الموسيقى في فرنسا
نشأت الموسيقى الفرنسية، مثل الموسيقى الأوربية وتطورت من «الموسيقى الدينية» بين جدران الكنائس، ومن «الموسيقى الدنيوية» التي جاء بها الشعراء الجوَّالون «التروبادور» troubadours و«التروفير» trouvères. وقد اعتمدت الموسيقى الدينية الكنسية على معرفة آباء الكنيسة بالتراتيل الغريغورية القديمة[ر. الغناء الغريغوري]، ثم بالتدوين الموسيقي الذي جاء به غويدو داريتسو Guido d’Arezzo في القرن الحادي عشر. أما موسيقى التروبادور فقد افتقرت إلى ثقافة آباء الكنيسة وعلومهم النظرية. ولكن التروبادور كانوا على خلاف أساتذة الموسيقى الكنسية غير مقيدين بالقوالب الدينية، وقادرين على تأليف ألحان مختلفة بقوالب جديدة وصلت إلينا في النهاية بأشكال أخرى بعد أن شذبها التاريخ.
الموسيقى الكنسية (مدرسة نوتردام) L’École de Notre-Dame: كان ليونن Léonin أول أساتذة مدرسة نوتردام المعروفين (القرن الثاني عشر) الذي يُقال إنه ألَّف أوَّل عمل بقالب «الأورغانا» organa وهو القالب الذي نشأ وتطور منه فن البوليفونية polyphonie (موسيقى متعددة الأصوات). ولكن في الحقيقة لا يُعرف كثيرٌ عن حياته وحياة خلفه بيروتان Pérotin (نهاية القرن الثاني عشر وبداية القرن الثالث عشر) الذي يُعدُّ أوَّل أستاذ للموسيقى ألَّف أعمالاً كاملة بالبوليفونية الحديثة. وقد جذبت أعمال أساتذة نوتردام، ولاسيما اهتمامهم بفن البوليفونية التروبادور الذين جاؤوا إليها ليستفيدوا من علومها النظرية، وتركوا أعمالاً يُعزى معظمها إلى مؤلفين مجهولين.
التروبادور: هم الشعراء الموسيقيون الجوّالون من جنوبي فرنسا. ويُعدُّ آدم دو لاهال Adam de la Halle من أشهرهم، وقد ألَّف أعمالاً بقالب الدراما الريفية (تمثيل وغناء) مثل لعبة «آدم» أو «التخبئة» Jeu d’Adam ou de la feuillée عام (1262)، ولعبة «روبن وماريون» Jeu de Robin et Marion نحو (1280) التي ربما كانت أول «أوبرا» في تاريخ الموسيقى الفرنسية. وقد جاء التروبادور بالأغنية السياسية chanson politique (أغاني الحملات الصليبية chansons de croisades)، وكذلك بأغاني الحب chansons d’amour، التي ربما كانت السَّلف القديم لفن «الأغنية» chanson الذي عُرف في المقاهي الباريسية في نهاية القرن التاسع عشر، وقد ذابت موسيقى التروبادور في النهاية في الموسيقى الشعبية الفرنسية، وفي أنماط التأليف البوليفوني التي نشأت بين جدران كنيسة نوتردام.
«الفن الجديد» Ars nova هو عنوان مقال كتبه الموسيقي فيليب دو فيتري Philippe de Vitry عام 1325، عرض فيه مبادئ ثورة موسيقية في فرنسا. وقد انسحب اسم المقال على العصر، وأثَّر في موسيقيي القرن الثالث عشر. وألَّف غيوم دو ماشو G.de Machaut في إثره أول قداس بوليفوني كامل في التاريخ Messe de Notre-Dame (نحو منتصف القرن الرابع عشر). ويُعدُّ «الفن الجديد» ثورة جاءت بمؤلفين آخرين تبنتها أساتذة المدرسة الفرانكو - فلمنكية، وأشهرهم غيوم دوفاي G.Dufay نحو (1400-1474) الذي ألَّف نحو 44 قداساً بنظام البوليفوني، وقادت أعماله إلى جوسكان دي بريه Josquin des Prés عام (؟-1521) الذي أثَّر في تاريخ الموسيقى باعتنائه بتطوير فن نظري آخر هو «الطباق» contrepoint الذي كان له أثر كبير في أعمال أساتذة الموسيقى في الأجيال التالية.
عصر النهضةLa Renaissance ما بين (1400-1600): لم يكن عصر النهضة عصراً فرنسياً خاصاً، فالقوالب وأساليب التأليف الحديثة وقتئذٍ نشأت وتطورت في إيطاليـا، أو في ألمانيـا. أما في فـرنسـا، فعدا عن فـن الأغنية الـذي شـهد ذروته على يـد كلّ من جوسكان ثم كلمان جانوكان C.Janequin نحـو (1485-1558) في باريس، وكلود لو جون C.Le Jeune نحو (1530-1600)، فقد اهتم المؤلفون بالموسيقى الكنسية، ولاسيما التراتيل الهوغونوتية (البروتستانتية الفرنسية)، وإن غلب على أعمالهم الموسيقية الطابع الفني على الطابع الديني، كما في مؤلفات كلود غوديميل C.Goudimel (القرن السادس عشر).
القرن السابع عشر - الأوبرا[ر] Opera: انتقل فن الأوبرا سريعاً من إيطاليا إلى فرنسا بفضل الكاردينال مازاران Mazarin، الذي واتته فكرة نقل فن «الأوبرا» إلى باريس. وقد نجح في مهمته، لكن فن الأوبرا في فرنسا وجد لنفسه طريقاً مستقلاً وأصيلاً، ولم يقلّد الفرنسيون الإيطاليين، وإن كان أشهر أساتذتهم إيطالياً (لولّي[ر] Lully).
في عـام 1672 قدم روبيـر كامبيـر Robert Cambert نحو (1628-1677) أمام الملك لويـس الرابع عشر الكوميديا الموسيقية «الريفية» (باستورال) Pastorale، وافتتح بعد ذلك مـسرحـاً لتقديم الأوبرات (1672). ولكن المسرح لم يُعمَّر طويلاً إذ أفلس، وباع كامبير رخصته إلى لولّي الذي أغلق المسرح وافتتح بدلاً منه الأكاديمية الملكية للموسيقى.
ولولّي صديق للمسرحي موليير Molière، ولم يكن فرنسياً، فهو إيطالي وُلِدَ في فلورنسا، ولكن أعماله الأوبرالية كتبها بروح فرنسية خالصة لم تعتمد كثيراً على فن «الغناء الجميل» bel canto الإيطالي، بل أعطى الموسيقى الغنائية الفرنسية طابعاً خاصاً تميز بالإيقاعات البطيئة والروح الشاعرية. ومع ذلك يمكن القول إن الموسيقى الفرنسية لم تكن في هذا العصر ممثلة بفن الأوبرا، وإنما بموسيقى الآلات. فالعصر الباروكي (القرنان 17-18) المبكر جاء في البداية بأساتذة مثل غواتييه D.Gaultier نحو (1603-1672)، ثم بعازفي الكلافسان[ر. البيانو] المبدعين من أسرة كوبران Couperin. وبتأثير أساتذة المدرسة الفرنسية؛ اتخذت بعض القوالب الكلاسيكية أسلوبَها الذي يُعرف اليوم، مثل المتتابعة suite والافتتاحية[ر] ouverture.
عصر الباروك (1600-1750): بعد وفاة لويس الرابع عشر غابت الأوبرا الفرنسية عن المسارح، وسيطرت الأوبرا الإيطالية وفن الغناء الجميل على المسارح الفرنسية، ولم يستطع أساتذة الموسيقى الفرنسية في هذا العصر أن يتخلصوا من تأثيرات الإيطاليين، ثم من تأثيرات أساتذة المدرسة الألمانية مثل هايدن[ر] وموتسارت[ر] وغلوك[ر] الذين زاروا باريس ليقدِّموا أعمالهم أمام الأسرة المالكة.
شهد النصف الثاني من القرن السابع عشر ولادة الأوبرا - الكوميدية الفرنسية Opéra-Comique؛ ففي عام 1752 قدَّمت في باريس ثلَّة من الكوميديين الإيطاليين الذين تخصصوا في الأوبرا الهزلية Opera buffa، أوبرا «الخادمة السيدة» La Serva Padrona لـ برغوليزي Pergolesi، وأغرت الأوبرا وأسلوبها المؤلفين الفرنسيين، وكانت تلك بداية الأوبراـ الكوميدية الفرنسية التي حرضت أغلب المؤلفين الفرنسيين على محاكاتها، ووصلت إلى ذروتها في أعمال فرانسوا أندريه فيليدور Philidor ما بين (1726-1795)، وأندريه غريتري Grétry ما بين (1741-1813)، وجان - فيليب رامو[ر] Jean- Philippe Rameau أول المجددين في تاريخ الموسيقى الفرنسية (إدخال آلة الكلارينيت إلى موسيقى الآلات، واستخدام عفق أوتار الكمان البيتسيكاتوpizzicato والذي في الإمكان مقارنة موسيقاه ومقالاته عن فن «الانسجام»[ر](الهارموني) harmonie بأعمال باخ[ر] J.S.Bach عن «الكلافسان المعدل».
القرن التاسع عشر وعصر الإبداعية (الرومنسية): شهد القرن التاسع عشر أفول الأوبرا - الكوميدية وإشراق عصر جديد دُعِيَ العصر الرومنسي (الإبداعي) الذي بدأ ببرليوز[ر] Berlioz وسيمفونية «فانتاستيك» Symphonie Fantastique عام (1830) التي عُدَّت ثورةً في تأليف موسيقى الآلات، التي خرجت من عالمها المجرد، لتدخل عالماً يعبر عن مشاعر أغلبها ذاتي جداً، واتجهت إلى التجديد في القوالب، وتخلَّت عن كلاسيكية العصر الذي سبقها وتجريدية أساتذة مدرسة ڤيينا الأوائل مثل هايدن وموتسارت، واتخذت قالب الموسيقى ذات البرنامج المحدد. وتحوَّلت الأوبرا الفرنسية إلى دراما مثل «كارمن» Carmen لبيزيه[ر] Bizet، واختفت الأوبرا الكوميدية أو الهزلية ولم يبق منها مدة طويلة سوى الاسم.
شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر تنافساً بين «الانطباعية»[ر. الموسيقية (الاتجاهات - )] impressionnisme التي كانت حركة فرنسية أصيلة وبين «الإبداعية» الآيلة إلى الزوال، وكان آخر الإبداعيين الفرنسيين سان - سانس[ر]Saint- Saëns ولالو[ر] Lalo وغونو[ر] Gounod وداندي D’Indy، وكانوا أكثر انتماء للإبداعية الألمانية - الفاغنرية (نسبة إلى فاغنر[ر] Wagner) من تلك الفرنسية.
الانطباعيون: تدين الانطباعية إلى المؤلفين الموسيقيين الفرنسيين مثل ديبوسي[ر] Debussy وروسيل[ر] Roussel ورافيل[ر] Ravel الذين تحرروا من تأثير فاغنر وأساتذة المدرسة الرومنسية الألمانية، وأوجدوا مدرسة الانطباعيين الفرنسيين. وكان الانطباعيون أكثر فرنسية من أسلافهم الرومنسيين، فقد عادوا بالموسيقى الفرنسية إلى أصولها الأولى لدى لولّي، في البساطة وعفوية الإيقاع والشاعرية، والتعبير عن صور الأشياء والطبيعة بعبارات موسيقية رشيقة غير مفخمة. وللأسف فإن أعمال الانطباعيين اختفت سريعاً على الرغم من أصالتها وذلك بسبب تأثير أساليب التأليف وقوالبها الجديدة التي جاء بها القرن العشرون، ولاسيما بتأثير أساتذة المدرسة «اللامقامية» atonalité وموسيقى الاثني عشرية (الدوديكافونية)[ر. الموسيقية (الاتجاهات -)] dodécaphonisme القادمة من ڤيينا (شونبرغ وبيرغ وفيبرن[ر] Webern).
القرن العشرون: جاء القرن العشرون في نصفه الأول بأفكار جديدة وأساليب مختلفة ومتنوعة في التأليف، مثل سترافنسكي[ر] Stravinsky الذي جاء إلى باريس ليقدم أعماله الطليعية التي طبعت القرن العشرين بأكمله بطابعها، ووصلت أيضاً إلى باريس موسيقى الجاز والملوَّنين من أمريكا، ولم يكن يجمع أساتذة الموسيقى الفرنسية أسلوب واحد، كما في العصر الرومنسي، وهؤلاء هم «مجموعة الستة» Les Six عام (1920) الشهيرة التي ضمت أونيغر[ر]Honegger وبولنك Poulenc وميّو[ر] Milhaud وأوريك Auric ودوري Durey، وقد اتفقوا على معارضة الروح الرومنسية الألمانية في الموسيقى، مثلهم في ذلك مثل مجموعة فرنسا الشابة Jeune France عام (1935)، وهي مجموعة طليعية تبنت الأسلوب التجريبي في التأليف وتحررت من أساليب التأليف التقليدية وضمت ميسيان Messiaen ولوسور Lesur وبودرييه Baudrier وجوليفيه Jolivet.
وشهد النصف الثاني من القرن العشرين سيطرة الموسيقى اللامقامية التي جاءت من ڤيينا في الثلاثينيات، ثم موسيقى الاثنى عشرية، التي روج لها في باريس قائد الأوركسترا البولوني الأصل لايبوفيتز Leibowitz، وتبناها أكبر الأساتذة الفرنسيين المعاصرين بيير بوليه Pierre Boulez.
في عام 1948 أنشأ بيير شافير Pierre Schaffer مع صديقه بيير هنري Pierre Henry محترفاً (ستوديو) للموسيقى التجريبية، أُطلق عليه الموسيقى المحدَّدة musique concrète التي يجري التعامل معها وتأليفها في المحترفات، وتُستخدم اليوم في موسيقى الأفلام.
زيد الشريف
نشأت الموسيقى الفرنسية، مثل الموسيقى الأوربية وتطورت من «الموسيقى الدينية» بين جدران الكنائس، ومن «الموسيقى الدنيوية» التي جاء بها الشعراء الجوَّالون «التروبادور» troubadours و«التروفير» trouvères. وقد اعتمدت الموسيقى الدينية الكنسية على معرفة آباء الكنيسة بالتراتيل الغريغورية القديمة[ر. الغناء الغريغوري]، ثم بالتدوين الموسيقي الذي جاء به غويدو داريتسو Guido d’Arezzo في القرن الحادي عشر. أما موسيقى التروبادور فقد افتقرت إلى ثقافة آباء الكنيسة وعلومهم النظرية. ولكن التروبادور كانوا على خلاف أساتذة الموسيقى الكنسية غير مقيدين بالقوالب الدينية، وقادرين على تأليف ألحان مختلفة بقوالب جديدة وصلت إلينا في النهاية بأشكال أخرى بعد أن شذبها التاريخ.
الموسيقى الكنسية (مدرسة نوتردام) L’École de Notre-Dame: كان ليونن Léonin أول أساتذة مدرسة نوتردام المعروفين (القرن الثاني عشر) الذي يُقال إنه ألَّف أوَّل عمل بقالب «الأورغانا» organa وهو القالب الذي نشأ وتطور منه فن البوليفونية polyphonie (موسيقى متعددة الأصوات). ولكن في الحقيقة لا يُعرف كثيرٌ عن حياته وحياة خلفه بيروتان Pérotin (نهاية القرن الثاني عشر وبداية القرن الثالث عشر) الذي يُعدُّ أوَّل أستاذ للموسيقى ألَّف أعمالاً كاملة بالبوليفونية الحديثة. وقد جذبت أعمال أساتذة نوتردام، ولاسيما اهتمامهم بفن البوليفونية التروبادور الذين جاؤوا إليها ليستفيدوا من علومها النظرية، وتركوا أعمالاً يُعزى معظمها إلى مؤلفين مجهولين.
التروبادور: هم الشعراء الموسيقيون الجوّالون من جنوبي فرنسا. ويُعدُّ آدم دو لاهال Adam de la Halle من أشهرهم، وقد ألَّف أعمالاً بقالب الدراما الريفية (تمثيل وغناء) مثل لعبة «آدم» أو «التخبئة» Jeu d’Adam ou de la feuillée عام (1262)، ولعبة «روبن وماريون» Jeu de Robin et Marion نحو (1280) التي ربما كانت أول «أوبرا» في تاريخ الموسيقى الفرنسية. وقد جاء التروبادور بالأغنية السياسية chanson politique (أغاني الحملات الصليبية chansons de croisades)، وكذلك بأغاني الحب chansons d’amour، التي ربما كانت السَّلف القديم لفن «الأغنية» chanson الذي عُرف في المقاهي الباريسية في نهاية القرن التاسع عشر، وقد ذابت موسيقى التروبادور في النهاية في الموسيقى الشعبية الفرنسية، وفي أنماط التأليف البوليفوني التي نشأت بين جدران كنيسة نوتردام.
«الفن الجديد» Ars nova هو عنوان مقال كتبه الموسيقي فيليب دو فيتري Philippe de Vitry عام 1325، عرض فيه مبادئ ثورة موسيقية في فرنسا. وقد انسحب اسم المقال على العصر، وأثَّر في موسيقيي القرن الثالث عشر. وألَّف غيوم دو ماشو G.de Machaut في إثره أول قداس بوليفوني كامل في التاريخ Messe de Notre-Dame (نحو منتصف القرن الرابع عشر). ويُعدُّ «الفن الجديد» ثورة جاءت بمؤلفين آخرين تبنتها أساتذة المدرسة الفرانكو - فلمنكية، وأشهرهم غيوم دوفاي G.Dufay نحو (1400-1474) الذي ألَّف نحو 44 قداساً بنظام البوليفوني، وقادت أعماله إلى جوسكان دي بريه Josquin des Prés عام (؟-1521) الذي أثَّر في تاريخ الموسيقى باعتنائه بتطوير فن نظري آخر هو «الطباق» contrepoint الذي كان له أثر كبير في أعمال أساتذة الموسيقى في الأجيال التالية.
عصر النهضةLa Renaissance ما بين (1400-1600): لم يكن عصر النهضة عصراً فرنسياً خاصاً، فالقوالب وأساليب التأليف الحديثة وقتئذٍ نشأت وتطورت في إيطاليـا، أو في ألمانيـا. أما في فـرنسـا، فعدا عن فـن الأغنية الـذي شـهد ذروته على يـد كلّ من جوسكان ثم كلمان جانوكان C.Janequin نحـو (1485-1558) في باريس، وكلود لو جون C.Le Jeune نحو (1530-1600)، فقد اهتم المؤلفون بالموسيقى الكنسية، ولاسيما التراتيل الهوغونوتية (البروتستانتية الفرنسية)، وإن غلب على أعمالهم الموسيقية الطابع الفني على الطابع الديني، كما في مؤلفات كلود غوديميل C.Goudimel (القرن السادس عشر).
القرن السابع عشر - الأوبرا[ر] Opera: انتقل فن الأوبرا سريعاً من إيطاليا إلى فرنسا بفضل الكاردينال مازاران Mazarin، الذي واتته فكرة نقل فن «الأوبرا» إلى باريس. وقد نجح في مهمته، لكن فن الأوبرا في فرنسا وجد لنفسه طريقاً مستقلاً وأصيلاً، ولم يقلّد الفرنسيون الإيطاليين، وإن كان أشهر أساتذتهم إيطالياً (لولّي[ر] Lully).
في عـام 1672 قدم روبيـر كامبيـر Robert Cambert نحو (1628-1677) أمام الملك لويـس الرابع عشر الكوميديا الموسيقية «الريفية» (باستورال) Pastorale، وافتتح بعد ذلك مـسرحـاً لتقديم الأوبرات (1672). ولكن المسرح لم يُعمَّر طويلاً إذ أفلس، وباع كامبير رخصته إلى لولّي الذي أغلق المسرح وافتتح بدلاً منه الأكاديمية الملكية للموسيقى.
ولولّي صديق للمسرحي موليير Molière، ولم يكن فرنسياً، فهو إيطالي وُلِدَ في فلورنسا، ولكن أعماله الأوبرالية كتبها بروح فرنسية خالصة لم تعتمد كثيراً على فن «الغناء الجميل» bel canto الإيطالي، بل أعطى الموسيقى الغنائية الفرنسية طابعاً خاصاً تميز بالإيقاعات البطيئة والروح الشاعرية. ومع ذلك يمكن القول إن الموسيقى الفرنسية لم تكن في هذا العصر ممثلة بفن الأوبرا، وإنما بموسيقى الآلات. فالعصر الباروكي (القرنان 17-18) المبكر جاء في البداية بأساتذة مثل غواتييه D.Gaultier نحو (1603-1672)، ثم بعازفي الكلافسان[ر. البيانو] المبدعين من أسرة كوبران Couperin. وبتأثير أساتذة المدرسة الفرنسية؛ اتخذت بعض القوالب الكلاسيكية أسلوبَها الذي يُعرف اليوم، مثل المتتابعة suite والافتتاحية[ر] ouverture.
عصر الباروك (1600-1750): بعد وفاة لويس الرابع عشر غابت الأوبرا الفرنسية عن المسارح، وسيطرت الأوبرا الإيطالية وفن الغناء الجميل على المسارح الفرنسية، ولم يستطع أساتذة الموسيقى الفرنسية في هذا العصر أن يتخلصوا من تأثيرات الإيطاليين، ثم من تأثيرات أساتذة المدرسة الألمانية مثل هايدن[ر] وموتسارت[ر] وغلوك[ر] الذين زاروا باريس ليقدِّموا أعمالهم أمام الأسرة المالكة.
شهد النصف الثاني من القرن السابع عشر ولادة الأوبرا - الكوميدية الفرنسية Opéra-Comique؛ ففي عام 1752 قدَّمت في باريس ثلَّة من الكوميديين الإيطاليين الذين تخصصوا في الأوبرا الهزلية Opera buffa، أوبرا «الخادمة السيدة» La Serva Padrona لـ برغوليزي Pergolesi، وأغرت الأوبرا وأسلوبها المؤلفين الفرنسيين، وكانت تلك بداية الأوبراـ الكوميدية الفرنسية التي حرضت أغلب المؤلفين الفرنسيين على محاكاتها، ووصلت إلى ذروتها في أعمال فرانسوا أندريه فيليدور Philidor ما بين (1726-1795)، وأندريه غريتري Grétry ما بين (1741-1813)، وجان - فيليب رامو[ر] Jean- Philippe Rameau أول المجددين في تاريخ الموسيقى الفرنسية (إدخال آلة الكلارينيت إلى موسيقى الآلات، واستخدام عفق أوتار الكمان البيتسيكاتوpizzicato والذي في الإمكان مقارنة موسيقاه ومقالاته عن فن «الانسجام»[ر](الهارموني) harmonie بأعمال باخ[ر] J.S.Bach عن «الكلافسان المعدل».
القرن التاسع عشر وعصر الإبداعية (الرومنسية): شهد القرن التاسع عشر أفول الأوبرا - الكوميدية وإشراق عصر جديد دُعِيَ العصر الرومنسي (الإبداعي) الذي بدأ ببرليوز[ر] Berlioz وسيمفونية «فانتاستيك» Symphonie Fantastique عام (1830) التي عُدَّت ثورةً في تأليف موسيقى الآلات، التي خرجت من عالمها المجرد، لتدخل عالماً يعبر عن مشاعر أغلبها ذاتي جداً، واتجهت إلى التجديد في القوالب، وتخلَّت عن كلاسيكية العصر الذي سبقها وتجريدية أساتذة مدرسة ڤيينا الأوائل مثل هايدن وموتسارت، واتخذت قالب الموسيقى ذات البرنامج المحدد. وتحوَّلت الأوبرا الفرنسية إلى دراما مثل «كارمن» Carmen لبيزيه[ر] Bizet، واختفت الأوبرا الكوميدية أو الهزلية ولم يبق منها مدة طويلة سوى الاسم.
شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر تنافساً بين «الانطباعية»[ر. الموسيقية (الاتجاهات - )] impressionnisme التي كانت حركة فرنسية أصيلة وبين «الإبداعية» الآيلة إلى الزوال، وكان آخر الإبداعيين الفرنسيين سان - سانس[ر]Saint- Saëns ولالو[ر] Lalo وغونو[ر] Gounod وداندي D’Indy، وكانوا أكثر انتماء للإبداعية الألمانية - الفاغنرية (نسبة إلى فاغنر[ر] Wagner) من تلك الفرنسية.
الانطباعيون: تدين الانطباعية إلى المؤلفين الموسيقيين الفرنسيين مثل ديبوسي[ر] Debussy وروسيل[ر] Roussel ورافيل[ر] Ravel الذين تحرروا من تأثير فاغنر وأساتذة المدرسة الرومنسية الألمانية، وأوجدوا مدرسة الانطباعيين الفرنسيين. وكان الانطباعيون أكثر فرنسية من أسلافهم الرومنسيين، فقد عادوا بالموسيقى الفرنسية إلى أصولها الأولى لدى لولّي، في البساطة وعفوية الإيقاع والشاعرية، والتعبير عن صور الأشياء والطبيعة بعبارات موسيقية رشيقة غير مفخمة. وللأسف فإن أعمال الانطباعيين اختفت سريعاً على الرغم من أصالتها وذلك بسبب تأثير أساليب التأليف وقوالبها الجديدة التي جاء بها القرن العشرون، ولاسيما بتأثير أساتذة المدرسة «اللامقامية» atonalité وموسيقى الاثني عشرية (الدوديكافونية)[ر. الموسيقية (الاتجاهات -)] dodécaphonisme القادمة من ڤيينا (شونبرغ وبيرغ وفيبرن[ر] Webern).
القرن العشرون: جاء القرن العشرون في نصفه الأول بأفكار جديدة وأساليب مختلفة ومتنوعة في التأليف، مثل سترافنسكي[ر] Stravinsky الذي جاء إلى باريس ليقدم أعماله الطليعية التي طبعت القرن العشرين بأكمله بطابعها، ووصلت أيضاً إلى باريس موسيقى الجاز والملوَّنين من أمريكا، ولم يكن يجمع أساتذة الموسيقى الفرنسية أسلوب واحد، كما في العصر الرومنسي، وهؤلاء هم «مجموعة الستة» Les Six عام (1920) الشهيرة التي ضمت أونيغر[ر]Honegger وبولنك Poulenc وميّو[ر] Milhaud وأوريك Auric ودوري Durey، وقد اتفقوا على معارضة الروح الرومنسية الألمانية في الموسيقى، مثلهم في ذلك مثل مجموعة فرنسا الشابة Jeune France عام (1935)، وهي مجموعة طليعية تبنت الأسلوب التجريبي في التأليف وتحررت من أساليب التأليف التقليدية وضمت ميسيان Messiaen ولوسور Lesur وبودرييه Baudrier وجوليفيه Jolivet.
وشهد النصف الثاني من القرن العشرين سيطرة الموسيقى اللامقامية التي جاءت من ڤيينا في الثلاثينيات، ثم موسيقى الاثنى عشرية، التي روج لها في باريس قائد الأوركسترا البولوني الأصل لايبوفيتز Leibowitz، وتبناها أكبر الأساتذة الفرنسيين المعاصرين بيير بوليه Pierre Boulez.
في عام 1948 أنشأ بيير شافير Pierre Schaffer مع صديقه بيير هنري Pierre Henry محترفاً (ستوديو) للموسيقى التجريبية، أُطلق عليه الموسيقى المحدَّدة musique concrète التي يجري التعامل معها وتأليفها في المحترفات، وتُستخدم اليوم في موسيقى الأفلام.
زيد الشريف