شرح دوان أبو نواس - تقديم وتعريف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شرح دوان أبو نواس - تقديم وتعريف

    هذا هو شرح ديوان أبو نواس نقدمه لمحبي الشعر وخاصة لمحبي شعر أبو نواس شاعر الخمر حامل راية التجديد في العصر العباسي، نبدأ بمقدمة الشارح ونبذة عن حياة وشعر أبو نواس
    اضغط على الصورة لعرض أكبر.   الإسم:	تنزيل (4).jpg  مشاهدات:	7  الحجم:	16.8 كيلوبايت  الهوية:	137754

    مقدمة بقلم محمد أنيس مهرات
    في القرن الثاني الهجري ولد شاعر شغل زمانه بسلوكه ، وملك عصره بشعره . أحب الناس شعره ، خاصتهم وعامتهم ، وتناقلوه فيما بينهم منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا . وما زال عندهم مقدماً على غيره من الشعراء ، بل المفضل منهم ، والأثير لديهم . ولا نعني جميع الناس بلا استثناء ، فلا بد لكل شاعر ، أو أي عظيم ، أو مبدع ، من أن يكون له ناقدون ومعارضون ، بل ومسفهون . ولكن هذا لا يضير ، فالإبداع هو الذي يفرض ذاته ، وله الكلمة الفصل . إذا أقبل الناس على شعره ، وما يزالون يتداولونه ، يرددونه ويتغنون به ، ويحفظونه في قلوبهم قبل صدورهم . إنه شاعرنا الكبير أبو نواس . حفظ الناس كنيته التي اكتنى بها ، وغفلوا عن اسمه . فليس الشأن في الاسم ، بل فيها وراء الاسم . فكثير من اسمه الحسن ، ولكن أبا نواس واحد . شغف الناس بشعره : خمرياته ومجونه وغزله بالغلمان والجواري ، ليس حباً في الخمر والمجون وذلك النوع من الغزل ، بل في ظرف أبي نواس ولباقته وكياسته وحسن حديثه وذكائه وفطنته ، أضف إلى ذلك وسامته ، فأحبوه لذلك ، حتى إن شاعرنا الكبير أمير الشعراء أحمد شوقي سمى بيته « كرمة ابن هانئ » . فقد كان يحب أبا نواس ، ويحفظ شعره ، ويحاكيه في بعضه . فإلى هؤلاء القراء المحبين لشعره ، المعجبين بشخصيته ، نقدم لهم هذه الطبعة من دیوانه ، المتميزة بالضبط والشرح والتدقيق ، مما لم تحظ به أية طبعة من الطبعات السابقة ، ديوانه الذي شغفوا به ، فملأ قلوبهم ووجدانهم.
    التعديل الأخير تم بواسطة حسن; الساعة 07-29-2023, 10:51 PM.

  • #2
    اسمه ونسبه : هو أبو علي الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصباح الحكمي بالولاء ، المعروف بأبي نواس . وقد غلب عليه هذا الاسم فلا يكاد يعرف إلا به . وسمى نفسه النواسي في يـانـواسـي تـوفـر وتعز وتصبر بعض شعره : انتهاؤه : كان جده مولى والي خراسان الجراح بن عبد الله الحكمي ، من بني سعد العشيرة اليمنية . وأبوه ، واسمه هانئ ( أو هني ) ، كان من جند مروان بن محمد ، آخر خلفاء بني أمية ، وهو من أهل دمشق . انتقل إلى الأهواز مرابطاً ، فلقي هناك جلبان ، وكانت تغزل الصوف وتنسجه ، فأحبها وتزوجها . وولدت له عدة أولاد ، منهم أبو نواس وأبو محمد وأبو معاذ وغيرهم . وهي فارسية الأصل ، وقيل : سندية . وقيل في أبيه أقوال ، بين دمشقي وعربي وفارسي . والصحيح أنه فارسي من موالي الجراح ، كما تقدم . مولده : ولد أبو نواس بالأهواز ، وقيل بالبصرة . ولا يعرف على الضبط تاريخ مولده ، فهو بين سنتي 130 و 150 هـ ، وعلى الأرجح سنة 139 هـ ، أو بعيد سنة 145 هـ ، وقيل : بعيد سنة 140 هـ . 28

    تعليق


    • #3
      أما ياقوت الحموي في معجم الأدباء فقد نقل عن الجاحظ أنه قال : « أنا أسن من أبي نواس بسنة ، ولدت أول سنة خمسين ومئة ، وولد في آخرها » . فهذا دليل على تحديد مولده سنة خمسين ومئة . ولكن بعض الدارسين يجعلون مولد الجاحظ سنة تسع وخمسين ومئة ، أو ستين ، وبعضهم جعلها سنة ثلاث وستين ومئة ، والأرجح ما نقله ياقوت . وقد فصل في ذلك بعض التفصيل شفيق جبري في كتابه « الجاحظ معلم العقل والأدب » . حياته في البصرة : انتقلت به أمه إلى البصرة بعد موت أبيه ، وكان عمره سنتين ، وقيل : ست سنوات ، وباشرت تربيته بنفسها . نشأ فقيراً ، وعاش سنواته الأولى فقيراً ، فدفعته أمه إلى العمل مبكراً ، فأسلمته إلى عطار يعمل عنده أجيراً ، يبري عيدان الطيب . وبقي ملازماً له حتى أيفع وبلغ عشر سنين . وكان قد دفعت به إلى كتاب يعقوب الحضرمي ، فحفظ القرآن وأطرافاً من الشعر ، فتفتحت ـ منذ ذلك الوقت المبكر ـ مواهبه الشعرية ، فجرت على لسانه بعض الأشعار الخفيفة . فكان في النهار يقصد دكان العطار ، وفي العشتي يلزم حلقات العلم في المساجد . - تتلمذه على والبة بن الحباب : حضر يوماً والبة بن الحباب الأسدي إلى البصرة ، وكان شاعراً ماجنا خليعاً ، من أهل الكوفة . فمر بحانوت العطار هذا ، فرأى أبا نواس ، وكان مليحاً صبيحاً ، فاستحلى قده ، وراقه جماله ، وشغفه حسنه ، وأعجبه ظرفه ، فكاد عقله يذهب لها رأى منه . فلم يزل يخادعه حتى لان له وطاوعه ، فذهب به إلى الأهواز ، ثم إلى الكوفة . وكانت حياتها فيها حياة تهتك وفسق وتختت . وربما كان من دوافع رحلته معه أن سيرة أمه في البصرة كانت تؤذيه ، وكان هذا أيضاً من أسباب موافقته والبة في مجونه وإقباله على الخمر ، فكان كالمستجير من الرمضاء بالنار ، فر من سوء سيرة أمه ليقع في مجون والبة . وفي هذه الأثناء أخذ والبة يكتشف مواهب أبي نواس الشعرية . فبدأ يدربه على قول الشعر ، ولكنه وجهه فيه في طريق الفسق والمجون . وهكذا كان والبة أول أستاذ له في الشعر .

      تعليق


      • #4
        العودة إلى البصرة : مل أبو نواس حياة الكوفة مع والبة ، أو شب فيها عن الطوق ، فتركها وعاد إلى البصرة ، وهناك عكف على طلب العلم ، وأكب على الدرس ، مع حرصه على عدم مفارقة ما تلقاه من والبة من فسق ومجون ، وشب عليها . واقع البصرة الحضاري : وكانت البصرة في ذلك الوقت تضم أشتاتاً من الاتجاهات ، تضم في جنباتها الجد والهزل ، والعلم والمجون ، والتّقى والفسق . وكذلك كانت الكوفة وبغداد . ففي مجال العلم كانت موئل العلماء وملاذهم ، يطبقون عليها من شتى الأمصار ، ويأتونها من كل فج عميق ، ينهلون من علومها ويتضلعون من ثقافاتها ، في مجال العلم والأدب ، واللغة والشعر ، والفلسفة والمنطق . وكان لا بد للشعراء أن يردوا هذا المورد حتى يصدروا عنه وقد حفلت صدورهم بهذا التراث الأصيل العريق . في البادية : وكان عليهم كذلك أن يقصدوا البادية ، ويتصلوا بالأعراب ، ليأخذوا عنهم ا اللغة والشعر والفصاحة والبلاغة ، فهم مصدر غني ، بالغ الأهمية ، يحرص على ذلك كل طالب شعر أو لغة . علوم أبي نواس : قرأ أبو نواس في البصرة القرآن والنحو واللغة والغريب والأدب . وقرأ الحديث على علاء البصرة ، وأخذ عن أئمتهم ، وسمعه في واسط . وله مسند رواه عن شيوخه جمعه أبو شجاع فارس بن سليمان الأرجاني ( من القرن الرابع ) . أما الشعر فقد قرأ منه الكثير ، وحفظ ما قرأ . من ذلك شعر ذي الرمة ، فقد قرأه على الراوية محمد بن حبيب الناشئ .

        تعليق


        • #5
          تتلمذه على خلف الأحمر : ولما مات والبة لزم خلفاً الأحمر ، وكان أشعر أهل وقته وأعلمهم ، ونسيج وحده في الشعر . فحمل عنه علاً كثيراً ، وأدباً واسعاً . وكان أكثر أساتذته تأديباً له وتخريجاً ، فكان واحد زمانه في ذلك . رأى خلف في أبي نواس استعداداً لقول الشعر والإبداع فيه ، فنصحه قبل أن يشتغل بالنظم أن يحفظ ألف قصيدة من القصيد والرجز ، من الطوال والقصار . ثم أمره أن ينساها كلها . وهذا المقدار من الشعر يشكل له ذخيرة أدبية عميقة ، تمده بأصول هذا الفن من حيث المعاني وأسلوب صياغتها . محفوظاته من الشعر : قال : ما ظنكم برجل لم يقل الشعر حتى روى دواوين ستين امرأة من العرب ، منهن الخنساء وليلى الأخيلية ، فما ظنكم بالرجال ! وقال : كنت أحفظ سبع مئة أرجوزة ، وهي عزيزة في أيدي الناس ، سوى المشهورة عندهم . متابعة تحصيله العلمي : ظل أبو نواس يتابع تحصيله العلمي ، فكان يقصد أبا عبيد معمر بن المثنى ، وكان ذا نزعة شعوبية متطرفة ، يسأله عن أخبار العرب وأيامهم ، ويسأل أبا زيد عن غرائب اللغة ، ويسمع من خلف الأحمر نوادر الشعر ، ويقصد الهيثم بن عدي وأبا حاتم السجستاني والأصمعي . وكان خلال تلقيه عنهم يشغب عليهم ، ويهزأ بهم ، وينال منهم ويهجوهم . ومن جهة أخرى تناول بعض العلوم غير العربية ، فتعرف على كثير من أخبار العجم ، وعرف اللغة الفارسية لغة أمه وأخذ من الثقافات الهندية والفارسية واليونانية ، وبرز صدى ذلك في شعره ألفاظاً ومعاني . كا حذق الضرب على العود ، ودرس علم الكلام وبعض العلوم الفلسفية ، ونظر في علم النجوم وعلم الطبائع . ولما فرغ من إحكام هذه الفنون تفرغ للنوادر والمجون والملح ، فحفظ منها شيئاً كثيراً حتى صار أغزر الناس رواية لها ، فأهله ذلك ليكون سميراً للخلفاء والوزراء .

          تعليق


          • #6
            فنری خلاصة لذلك أنه جمع معارف عصره وثقافاته وعلومه ، وجمع بين الجد والهزل . فكان كل ذلك يظهر أثره في شعره . فصار لذلك أدب الناس وأعرفهم بكل شعر . وكان مطبوعاً ، لا يستقصي ، ولا يحكك شعره ، ولا يقوم عليه . ويقول على السكر كثيراً منه ، فشعره لذلك متفاوت . وقد نقل ابن المعتز في طبقاته أن أبا نواس كان عالماً فقيهاً ، عارفاً بالأحكام والفتيا ، بصيراً بالاختلاف ، صاحب حفظ ونظر ومعرفة بطرق الحديث ، يعرف ناسخ القرآن ومنسوخه ، محكمه ومتشابهه . وقد تأدب بالبصرة ، وهي يومئذأكثر بلاد الله علا وفقهاً وأدباً ، وكان أحفظ الناس لأشعار القدماء و المخضرمين وأوائل الإسلاميين و المحدثين . ومن العلوم التي طلبها علم الكلام عند النظام المعتزلي وغيره من المتكلمين . وكان يستظهر مصطلحاتهم في أشعاره ، نحو قوله : وذات خــورد فنان المتجرد تـأمـل الـعـيـن منه محاسناً ليس تنفذ والـخـشـن فـي كـل شـيء منها مـعـاد مـردد فبعضه يـتـنـاهـی وبـعـضـه يـتـولد ونحو قوله : تركتُ جـسـمـي عـلـيـلاً مـن الـقـلـبـل أقـلا یــاد لا يتجـا أقـل فـي اللـفـظ من « لا » وقيل : كان من شأنه في إتقان هذا العلم أنه كان قد بدأ متكلها ، ثم انتقل إلى نظم الشعر . وقد وصله هذا العلم بتلك الثقافات التي كان المتكلمون ينهلون منها . وقيل : لا يتمكن المتكلم من هذا العلم ، ولا يجمع أفكاره ، حتى يكون الذي يحسن من كلام الدين في وزن الذي يحسن من كلام الفلسفة . ذكر ذلك الجاحظ في كتاب الحيوان . أدب وحكمة : وفي غير مجال الشعر تؤثر عنه أقوال يتجلى فيها أدبه وحكمته ، وصفاء ذهنه ، وقوة عقله . فقد عرفنا أنه كان متكلاً جدلاً ، على معرفة بعلم الكلام .

            تعليق


            • #7
              فمن تلك الأقوال : « الشره في الطعام دناءة ، وفي الأدب مروءة . وكل من حرص على شيء فاستكثر منه سكن حرصه ، وقرت عينه ، غير الأدب . فإنه كلما ازداد منه صاحبه ازداد حرصاً عليه ، وشهوة له ، ودخولا فيه » . ، ومنها قوله : « لا ضيعة على أديب حيث توجه ، فإنه يجالس أشراف الناس وملوكهم في كل بلد يرده . وما قرن شيء إلى شيء أحسن من عقل إلى أدب » . موقف رجال عصره منه : قال الإمام الشافعي : لولا مجون أبي نواس لأخذت عنه العلم . وقال الفضل بن يحيى البرمكي : أما والله ، لولا قالة الناس فيه ما فارقني . ولكن إذا فكرت فيه وجدت الرجل ماجنا خليعاً متهتكاً ، ألوفاً لحانات الختارين ، فأترك نفعه لضره . فقلت ( يعني الأصمعي ) : أصلح الله الوزير ، إنه ذلك بمكان ولقد جالسته في مجالس كثيرة ، قد ضمت ذوي فنون من الأدباء والعلماء ، فها تجاروا في من الأدب . شيء من فنونهم إلا جاراهم فيه ، ثم برز عليهم ، وهو من الشعر بالمحل الذي قد علمته . قال الفضل : قد عرفتك أنه لولا ما هو بسبيله من هذا الفتك ما فاتني قربه ومعاشرته . وهذا يدل على مكانته ، وتقدير رجال عصره له . وما كان يمنعهم من مخالطته ومعاشرته کا تبين لنا ـ إلا مجونه وخلاعته وتهتكه ، وملازمته لحانات الختارين . فقد كان ـ إن ضمه مجلس من مجالس العلماء والأدباء ـ المبرز فيهم ، المقدم عليهم ، يفوقهم علماً وأدباً وظرفاً ، أما في الشعر فدونك شاعر لا يباريه أحد فيه ولا يجاريه . من البصرة إلى بغداد : ترك أبو نواس البصرة ، وقصد بغداد ، وقد جاوز الثلاثين ، فاتصل بالخليفة هارون الرشيد ومدحه . وفي مديحه له ركز على المعاني الدينية والبطولية في مواجهة أعدائه من الروم : لقد اتـقـيـت الـلـة حق تقاته وجهدت نفسك فـوق جهـد المـتـقي وأخـفـت أهـل الـشـرك حتى إنه لتخـافـك الـتـطـف التي لم تُـخـلـق

              تعليق


              • #8
                ومن ذلك قوله : فـي كـل عـام غـزوة ووفـادة تنبـت بـيـن نـواهـمـا الأقــران ألـفـت مـنـادمـة الـدمـاء ســـوف فلقلما تـحـتـارهـا الأجـفـان وكان بين يديه ، يدخل عليه في ساعات الشرور ، فيسره ويزيده سروراً ، وفي ساعات فيخفف عنه بيا يبديه من هزل وفكاهة . جونه ، فيذ فوصف له مرة جارية دخل عليها ، وهي تغتسل . فلتها فاجأها بدخوله تحللت بشعرها ، فأعجبه ذلك : تضت عنها الـقـمـيـص لصب مـاء فورد وجهها فـرط الـحـيـاء وقـابـلـت الـهـواء وقد تعرت بمعـتـدل أرق مـن الـهـواء ومـدت راحــة كـالـمـاء مـنـهـا إلـى مـاء مـعـد فـي إنـاء فلما أن قـضـت وطـراً وهـمـت على عـجـل إلـى أخـذ الـرداء رأت شـخـص الـرقـيـب على التـداني فأسـبـلـت الـظـلام عـلـى الـضـيـاء وغـاب الـصـبـح منـهـا تـحـت لـيـل وظـل الـمـاء يـقـطـر فـوق مـاء فسبحان الإلـه وقـد بـراهـا كـأحـسـن مـا يـكـون مـن الـنـسـاء نال أبو نواس من عطاء الرشيد الكثير ، حتى إنه وصله مرة بعشرين ألف درهم ، وهذا أقصى ما ناله منه . فعاش في يسر ينفق ما يصله من الرشيد وغيره ، على ملذاته وشهواته ، مفرطاً في ذلك ، دون أن يعبأ بها سيكون . " voa / ye وقيل ، وهو الصواب : إنه لم يدخل على الرشيد ، ولا رآه ، وإنما هي أقوال تناقلها الناس ، وقصص تندروا بها ، واستطرفوها ، ونسبوا كل ما على هذه الشاكلة من القصص للرشيد وأبي نواس ، وهي من باب الأدب الشعبي الذي يشيع بين عامة الناس ، ويتناقلونه ، دون أن يهتموا بكونه حقيقة أو من نسج الخيال ، لأن همتهم في المتعة والاستطراف والاستظراف . حياته في بغداد : وفي بغداد ، وعلى شواطئ دجلة ، وفي أديرته وبساتينه ، وجد مرتعاً خصباً ، ومجالاً واسعاً ، يتوافق مع نوازعه ورغباته من تهتك وفسق ، وإثم وفجور ، وكان يسحر الناس بظرفه وحلاوته ، وكثرة ملحه . وكان أسخى الناس ، لا يحفظ مالاً ، ولا يمسك ديناراً ولادرهماً .

                تعليق


                • #9
                  حانات ضواحي بغداد : فاختلف إلى المجان والفساق ، وصحب المختثين ، وتردد على الحانات المنتشرة في ضواحي بغداد ، كفطر بل وكلوادي وغيرهما . وفي تلك الأماكن كان يقضي الأيام والأسابيع في شرب الخمر وسماع القيان والمعازف ، ومعاشرة الغلمان والجواري ، في عبث ومجون ، مع ندماء في غاية الظرف والكياسة . وفي كل ذلك ينظم الشعر ، يصف فيه ما هو عليه من تلك الحال . قال في وصف أحد مراتعه بين البساتين ، وما فيها من ورد ونرجس ونسرين ، وما ضمته من فتية ، وشادن يطوف بكؤوس الخمر ، فلا يزال يسقيهم حتى يغلب عليهم الشكر ، فيصبحون كالموتى :
                  بديـر بـهـراذان لي مـجـلـس ومـلـعـب وسـط بـسـاتـيـنـه
                  رحـت إلـيـه ومـعـي فـتـية نـزوره يـوم شـعـانـيـنـه
                  حتى توافـيـنـا إلى مـجـلـس تضـحـك ألـوان ريـاحـيـنـه
                  والترجس الغـض لدى ورده والـورد قـد خـف بـنـسـريـنه
                  وطاف بالـكـأس لـنـا شـادن يدميه مش الكـف من لينـة يـكـاد من إشـراق خـديـه أن تخطف الأبصار من دونـه فلم نـزل تُسـقـى ونـلـهـو بـه
                  ونـأخـذ الـقـضـف بآيينه حتى غدا السكران من سكره كالـمـيـت في بعض أحايـيـنـه
                  عصابة السوء : وكان يحيط به نفر من الشعراء المجان ، ينهجون نهجه ، ويسيرون سيرته ، منهم صريع الغواني مسلم بن الوليد ، والفضل الرقاشي ، ومطيع بن إياس ، وأبان بن عبد الحميد ، وحماد عجرد ، والحسين الخليع الضحاك ، هؤلاء ساهم أبو نواس عصابة السوء ، يحضرون مجالس اللهو والشراب . وربا تلاحوا وتهاجوا على الخمر ، ثم تصالحوا وتصافوا . ومن أولئك الشعراء أيضاً العباس بن الأحنف ، وكان من أصدقائه الحميمين ، ولكنه لم يكن على نهج أولئك ، بل هو شاعر غزل عفيف .
                  ۱۳

                  تعليق


                  • #10
                    مجالس الظرف : لم يقتصر أبو نواس في صحبته لهؤلاء الشعراء والمجان ، بل اتصل أيضاً بالوزراء والأشراف والنبلاء ، فجالسهم وعاشرهم ، فتعلم منهم الظرف واللطافة ، وصار مثلاً في الناس ، وأحبه الخاصة والعامة ، ولكنه كان يأنس بأصحابه أكثر من أولئك . .. مع الجواري : أما الجواري فكان له معهن مجالس أنس ولهو وشراب وساع ، ينعم بصحبتهن ، ويهنأ برفقتهن . أما هن فكن يزدرين فيه غلامياته وسيرته الشاذة . صدقه في حب جنان : وفي مقدمة أولئك جنان جارية عمارة امرأة عبد الوهاب الثقفي المحدث ، فقد كان يحبها حباً صادقاً ، ويعشقها عشقاً مبرحاً ، ويقال : إنه لم يكن يصدق في حب امرأة غيرها ، فذكرها في شعره ، وأكثر من ذكرها . ولعلها بادلته شيئاً من الحب في ستر وخفاء ، بعد صد وتمنع ، إذ كان يرسل لها بأشعاره ، وترد عليه بسباب وشتائم ، ولا يزيده ذلك إلا حباً لها ، وشغفاً بها . وكان غزله فيها ـ لصدقه في حبها ـ غزلاً عفيفاً ، لا فحش فيه . قال على لسانها لما عرف موقفها منه : ويعمل الـطـرف نحوي إن مررت به حتى ليـخـجـلـنـي مـن حـدة النـظـر وإن وقـفـت لـه كـيـمايكلمني في الموضـع الخـلـو لم ينطق من الخصر مـا زال يـفـعـل بـي هـذا ويدمن حتى لقد صـار من همي ومـن وطـري فلتا شاع هذا الحب ، وانتشر خبره ، أرسلتها سيدتها إلى حكمان ( موضع بالبصرة ) ، لتبعدها عن أبي نواس ، فكتب إليها : كفى حزناً ألا أرى وجـة حـيلة أزور بـهـا الأحـبـاب مـن حـكـمـان وكانت هذه الجارية الحسناء ، إلى جانب كونها أديبة عاقلة ، من الأذكياء الفطنات اللاهيات العابثات ، تعرف الأخبار ، وتروي الأشعار ، وكانت تعبث بأبي نواس ، وتتمنع عليه ، فلا يكاد يطالها ، ولا تواصله . 14

                    تعليق


                    • #11
                      ولما حجت هذه الجارية وجدها فرصة ليقترب منها ويخلو بها ، فقصد الحج في ذلك العام . وكان يتبعها ، عند أداء المناسك ، أينها توجهت ، حتى إذا صارت إلى الحجر الأسود ، وأخذت تلثمه ، كان إلى جانبها يلثم معها الحجر ، وقد لصق خده بخدها ، فقال في ذلك : وعاشـقـيـن التف خداهـمـا ـد الـتـنـام الحجر الأسود فاشـتـفـيـا مـن غيـر أن يأثمـا كأنما كـانـا عـلى مـوعـد ولما كثرت أشعاره فيها ، ولهج الناس بأمرهما ، ضاق مواليها بذلك ذرعاً . ثم ما لبث أن قدم البصرة رجل ، فاشتراها من مواليها ، ورحل بها . فلا علم بذلك أبو نواس كتب هذين البيتين : أمـا الـديـار فقلما لبثوابها بـيـن اسـتـاق الـعـيـس والــكـبـان وضـعـوا سـيـاط الشـوق في أعناقها حتّى اطـلـعـن بـهـم عـلى الأوطـان وبذلك طويت صفحة من تلك الصفحات ، وصار ما بينه وبينها من الذكريات ، ولكنه لم ينسها ، ولم تفارق قلبه . وكان ذلك أحد أسباب تركه البصرة ، ورحيله إلى بغداد . لكن بغداد ، بما فيها من الملاهي والحانات ، والجواري والغلمان والندماء ، لم ينسه هذه الجارية التي ملكت قلبه وتيمته . وحسبنا قوله : خرجت إلى بغداد ، وفي نفسي بقايا من حبها ، ما فارقتني ولا تفارقني إلا مع خروج روحي . فقد أخفق في حبه ، كما أخفق مع أصحابه . أسرته : هذه الحياة التي عاشها أبو نواس لا تؤهله ليكون أسرة ، ويكون له زوج وأولاد ، لأن ذلك مما يعيق انفلاته ، ويحول بينه وبين تمام التمتع بملاهيه ومجونه . ولعل حبه لجنان ، وأمله فيها ، جعله لا يبالي بحياة أسرية جادة دونها . فقد كان له منها غناء عن نساء الدنيا كلها . لذلك مال إلى حياة العبث والمجون تعويضاً له عما فاته منها . ولكن نقل عنه أنه تزوج ورزق غلاماً مات وهو صغير ، وكانت له بنت اسمها برة ، وأخرى اسمها لبابة . ولا نعرف شيئاً عن حياة هؤلاء ، فأقل ما نقول : إنهم عاشوا حياتهم كغيرهم ، وذابوا في مجتمعهم ، ولم يكن لهم أية ميزة علمية أو أدبية ، حتى يذكروا ، فحملوا . 15

                      تعليق


                      • #12
                        فإذا صح ذلك فإن أبا نواس عاش في بيته مع أسرته فقير الحال ، في مسكن بسيط . وكان قصفه ولهوه مع أصحابه في بيوتهم ، أو حانات الخمر ، أو المتنزهات والبساتين . مدح البرامكة وآل الربيع والرشيد : كان دخول أبي نواس بغداد سنة 179 هـ ، في خلافة الرشيد ، فاتصل بالبرامكة ومدحهم ونال جوائزهم . فطابت له الحياة إلى أن نكبهم الرشيد . اتصل بعدهم بآل الربيع الذين تولوا الوزارة بعد البرامكة ، فمدحهم كذلك ، ونال جوائزهم ، وتمتع بحياة مريئة ماجنة لاهية . ولكن سرعان ما انقلب الدهر عليه ، فحال بينه وبين ممدوحيه ، وكثيراً ما كان يهجوهم بعد مدحهم ، وذلك بسبب تماجنه وعبثه وتهتكه . ولما انتصر الرشيد على نقفور مدحه بقصيدة ، ثم ألحقها بقصائد أخرى ، فنال إعجاب الخليفة ، وقربه منه ، وأجزل له العطاء . وفي صلة أبي نواس بالرشيد نظر . وقد تقدم الكلام على ذلك . هجاء قبائل عدنان وغضب الرشيد عليه : ما لبث أبو نواس يتمادى في شرب الخمر في حانات بغداد وضواحيها وسواها من مواضع اللهو ، ويظهر ما يظهر من المجون والزندقة والتفلت ، إلى أن بلغت به الجرأة إلى هجاء قبائل عدنان ، ومنها قريش ، والرشيد من قريش ، ومفتخراً بقحطان . وهذا ما أغضب الرشيد عليه ، وأثار حفيظته . فسجنه مده طويلة ، قاربت الأربعة أشهر . فكتب من سجنه قصائد يمدح بها الرشيد ، ويطلب منه العفو . فعفا عنه ، وأطلق سراحه ، بعد شفاعة من البرامكة . الخروج إلى مصر : بعد نكبة البرامكة ، وقد حزن لنكبتهم حزناً شديداً ، ورثاهم ، وبعد موقف الرشيد قاصداً مصر منه ، انقطع ما كان يصل إليه منها . فافتقرت حاله ، وضاق معاشه ، فاتجه إلى أميرها أبا نصر الخصيب بن عبد الحميد العجمي أمير ديوان الخراج ، وكان فارسياً مثله
                        . 16

                        تعليق


                        • #13
                          في حمص : وفي الطريق إلى مصر مر بحمص ، وكان من شعرائها ديك الجن . ولما سمع هذا بوصول أبي نواس استخفى . ولم يخرج إليه إلا بعد أن قال له : لقد فتنت أهل العراق بقولك : موردة من كف ظبي ، كأنما تـنـاولـهـا مـن خـذه فأدارهـا فعندئذ خرج إليه ، واجتمع به ، وأضافه . علاقته مع الحصيب مدح ثم هجاء ، وعودة إلى بغداد : مدح أبو نواس الخصيب ، واستعذب الخصيب مديحه واستطابه ، فمنحه من الصلات ما أخرجه من عسره . ولكن إقامته في مصر لدى الخصيب لم تطل ، إذ لم يطب له المقام فيها ، لأنه لم يجد الجو الذي اعتاده في بغداد ، ولم ينل من الخصيب ما كان يؤمله . فما كان منه إلا أن عاد إلى بغداد ، يدفعه الشوق والحنين إلى مراتعها ، عاد بثلاثة آلاف دينار ، وخصومة مع الخصيب انتهت بهجائه بعد مدحه . وقد بدد ما عاد به من الدنانير قبل أن يصل إلى بغداد في الحانات التي على مشارفها . في بلاط الخليفة الأمين : بعد وفاة الرشيد تولى الأمين الخلافة ، وكان بينه وبين أبي نواس صداقة قديمة ، ومودة ومحبة ، وقد قضيا شطراً من حياتها في عبث ولهو وشراب وساع . وكان من حلم أبي نواس أن يتولى الأمين الخلافة ، وينعم بقربه ، ويسعد بعطاياه ، ليعيش حياة ملؤها اللهو والعبث والمجون ، وقد تحقق له ذلك ، إذ ما لبث أن قربه الأمين ، وضمه إلى حاشية لهوه وعبثه ، واتخذه نديها له ، وشاعراً خاصاً ، بعد أن حول قصر الخلافة إلى مقصف كبير ، تملؤه الجواري والقيان ، ويعربد فيه الندماء . وكانت هذه الأيام أسعد أيامه وأغناها مالاً ولهواً ومتعة ، على أن لا تتجاوز مباذله أبواب القصر ، وألا يسمع بها الناس .
                          ۱۷

                          تعليق


                          • #14
                            التشهير بالا مين لصلة أبي نواس به : ولكن ما حدث أن شاعت أخبارهما بين الناس ، فاستغل خصومة أنصار المأمون هذه الحياة الماجنة ، وأذاعوها في كل مكان ، وشهروا بالأمين الذي اتخذ لنفسه ندياً شاعراً خليعاً ماجنا زنديقاً . ومن تلك الأشعار التي استغلت للتشهير بالأمين قول أبي نواس : ألا فاسقني خمراً ، وقـل لي هي الخمرُ ولا تسقنـي سـراً إذا أمـكـن الـجـهـر ويح باسم من تهوى ، ودعني من الكني فلا خـيـر في اللذات من دونهـا سـتـر وكان ذلك من المبررات التي دعت إلى تنفير الناس منه وخلعه . مواقف الأمين من هذا التشهير : فعندئذ لم يجد الأمين بدأ من إبعاد أبي نواس ، إذ لم ينفع معه ردع ولا زجر ، فحبسه ثلاثة أشهر ، ثم أطلقه على أن لا يعود إلى ما نهاه عنه من الشرب والمجون . ولكن أبا نواس ما كان ليلتزم بعهد في هذا المجال ، فعاد ، وعاد الأمين إلى حبسه ، ويتدخل آل الربيع ليشفعوا له عند الخليفة للعفو عنه وإطلاقه . مقتل الأمين وموقف أبي نواس : ولما توفي الأمين مقتولاً سنة 198 هـ ، حزن عليه أبو نواس حزناً شديداً ، فرثاه بقصائد ملؤها لوعة وأسى ، تنم عن صدق عواطفه تجاهه : طـوى المـوت مـا بـيـنـي وبـيـن محمد وليس لـمـا تـطـوي الـمـنـيـة نـاشـر فلا وصـل إلا عـبـرة تـشـتـديمها أحـاديـث نـفـس مـا لـهـا الدهر ذاكر نهاية المطاف : وهنا أخذت تبدو عليه مشاعر اليأس ، ويغلب عليه القنوط من الحياة ، وأنها في إدبار لا إقبال ، وأن النهاية قد أظلت ، فأقلع عن اللهو والمجون ، وأخذ يتلفت إلى واقعه الذي صار إليه ، ويتلمس نهايته التي لا مفر منها . فتاب وجنح إلى الزهد ، ونظم قصائد يعلن فيها توبته ، ويستغفر ربه ، ويسأله العفو . وهي أشبه بشعر أبي العتاهية .
                            ۱۸

                            تعليق


                            • #15
                              وكان لتلك القصائد حظ وافر من الذيوع والانتشار إلى يومنا هذا . وقد تقلب في هذه التوبة مراراً ، فتاب ثم عاد ، ثم تاب ثم عاد ، وهكذا ، كلما وجد من نفسه ضعفاً تاب ، وإذا أنس قوة عاد . وربا كان يعود ذلك إلى أيام الرشيد الذي طالما استتابه . فكان إذا ألقي في السجن تاب ، وإذا خرج منه عاد ، إلى ما كان عليه . وبقي على ذلك إلى أن توفي الأمين . وفاته : أمضى بعد ذلك ما بقي من حياته تائباً زاهداً عابداً ، إلى أن وافته المنية قبيل سنة ۲۰۰ هـ ، قبل دخول المأمون بغداد ، بعد 54 سنة أو أكثر قضاها فيما يحب ويهوى . وقد اختلف في مكان موته ، بين السجن ، أو منزل صاحبة حانوت ، أو في دار إسماعيل بن نوبخت ، بين وفاة طبيعية ، أو أن يكون إسماعيل هذا قد سمه ليتخلص من سلاطة لسانه ، إذ كان قد هجاه هجاء مقذعاً ، ذكر فيه أمه ، ورماه بالبخل : على خـبـز إسـمـاعـيـل واقـيـة البخل فقد حـل فـي دار الأمان من الأكـل ومـا خـبـره إلا كعنقاء مغرب تصور في بـسـط الـمـلـوك وفي المثـل ميرانه : لم يترك أبو نواس بعده شيئاً يعتد به ، إذ لم يكن صاحب ثروة ولا عقار . فقد خلّف من المال مئة دينار ، استولت عليها أمه جلبان . وترك صندوقاً فيه دفاتره وأشعاره ، وفيه شطرنج ونرد وعود وطنبور ، وتحت وسادته رقعة مكتوب فيها : يا رب إن عـظـمـت ذنـوبـي كـثـرة فلقد علمتُ بـأن عـفـوك أعظـم إن كـان لا يـرجـوك إلا محسن فبمـن يـلـود ويـسـتـجـيـر المـجـرم أدعـوك رب ، كـمـا أمـرت ، تضرعاً فإذا رددت يـدي فـمـن ذا يـرحـم مـا لـي إلـيـك وسـيـلـة إلا الرجـا وجـمـيـل عـفـوك ، ثـم إنـي مـسـلـم شخصيته : عرفنا مما تقدم العناصر التي كونت شخصيته ، منذ أن وعى ما حوله إلى آخر نفس في حياته .
                              ۱۹

                              تعليق

                              يعمل...
                              X