الإدعاء ، ويبدو أن الرأي السائد يميل إلى تأكيد ظاهرة التجسيم والتمثيل الحسيين ، وينفر من التجريد وإطلاق العقال للأفكار العامة ، فالشعر يمثل لكوفن (۱) ۱ . . . أوضح الصور الفنية ، وأكثر الأشياء المرئية دائماً أشياء كتلك التي نستطيع أن نبصرها ونلمسها ونسمعها ونتذوقها ونشمها . . . ) ، وهو عند ( بري ) (۲) . . التصوير الفني للتجربة الحسية ، وما التصوير الفني سوى أن تمر التجربة بالذهن فينقيها ويعدل من بنائها ، ويحولها إلى صورة فنية قوية الأثر تهب الشعر عمقه وأثره الفعال . . » ويقول بوضوح : ( . . . إن وظيفة الشعر هي أن ينقل إلينا الإحساس بالأشياء لا المعرفة بها . الصور في الشعر فيزعم أنها لا تصنع من الكلمات على الإطلاق وإنما من المنبهات الأصلية التي تثيرها الحواس أولاً . .
وتتفق ( ريكيرت ) (۳) في موقفها إزاء الصور مع ( بري ) حين ترى في الشعر نتاجاً ذهنياً لا يقدم المعنى العام للتجارب العاطفية وإنما يقدم التجارب العاطفية نفسها في كلمات مثل حواس البصر والسمع واللمس والذوق والشم . وتقول : « . . . إن الصورة الفنية هي ا عن التجربة على هيئة صور ذهنية » ، أي تقديم التجربة بعد يقوم العقل بتحويلها إلى هذه الصور ، ويمكن أن نجد أقوالاً مماثلة عند (رانسوم) (٤) و ( هيوم » (٥) أيضاً .
ونحن نعتقد أن هذه جميعاً على اختلاف درجاتها آراء تغلو في الإتكاء على العنصر الحسي وتعليه على حساب بقية العناصر المشكلة للتجربة الشعرية وللصورة الفنية على السواء ، فالقول مع بري بأن الشعر لا يبنى من الكلمات ، أو لنقل من الصور التي مهما اختلفنا في نسبة الحسية إليها وملاحظة الدور الذي تلعبه فيها فانا لن نصل إلى الزعم بأنها مجرد منبهات أو انطباعات حسية ليس غير .
إن الشعر كأي خلق آخر نسج خيوطه الإحساس والعاطفة والفكرة ، ورغم أن الخيط الأول أو العنصر الأول هو أهم هذه الخيوط أو العناصر إلا أن أي تحليل للفن يجب أن يقوم في ضوء العلاقات والإرتباطات المتداخلة الملتحمة بين الخيوط المشكلة للنسيج والتي لا يمكن لها أن توجد منفصلة بعضها عن بعضها الآخر ، وبالتالي فلا يمكن لها أن تدرس بصورة إعلائية منفصلة .
ثانياً - المنهج الرمزي :
ينقسم الدارسون في نطاق هذا المنهج تبعاً لفهمهم الرمز إلى فريقين : الأول يرى في العمل الشعري الواحد رمزاً كلياً وحسياً ، والآخر يرى فيه تياراً من الرموز العضوية الملتحمة ، والرمز عند الفريق الأول رؤية ليست له أية علاقة بدلالته الفنية أو الجمالية ، إنه موضوع لا يشير إلى غيره أو إلى شيء آخر يمتد وراءه ، وبين أيدينا في ذلك دراستان الأولى صور ورد زورث الفنية لمارش (۱) ، والثانية «الصورة الرومانسية لكير موند (۲) التي يدور معظم ماجاء فيها حول شعر وليم بطلرييتس بالذات ، وتصدر الدراستان عن اعتقاد بوحدة الفكر واللغة والصورة ، وحدة لا تمت إلى الجذر البلاغي بسبب كبير ، وتعترضنا هنا كما اعترضنا في المنهج السابق مشكلتان الأولى هي دور العنصر الحسي ومكانه في الصورة وقد ناقشناه ، والثانية هي مفهوم الصورة بدلالتها الرمزية ، أو كما أدعوها ( المشكلة الحرفية لدلالة الرمز الحسي » وإذا كنا قد عرضنا للرمز وأنواعه وطبيعته الفنية في كتابنا « تطور الصورة الفنية في الشعر العربي ) مما لا حاجة إلى إعادته فانا نقول هنا إن الرمز لا يمكن أن يكون كذلك إلا بدلالة سياقية عامة أو خاصة لاتحكم فيها ، الرمز موضوع يشير إلى موضوع آخر وإن كان فيه مايؤهله لأن يتطلب الإنتباه إليه أيضاً لذاته كشيء معروض ، والفهم الذي آثرته هاتان الدراستان الرمز لا يحمل هذا المعنى إضافة إلى ذلك أن النظرة السابقة في حد ذاتها قاصرة لأنها لا تنطبق إلا على المقطعات أو القصائد القصار (۱) .
وفي وضع مارش يبدو فهمها الضيق لطبيعة الإستعارة وعدم إدراكها الكامل لعملية المقارنة بين المركبين ولا كيف يعملان معاً داخلها قد جنحا بها نحو الدلالة الكلية للرمز ، فهي ترى في الإستعارة استعمالاً الكلمة الواحدة في أكثر من موضع ، وقد قلنا إن هذا البدائي القديم للاستعارة بسبب ضآلة المعجم اللغوي ، ولكنه ليس الإستعمال الوحيد لها فهناك استعمالات أخرى وأنواع وضروب نشأت وتطورت بتطور الألوان البلاغية ، وتزعم الباحثة أن المركب الثاني في المقارنة لايظهر في شعر وروزورث ، وهذا حق بيدا أن المقارنة نفسها أو إقامة علاقة بين مركبين موجودة وإن كانت خافية ، إن صور الشاعر من النوع الغارق وليست من النوع البارز أو الناتيء ، ورفضها لعدم إدراكها جهل بطبيعتها .
أما الفريق الثاني فيؤمن بالتكون الشعائري للفن ، وينجرف وراء فكرة « النماذج العليا » أو الصور الفطرية التي تظهر في بعض الأعمال الشعرية بصورة رموز عضوية ، ويعرفها ( يونغ ، فيقول (1) : . ... إنها صور إبتدائية لا شعورية ، أو رواسب نفسية لتجارب ابتدائية لاشعورية لا تحصى شارك فيها الأسلاف في عصور بدائية ، وقد ورثت في أنسجة الدماغ بطريقة ما ، فهي إذن نماذج أساسية قديمة لتجربة إنسانية مركزية.» ، والسؤال هنا كيف تنتقل هذه النماذج جيلاً بعد جيل ؟ إننا نلحظ دوامها واستمرارها ، ولكن هذا وحده لا يكفي ، لابد أن نعرف كيف تورث هل تنطبع في أنسجة الدماغ وتورث في البيئة العضوية الحسية كما يقول يونغ » ويجد برهانه على ذلك في الإنبعاث التلقائي لهذه النماذج القديمة في الأحلام والأوهام عند أفراد لم يجدوا طريقهم بعد إلى المادة الثقافية التي تتجسم فيها هذه النماذج . . . أم تورث كما يقول سواه في البيئة الثقافية وتستعاد كتجارب طفولية مثالية قد تتغير جذرياً من مجتمع إلى ثان أو من جيل إلى آخر ، وبذلك نحطم نظرية ( فايسمان ) التي تنفي توريث الحقائق المكتسبة وتقول فقط بتوريث الحقائق العضوية التي تحملها الخلايا الجرثومية .. أم تورث أخيراً عن السبيلين معاً كما ترى بودكين حين أعلنت بكل وضوح أن الذات العليا يوجد فيها عاملان موروث ومكتسب ! ؟
ومهما يكن من أمر هذه الطروحات فان معظم مناهج دراسة الصور كانت تبحث عن موادها وعللها وأسبابها ولا تسأل دلالاتها ، وفي رأي ( بيرك ) (۱) أن الإجابة عن هذا السؤال الأخير لا تقدمه سوى دراسة الصور في ضوء فكرة النماذج العليا ، وإن أي باحث لا يخطو في بحثه إلا خطوات قليلة حتى يجد نفسه في نطاق الرمز النموذجي الذي تطرحه فكرة الصلة العضوية بين الصور الشعرية للقصيدة الواحدة مفهومه السابق ، ويقدم بيرك ، تبسيطاً له في ثلاث حلقات :
١ _ تقدم أية سلسلة من الصور الرمزية للعمل الواحد عنصراً مركزياً ليس لطبيعة الفنان أو الأثر في علاقتيه الموضوعية والذاتية وإنما لجوهر الصراع الذي تنبأر فيه القصيدة
٢ _ يمكن اكتشاف هذا الصراع إذا تتبعنا العلاقات والإرتباطات المتداعية التي تنشئها الصور العنقودية في جملة الأفعال والمواقف والأحداث والتي تقدم أفكاراً معينة عن البطولة والكمون والفرار .
٣ _ إن التحول الذي يحدث في هذا الصراع يتضمن إنتقالاً واسعاً من وضع واحد متفرد لكل قيمة إلى وضع تتداخل فيه جميع القيم كما يتضمن إنتقالاً آخر من الحركة إلى السكون .
وقد استخلص بيرك الحلقات أو الأسس السابقة من دراسته للشعائر ، و افترض أن صور الشاعر تشبه صور الأحلام لارقيب عليها يحجبها ، ولا إحساساً بالعار يمنعها ، إنها تختلف عن تصريحاته وعباراته المباشرة.
وتتفق ( ريكيرت ) (۳) في موقفها إزاء الصور مع ( بري ) حين ترى في الشعر نتاجاً ذهنياً لا يقدم المعنى العام للتجارب العاطفية وإنما يقدم التجارب العاطفية نفسها في كلمات مثل حواس البصر والسمع واللمس والذوق والشم . وتقول : « . . . إن الصورة الفنية هي ا عن التجربة على هيئة صور ذهنية » ، أي تقديم التجربة بعد يقوم العقل بتحويلها إلى هذه الصور ، ويمكن أن نجد أقوالاً مماثلة عند (رانسوم) (٤) و ( هيوم » (٥) أيضاً .
ونحن نعتقد أن هذه جميعاً على اختلاف درجاتها آراء تغلو في الإتكاء على العنصر الحسي وتعليه على حساب بقية العناصر المشكلة للتجربة الشعرية وللصورة الفنية على السواء ، فالقول مع بري بأن الشعر لا يبنى من الكلمات ، أو لنقل من الصور التي مهما اختلفنا في نسبة الحسية إليها وملاحظة الدور الذي تلعبه فيها فانا لن نصل إلى الزعم بأنها مجرد منبهات أو انطباعات حسية ليس غير .
إن الشعر كأي خلق آخر نسج خيوطه الإحساس والعاطفة والفكرة ، ورغم أن الخيط الأول أو العنصر الأول هو أهم هذه الخيوط أو العناصر إلا أن أي تحليل للفن يجب أن يقوم في ضوء العلاقات والإرتباطات المتداخلة الملتحمة بين الخيوط المشكلة للنسيج والتي لا يمكن لها أن توجد منفصلة بعضها عن بعضها الآخر ، وبالتالي فلا يمكن لها أن تدرس بصورة إعلائية منفصلة .
ثانياً - المنهج الرمزي :
ينقسم الدارسون في نطاق هذا المنهج تبعاً لفهمهم الرمز إلى فريقين : الأول يرى في العمل الشعري الواحد رمزاً كلياً وحسياً ، والآخر يرى فيه تياراً من الرموز العضوية الملتحمة ، والرمز عند الفريق الأول رؤية ليست له أية علاقة بدلالته الفنية أو الجمالية ، إنه موضوع لا يشير إلى غيره أو إلى شيء آخر يمتد وراءه ، وبين أيدينا في ذلك دراستان الأولى صور ورد زورث الفنية لمارش (۱) ، والثانية «الصورة الرومانسية لكير موند (۲) التي يدور معظم ماجاء فيها حول شعر وليم بطلرييتس بالذات ، وتصدر الدراستان عن اعتقاد بوحدة الفكر واللغة والصورة ، وحدة لا تمت إلى الجذر البلاغي بسبب كبير ، وتعترضنا هنا كما اعترضنا في المنهج السابق مشكلتان الأولى هي دور العنصر الحسي ومكانه في الصورة وقد ناقشناه ، والثانية هي مفهوم الصورة بدلالتها الرمزية ، أو كما أدعوها ( المشكلة الحرفية لدلالة الرمز الحسي » وإذا كنا قد عرضنا للرمز وأنواعه وطبيعته الفنية في كتابنا « تطور الصورة الفنية في الشعر العربي ) مما لا حاجة إلى إعادته فانا نقول هنا إن الرمز لا يمكن أن يكون كذلك إلا بدلالة سياقية عامة أو خاصة لاتحكم فيها ، الرمز موضوع يشير إلى موضوع آخر وإن كان فيه مايؤهله لأن يتطلب الإنتباه إليه أيضاً لذاته كشيء معروض ، والفهم الذي آثرته هاتان الدراستان الرمز لا يحمل هذا المعنى إضافة إلى ذلك أن النظرة السابقة في حد ذاتها قاصرة لأنها لا تنطبق إلا على المقطعات أو القصائد القصار (۱) .
وفي وضع مارش يبدو فهمها الضيق لطبيعة الإستعارة وعدم إدراكها الكامل لعملية المقارنة بين المركبين ولا كيف يعملان معاً داخلها قد جنحا بها نحو الدلالة الكلية للرمز ، فهي ترى في الإستعارة استعمالاً الكلمة الواحدة في أكثر من موضع ، وقد قلنا إن هذا البدائي القديم للاستعارة بسبب ضآلة المعجم اللغوي ، ولكنه ليس الإستعمال الوحيد لها فهناك استعمالات أخرى وأنواع وضروب نشأت وتطورت بتطور الألوان البلاغية ، وتزعم الباحثة أن المركب الثاني في المقارنة لايظهر في شعر وروزورث ، وهذا حق بيدا أن المقارنة نفسها أو إقامة علاقة بين مركبين موجودة وإن كانت خافية ، إن صور الشاعر من النوع الغارق وليست من النوع البارز أو الناتيء ، ورفضها لعدم إدراكها جهل بطبيعتها .
أما الفريق الثاني فيؤمن بالتكون الشعائري للفن ، وينجرف وراء فكرة « النماذج العليا » أو الصور الفطرية التي تظهر في بعض الأعمال الشعرية بصورة رموز عضوية ، ويعرفها ( يونغ ، فيقول (1) : . ... إنها صور إبتدائية لا شعورية ، أو رواسب نفسية لتجارب ابتدائية لاشعورية لا تحصى شارك فيها الأسلاف في عصور بدائية ، وقد ورثت في أنسجة الدماغ بطريقة ما ، فهي إذن نماذج أساسية قديمة لتجربة إنسانية مركزية.» ، والسؤال هنا كيف تنتقل هذه النماذج جيلاً بعد جيل ؟ إننا نلحظ دوامها واستمرارها ، ولكن هذا وحده لا يكفي ، لابد أن نعرف كيف تورث هل تنطبع في أنسجة الدماغ وتورث في البيئة العضوية الحسية كما يقول يونغ » ويجد برهانه على ذلك في الإنبعاث التلقائي لهذه النماذج القديمة في الأحلام والأوهام عند أفراد لم يجدوا طريقهم بعد إلى المادة الثقافية التي تتجسم فيها هذه النماذج . . . أم تورث كما يقول سواه في البيئة الثقافية وتستعاد كتجارب طفولية مثالية قد تتغير جذرياً من مجتمع إلى ثان أو من جيل إلى آخر ، وبذلك نحطم نظرية ( فايسمان ) التي تنفي توريث الحقائق المكتسبة وتقول فقط بتوريث الحقائق العضوية التي تحملها الخلايا الجرثومية .. أم تورث أخيراً عن السبيلين معاً كما ترى بودكين حين أعلنت بكل وضوح أن الذات العليا يوجد فيها عاملان موروث ومكتسب ! ؟
ومهما يكن من أمر هذه الطروحات فان معظم مناهج دراسة الصور كانت تبحث عن موادها وعللها وأسبابها ولا تسأل دلالاتها ، وفي رأي ( بيرك ) (۱) أن الإجابة عن هذا السؤال الأخير لا تقدمه سوى دراسة الصور في ضوء فكرة النماذج العليا ، وإن أي باحث لا يخطو في بحثه إلا خطوات قليلة حتى يجد نفسه في نطاق الرمز النموذجي الذي تطرحه فكرة الصلة العضوية بين الصور الشعرية للقصيدة الواحدة مفهومه السابق ، ويقدم بيرك ، تبسيطاً له في ثلاث حلقات :
١ _ تقدم أية سلسلة من الصور الرمزية للعمل الواحد عنصراً مركزياً ليس لطبيعة الفنان أو الأثر في علاقتيه الموضوعية والذاتية وإنما لجوهر الصراع الذي تنبأر فيه القصيدة
٢ _ يمكن اكتشاف هذا الصراع إذا تتبعنا العلاقات والإرتباطات المتداعية التي تنشئها الصور العنقودية في جملة الأفعال والمواقف والأحداث والتي تقدم أفكاراً معينة عن البطولة والكمون والفرار .
٣ _ إن التحول الذي يحدث في هذا الصراع يتضمن إنتقالاً واسعاً من وضع واحد متفرد لكل قيمة إلى وضع تتداخل فيه جميع القيم كما يتضمن إنتقالاً آخر من الحركة إلى السكون .
وقد استخلص بيرك الحلقات أو الأسس السابقة من دراسته للشعائر ، و افترض أن صور الشاعر تشبه صور الأحلام لارقيب عليها يحجبها ، ولا إحساساً بالعار يمنعها ، إنها تختلف عن تصريحاته وعباراته المباشرة.
تعليق