها باللغة المتداولة، لتكون متاحة إلى الناس عامة، وبهذا أثرت الفلسفة الفرنسية في الإنسانية جمعاء، فشاعت مذاهبها.
وقد تميز الفكر الفرنسي أيضاً بالحرية والروحية؛ فالإنسان حر ويمارس الحرية بالفعل. وقد كانت الروحية دائماً طابع فرنسا الخاص، فالروحية عند الفرنسيين موجودة دائماً واتجاه التفكير الفرنسي في صميمه اتجاه روحي.
ويعد الربع الأول من القرن العشرين عصراً مفعماً بالنشاط الفلسفي وغزيراً بالإنتاج العلمي، وقد ظهر في هذه الفترة مفكرون كبار، عرضوا أفكاراً جديدة، ووفروا لها الانتشار أمثال «برغسون». ومن المدارس الرئيسية في بداية القرن العشرين كانت المدرسة التجريبية والمدرسة المثالية اللتان دافعتا عن تيارات تنتمي إلى القرن التاسع عشر، ومدرسة فلسفة الحياة وهي من أنصار التحديث، والمدرسة الاجتماعية والمدرسة الوجودية. فمن أنصار المدرسة التجريبية ظهر في فرنسا عدد من التجريبيين الذين كانوا قد أخرجوا قدراً كبيراً من إنتاجهم في القرن التاسع عشر، إلا أن تأثيرهم لم يظهر إلا في بداية القرن العشرين، حين أقاموا نوعاً من الميتافيزيقا المبنية على أساس علمي ومنهم ألفرد فوييه Alfred Fouillée ما بين (1838-1912) الذي قدم نظرية في «الأفكار الفاعلة»، وأندريه لالاند André Lalande الذي انتقد التفاؤل التطوري وقدَّم قانون التحلل، والمادي المتطرف فيلكس لودانتك Félix Le Dantec الذي عارض المذهب الروحي والمذهب الحيوي والمذهب الفردي في نظرية الوجود. أما المدرسة المثالية فقد استمرت في التأثير في الفكر الفلسفي الفرنسي حتى قيام الحرب العالمية الثانية، وكان من أهم ممثليها ليون برونشفيك Léon Brunschwig الذي كان تابعاً للفيلسوف الألماني كَنْت Kant وتأثر بالمذهب الوضعي، وذهب إلى عدّ هيكل العلم الطبيعي هيكلاً رياضياً وإلى القول إن كل العلم هو بالاتفاق، فهو نوع من اللغة، ويمكن تصور اتفاقات أخرى فليس العلم مطلقاً. ويرى أن علم الرياضيات هو أعلى درجة وصل إليها الفكر الإنساني. وقد ظهر إلى جانبه عـدد من المثاليين أمثال أوكتاف هامـلان Octave Hamelin الذي قدّم عـدداً مـن الـدراسات العميقة عن عـدد من كـبار الفلاسفة، وله كتاب واحـد هو «محاولـة في العناصـر الرئيسية للتمثل»، وجـول لانيوJules Lagneau ما بين (1851-1894) ودومينك باروديDominique Parodi ما بين (1870-1955). كما ظهر في فرنسا إلى جانب تلك المدارس فلسفة اعتمدت في أفكارها على توما الأكويني Thomas Aquinas وهو التيار الواقعي الرئيسي في فرنسا، فقد بدأ هذا الاتجاه التومائي ينشر مؤلفات ذات قيمة كبيرة مع بداية القرن العشرين حين نشر لاغرانج غاريغوLagrange Garrigou ما بين (1877-1964) كتابيه «الحس المشترك» و«حب الله وصليب اليسوع»، كما نشر جاك ماريتان Jacques Maritain عام 1913 أول كتبه المهمة الذي يهاجم فيه برغسون. وظهر في فرنسا أيضاً في بداية القرن العشرين اتجاه مَثّل فلسفة الحياة سطع فيه نجم برغسون، وظهر مؤلفه الرئيسي «التطور الخلاّق» وأصبح المدار الحقيقي لكل نقاش فلسفي، فعُيِّن برغسون رئيساً لهذه المدرسة وحاز شعبية الجمهور الفرنسي وصار أهم ممثلي فلسفة الحياة، فقد أكمل صورة المدرسة لكنه لم يؤسسها، إذ سبقه كتاب موريس بلوندلMaurice Blondel ما بين (1861-1949) «العمل».
وفي الواقـع، إن هذه الحركة الفلسفية تعد امتداداً للتوجـه الروحاني الإرادي والشخصاني للفلسفة الفرنسية، الذي ابتداه مين دو بيـران Main de Biran ما بين (1766-1824) وواصله كل من فيلكس رافيسونFélix Ravaisson ما بين (1813-1900) وجول لاشلييهJules Lachelier ما بين (1832-1918) وإميل بوترو، كما وجدت المدرسة الاجتماعية لها مناخاً مناسباً في فرنسا، ويُعدّ إميل دوركهايم Émile Durkheim ما بين (1858-1917) الممثل الرئيسي لها، وكان عمل دوركهايم الاجتماعي امتداداً لعمل أوغست كونت Auguste Conte في فرنسا، ومع ذلك فقد انتقد دوركهايم وضعية كونت ورفض بشدة المادية والتجريبية السطحية، وتحدث عن استحالة ما هو اجتماعي وما هو فردي وطالب بالاعتراف بأن للواقعة الاجتماعية طابعاً خـاصاً، ورفض مـنهج الـرد - أي تفسير الأعلى بالأدنى والمركـب بالبسيط - لقد حاول دوركهايم جعل علم الاجتماع علماً طبيعياً مستقلاً بذاته بحيث لا تُفسر الوقائع الاجتماعية بردها إلى الوقائع النفسية، وقد سعى أيضاً إلى استقلال علم الاجتماع عن الفلسفة، فالوقائع الاجتماعية يجب أن تفسر تفسيراً طبيعياً عن طريق تطبيق مبدأ العلّية، فظهرت المدرسة الاجتماعية الفرنسية، وبرز عديد من الأسماء التي كان لها أثر في الفكر الاجتماعي الفرنسي أمثال شارل لالو Charles Lalo الذي طبق المنهج الدوركهايمي في مجال علم الجمال، ومورس هليفاكس Maurice Halifax في مجال علم النفس، ولعل غوستاف لوبون Gustave Le Bon من أشهر علماء الاجتماع الفرنسيين في الوقت الحاضر، وقد نظر إلى الجنس على أنه مجموع خصائص فيزيائية تعدّ الأساس في الفروق النفسية وهي التي تحددها، وقد ذهب إلى أن ما يميز الأجناس العليا من الأجناس الدنيا هي أن الأولى تملك عدداً من العقول الكبيرة والمتطورة، في حين لا تملك الثانية منها شيئاً.
وتبلورت أيضاً في الربع الأخير من القرن العشرين في فرنسا فلسفة سُميت بفلسفة الروح، وهي فلسفة تتعارض مع المثالية والوضعية، ويقيم أصحاب هذه المدرسة فلسفتهم على أسس ثلاثة هي: إقرار القول بالمطلق، ووضع التجربة الإنسانية برمتها في الاعتبار وإقرار جميع الميول الروحية التي يمكنها أن تسهم في تفهم طبيعة الشخصية الإنسانية، ويختلفون فيما بينهم في كثير من وجهات النظر، ومع ذلك فإنهم يتفقون في سمة أساسية تتمثل في ضرب من ضروب الحدس وفي نزوع بارز لتبني وجهات نظر أفلاطونية محدثة. ويعدّ لويس لافيلLouis Lavelle ما بين (1883-1951) وأرنست لوسن من أهم أصحاب فلسفة الروح. ولعل أهم المدارس الفلسفية التي سادت في القرن العشرين هي الفلسفة الوجودية التي صارت حديث الجمهور وموضع الإقبال في عدد من البلاد بعد الحرب العالمية الثانية، ولاشك أن الفلاسفة الوجوديين الفرنسيين قد صنعوا لأنفسهم جمهوراً واسعاً بفضل ما كتبوه من روايات ومسرحيات تتناول مشكلات الوجود اللاإنساني، مثل مشكلة الحياة والموت والألم. وقد ظهر في النصف الأول من القرن العشرين في فرنسا عدد من الفلاسفة الوجوديين أمثال سارتر Sartre ومارسل Marcel وسيمون دو بوفوار Simon de Beauvoir ما بين (1908-1986) إضافة إلى موريس ميرلو - بونتي Maurice Merleau-Ponty ما بين (1908-1961)، وهو واحد من أهم العقول الفلسفية في منتصف القرن العشرين، كان قد اقترح في فلسفته نموذج نقد فينومينولوجياً شرحه في مؤلفه «فينومينولوجا الإدراك» وقد تأثرت الفلسفة الوجودية بكيركيغارد Kierkegaard وهوسرلHusserl ما بين (1859-1938) كما تأثرت بفلسفة الحياة، إذ طورت مذهب العقل والنشاط وتحليلات هذه الفلسفة حول الزمان ونقد المذهب العقلي والعلوم الطبيعية. وتجتمع الفلسفات الوجودية مع اختلافها بأنها تنبع من تجربة حية معيشة؛ تجربة وجودية وموضوعها الرئيسي هو الوجود حيث يتصور على نحو فاعلي نشط.
عبير الأطرش