الصوفي (عبد الباسط ـ)
(1931ـ1961م)
عبد الباسط بن محمد أبي الخير الصوفي، ولد في مدينة حمص وأتم فيها دراسته الثانوية سنة 1950. ثم تخرج في المعهد العالي للمعلمين بدمشق، وحصل على إجازة في الآداب من الجامعة السورية سنة 1956. عمل أول الأمر معلماً في بعض قرى ريف حمص، ثم مدرساً في مدينة دير الزور وثانويات حمص حتى سنة 1960حين انتدب مع بعض المدرسين إلى دولة غينيا الإفريقية لتعليم العربية في مدارسها، وبدأ عمله في بلدة «لابي» الهادئة النائية. كان منذ صباه وفي يفاعته وشبابه متشائماً متبرماً من الحياة، ثم اشتدت عليه وطأة العزلة والوحدة في مغتربه، وأخذت تعتريه نوبات عصبية أودت به إلى الانهيار، فمات منتحراً في العام نفسه ولماّ يبلغ الثلاثين من عمره. وقد عمدت وزارة التربية والتعليم آنئذ إلى نقل جثمانه إلى حمص ليدفن في وطنه.
يعد عبد الباسط في طليعة أعلام الرومانسية في تاريخ الأدب الحديث بسورية، ويشاركه في ذلك صديقه وصنوه الشاعر الحمصي الآخر عبد السلام عيون السود، حتى لكأنهما توأمان، فكلاهما من طينة واحدة، وعاشا ظروفاً صعبة مشتركة كما اتسما برؤى متقاربة، ونزعات متشابهة، حتى إنهما كليهما توفيا وهما في عنفوان الشباب.
والصوفي شاعر غنائي ذاتي ولشعره من اسمه نصيب، فقصائده ذات نكهة خاصة تنم على صوفية حالمة ونزوع طاغٍ إلى الجمال حيث كان، فهو مشغوف بالطبيعة مفتون بمحاسنها، ولكم طوّف في ربوعها على ضفاف العاصي وفي غابات لابي وكوناكري مستمتعاً بمباهجها، منتشياً بسحرها.
ولكنها حياة تاعسة، فقر وبؤس، وإخفاق في الحب، وإحساس مبكر بشبح الموت. لقد آده عبء الحياة، وأضنته وطأة العيش، وكان طبيعياً لمن كان في مثل حاله من رقة النفس ورهافة الحس أن يجنح إلى الانطواء، وأن يصاب بالخيبة والإحباط بسبب ما كان يلمسه في الحياة من تعارض بين الواقع والمثال، وهكذا عراه الاضطراب والقلق، وتبدَّى كل ذلك في قصائده الشاكية الباكية وقوافيه المفعمة بالمرارة والأسى. وقد جنح في سبيل الخروج من مأساته إلى معاقرة الخمرة وارتياد المقاهي الرخيصة، كما انكب على المطالعة والكتابة ونظم الأشعار، ولكن مأساته لم تزدد إلا عمقاً واتساعاً، فلم يجد لنفسه المعذبة خلاصاً إلا بإيثار الموت على الحياة.
أدب الصوفي، شعره ونثره مفعم بصرخات غاضب وأنات جريح يقول: «ليس هذا عالمي الذي أبحث عنه، إني غريب وأشعر بغربتي في كل دقيقة. لم أعد أستطيع التنفس بسهولة، إني غريب … غريب، وإن مملكتي ليست من هذا العالم …».
غريب وفي زحمة العابرين
أهيم، وفي صخب الأعصر
ويقول:
صديقتي، لم يبق في عيوننا بريق
لم يبق في ضلوعنا تلهف عميق
أقدامنا، تمضي بها جنازة الطريق
وتجهش الخطا على رصيفنا العتيق
كان يشعر بالغربة حتى في بلده ووطنه، وبين أهله وقومه، شأنه في ذلك شأن أمثاله من الشعراء في كل زمان ومكان، ومن قبل قال أبو الطيب:
أنا في أمة ـ تداركها الله ـ غريب، كصالح في ثمود
كان الصوفي مكثراً من الكتابة وتدبيج الرسائل والمقالات، دائباً على نظم الأشعار المفعمة بالآهات والنفثات. ففي رحاب الكلمات الجميلة والمشاعر المشبوبة كان يجد العزاء والسلوان.
فهو يذهب إلى أنه «في الشعر يحيا العالم كله في لحظات، وتختزل جميع الحيوات في هنيهة سكرى مفعمة، وتغني الحقائق وترنم الأفكار، الشعر يقود إلى الله …».
إنه شاعر متمرد مرهف الحس مشبوب العاطفة مضطرم الشعور، كان عطاؤه ثرّاً وشعوره متميزاً حقاً. لم تكن حياته مديدة ولكنها كانت عريضة، لقد مرّ في سماء الأدب كالشهاب الثاقب، وانسحق هلالاً قبل أن يكتمل بدراً.
عمر الدقاق
(1931ـ1961م)
عبد الباسط بن محمد أبي الخير الصوفي، ولد في مدينة حمص وأتم فيها دراسته الثانوية سنة 1950. ثم تخرج في المعهد العالي للمعلمين بدمشق، وحصل على إجازة في الآداب من الجامعة السورية سنة 1956. عمل أول الأمر معلماً في بعض قرى ريف حمص، ثم مدرساً في مدينة دير الزور وثانويات حمص حتى سنة 1960حين انتدب مع بعض المدرسين إلى دولة غينيا الإفريقية لتعليم العربية في مدارسها، وبدأ عمله في بلدة «لابي» الهادئة النائية. كان منذ صباه وفي يفاعته وشبابه متشائماً متبرماً من الحياة، ثم اشتدت عليه وطأة العزلة والوحدة في مغتربه، وأخذت تعتريه نوبات عصبية أودت به إلى الانهيار، فمات منتحراً في العام نفسه ولماّ يبلغ الثلاثين من عمره. وقد عمدت وزارة التربية والتعليم آنئذ إلى نقل جثمانه إلى حمص ليدفن في وطنه.
يعد عبد الباسط في طليعة أعلام الرومانسية في تاريخ الأدب الحديث بسورية، ويشاركه في ذلك صديقه وصنوه الشاعر الحمصي الآخر عبد السلام عيون السود، حتى لكأنهما توأمان، فكلاهما من طينة واحدة، وعاشا ظروفاً صعبة مشتركة كما اتسما برؤى متقاربة، ونزعات متشابهة، حتى إنهما كليهما توفيا وهما في عنفوان الشباب.
والصوفي شاعر غنائي ذاتي ولشعره من اسمه نصيب، فقصائده ذات نكهة خاصة تنم على صوفية حالمة ونزوع طاغٍ إلى الجمال حيث كان، فهو مشغوف بالطبيعة مفتون بمحاسنها، ولكم طوّف في ربوعها على ضفاف العاصي وفي غابات لابي وكوناكري مستمتعاً بمباهجها، منتشياً بسحرها.
ولكنها حياة تاعسة، فقر وبؤس، وإخفاق في الحب، وإحساس مبكر بشبح الموت. لقد آده عبء الحياة، وأضنته وطأة العيش، وكان طبيعياً لمن كان في مثل حاله من رقة النفس ورهافة الحس أن يجنح إلى الانطواء، وأن يصاب بالخيبة والإحباط بسبب ما كان يلمسه في الحياة من تعارض بين الواقع والمثال، وهكذا عراه الاضطراب والقلق، وتبدَّى كل ذلك في قصائده الشاكية الباكية وقوافيه المفعمة بالمرارة والأسى. وقد جنح في سبيل الخروج من مأساته إلى معاقرة الخمرة وارتياد المقاهي الرخيصة، كما انكب على المطالعة والكتابة ونظم الأشعار، ولكن مأساته لم تزدد إلا عمقاً واتساعاً، فلم يجد لنفسه المعذبة خلاصاً إلا بإيثار الموت على الحياة.
أدب الصوفي، شعره ونثره مفعم بصرخات غاضب وأنات جريح يقول: «ليس هذا عالمي الذي أبحث عنه، إني غريب وأشعر بغربتي في كل دقيقة. لم أعد أستطيع التنفس بسهولة، إني غريب … غريب، وإن مملكتي ليست من هذا العالم …».
غريب وفي زحمة العابرين
أهيم، وفي صخب الأعصر
ويقول:
صديقتي، لم يبق في عيوننا بريق
لم يبق في ضلوعنا تلهف عميق
أقدامنا، تمضي بها جنازة الطريق
وتجهش الخطا على رصيفنا العتيق
كان يشعر بالغربة حتى في بلده ووطنه، وبين أهله وقومه، شأنه في ذلك شأن أمثاله من الشعراء في كل زمان ومكان، ومن قبل قال أبو الطيب:
أنا في أمة ـ تداركها الله ـ غريب، كصالح في ثمود
كان الصوفي مكثراً من الكتابة وتدبيج الرسائل والمقالات، دائباً على نظم الأشعار المفعمة بالآهات والنفثات. ففي رحاب الكلمات الجميلة والمشاعر المشبوبة كان يجد العزاء والسلوان.
فهو يذهب إلى أنه «في الشعر يحيا العالم كله في لحظات، وتختزل جميع الحيوات في هنيهة سكرى مفعمة، وتغني الحقائق وترنم الأفكار، الشعر يقود إلى الله …».
إنه شاعر متمرد مرهف الحس مشبوب العاطفة مضطرم الشعور، كان عطاؤه ثرّاً وشعوره متميزاً حقاً. لم تكن حياته مديدة ولكنها كانت عريضة، لقد مرّ في سماء الأدب كالشهاب الثاقب، وانسحق هلالاً قبل أن يكتمل بدراً.
عمر الدقاق