الصندوق العربي للإنماء
راودت فكرة مؤسسة إقليمية عربية للتمويل الإنمائي ذهن القادة العرب منذ إنشاء الجامعة العربية، إلا أن هذه الفكرة لم تحقق تقدماً يذكر لمدة طويلة من الزمن لأسباب متعددة. وفي أعقاب حرب حزيران/يونيو 1967، تبين جلياً لمعظم الدول العربية أن لا قوة ولا مناعة دون التعاون والتضامن من أجل بناء اقتصاد عربي متين ومؤسسات قوية وفاعلة. كما بدا للجميع أن التفرقة والتشتت يضعفان العرب ويقودان الى هزيمتهم، وأن المشروعات التي لا تنجز تحطم العزائم وتشكك في النوايا. وبناء على هذه القناعة، وبعد مرور شهرين فقط على انتهاء الحرب، تقدمت بعض الدول العربية بمقترحات ومشروعات كان الهدف منها استجماع القوى ومواجهة التحديات.
ومن هذا المنطلق، تقدمت دولة الكويت بمشروع يهدف الى دعم الجهود الإنمائية للدول العربية عن طريق مؤسسة مالية عربية مشتركة تتخصص في تمويل مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول الأعضاء، وتعمل على تشجيع الاستثمارات المشتركة المعززة للتعاون والتكامل الاقتصادي العربي.
وقد وافق وزراء المال والاقتصاد والنفط العرب المنعقد في بغداد في آب/أغسطس 1967 بالإجماع على إنشاء صندوق تنمية سمي «الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي»، ورفع توصية بذلك لملوك ورؤساء الدول العربية الذين اجتمعوا بعد بضعة أسابيع في الخرطوم.
وفي شهر تشرين الأول/أوكتوبر 1967، وافق وكلاء وزارات الاقتصاد والمال على اتفاقية إنشاء الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي Arab Fund for Economic and Social Development كهيئة إقليمية قومية برأس مال 100مليون دينار كويتي (د. ك). ثم اعتمد المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية نص هذه الاتفاقية التي تم التوقيع عليها في 16أيار/مايو 1968، وأعلن نفاذها من طرف جامعة الدول العربية في 18كانون الأول/ديسمبر 1971، وعقد أول اجتماع لمجلس محافظي الصندوق في 6شباط/فبراير 1972، وباشر الصندوق عملياته الاقراضية من مقره في دولة الكويت في 30كانون الثاني/يناير 1974، بعد أن استكمل تنظيم هيكله واستقطاب الكفاءات العربية اللازمة لمزاولة أنشطته.
أغراضه ومبادئ العمل فيه
حددت أهداف الصندوق العربي وأغراضه في محورين متكاملين: دعم تنمية الأقطار العربية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وإنجاز المشروعات العربية المشتركة التي تهدف الى تحقيق التكامل العربي. فقد أعلن في اتفاقية إنشاء الصندوق العربي أن حكومات الدول الأعضاء قررت تأسيس هيئة مالية إقليمية عربية ذات شخصية قانونية مستقلة رغبة منها في بناء اقتصاد الدول العربية على أساس متين ومساعدة هذه الدول على تلبية متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة، وتوثيق الصلة بين الدول العربية وتنسيق سياساتها وتعزيز التعاون فيما بينها من جهة ثانية.
وحددت اتفاقية إنشاء الصندوق العربي في مادتها الثانية أغراض الصندوق في عمليات تمويل المشروعات الإنمائية في الدول والبلاد العربية كما يأتي:
1ـ تمويل المشروعات الاقتصادية ذات الطابع الاستثماري بقروض تحمل شروطاً ميسرة للحكومات والهيئات والمؤسسات العامة والخاصة مع منح الأفضلية للمشروعات الاقتصادية الحيوية للكيان العربي والمشاريع العربية المشتركة.
2ـ تشجيع وتوظيف الأموال العامة والخاصة بطريق مباشر أو غير مباشر بما يكفل تطوير وتنمية الاقتصاد العربي.
3ـ توفير الخبرات والمعونات الفنية في مختلف مجالات التنمية الاقتصادية.
وفي ضوء تنامي دور القطاع الخاص في إنجاز مشروعات التنمية على أثر تنفيذ برامج التكيف والإصلاح الاقتصادي في الكثير من الدول العربية، وحدوث تغير ملموس في دور الدولة في اطار البيئة الدولية الجديدة، فقد عدلت هذه الاتفاقية في سنة 1997 لتشمل الإسهام في تمويل النشاطات الإنمائية للقطاع الخاص في الدول العربية. وأعيدت صياغة الاتفاقية لكي يشمل بندها الثاني الأغراض التالية، إضافة إلى ما شمله في الصياغة الأولى:
أـ تمويل مشروعات القطاع الخاص في الدول الأعضاء عن طريق تقديم القروض والضمانات على اختلاف أنواعها للمؤسسات والمنشآت ذات الشخصية الاعتبارية والمساهمة في رؤوس أموالها وتوفير عمليات التمويل الأخرى والخدمات المالية والفنية والاستشارية اللازمة، وذلك وفقاً للقواعد والشروط التي يحددها مجلس الإدارة.
ب ـ إنشاء أو المساهمة في رؤوس أموال المؤسسات ذات الشخصية الاعتبارية التي تهدف الى تنفيذ وتمويل مشروعات القطاع الخاص في الدول الأعضاء بما في ذلك توفير وتمويل الخدمات المالية والفنية والاستشارية اللازمة.
ج ـ إنشاء وإدارة صناديق خاصة تهدفإلى تحقيق أغراض معينة تتفق وأغراض الصندوق العربي، ويتم تمويلها من موارده وأي موارد أخرى، وتحدد وثائق إنشاء تلك الصناديق أغراضها وصلاحيتها وإدارتها والقواعد المنظمة لعملياتها.
واستند عمل الصندوق العربي على عدة مبادئ استوحاها من نص اتفاقية الإنشاء ومن حرصه على الإنصاف بين الدول، وتحقيق التوازن بين النشاطات، وضمان الجدوى والشفافية لكل المشروعات، ومن أهمها أن تكون المشروعات ذات أولوية ضمن خطط وبرامج التنمية، وتأكدت من خلال الدراسات جدواها الفنية والاقتصادية. وأن تتمتع الجهات القائمة على تنفيذها واستغلالها فيما بعد بالهياكل القانونية والتنظيمية والفنية الكفيلة بضمان سلامة المشروعات بما يحقق أهدافها. ويتعين كذلك أن تسهم الجهة المستفيدة بنصيب معقول في تمويل المشروع. كما يراعي الصندوق التوازن في توزيع القروض على الدول طبقاً للمعايير المقررة، مع إعطاء الأهمية للمشروعات العربية المشتركة التي تعضد التعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء. ويحرص الصندوق على وضع ضوابط لتنفيذ المشروعات بما يكفل تحقيقها لأهدافها، والحصول على أفضل الشروط الفنية والمالية لتنفيذ المشروعات وذلك بطرح عمليات الشراء والتعاقد في مناقصات دولية أو محلية، أخذاً في الحسبان تشجيع المقاولات وبيوت الخبرة العربية كلما أمكن ذلك.
ومن أجل تطبيق هذه المبادئ، أولى الصندوق في عملياته أهمية كبرى للتشاور مع الحكومات، كما حرص على الاستفادة من الخبرات الموجودة في الدول العربية. وإن تكونت له في الربع الأخير من القرن العشرين بعض الخبرة والتجربة والمؤهلات الذاتية، فقد حرص دائماً على مشاركة المسؤولين المعنيين في الدول المقترضة في تقييم المشروعات وإنجازها ومتابعة هذا الإنجاز، فلم تنعزل أجهزته في مداخلاتها في سبيل التنمية عن أجهزة الدول المستفيدة، بل اعتمدت في الأساس على القدرات الذاتية المتوفرة لديها.
هيكله التنظيمي
تتألف أجهزة الصندوق من مجلس المحافظين ومجلس الإدارة والمدير العام/رئيس مجلس الإدارة، والجهاز التنفيذي الذي يضم الموظفين اللازمين للقيام بالأعمال التي تحددها إدارة الصندوق. ويتكون مجلس المحافظين من محافظ تعينه كل دولة عضو من أعضاء الصندوق. ويعد هذا المجلس بمثابة الجمعية العمومية للصندوق وله جميع سلطات الإدارة، ولكل محافظ عدد معين من الأصوات يتناسب مع عدد أسهم الدولة التي يمثلها في الصندوق. ويتكون مجلس الإدارة من ثمانية مديرين غير متفرغين ينتخبهم مجلس المحافظين من العرب المشهود لهم بالخبرة والكفاءة.
موارده المالية
يعتمد الصندوق في تمويل نشاطه على موارده المالية المكونة من رأسماله المدفوع واحتياطاته وأرباحه غير الموزعة. وقد بدأ الصندوق أعماله عام 1974 برأسمال مصرح به بلغ 102مليون د. ك، دفع منه حتى نهاية ذلك العام مبلغ 36مليون د.ك. ومع تزايد حاجة الدول المستفيدة من خدمات الصندوق، وفي ظل الظروف المواتية التي أعقبت تصحيح أسعار النفط عام 1973، تم زيادة رأسمال الصندوق المصرح به الى 400مليون د.ك عام 1975، ثم تقرر مضاعفته عام 1983 ليصل الى 800مليون د.ك. ويبلغ رأس المال المكتتب به والمدفوع حالياً نحو 663مليون د.ك.
ونظراً لاحتفاظ الصندوق بأرباحه المتحققة منذ إنشائه، وعدم قيامه بإجراء أي توزيعات، واستخدام موارده الفائضة في استثمارات ذات مخاطر قليلة ومحسوبة وعدم المضاربة في الأسواق المالية، فقد تمكن من تكوين احتياطات مالية بلغ تراكمها نحو 39.1مليار د.ك.
وبهذا فقد بلغت موارده أي رأسماله المدفوع واحتياطاته نحو205مليار د.ك.
إنجازاته
يتبين من نص اتفاقية إنشاء الصندوق أن الأهداف الأساسية للصندوق العربي، تتمثل في المساهمة في بناء الاقتصاد العربي عن طريق تمويل المشروعات والاستثمارات التنموية. وكان طبيعياً أن يتم في البداية التركيز في عمليات الإقراض على تهيئة وتجهيز البنى التحتية وتغطية الاحتياجات الأساسية كالغذاء والماء، وذلك لأن معظم الدول العربية كانت في بداية مسيرتها التنموية عند انطلاق نشاط الصندوق، ولم تكن قد اكتملت لديها البنى التحتية أو القدرة الذاتية اللازمة لتغطية الحاجيات الأساسية لاقتصادياتها. ومع ذلك فقد حرص الصندوق العربي على أن تشمل أنشطته الإسهام في مختلف مشروعات التنمية بما في ذلك قطاعات الإنتاج والخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم والإسكان وتطوير القوى البشرية. كما اهتم الصندوق بالمشروعات العربية المشتركة من حيث الإعداد والتمويل. وقام أيضاً بتقديم خطوط ائتمان لمؤسسات التنمية الوطنية لتوفير التمويل لمشروعات القطاع الخاص العربي.
وتفهماً من الصندوق لدوره الإنمائي، واستجابة لطلبات الاقتراض المتزايدة المقدمة له من الدول العربية الأعضاء، قام الصندوق بزيادة حجم إقراضه السنوي بشكل كبير وتدريجي ابتداء من عام 1986 استناداً الى سياسة إقراضية مرنة تقوم على الاحتفاظ بتوازن مناسب بين مصادر واستخدامات تدفقاته المالية في المدى المتوسط. لذلك فقد ارتفع حجم الإقراض السنوي للصندوق بشكل مطّرد من نحو 53مليون د.ك الى نحو 258مليون د. ك.
وقد قدم الصندوق العربي منذ إنشائه وحتى نهاية عام 2002قروضاً بلغت قيمتها23.4146مليون دينار كويتي نال منها قطاع الطاقة والكهرباء 28.8بالمئة وقطاع الزراعة والتنمية الزراعية والتنمية الريفية 21.1بالمئة، وقطاع النقل والاتصالات والموانئ 19.9بالمئة وقطاع المياه والصرف الصحي 10.6بالمئة وقطاع الصناعة والتعدين 9بالمئة وقطاع الخدمات الاجتماعية 8.9بالمئة، مع بعض المتفرقات بنسبة 1.4بالمئة.
ويعمل الصندوق بالتعاون والتنسيق مع مؤسسات التنمية العربية الوطنية والإقليمية والدولية للإسهام معها في دعم المشاريع والأنشطة الإنمائية ذات الأولوية للمنطقة العربية، ومن أهم مداخلاته في هذا المجال متابعته لأنشطة برنامج تمويل التجارة العربية، والتعاون مع المؤسسات العربية والدولية في عقد الندوات والاجتماعات المتخصصة، وعمله كأمانة للتنسيق للصناديق العربية.
لقد شارك الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في تطوير الفكر الاقتصادي التنموي العربي، من خلال تأكيده ضرورة تكوين رؤية عربية مشتركة تركز على عملية النهوض بالمجتمع العربي كلياً، بالاعتماد على الذات والثروات المادية والبشرية العربية، والحفاظ على الذاتية الحضارية التي تجمع بين الأصالة والتطور والتحديث وتنمية الشخصية الذاتية للمجتمع العربي، وتحقيق وتعميم مبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة والكفاية.
كما كان الصندوق أول من أعد الدراسات المتعلقة بالجامعات المفتوحة على أساس البدء بجامعة القدس المفتوحة، وكذلك كان أول من دعا وساهم في إعداد الدراسات المتعلقة بالجامعة التكنولوجية العربية والصناعات المتعلقة بالمتطلبات التعليمية، وتعليم الصغار والإسهام في حملة محو الأمية وإعداد الدراسات المتعلقة بالزلازل والهزات الأرضية والأمن الغذائي العربي والاستخدام المرشد للثروة المائية العربية وهجرة العقول العربية الى الخارج الى ما هنالك من قضايا تتعلق بالأمن الاقتصادي القومي، كربط شبكات الطرق العربية وشبكات الكهرباء والاتصالات السلكية واللاسلكية.
كما كان الصندوق العربي يمثل الصوت العربي الموحد في جميع المنابر والمنتديات التنموية الدولية، ويعمل على حشد المزيد من القروض والمنح والمساعدات الدولية للمشروعات العربية، لذلك كله أضحى الصندوق العربي مصدر الفكر والعمل العربي التنموي.
محمد العمادي
راودت فكرة مؤسسة إقليمية عربية للتمويل الإنمائي ذهن القادة العرب منذ إنشاء الجامعة العربية، إلا أن هذه الفكرة لم تحقق تقدماً يذكر لمدة طويلة من الزمن لأسباب متعددة. وفي أعقاب حرب حزيران/يونيو 1967، تبين جلياً لمعظم الدول العربية أن لا قوة ولا مناعة دون التعاون والتضامن من أجل بناء اقتصاد عربي متين ومؤسسات قوية وفاعلة. كما بدا للجميع أن التفرقة والتشتت يضعفان العرب ويقودان الى هزيمتهم، وأن المشروعات التي لا تنجز تحطم العزائم وتشكك في النوايا. وبناء على هذه القناعة، وبعد مرور شهرين فقط على انتهاء الحرب، تقدمت بعض الدول العربية بمقترحات ومشروعات كان الهدف منها استجماع القوى ومواجهة التحديات.
ومن هذا المنطلق، تقدمت دولة الكويت بمشروع يهدف الى دعم الجهود الإنمائية للدول العربية عن طريق مؤسسة مالية عربية مشتركة تتخصص في تمويل مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول الأعضاء، وتعمل على تشجيع الاستثمارات المشتركة المعززة للتعاون والتكامل الاقتصادي العربي.
وقد وافق وزراء المال والاقتصاد والنفط العرب المنعقد في بغداد في آب/أغسطس 1967 بالإجماع على إنشاء صندوق تنمية سمي «الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي»، ورفع توصية بذلك لملوك ورؤساء الدول العربية الذين اجتمعوا بعد بضعة أسابيع في الخرطوم.
وفي شهر تشرين الأول/أوكتوبر 1967، وافق وكلاء وزارات الاقتصاد والمال على اتفاقية إنشاء الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي Arab Fund for Economic and Social Development كهيئة إقليمية قومية برأس مال 100مليون دينار كويتي (د. ك). ثم اعتمد المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية نص هذه الاتفاقية التي تم التوقيع عليها في 16أيار/مايو 1968، وأعلن نفاذها من طرف جامعة الدول العربية في 18كانون الأول/ديسمبر 1971، وعقد أول اجتماع لمجلس محافظي الصندوق في 6شباط/فبراير 1972، وباشر الصندوق عملياته الاقراضية من مقره في دولة الكويت في 30كانون الثاني/يناير 1974، بعد أن استكمل تنظيم هيكله واستقطاب الكفاءات العربية اللازمة لمزاولة أنشطته.
أغراضه ومبادئ العمل فيه
حددت أهداف الصندوق العربي وأغراضه في محورين متكاملين: دعم تنمية الأقطار العربية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وإنجاز المشروعات العربية المشتركة التي تهدف الى تحقيق التكامل العربي. فقد أعلن في اتفاقية إنشاء الصندوق العربي أن حكومات الدول الأعضاء قررت تأسيس هيئة مالية إقليمية عربية ذات شخصية قانونية مستقلة رغبة منها في بناء اقتصاد الدول العربية على أساس متين ومساعدة هذه الدول على تلبية متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة، وتوثيق الصلة بين الدول العربية وتنسيق سياساتها وتعزيز التعاون فيما بينها من جهة ثانية.
وحددت اتفاقية إنشاء الصندوق العربي في مادتها الثانية أغراض الصندوق في عمليات تمويل المشروعات الإنمائية في الدول والبلاد العربية كما يأتي:
1ـ تمويل المشروعات الاقتصادية ذات الطابع الاستثماري بقروض تحمل شروطاً ميسرة للحكومات والهيئات والمؤسسات العامة والخاصة مع منح الأفضلية للمشروعات الاقتصادية الحيوية للكيان العربي والمشاريع العربية المشتركة.
2ـ تشجيع وتوظيف الأموال العامة والخاصة بطريق مباشر أو غير مباشر بما يكفل تطوير وتنمية الاقتصاد العربي.
3ـ توفير الخبرات والمعونات الفنية في مختلف مجالات التنمية الاقتصادية.
وفي ضوء تنامي دور القطاع الخاص في إنجاز مشروعات التنمية على أثر تنفيذ برامج التكيف والإصلاح الاقتصادي في الكثير من الدول العربية، وحدوث تغير ملموس في دور الدولة في اطار البيئة الدولية الجديدة، فقد عدلت هذه الاتفاقية في سنة 1997 لتشمل الإسهام في تمويل النشاطات الإنمائية للقطاع الخاص في الدول العربية. وأعيدت صياغة الاتفاقية لكي يشمل بندها الثاني الأغراض التالية، إضافة إلى ما شمله في الصياغة الأولى:
أـ تمويل مشروعات القطاع الخاص في الدول الأعضاء عن طريق تقديم القروض والضمانات على اختلاف أنواعها للمؤسسات والمنشآت ذات الشخصية الاعتبارية والمساهمة في رؤوس أموالها وتوفير عمليات التمويل الأخرى والخدمات المالية والفنية والاستشارية اللازمة، وذلك وفقاً للقواعد والشروط التي يحددها مجلس الإدارة.
ب ـ إنشاء أو المساهمة في رؤوس أموال المؤسسات ذات الشخصية الاعتبارية التي تهدف الى تنفيذ وتمويل مشروعات القطاع الخاص في الدول الأعضاء بما في ذلك توفير وتمويل الخدمات المالية والفنية والاستشارية اللازمة.
ج ـ إنشاء وإدارة صناديق خاصة تهدفإلى تحقيق أغراض معينة تتفق وأغراض الصندوق العربي، ويتم تمويلها من موارده وأي موارد أخرى، وتحدد وثائق إنشاء تلك الصناديق أغراضها وصلاحيتها وإدارتها والقواعد المنظمة لعملياتها.
واستند عمل الصندوق العربي على عدة مبادئ استوحاها من نص اتفاقية الإنشاء ومن حرصه على الإنصاف بين الدول، وتحقيق التوازن بين النشاطات، وضمان الجدوى والشفافية لكل المشروعات، ومن أهمها أن تكون المشروعات ذات أولوية ضمن خطط وبرامج التنمية، وتأكدت من خلال الدراسات جدواها الفنية والاقتصادية. وأن تتمتع الجهات القائمة على تنفيذها واستغلالها فيما بعد بالهياكل القانونية والتنظيمية والفنية الكفيلة بضمان سلامة المشروعات بما يحقق أهدافها. ويتعين كذلك أن تسهم الجهة المستفيدة بنصيب معقول في تمويل المشروع. كما يراعي الصندوق التوازن في توزيع القروض على الدول طبقاً للمعايير المقررة، مع إعطاء الأهمية للمشروعات العربية المشتركة التي تعضد التعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء. ويحرص الصندوق على وضع ضوابط لتنفيذ المشروعات بما يكفل تحقيقها لأهدافها، والحصول على أفضل الشروط الفنية والمالية لتنفيذ المشروعات وذلك بطرح عمليات الشراء والتعاقد في مناقصات دولية أو محلية، أخذاً في الحسبان تشجيع المقاولات وبيوت الخبرة العربية كلما أمكن ذلك.
ومن أجل تطبيق هذه المبادئ، أولى الصندوق في عملياته أهمية كبرى للتشاور مع الحكومات، كما حرص على الاستفادة من الخبرات الموجودة في الدول العربية. وإن تكونت له في الربع الأخير من القرن العشرين بعض الخبرة والتجربة والمؤهلات الذاتية، فقد حرص دائماً على مشاركة المسؤولين المعنيين في الدول المقترضة في تقييم المشروعات وإنجازها ومتابعة هذا الإنجاز، فلم تنعزل أجهزته في مداخلاتها في سبيل التنمية عن أجهزة الدول المستفيدة، بل اعتمدت في الأساس على القدرات الذاتية المتوفرة لديها.
هيكله التنظيمي
تتألف أجهزة الصندوق من مجلس المحافظين ومجلس الإدارة والمدير العام/رئيس مجلس الإدارة، والجهاز التنفيذي الذي يضم الموظفين اللازمين للقيام بالأعمال التي تحددها إدارة الصندوق. ويتكون مجلس المحافظين من محافظ تعينه كل دولة عضو من أعضاء الصندوق. ويعد هذا المجلس بمثابة الجمعية العمومية للصندوق وله جميع سلطات الإدارة، ولكل محافظ عدد معين من الأصوات يتناسب مع عدد أسهم الدولة التي يمثلها في الصندوق. ويتكون مجلس الإدارة من ثمانية مديرين غير متفرغين ينتخبهم مجلس المحافظين من العرب المشهود لهم بالخبرة والكفاءة.
موارده المالية
يعتمد الصندوق في تمويل نشاطه على موارده المالية المكونة من رأسماله المدفوع واحتياطاته وأرباحه غير الموزعة. وقد بدأ الصندوق أعماله عام 1974 برأسمال مصرح به بلغ 102مليون د. ك، دفع منه حتى نهاية ذلك العام مبلغ 36مليون د.ك. ومع تزايد حاجة الدول المستفيدة من خدمات الصندوق، وفي ظل الظروف المواتية التي أعقبت تصحيح أسعار النفط عام 1973، تم زيادة رأسمال الصندوق المصرح به الى 400مليون د.ك عام 1975، ثم تقرر مضاعفته عام 1983 ليصل الى 800مليون د.ك. ويبلغ رأس المال المكتتب به والمدفوع حالياً نحو 663مليون د.ك.
ونظراً لاحتفاظ الصندوق بأرباحه المتحققة منذ إنشائه، وعدم قيامه بإجراء أي توزيعات، واستخدام موارده الفائضة في استثمارات ذات مخاطر قليلة ومحسوبة وعدم المضاربة في الأسواق المالية، فقد تمكن من تكوين احتياطات مالية بلغ تراكمها نحو 39.1مليار د.ك.
وبهذا فقد بلغت موارده أي رأسماله المدفوع واحتياطاته نحو205مليار د.ك.
إنجازاته
يتبين من نص اتفاقية إنشاء الصندوق أن الأهداف الأساسية للصندوق العربي، تتمثل في المساهمة في بناء الاقتصاد العربي عن طريق تمويل المشروعات والاستثمارات التنموية. وكان طبيعياً أن يتم في البداية التركيز في عمليات الإقراض على تهيئة وتجهيز البنى التحتية وتغطية الاحتياجات الأساسية كالغذاء والماء، وذلك لأن معظم الدول العربية كانت في بداية مسيرتها التنموية عند انطلاق نشاط الصندوق، ولم تكن قد اكتملت لديها البنى التحتية أو القدرة الذاتية اللازمة لتغطية الحاجيات الأساسية لاقتصادياتها. ومع ذلك فقد حرص الصندوق العربي على أن تشمل أنشطته الإسهام في مختلف مشروعات التنمية بما في ذلك قطاعات الإنتاج والخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم والإسكان وتطوير القوى البشرية. كما اهتم الصندوق بالمشروعات العربية المشتركة من حيث الإعداد والتمويل. وقام أيضاً بتقديم خطوط ائتمان لمؤسسات التنمية الوطنية لتوفير التمويل لمشروعات القطاع الخاص العربي.
وتفهماً من الصندوق لدوره الإنمائي، واستجابة لطلبات الاقتراض المتزايدة المقدمة له من الدول العربية الأعضاء، قام الصندوق بزيادة حجم إقراضه السنوي بشكل كبير وتدريجي ابتداء من عام 1986 استناداً الى سياسة إقراضية مرنة تقوم على الاحتفاظ بتوازن مناسب بين مصادر واستخدامات تدفقاته المالية في المدى المتوسط. لذلك فقد ارتفع حجم الإقراض السنوي للصندوق بشكل مطّرد من نحو 53مليون د.ك الى نحو 258مليون د. ك.
وقد قدم الصندوق العربي منذ إنشائه وحتى نهاية عام 2002قروضاً بلغت قيمتها23.4146مليون دينار كويتي نال منها قطاع الطاقة والكهرباء 28.8بالمئة وقطاع الزراعة والتنمية الزراعية والتنمية الريفية 21.1بالمئة، وقطاع النقل والاتصالات والموانئ 19.9بالمئة وقطاع المياه والصرف الصحي 10.6بالمئة وقطاع الصناعة والتعدين 9بالمئة وقطاع الخدمات الاجتماعية 8.9بالمئة، مع بعض المتفرقات بنسبة 1.4بالمئة.
ويعمل الصندوق بالتعاون والتنسيق مع مؤسسات التنمية العربية الوطنية والإقليمية والدولية للإسهام معها في دعم المشاريع والأنشطة الإنمائية ذات الأولوية للمنطقة العربية، ومن أهم مداخلاته في هذا المجال متابعته لأنشطة برنامج تمويل التجارة العربية، والتعاون مع المؤسسات العربية والدولية في عقد الندوات والاجتماعات المتخصصة، وعمله كأمانة للتنسيق للصناديق العربية.
لقد شارك الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في تطوير الفكر الاقتصادي التنموي العربي، من خلال تأكيده ضرورة تكوين رؤية عربية مشتركة تركز على عملية النهوض بالمجتمع العربي كلياً، بالاعتماد على الذات والثروات المادية والبشرية العربية، والحفاظ على الذاتية الحضارية التي تجمع بين الأصالة والتطور والتحديث وتنمية الشخصية الذاتية للمجتمع العربي، وتحقيق وتعميم مبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة والكفاية.
كما كان الصندوق أول من أعد الدراسات المتعلقة بالجامعات المفتوحة على أساس البدء بجامعة القدس المفتوحة، وكذلك كان أول من دعا وساهم في إعداد الدراسات المتعلقة بالجامعة التكنولوجية العربية والصناعات المتعلقة بالمتطلبات التعليمية، وتعليم الصغار والإسهام في حملة محو الأمية وإعداد الدراسات المتعلقة بالزلازل والهزات الأرضية والأمن الغذائي العربي والاستخدام المرشد للثروة المائية العربية وهجرة العقول العربية الى الخارج الى ما هنالك من قضايا تتعلق بالأمن الاقتصادي القومي، كربط شبكات الطرق العربية وشبكات الكهرباء والاتصالات السلكية واللاسلكية.
كما كان الصندوق العربي يمثل الصوت العربي الموحد في جميع المنابر والمنتديات التنموية الدولية، ويعمل على حشد المزيد من القروض والمنح والمساعدات الدولية للمشروعات العربية، لذلك كله أضحى الصندوق العربي مصدر الفكر والعمل العربي التنموي.
محمد العمادي