صحيحة من وجهي الخلق والتلقي ، فالشاعر في الإستعارة لا يبدأ من المشابهة ، أي لا يبدأ في شكل بلاغي وينتهي إلى آخر ، وكذلك المتلقي لا يبدأ بالإستعارة وينتهي إلى التشبيه لإدراك العلاقة أنظر : Prescott, F. D., « The poettic Mind », p. 224.
٢٠ _ لمشكلة العلاقة بين المركبات البلاغية على أساس المشابهة أو عدمها أكثر من وجه واحد قد ترتد في مجموعها إلى دلالة لفظة مشابهة ذاتها وماذا تعنيه ، وقد آثر بعضهم تضييق الدلالة حتى حصرها في مسألة النسبة ( الأب براون ) ، أو على العموم في مسألة المماثلة أو المحاكاة المنطقية ، وهو الفهم التقليدي الذي يجعل من أدوات للتلوين. وهناك من يوسع من دلالة المشابهة تحت تأثير شتى المعطيات فلا يحصرها في المماثلة المنطقية وإنما يعني بها القدرة على ربط الأفكار وتداعيها إلى أقصى درجة ، ويقول « فوغل » في ذلك : ه .... إن العامل الأول والفاصل في الصور الشعرية هو الشبه Likeness فدون هذا لا يمكن أن تقوم علاقة أخرى تستدعي نسمي الصورة ويستطرد . . . . . . إن التشبيه هو تجميع أشياء أو مفهومات أو حالات من مستويات شعورية مختلفة أو مستويات وجود متباينة بطريقة من شأنها أن تبدو الأشياء المرتبطة ببعضها بعضاً ، وقد اشتركت في وجه شبه داخلي جوهري مثلما يشبه الحوت في أعماق المحيط الفيل في أعماق الأدغال ، أو مثلما نطلق على سمك القرش عبارة نمر البحر بما فيها من أي التشبيه - على أية حال ليس مجرد ضم شيء إلى آخر أو مفهوم إلى مفهوم ، إنه يشمل أيضاً إنشاء علاقة وثقى بين الشيء والمفهوم، ويوضح المجرد عن طريق المجسد ، ويفسر المادي بعملية تجريدية ، والشيء المجرد بمفهوم أشد تجريداً منه.
وهو ينقل إلى دنيا الواقع والموضوعية إحساساً أو حالة نفسية بأن يضع هذا أو ذاك إلى جانب ظاهرة طبيعية ..
ويقف فريق ثالث ( منهم ريتشاردز ) في وجه هذين الفريقين حيث يذهب إلى أن أوجه المغايرة لاتقل في حال من الأحوال عن أوجه المشابهة في عملية المقارنة وهو الرأي الذي عرضنا له ، وقد كتب ( بول ريفردي ) يقول : « . . إن الصورة إبداع ذهني صرف ولا يمكن لها أن تنبثق عن المقارنة وإنما تنبثق عن الجمع بين حقيقتين واقعيتين تتفاوتان في البعد قلة وكثرة . أنظر : ريد . مقالات مجموعة / ۸۸ - ۸۹ .
وليس من شك في أن العلاقة على أساس المشابهة - مهما تكن دلالة الكلمة - قد تطورت عبر الزمان بين المراحل الثلاث الكبرى : التقليدية والرومانسية والحالية ، ففي المرحلة الأولى كانت العلاقة تقوم على إدراك أوجه المماثلة المنطقية والموضوعية بين المركبات سواء أكان التركيب تشبيهاً أم استعارة ، ولهذا كان أفضل التشبيه مالا ينتقض عند العكس ، ومثل ذلك الإستعارة التي كانت تنحل إلى المشابهة ، وعندما حاول أبو تمام أن يخرج على هذا التصور عدت استعاراته غريبة ، ورغم أنه أجهد نفسه كثيراً في ايجاد علاقات جديدة إلا أن جهده كان ذهنياً أو لنقل منطقياً .
وحين أتى الموقف الرومانسي أحل كلمة تعبير محل كلمة محاكاة ، واعتبر الصورة التي تتكون من الكلمات صورة تعبيرية وليست صورة مشابهة ، وفرق كبير بين الدلالتين فلكي يكون ( ب ) معبراً عن ( ب ) ليس من الضروري أن يكون شبيهاً مطابقاً له ، أو نسخة عنه إذ يكفي أن يكون له الأثر نفسه الذي له في أنفسنا على نحو ما ، أي يكفي أن يثير في أعماقنا المواقف أو المشاعر نفسها .
ومع الموقف الحالي ونظرية الخلق يمكن أن نقول إن أوجه المغايرة وأوجه المشابهة أصبحتا ظاهرتين لعملية واحدة يكبح فيها كل وجه الوجه الآخر بحيث تندمجان معاً وتتحدان في التركيب الجديد الذي ليس هو حاصل جمعهما بل نتيجة تزاوجهما وتداخلهما مع بعضهما بعضاً .
وعندما كانت البلاغة القديمة تحلل تركيباً ما مثل التركيب الذي سقناه كانت تحلله بطريقة خاطئة لأن العلاقة الجديدة أتت عن الوضع الجديد ، عن طريق استعمال الشيئين في هذا الوضع الذي ليس من مهمتنا أن نفتش فيه عن الإستعارة في الحرث لأنها ليست هنا ، وليست كذلك في ( حرث البحر ) . . وإنما هي في العلاقة الثلاثية بين السفينة والبحر والحرث . هذه العلاقة الجديدة ، الوضع الإنفعالي للتركيب الفريد نستعمل له مصطلح التشبيه أو الإستعارة لأن كليهما يخفق في حمل الدلالة ، الوليدة ، ولعل هذه النقطة . إحدى دوافعنا إلى إيثار مصطلح صورة الذي يستطيع أن يعبر عن أوجه المغايرة وأوجه المشابهة في آن .
٢١ _ قسم أرسطو الأنواع البلاغية تقسيماً منطقياً إلى أربعة أقسام تبعاً لمربعه ، بيد أنه نفسه لم يستعمل هذا التقسيم ولم يعطه الأهمية التي أولتها له العصور اللاحقة ، وقد ذهبت هذه العصور وراء تفريعات الأنماط المجازية وتقسيماتها ، وتجاهلت تلك الإلتفاتة القيمة التي أوردها الفيلسوف عن وحدة الأنواع في الريتوريكا ، فصل / ١١ ، سطر /١٥ .
وتقول ( بروك روز ) ! ( إن أرسطو يتخلى عن جميع تصنيفاته المنطقية عندما يجد أمامه صوراً أو تركيبات بلاغية توصف علاقاتها بالحيوية والنضارة ) . أنظر : Brooke-Rose. C., « A Grammer of metaphor >>, p. 4.
٢٢ _ يوضح ( رانسوم ) عندما يتعرض لفلسفة ريتشاردز قصور اتجاهه وخطورته. وكيف أنه يتعثر في كثير من الأحكام ، أنظر الفصل الذي عقده عنه في كتابه « النقد الجديد « « The New cri » كما يذكر ( لويس ) في كتابه ( دراسة في الكلمات ) / ٢١٥ كيف أن امبسون ) في نظريته عن الإستعارة والتعبير الإنفعالي لا يحمل أي جميل ي الفن ، وبالنسبة لنظرية ( ريتشاردز ) في الإستعارة فانها تعد جزءاً لا يتجزأ من نظريته في المعرفة ، ويجب أن نربط بينهما دائماً لإدراك أي تطور قد يظنه بعض الدارسين تناقضاً ، ويبدأ موقفة بالهجوم على موقف القرن الثامن عشر البلاغي ويدعوه بالإقتراب التقليدي . وخاصة كما تجلى في آراء ( لورد كيمس ) Lord kemes ، كما يشن هجومه العنيف على نظرية هيوم البلاغية لتضييقها من نطاق الإستعارة وينتهي إلى القول بالحرية الكاملة التي يجب أن تعمل فيها وبها .
ويمكن لنا أن نلاحظ أربع نقاط تدور حولها ملاحظاته حول
الصورة :
١ _ إن الصورة أو الإستعارة يجب ألا تبصر ، أي ألا تنسب إلى فعل البصر وحده .
٢ _ تخدم الصورة في كل من الشعر والنثر غرضين مختلفين ولذلك فهي فيهما ذات طبيعتين مختلفتين ووظيفتين مختلفتين .
٣ _ تذوق الإستعارة يجب أن يتم في نطاق النص .
٤ _ تكمن المشكلة الرئيسة في العلاقة بين مركبي الإستعارة ، وكل دراسة للصورة لابد أن تبدأ من هذه النقطة . نقطة تحديد المركب الذي نتحدث عنه ، ومن أية زاوية نتحدث ؟
وتذهب « بروك - روز » إلى أنه عاد في كتابه « مبادىء النقد فأكد إلتقاء شطري الإستعارة ( الفكرة + الصورة ) ووحد بين مركبيها ، وفي الحق أن كتابه هذا لا يشير إلى شيء من ذلك على الإطلاق، وقد ظل على العكس يؤمن بالثنائية المتعاكسة أو المتداخلة ، كما ظل يلح على استعمال مصطلحيه الأثيرين في دراسة الإستعارة . غير أنه وصل في النهاية إلى رفض الصورة وإبعادها عن نطاق نظريته والإكتفاء بالفكرة. أنظر :
Hatoph, W. H. N., « Lang. thoght, a comprehension >> lon. 1965. FF. 101,
٢٣ _ أو بين كما تطورت قضية المقارنة بين المركبين على أساس المشابهة كذلك تطورت مشكلة الوحدة بينهما . ففي الفترة التقليدية التي فصلت بين المادة والصورة . وقابلت بين الخيال والواقع الخارجي الذات والموضوع، وزعمت أن العناصر التي يؤلف بينها الشاعر إنما ينسج خيوطها من العقل - كانت تلح على الفصل بين المحمول والوسيلة ، وترى فيهما حدين يعملان في مقابل بعضهما بعضاً .
أما في الفترة الحالية حيث تغيرت طبيعة الذهن وتفسير عمله ، وقامت نظرية المعرفة على الرؤية الإدماجية الكلية للعلاقات فان تحليل الإستعارة يقوم على ملاحظة الناتج النهائي للمركبين اللذين يعملان في نطاق واحد وفي صورة متداخلة ، وهو ناتج لا يؤكد أحد مركبيه بقدر ما يعد مركباً ثالثاً جديداً وفريداً ، ولعل الشيء البارز هنا أن عناصر المركب لا تؤلف في مخيلة الشاعر وإنما تستمد من الخارج ، بمعنى أنها موجودة في العالم وإن ذابت في بوتقة ذهن الفنان . وهذا ماذهب إليه ما ياكوفسكي « Malakouski » و « باسترناك Pasternak » حين قررا أن الإستعارة عنصر موجود في العالم وليس نتيجة تفكير في العالم ، وعلى الشاعر أن يستخلصه منه لا أن يفرضه عليه .
وبكلمات أخرى إن المجاز ليس أداة توهب للشاعر لتصوير العالم بل هو نفسه العالم يتجلى في صورة شعرية .. ودون أن نبالغ إلى هذا الحد نجد أن التطور الذي حدث للخيال بين التيارين أثر بلا شك في النظرية. البلاغية فعندما كان يعد الخيال عنصراً زائداً مقابلاً للخارج كانت عناصر الإستعارة تستقى من الخيال الذي يعمل بوصاية العقل ، أما عندما صار يعد عنصراً مرتبطاً بالواقع ومتوافقاً . معه ، أي عندما لم يعد هناك واقع منعزل وأشياء خارجة عنه صارت عناصر الإستعارة تستمد من العالم .
٢٤ _ ربطت الأشكال البيانية لاسيما عند السكاكي بالإستدلال العقلي والتحليل المنطقي ، ولو اتخذنا شكل الإستعارة مثالاً على هذه التصنيفات لوجدنا أن أنماطها قد قسمت كما يلي : الإستعارة تصريحية ومكنية ، وأصلية وتبعية ، ومجردة ومرشحة ، ومتكلفة وكنائية ، وعنادية وتمثيلية .. والتصريحية منها قسمان : تحقيقية وتخيلية ، وكل من هذين القسمين شعبان : قطعية واحتمالية .
صحيح أن الدارسين لم يتفقوا جميعاً حول هذه الأنماط ، وضم فريق بعضها إلى بعض. إلا أن خرد وجود كثرة من التفريعات والتشقيقات دليل على ما أصاب الأشكال البلاغية من عقم ومنطقة .
٢٥ _ إن القاعدة التي نبني عليها حكمنا هي أن الإنفعال الذي هو البوتقة التي تتولد فيها جميعا الأشكال لا يتناقض فيه الإحساس مع الفكر وإنما يلتحم به في مدى الرؤية الكلية ، وإذا كانت لكل من اللغتين الشعرية والعلمية طريقتها الخاصة في التعبير أو التقرير فلا نقصد أن إحداهما أرقى من الأخرى ، كل ما نقصده أن لكل طريقة ، والمغايرة لا تعني المفاضلة . يقول رانسوم : « ... نحن لانريد ذم اللغة العلمية كيما نمدح اللغة الشعرية ، ففينا من الحافز لتنمية لغتنا العلمية بقدر مافينا من الحافز لحساسية شعرنا ، فكلتا اللغتين حقيقية ومشروعة ، وإن احتجت إحداهما على الأخرى ، واضطربت علاقات الأخوة بينهما بازدياد. . . . أنظر :
Ransoom, J. C., « poetry as primitive lang,», see << The writer @ his craft», ed. by R. W. cowden, mitchigan 1960
وفي علاقة المنطق بالإستعارة أنظر :
No.3, 1 - Tuve, R., << Imagery a logic », JHI, octo., 1942, p. 316.
2 - Rieser, M., «< Analysis of the poetic simile »>, JP. Apri., 1940. p. 216.
٢٦ _ لعل أحد الأسباب التي تكمن وراء لامنطقية التركيب الفني في المجاز أنه في جوهره يمثل عملية المقارنة غير المعقولة التي هي أثر من آثار الفترة البدائية حيث كان الإنسان ينسب أو يبادل بين الكائنات الحية وغير الحية كثيراً من الخصائص أو الصفات ، وعلى هذا نستطيع أن نقول عن المجاز إنه ليس سوى أسطورة لخصت في عبارة موجزة شديدة الإيجاز ومازالت تحمل أهم ميزانها ، أعني لامنطقيتها .
٢٧ - يقرن أرسطو الحرية بالضرورة بينما يقرنها سبينوزا بالتلازم الشرطي Contingency ، والحرية الموجودة في الأشكال البلاغية لا تقوم على إحدى هاتين القيمتين كلاً على إنفراد وإنما عليهما معاً . أنظر Loss, M., «symbol a metaphor in human experience»>, P. 52.
٢٠ _ لمشكلة العلاقة بين المركبات البلاغية على أساس المشابهة أو عدمها أكثر من وجه واحد قد ترتد في مجموعها إلى دلالة لفظة مشابهة ذاتها وماذا تعنيه ، وقد آثر بعضهم تضييق الدلالة حتى حصرها في مسألة النسبة ( الأب براون ) ، أو على العموم في مسألة المماثلة أو المحاكاة المنطقية ، وهو الفهم التقليدي الذي يجعل من أدوات للتلوين. وهناك من يوسع من دلالة المشابهة تحت تأثير شتى المعطيات فلا يحصرها في المماثلة المنطقية وإنما يعني بها القدرة على ربط الأفكار وتداعيها إلى أقصى درجة ، ويقول « فوغل » في ذلك : ه .... إن العامل الأول والفاصل في الصور الشعرية هو الشبه Likeness فدون هذا لا يمكن أن تقوم علاقة أخرى تستدعي نسمي الصورة ويستطرد . . . . . . إن التشبيه هو تجميع أشياء أو مفهومات أو حالات من مستويات شعورية مختلفة أو مستويات وجود متباينة بطريقة من شأنها أن تبدو الأشياء المرتبطة ببعضها بعضاً ، وقد اشتركت في وجه شبه داخلي جوهري مثلما يشبه الحوت في أعماق المحيط الفيل في أعماق الأدغال ، أو مثلما نطلق على سمك القرش عبارة نمر البحر بما فيها من أي التشبيه - على أية حال ليس مجرد ضم شيء إلى آخر أو مفهوم إلى مفهوم ، إنه يشمل أيضاً إنشاء علاقة وثقى بين الشيء والمفهوم، ويوضح المجرد عن طريق المجسد ، ويفسر المادي بعملية تجريدية ، والشيء المجرد بمفهوم أشد تجريداً منه.
وهو ينقل إلى دنيا الواقع والموضوعية إحساساً أو حالة نفسية بأن يضع هذا أو ذاك إلى جانب ظاهرة طبيعية ..
ويقف فريق ثالث ( منهم ريتشاردز ) في وجه هذين الفريقين حيث يذهب إلى أن أوجه المغايرة لاتقل في حال من الأحوال عن أوجه المشابهة في عملية المقارنة وهو الرأي الذي عرضنا له ، وقد كتب ( بول ريفردي ) يقول : « . . إن الصورة إبداع ذهني صرف ولا يمكن لها أن تنبثق عن المقارنة وإنما تنبثق عن الجمع بين حقيقتين واقعيتين تتفاوتان في البعد قلة وكثرة . أنظر : ريد . مقالات مجموعة / ۸۸ - ۸۹ .
وليس من شك في أن العلاقة على أساس المشابهة - مهما تكن دلالة الكلمة - قد تطورت عبر الزمان بين المراحل الثلاث الكبرى : التقليدية والرومانسية والحالية ، ففي المرحلة الأولى كانت العلاقة تقوم على إدراك أوجه المماثلة المنطقية والموضوعية بين المركبات سواء أكان التركيب تشبيهاً أم استعارة ، ولهذا كان أفضل التشبيه مالا ينتقض عند العكس ، ومثل ذلك الإستعارة التي كانت تنحل إلى المشابهة ، وعندما حاول أبو تمام أن يخرج على هذا التصور عدت استعاراته غريبة ، ورغم أنه أجهد نفسه كثيراً في ايجاد علاقات جديدة إلا أن جهده كان ذهنياً أو لنقل منطقياً .
وحين أتى الموقف الرومانسي أحل كلمة تعبير محل كلمة محاكاة ، واعتبر الصورة التي تتكون من الكلمات صورة تعبيرية وليست صورة مشابهة ، وفرق كبير بين الدلالتين فلكي يكون ( ب ) معبراً عن ( ب ) ليس من الضروري أن يكون شبيهاً مطابقاً له ، أو نسخة عنه إذ يكفي أن يكون له الأثر نفسه الذي له في أنفسنا على نحو ما ، أي يكفي أن يثير في أعماقنا المواقف أو المشاعر نفسها .
ومع الموقف الحالي ونظرية الخلق يمكن أن نقول إن أوجه المغايرة وأوجه المشابهة أصبحتا ظاهرتين لعملية واحدة يكبح فيها كل وجه الوجه الآخر بحيث تندمجان معاً وتتحدان في التركيب الجديد الذي ليس هو حاصل جمعهما بل نتيجة تزاوجهما وتداخلهما مع بعضهما بعضاً .
وعندما كانت البلاغة القديمة تحلل تركيباً ما مثل التركيب الذي سقناه كانت تحلله بطريقة خاطئة لأن العلاقة الجديدة أتت عن الوضع الجديد ، عن طريق استعمال الشيئين في هذا الوضع الذي ليس من مهمتنا أن نفتش فيه عن الإستعارة في الحرث لأنها ليست هنا ، وليست كذلك في ( حرث البحر ) . . وإنما هي في العلاقة الثلاثية بين السفينة والبحر والحرث . هذه العلاقة الجديدة ، الوضع الإنفعالي للتركيب الفريد نستعمل له مصطلح التشبيه أو الإستعارة لأن كليهما يخفق في حمل الدلالة ، الوليدة ، ولعل هذه النقطة . إحدى دوافعنا إلى إيثار مصطلح صورة الذي يستطيع أن يعبر عن أوجه المغايرة وأوجه المشابهة في آن .
٢١ _ قسم أرسطو الأنواع البلاغية تقسيماً منطقياً إلى أربعة أقسام تبعاً لمربعه ، بيد أنه نفسه لم يستعمل هذا التقسيم ولم يعطه الأهمية التي أولتها له العصور اللاحقة ، وقد ذهبت هذه العصور وراء تفريعات الأنماط المجازية وتقسيماتها ، وتجاهلت تلك الإلتفاتة القيمة التي أوردها الفيلسوف عن وحدة الأنواع في الريتوريكا ، فصل / ١١ ، سطر /١٥ .
وتقول ( بروك روز ) ! ( إن أرسطو يتخلى عن جميع تصنيفاته المنطقية عندما يجد أمامه صوراً أو تركيبات بلاغية توصف علاقاتها بالحيوية والنضارة ) . أنظر : Brooke-Rose. C., « A Grammer of metaphor >>, p. 4.
٢٢ _ يوضح ( رانسوم ) عندما يتعرض لفلسفة ريتشاردز قصور اتجاهه وخطورته. وكيف أنه يتعثر في كثير من الأحكام ، أنظر الفصل الذي عقده عنه في كتابه « النقد الجديد « « The New cri » كما يذكر ( لويس ) في كتابه ( دراسة في الكلمات ) / ٢١٥ كيف أن امبسون ) في نظريته عن الإستعارة والتعبير الإنفعالي لا يحمل أي جميل ي الفن ، وبالنسبة لنظرية ( ريتشاردز ) في الإستعارة فانها تعد جزءاً لا يتجزأ من نظريته في المعرفة ، ويجب أن نربط بينهما دائماً لإدراك أي تطور قد يظنه بعض الدارسين تناقضاً ، ويبدأ موقفة بالهجوم على موقف القرن الثامن عشر البلاغي ويدعوه بالإقتراب التقليدي . وخاصة كما تجلى في آراء ( لورد كيمس ) Lord kemes ، كما يشن هجومه العنيف على نظرية هيوم البلاغية لتضييقها من نطاق الإستعارة وينتهي إلى القول بالحرية الكاملة التي يجب أن تعمل فيها وبها .
ويمكن لنا أن نلاحظ أربع نقاط تدور حولها ملاحظاته حول
الصورة :
١ _ إن الصورة أو الإستعارة يجب ألا تبصر ، أي ألا تنسب إلى فعل البصر وحده .
٢ _ تخدم الصورة في كل من الشعر والنثر غرضين مختلفين ولذلك فهي فيهما ذات طبيعتين مختلفتين ووظيفتين مختلفتين .
٣ _ تذوق الإستعارة يجب أن يتم في نطاق النص .
٤ _ تكمن المشكلة الرئيسة في العلاقة بين مركبي الإستعارة ، وكل دراسة للصورة لابد أن تبدأ من هذه النقطة . نقطة تحديد المركب الذي نتحدث عنه ، ومن أية زاوية نتحدث ؟
وتذهب « بروك - روز » إلى أنه عاد في كتابه « مبادىء النقد فأكد إلتقاء شطري الإستعارة ( الفكرة + الصورة ) ووحد بين مركبيها ، وفي الحق أن كتابه هذا لا يشير إلى شيء من ذلك على الإطلاق، وقد ظل على العكس يؤمن بالثنائية المتعاكسة أو المتداخلة ، كما ظل يلح على استعمال مصطلحيه الأثيرين في دراسة الإستعارة . غير أنه وصل في النهاية إلى رفض الصورة وإبعادها عن نطاق نظريته والإكتفاء بالفكرة. أنظر :
Hatoph, W. H. N., « Lang. thoght, a comprehension >> lon. 1965. FF. 101,
٢٣ _ أو بين كما تطورت قضية المقارنة بين المركبين على أساس المشابهة كذلك تطورت مشكلة الوحدة بينهما . ففي الفترة التقليدية التي فصلت بين المادة والصورة . وقابلت بين الخيال والواقع الخارجي الذات والموضوع، وزعمت أن العناصر التي يؤلف بينها الشاعر إنما ينسج خيوطها من العقل - كانت تلح على الفصل بين المحمول والوسيلة ، وترى فيهما حدين يعملان في مقابل بعضهما بعضاً .
أما في الفترة الحالية حيث تغيرت طبيعة الذهن وتفسير عمله ، وقامت نظرية المعرفة على الرؤية الإدماجية الكلية للعلاقات فان تحليل الإستعارة يقوم على ملاحظة الناتج النهائي للمركبين اللذين يعملان في نطاق واحد وفي صورة متداخلة ، وهو ناتج لا يؤكد أحد مركبيه بقدر ما يعد مركباً ثالثاً جديداً وفريداً ، ولعل الشيء البارز هنا أن عناصر المركب لا تؤلف في مخيلة الشاعر وإنما تستمد من الخارج ، بمعنى أنها موجودة في العالم وإن ذابت في بوتقة ذهن الفنان . وهذا ماذهب إليه ما ياكوفسكي « Malakouski » و « باسترناك Pasternak » حين قررا أن الإستعارة عنصر موجود في العالم وليس نتيجة تفكير في العالم ، وعلى الشاعر أن يستخلصه منه لا أن يفرضه عليه .
وبكلمات أخرى إن المجاز ليس أداة توهب للشاعر لتصوير العالم بل هو نفسه العالم يتجلى في صورة شعرية .. ودون أن نبالغ إلى هذا الحد نجد أن التطور الذي حدث للخيال بين التيارين أثر بلا شك في النظرية. البلاغية فعندما كان يعد الخيال عنصراً زائداً مقابلاً للخارج كانت عناصر الإستعارة تستقى من الخيال الذي يعمل بوصاية العقل ، أما عندما صار يعد عنصراً مرتبطاً بالواقع ومتوافقاً . معه ، أي عندما لم يعد هناك واقع منعزل وأشياء خارجة عنه صارت عناصر الإستعارة تستمد من العالم .
٢٤ _ ربطت الأشكال البيانية لاسيما عند السكاكي بالإستدلال العقلي والتحليل المنطقي ، ولو اتخذنا شكل الإستعارة مثالاً على هذه التصنيفات لوجدنا أن أنماطها قد قسمت كما يلي : الإستعارة تصريحية ومكنية ، وأصلية وتبعية ، ومجردة ومرشحة ، ومتكلفة وكنائية ، وعنادية وتمثيلية .. والتصريحية منها قسمان : تحقيقية وتخيلية ، وكل من هذين القسمين شعبان : قطعية واحتمالية .
صحيح أن الدارسين لم يتفقوا جميعاً حول هذه الأنماط ، وضم فريق بعضها إلى بعض. إلا أن خرد وجود كثرة من التفريعات والتشقيقات دليل على ما أصاب الأشكال البلاغية من عقم ومنطقة .
٢٥ _ إن القاعدة التي نبني عليها حكمنا هي أن الإنفعال الذي هو البوتقة التي تتولد فيها جميعا الأشكال لا يتناقض فيه الإحساس مع الفكر وإنما يلتحم به في مدى الرؤية الكلية ، وإذا كانت لكل من اللغتين الشعرية والعلمية طريقتها الخاصة في التعبير أو التقرير فلا نقصد أن إحداهما أرقى من الأخرى ، كل ما نقصده أن لكل طريقة ، والمغايرة لا تعني المفاضلة . يقول رانسوم : « ... نحن لانريد ذم اللغة العلمية كيما نمدح اللغة الشعرية ، ففينا من الحافز لتنمية لغتنا العلمية بقدر مافينا من الحافز لحساسية شعرنا ، فكلتا اللغتين حقيقية ومشروعة ، وإن احتجت إحداهما على الأخرى ، واضطربت علاقات الأخوة بينهما بازدياد. . . . أنظر :
Ransoom, J. C., « poetry as primitive lang,», see << The writer @ his craft», ed. by R. W. cowden, mitchigan 1960
وفي علاقة المنطق بالإستعارة أنظر :
No.3, 1 - Tuve, R., << Imagery a logic », JHI, octo., 1942, p. 316.
2 - Rieser, M., «< Analysis of the poetic simile »>, JP. Apri., 1940. p. 216.
٢٦ _ لعل أحد الأسباب التي تكمن وراء لامنطقية التركيب الفني في المجاز أنه في جوهره يمثل عملية المقارنة غير المعقولة التي هي أثر من آثار الفترة البدائية حيث كان الإنسان ينسب أو يبادل بين الكائنات الحية وغير الحية كثيراً من الخصائص أو الصفات ، وعلى هذا نستطيع أن نقول عن المجاز إنه ليس سوى أسطورة لخصت في عبارة موجزة شديدة الإيجاز ومازالت تحمل أهم ميزانها ، أعني لامنطقيتها .
٢٧ - يقرن أرسطو الحرية بالضرورة بينما يقرنها سبينوزا بالتلازم الشرطي Contingency ، والحرية الموجودة في الأشكال البلاغية لا تقوم على إحدى هاتين القيمتين كلاً على إنفراد وإنما عليهما معاً . أنظر Loss, M., «symbol a metaphor in human experience»>, P. 52.
تعليق