تاريخ الاختراعات
عصور ما قبل التاريخ:
لقد ظهرت أوائل المخترعات خلال العصر الحجري القديم الذي امتد منذ ما يقرب من مليوني سنة قبل الميلاد وحتى حوالي عام 8000 ق.م. وقد اكتشف الناس في ذلك العصر أن بوسعهم أن يصنعوا فؤوسًا وأزاميل ومعدات أخرى من خلال تشظية العظام والصّوّان والقرون والعاج والحجارة وتحويلها إلى رقائق بالشكل المرغوب، كما أنهم اخترعوا القوس والسهم والرمح. ولقد ساعدت هذه الأسلحة أولئك الناس البدائيين في اصطياد الحيوانات البرية قوتًا لهم بطريقة أكثر فعالية. وكذلك، فقد اكتشف الناس في العصر الحجري أن بوسعهم أن يشعلوا النار من خلال قَدْح الصّوّان بخام المعدن.
بحلول أواخر العصر الحجري، كان الناس قد تعلَّموا كيف يزرعون المحاصيل، فقد اخترعوا المعزْقة والمنْجل ومعدات أخرى لزراعة محاصيل أجود، وللمساعدة في حصادها. وقد دلَّ تطوير الزراعة على أن الناس لم يعودوا مضطرين إلى الانتقال من مكان إلى آخر بحثًا عن قوتهم حيث أخذ المزارعون البدائيون يستوطنون في القرى التي أصبحت فيما بعد سلفًا لأوليات المدن.
كان الناس في عصور ما قبل التاريخ يصطادون الحيوانات ويستعملون جلودها لباسًا. غير أن المزارعين البدائيين صاروا بعد ذلك بحاجة إلى مصدر آخر للباسهم، نظرًا لأنَّ صيد الحيوانات لاستخدامها طعامًا قد تضاءل عندهم. ولهذا، فقد اخترع الناس المنسوجات. ومن أجل صنع المنسوجات تم اختراع أدوات الغزل لإنتاج خيوط من ألياف الحيوان والنبات، كما اختُرع نولٌ ينسج الخيوط قماشًا.
لا أحد يعلم متى استطاع الناس صناعة أشياء من المواد الفلزية لأول مرة. ويعتقد العلماء أنَّ الناس في العصر النيوليتي (العصر الحجري الحديث) كانوا يطرقون تلك الخامات المعدنية لفلزات النحاس والذهب والفضة ويشكلون منها حُليًا. وقد تعلم الناس منذ عام 3500 ق.م. أنه من الممكن صهر فلزي القصدير والنحاس ثم مزجهما معًا لإنتاج البرونز، وهو مادة فلزية أقوى وأمتن من كلٍّ من العنصرين بمفرده. أما العجلة، وهي أحد أكثر المخترعات أهمية، فقد ظهرت للوجود حوالي عام 3500 ق.م.، وكان الناس قبل اختراعها يحملون أثقالهم على ظهورهم أو يجرونها على مزالج ثقيلة، كما أنهم كانوا يستعملون العربات الصغيرة التي بدورها مكَّنت الناس من تحريك البضائع بسهولةٍ أكثر، ومن نقل أحمالٍ أضخم مما عرفوه في أيّ وقت مضى.
الحضارات الأولى:
لقد تطورت الحضارات الأولى فيما بين عامي 3500 و3100 ق.م وذلك في أودية الأنهار، فيما بين نهري دجلة والفرات في بلاد ما بين النهرين، وفي وادي نهر النيل بمصر. وقد تأسست هذه الحضارات على الزراعة. وترجع نشأة الحضارات الأولى في أودية الأنهار إلى خصوبة الأرض، إذ كانت الأنهار تفيض سنويًا مرسِّبةً معها كميات كبيرة من التربة الخصيبة في الأودية. لقد اخترع سكان هذه الأودية أنظمة القنوات والخنادق والحُفر للتحكم في اتجاه جريان الماء أثناء الفيضانات، كما أنهم تحكَّموا من خلال هذه الأنظمة في عملية صرف مياه الفيضان وإعادتها إلى مجاري الأنهار.
لعل الاختراع الأكثر أهميةً لتلك الحضارات الممعنة في القدم هو الكتابة. فقد طور السومريون، الذين عاشوا في الجزء الجنوبي من بلاد ما بين النهرين أول نظام للكتابة. ويعتقد المؤرخون أنَّ السومريين اخترعوا هذا النظام حوالي عام 3500 ق.م. وقد جعل اختراع الكتابة الناس غير مضطرين إلى استخدام الذاكرة في المعارف كلها. فقد صار بوسعهم أن يدوِّنوا المفاهيم والمعلومات كي يستعملوها في وقت لاحق. وكذلك تمكنوا لأول مرة من الاتصال بعضهم ببعض عبر مسافات طويلة، وذلك من خلال نقل ما يكتبونه من مكان إلى آخر، وعلاوة على ذلك، فإن الكتابة قد حفظت المفاهيم والمعارف للأجيال المقبلة.
بلاد اليونان القديمة:
لقد قامت حضارة مزدهرة في بلاد اليونان بحلول القرن السادس قبل الميلاد على وجه التقريب. وأفضل ما عُرف عن الإغريق القدماء مآثرهم في الفنون والفلسفة والعلوم، غير أنهم أنتجوا كذلك العديد من المخترعات. وكان من بين المخترعين الإغريق الأكثر أهمية، ستيسيبيوس وأرخميدس وهيرو.
عاش ستيسيبيوس في القرن الثالث قبل الميلاد في الإسكندرية بمصر، وقد كانت آنذاك مركزًا للتعليم الإغريقي والثقافة الإغريقية. صنع ستيسيبيوس أول مضخة كانت تتكون من أسطوانة بداخلها كبَّاس، فكلما جرى تحريك الكباس إلى أعلى وإلى أسفل أحدث ذلك ضغطًا يمكن استعماله في ضخ الماء.
عاش أرخميدس في القرن الثالث قبل الميلاد. في سيراقوسة، وهي مدينة إغريقية تقع في صقلية. ومع أنه الأكثر شهرةً باكتشافاته الرياضية المهمة، فإنه أنتج العديد من المخترعات. وقد كان شادوف أرخيميدس الذي جرى تصميمه لرفع الماء من مستوىً منخفض إلى مستوىً آخر أعلى منه، أكثر مخترعاته ذيوعًا. وقد استعمل شادوف أرخيميدس في مصر القديمة في وادي النيل. وكانت هذه الأداة تتألف من شادوف مثبت بإحكام داخل أسطوانة مفتوحة الطرفين. فيوضع الطرف الأدنى من الأداة داخل الماء بينما يزوَّد طرف الأداة العلوي بمقبضٍ متصل بالشادوف، وعند تدوير المقبض يرتفع الماء إلى أعلى من خلال أسنان الشادوف ليخرج من الطرف العلوي.
أما هيرو، فقد عاش خلال القرن الأول الميلادي في الإسكندرية. ومن أكثر مخترعاته أهمية المكبس اللولبي. والمكبس اللولبي أداة لاستخراج العصارة من العنب لصنع العصائر ولاستخراج الزيت من الزيتون. لم تكن المكابس الأقدم عمرًا توفر سوى ضغط ضئيل، وهكذا كان يتخلف كثير من العصارة داخل الثمرة. ويتكون المكبس اللولبي من عمود مسنن متصل بكتلة الخشب التي تعتصر الثمار. وعند إدارة العمود، يقع ضغط هائل على ثمار العنب أو الزيتون، وبالتالي فإن مكبس هيرو اللولبي صار يعتصر كمية من السائل أكثر بكثير من المكبس الأقدم منه عمرًا.
الصين:
أنتجت الصين العديد من المخترعات المهمة. وقد نقلت العديد من هذه المخترعات إلى أوروبا في وقتٍ مبكر حيث أسهمت هذه المخترعات في توجيه تاريخ العالم الغربي. ففي عام 105م اخترع تساي لن، الموظف في الحكومة الصينية، الورق. كما اخترع الصينيون الخزف الصيني. وتعود النماذج الباقية إلى الآن من الخزف الصيني إلى الفترة من 618م حتى 907م حين كانت أسرة تانْغ تحكم الصين. وعلى الرغم من ذلك، فإن من المعتقد أن الصينيين قد بدأوا صناعة الخزف الصيني قبل ميلاد المسيح عليه السلام. وقد اخترع الصينيون كذلك البوصلة المغنطيسية في وقت ما، خلال حكم أسرة سونج (960 - 1279م). ثم أخذها عنهم العرب وطوروها فانتقلت منهم إلى أوروبا.
في حوالي 1045م، اخترع الطبَّاع الصيني بي شنغ الحروف المطبعية المتحركة، حيث صنع قطعًا منفصلة من الحروف المطبعية لكل حرف أبجدي في اللغة الصينية، إلا أنَّ اختراعه هذا لم ينتقل إلى الغرب لأن الحروف المطبعية المتحركة اخترعت في أوروبا بصورة مستقلة بعد نحو 400 عام من الاختراع الصيني.
العرب والمسلمون:
يعود الفضل للعرب في اختراع بارود المدافع، وكان مسلمو الأندلس أول من صنع المدافع، ونقلها إلى أوروبا الجنود الذين كانوا يحاربون في صفوف الجيش الأسباني في منتصف القرن الرابع عشر الميلادي. وكان جابر بن حيان أول من حضر حمض الكبريتيك بالتقطير من الشب وأول من اكتشف الصودا الكاوية واستخرج نترات الفضة. كما اخترع الكيميائيون العرب أول ميزان حساس في التجارب المخبرية. واخترع الفارابي آلة القانون الموسيقية. واخترع أحمد بن موسى بن شاكر كثيرًا من المخترعات الميكانيكية كالألعاب والآلات نحو عام 250هـ، 864م، وينسب لعباس بن فرناس فضل اختراع عدد من الآلات الفلكية مثل الحلق وصنع الزجاج من الرمال والحجارة. كما اخترع أبو سعيد عبدالرحمن بن يونس المصري رقاص (بندول) الساعة حوالي عام 390هـ، 1000م، وينسب للبيروني اختراع الجهاز المخروطي وهو أقدم مقياس لتعيين كثافة المواد نحو عام 415هـ، 1024م، واخترع ابن الرزاز الجزري حوالي عام 600 هـ، 1203م، مضخة سحب الماء التي تعد الجد الأقرب للآلة البخارية. ويعود للعرب والمسلمين فضل اختراع كثير من آلات الرصد الفلكي من ذلك اللبنة والحلقة الاعتدالية وذات الأوتار والمشبهة بالناطق وقد اخترعها جميعًا تقي الدين الراصد. كما اخترع أبو إسحاق النقاش الزرقالي (ت 493هـ، 1099م) آلة تشبه الإسطرلاب سميت الزرقالة نسبة له. وفي مجال العلوم الرياضية كان لغياث الدين الكاشي الفضل في اختراع الكسور العشرية نحو عام 800هـ، 1397م. ★ تَصَفح: العلوم عند العرب والمسلمين.
العصور الوسطى الأوروبية:
شهدت العصور الوسطى الأوروبية التي استمرت من القرن الخامس الميلادي إلى القرن السادس عشر الميلادي تغييرات هائلة في طريقة العيش في أوروبا. وقد نشأ العديد من هذه التغييرات عن المخترعات في مجالات الزراعة والنقل والحرب.
لقد ساعد اختراع طوق الحصان الصلب في القرن التاسع الميلادي في تقدم كل من الزراعة والنقل. ذلك أن الخيول، قبل هذا الاختراع، كانت تلبس أطقمًا تنطبق على حلقها. فإذا جرَّ الحصان حمله بقوة، فإن الطقم يكاد يقطع عليه نفسه، لكن استعمال الطوق الصلب يحوِّل ثقل الحمل إلى كتفي الحصان، وهكذا فإنه باستعمال الطقم الجديد صار في وسع الحصان أن يجر حملاً أثقل بكثير من ذي قبل.
لقد استفادت عملية النقل المائي من عدة اختراعات في العصور الوسطى. وكان الشراع المثلث الشكل أو الشراع اللاتيني أحد هذه المخترعات وقد ظهر في القرن السادس الميلادي. أما الأشرعة المربعة الشكل التي كانت شائعة الاستعمال في ذلك الوقت فإنها تعمل بصورةٍ جيدةٍ فقط عندما تهب الرياح من خلف السفينة. لكن الأشرعة المثلثة الشكل صارت تعمل بصورة جيدة في الحالتين عندما تبحر السفينة عكس الرياح وعندما تبحر مع الرياح.
وصلت البوصلة المغنطيسية إلى أوروبا من الصين عن طريق العرب خلال القرن الثاني عشر الميلادي. ولقد جعلت البوصلة الملاحة البحرية المضبوطة أمرًا ممكنًا عندما تكون السفينة في منأى عن رؤية اليابسة، وعندما لا يكون الملاح قادرًا على الاستدلال بالنجوم أو بالشمس لتحديد اتجاهه.
ظهرت دفة القائم الكوثلي في القرن الرابع عشر الميلادي، وكانت السفن قبل هذا الاختراع تُوجه بوساطة مجاديف كبيرة قرب كوثلها (مؤخرها). وكانت المجاديف الكبيرة غير مريحة وغير وافية بالغرض. وكثيرًا ما كانت تنكسر أثناء العواصف. فضلاً عن ذلك فإن استعمال مجاديف التوجيه ساعد في أن يجعل حجم السفينة محدودًا، كما زادت المسافة التي تقطعها بعيدًا عن اليابسة. وأمكن استعمال الدفة في توجيه سفن أكبر حجمًا، كما أنها أتاحت للسفن أن تبحر بأمان عبر البحار الهائجة. ولقد ساعد اختراع دفَّة القائم الكَوثلي، مع غيره من المخترعات في حقلي بناء السفن والملاحة، في القيام بالرحلات المهمة التي أدّت إلى اكتشاف العالم الجديد.
والواقع أنَّ أحد أهم مخترعات العصور الوسطى كان الرِّكاب الذي وصل إلى أوروبا من الهند عن طريق الصين. وبإضافة الركاب إلى السَّرْج تمكن الجنود من خوض المعارك فوق ظهور الخيل. أما قبل اختراع الرّكاب، فقد كان الجنود المشاة هم الذين يقومون بمعظم أعمال القتال. وباختراع الرّكاب، صار المحاربون الراكبون، المسمون بالفرسان، هم الذين يقومون بمعظم القتال.
عصر النهضة الأوروبية:
بدأ عصر النهضة الأوروبية في القرن الرابع عشر الميلادي ودام حتى القرن السابع عشر الميلادي. وفي خلال هذه الفترة من اليقظة الحضارية في أوروبا، كان عدد المخترعات التي ظهرت أقل مما ظهر أثناء العصور الوسطى الأوروبية. وعلى الرغم من ذلك، فقد أفرز عصر النهضة اثنين من أكثر المخترعات أهمية في التاريخ - البارود والطباعة.
لقد اخترع العرب البارود قبل عصر النهضة الأوروبية بقرون، وقد استخدمه مسلمو الأندلس الذين كانوا كذلك أول من صنع المدافع. وبحلول القرن الثالث عشر، كان استعمال البارود قائمًا في أوروبا. وقد غير البارود طبيعة الحرب ؛ ففرسان القرون الوسطى لم يعد بوسعهم الدفاع عن أنفسهم أمام الأسلحة النارية والمدافع التي حلت محل أسلحة قديمة كالقوس والنُشَّاب والرمح. لذا ؛ فقد حل محل الفرسان في المعركة سلاح المدفعية والجنود المشاة المسلحون بالأسلحة النارية.
في أواسط القرن الخامس عشر الميلادي، اخترع الألماني جُوهانس جوتنبرج الطباعة كما نعرفها في هذه الأيام، وهي تعتبر مثالاً لكيفية ابتكار اختراع معين من عدة اختراعات قائمة. ذلك لأن كلاً من الحبر والحروف المتحركة والورق والمكبس كانت قد اخترعت قبل عصر جوتنبرج بوقت طويل. لكن جوتنبرج جمع بين هذه المخترعات بطريقة إبداعية كي ينتج الطباعة التي سرعان ما أصبحت الوسيلة الأولى للاتصالات على نطاقٍ واسع. وضعت الطباعة أكبر قدرٍ من المعرفة في متناول أكبر عدد من الناس بطريقة أسرع وبتكلفة أقل عن أي وقت مضى. وبالتالي، فقد ساعدت الطباعة على تطوير الديمقراطيات الحديثة التي تعتمد على وجود مواطنين واسعي الاطلاع كي يشاركوا في الحكومة.
عصر العقل:
بدأ عصر العقل في القرن السابع عشر وظل حتى أواخر القرن الثامن عشر. وخلال هذه الفترة، ظهر العديد من المخترعات المهمة، كما ساهمت العلوم بدرجة ملموسة لأول مرة في ابتكار المخترعات، وأنتج بعض العلماء مخترعات معينة. وعلى سبيل المثال، اخترع الفيزيائي الإيطالي جاليليو القطاع المحسِّن وهو أداةٌ لرسم وقياس الزوايا. وكان ثمة علماء آخرون، مثل السير إسحق نيوتن من إنجلترا، قد قدموا المعارف العلمية التي أدّت بدورها إلى اختراعات أخرى فيما بعد. فقد أدت قوانين الحركة لنيوتن، التي نشرها في البرنسِبيا عام (1687م) دورًا مهمًا في اختراع محرِّكات الدفع النفاث ومحركات الدفع الصاروخي الذي تم في القرن العشرين.
لم يكن قطاع جاليليو سوى واحد من عدة أجهزة قياس علمية تم اختراعها في عصر العقل. ففي عام 1608م، اخترع صانع الأدوات البصرية الهولندي هانز ليبرشاي التلسكوب (المقراب)، وفي عام 1643م اخترع الفيزيائي الإيطالي إيفانجليستا تُوريشلي البارومتر (مقياس الضغط الجوي).
يشمل العديد من المخترعات التي ظهرت خلال عصر العقل آلات جديدة وطرقا زراعية خاصة تساعد على زراعة المحاصيل وحصادها. لقد أحدثت هذه المخترعات تغييرًا ضخمًا في الزراعة سُمِّي الثورة الزراعية. ولقد كانت البذّارة أحد هذه المخترعات المهمة التي اخترعها في القرن الثامن عشر الميلادي جثرو تل وهو مزارع إنجليزي. وكان المزارعون، قبل اختراع تل، يزرعون البذور بنثرها على الأرض ويُفْقَدُ في هذه الطريقة الكثير من البذور، أما البذَّارة فقد كانت تُحدث حفرًا في صفوف مستقيمة في التربة ليقوم المزارعون بإلقاء البذور داخلها.
الثورة الصناعية:
بدأت الثورة الصناعية في بريطانيا خلال القرن الثامن عشر الميلادي. وبحلول منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، كانت الثورة الصناعية قد امتدت إلى كلِّ مكان في أوروبا الغربية وإلى الولايات المتحدة الأمريكية. والواقع أن الثورة الصناعية لم تطور الصناعة فقط، بل إنها أحدثت تغييرات هائلةً في الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية.
لقد أسهم العديد من المخترعات المهمة في قيام الثورة الصناعية. ويصف الجزء الخاص بالحاجات الاقتصادية من هذه المقالة بعض المخترعات التي طورت صناعة المنسوجات. ويعتبر المحرك البخاري، الذي طوره الأسكتلندي جيمس واط، هو أهم الآلات التي أنجزت في الثورة الصناعية.
لم يخترع واط المحرك البخاري، فقد كانت المحركات المستعملة قبل عصره رديئة الصنع، كما أنها غير فعالة وذات تكلفة تشغيل عالية. وفي الستينيات من القرن الثامن عشر، اخترع واط محركًا محسنًا. ثم أوجد مخترعون آخرون استعمالات جديدة لمحرك واط الذي غدا بسرعة المصدر الرئيسي للقدرة اللازمة لأعمال النقل والصناعة. وفي عام 1787م، توصل جون فيتش إلى أول سفينةٍ بخارية يمكن تشغيلها عمليًا في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 1804م، اخترع ريتشارد تريفيثيك القاطرة البخارية. وفي عام 1839م، اخترع المهندس الأسكتلندي جيْمس نازمث المطرقة البخارية الخاصة بتشكيل الفلزات.
وفي عام 1831م حقَّق الفيزيائيان، مايْكِل فارادي من إنجلترا، وجوزيف هنري من الولايات المتحدة الأمريكية ـ كلّ على حدة ـ اكتشافهما الذي أدى إلى اتخاذ الكهرباء مصدرًا للطاقة. وقد توصَّل كلٌّ من فارادي وهنري إلى أنهما كلما حركا ملفًا من أسلاك النحاس بالقرب من مغنطيس، أو حركا مغنطيسًا بالقرب من ملف من أسلاك النحاس، ولَّدا تيارًا كهربائيًا يسري في السلك. وهكذا، اكتشف المخترعان مبدأ الحث (التأثير) الكهرومغنطيسي. وسرعان ما أدرك المخترعون إمكانية استعمال الكهرباء بطرق عديدة. وفي عام 1832م، اخترع هيبولايت بكسي، وهو صانع أجهزة قياس فرنسي، أول مولد كهربائيّ يعمل بمبدأ الحث. وفي عام 1837م، سجل الفيزيائيان البريطانيان وليم كوك، وتشارلز ويتستون اختراع المبرقة الكهربائية (التلغراف)، ثم تبعهما المخترع الأمريكي صمويل مورس فسجل اختراع مبرقة أخرى عام 1840م.
وقد استمرت الثورة الزراعية أثناء الثورة الصناعية ؛ ففي أواخر القرن الثامن عشر اخترع أحد النبلاء الإنجليز، توماس كوك من هولكهام، طريقة جديدة للدورة الزراعية في مزرعته بمقاطعة نورفوك. وقد سُمِّيت طريقته بنظام نورفوُك.
وقد دأب المزارعون منذ العصور الوسطى الأوروبية على ترك ثلث حقولهم بورًا، أي من غير أن تُزرع سنويًا. وقد ترك دأبهم هذا مجالاً للتربة كي تسترد المواد المعدنية التي تمتصها منها المزروعات. واكتشف كوك أنَّ بعض المزروعات، مثل الفصفصة والبرسيم، بوسعها أن تعيد إلى التربة المواد المعدنية، وعلاوة على ذلك فإنَّ مثل هذه المزروعات يمكن أن تُحصد وتستعمل علفًا للحيوانات. وهكذا، فإنه من خلال زراعة المحاصيل المنتجة للعلف في أعقاب زراعة محاصيل الحبوب الاعتيادية استطاع المزارعون أن يجعلوا أرضهم منتجةً كل عام، وأن يحافظوا مع ذلك على محتوى التربة من الأملاح المعدنية. وساعدت زراعة محاصيل العلف على حصول المواشي على تغذية أفضل، الأمر الذي أتاح كميات أكبر وذات نوعية أجود من لحوم البقر والضأن وكذلك الألبان والصوف. ومع هذا كله، فقد أعطت المواشي التي صارت في وضع صحيٍّ أفضل سمادًا أكثر وأجود لتخصيب أراضيهم الزراعية.
أواخر القرن التاسع عشر:
حاول عددٌ من المخترعين خلال القرن التاسع عشر تطوير محرِّكات أكثر كفاءة من المحرك البخاريّ. وفي سنة 1860م، صنع المخترع الفرنسي جان جوزيف إتيان لانوار أول محرك احتراق داخليّ عمليّ يعطي قدرة من خلال حرق الوقود داخل أسطوانة مغلقة. وهكذا صار محرك الاحتراق الداخلي أبسط عملاً وأصغر حجمًا وأكثر كفاءة من المحرك البخاريّ الذي كان يحرق الوقود خارج الأسطوانة. وفي عام 1885م، صنع المخترعان الألمانيان كارل بنز، وجوتليب ديملر ـ كلٌّ على حدة ـ محركات احتراقٍ داخليّ تشبه من حيث الأساس محركات البنزين المستعملة في السيارات هذه الأيام. وبالتدريج، حل محرك الاحتراق الداخليّ محل محركات البخار، واستعملت البطاريات الكهربائية لتزويد السيارات الأولى بالقدرة المحركة.
في أواخر القرن التاسع عشر، أدى ظهور عدة اختراعات إلى إحداث ثورة في الاتصالات. ففي عام 1867م، سجل ثلاثة مخترعين أمريكيين، هم كريستوفَر لاثام شولز، وكارلوس جليدين، وصمويل سول براءة اختراع أول آلة كاتبة عملية. وفي عام 1876م، سجل المخترع الأمريكي جراهام بِلْ براءة اختراع الهاتف. وفي عام 1884م، سجل المخترع الألماني المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية أوتمار مرجنتيلر آلة اللينوتيب (آلة الطباعة بالتنضيد السطري)، وهو الاختراع الذي أزال الحاجة إلى تنضيد الحروف باليد، وبالتالي زادت كثيرًا من سرعة طباعة الكتب والمجلات والصحف. وفي عام 1895م، اخترع الإيطاليّ جوليلمو مارْكوني المِبرقة اللاسلكية.
اكتشف الفيزيائي الألماني ويلهلم رونتجن الأشعة السينية في عام 1895م. وقد أدى هذا الاكتشاف إلى اختراع جهاز الأشعة السينية، الذي كان له تأثير كبير في تقنيات الجراحة والصناعة والبحث العلمي.
سجل توماس أَديسون وهو من أشهر المخترعين في التاريخ، أولى براءات اختراعاته، وهو مسجل الصوت، في عام 1869م. وعندما توفي عام 1931م،كان قد حصل على 1,093 براءة اختراع، وأنتج العديد من أهم اختراعاته في الأعوام الأخيرة من القرن التاسع عشر، وقد اشتملت هذه المخترعات على الضوء الكهربائي وآلة نسخ الرسائل وآلة التصوير (الكاميرا) ذات الأفلام مع جهاز العرض والحاكي (الفونوغراف).
بدأت مختبرات البحوث الصناعية في الظهور في الصناعات الكيميائية الألمانية وذلك في نهاية القرن التاسع عشر. وفي عام 1876م وضع أديسون أولى لبنات مختبرات البحث العلمي الأمريكية في مينلو بارك بولاية نيوجيرسي. ولكن هذا المختبر لم يكن قائمًا على أساس فريق البحث العلمي كما حدث بعد ذلك في مختبرات البحوث. ولقد سيطرت عبقرية أديسون على المختبر، فاستأجر واستخدم العلماء والفنيين وذلك لهدف وحيد وهو تطبيق أفكاره وإظهارها للوجود.
أوائل وأواسط القرن العشرين:
غدت السيارة وسيلة نقلٍ رئيسية في أوائل هذا القرن، ذلك لأنَّ المخترعات الجديدة جعلت السيارات أسهل تشغيلاً وأكثر أمانًا. ففي عام 1911م، ابتكر المخترع الأمريكي تشارلز فرانكلين كترنج بادئ الحركة الذاتي الكهربائي المسمى (المارش). فقد كان بدء حركة السيارات قبل هذا الاختراع يتم بتدوير عمودها يدويًا. وجاء اختراع كترنج ليُمكِّن من بدء تشغيل محرِّك السيارة بوساطة الضغط على أحد الأزرار. وفي عام 1918م، اخترع الأمريكي مالكولم لوكهيد النظام الهيدروليكي للكبح على العجلات الأربع. ولقد ساعد هذا الاختراع سائقي السيارات على إيقاف سياراتهم بأمانٍ أكثر مما كانت تُتيحه أنظمة الكبح من قبل.
كما أنجز الأخوان أورفيل وويلبر رايت رحلات الطيران الناجحة الأولى عام 1903م، وكانت طائرتهما تعمل بمحرك احتراق داخلي، ذلك لأنَّ المحركات النفاثة استعملت لأول مرة في الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945م). وبحلول الستينيات من القرن العشرين، أصبح استعمال المحرِّكات النفاثة واسعًا في كل من الطيران التجاري والعسكري على السواء. والمخترعون للمحركات النفاثة هم الإنجليزي السيرفرانك ويتل والألمانيان ولي ميسرشميت وهانز فون أوهاين.
أدى تطوير الصمام الأيوني الحراري (الثيرميوني) في أوائل القرن العشرين إلى تأسيس صناعة الإلكترونيات. ففي عام 1904م، اخترع المهندس الكهربائي البريطاني السير جون فليمنج الصمام الثنائي الذي يمكنه أن يكشف عن الإشارات اللاسلكية. وفي عام 1907م، سجل المخترع الأمريكي لي دي. فُورسْت اختراع الصمام الثلاثي، الذي ساعد على تقوية الإشارات اللاسلكية. وقد أحدث المهندسون عقب هذين الاختراعين تحسينات عديدة في صناعة الصمام الإلكتروني الذي أدى دورًا مهمًا ليس فقط في تطوُّر الراديو، ولكن كذلك في تطور الرادار، والهاتف والتلفاز، وغيرها من الأجهزة الإلكترونية. وفي عام 1947م اخترع العلماء والمهندسون والعاملون في مختبرات بِل للهاتف التّرانزستور، وهو نبيطة (أداة) تفضل الصمام بميزات عديدة جعلتها تحل محله في التجهيزات الإلكترونية على نطاق واسع.
أما الطاقة النووية التي تكاد تكون مصدرًا لقدرة غير محددة، فقد تم تطويرها في أواسط القرن العشرين. وقد استعملت الطاقة النووية لأول مرة في الحرب العالمية الثانية. ومنذ تلك الفترة، يجدّ المخترعون والعلماء في إحداث المزيد من الاستعمالات السلمية أو العسكرية للطاقة النووية. ففي عام 1956م، افتتحت بريطانيا أول محطة توليد للكهرباء من القدرة النووية يجري بناؤها في العالم على نطاق واسع. أما الآن، فقد أصبحت محطات توليد الكهرباء تعمل في أقطار عديدة في جميع أنحاء العالم.
لقد شهدت أوائل وأواسط القرن العشرين إنتاج مواد جديدة عديدة. ففي عام 1909م، اخترع الكيميائي الأمريكي ليو بيكلاند أولى الراتينجيات الصناعية (الباكليت) وهي أول أنواع البلاستيك ظهورًا. وفي أواسط هذا القرن، اخترع العلماء الباحثون في المختبرات الألياف الصناعية مثل الترلين والنيلون.
تركز العديد من اختراعات أوائل وأواسط القرن العشرين في حقل الزراعة. فقد طور العلماء أساليب استيلاد جديدة لتحسين الإنتاج الحيواني والنباتي. واخترعت أيضًا آلات جديدة لزراعة عدة أنواع من المحاصيل ولتعهدها ولجنيها. أما الصناعات الكيميائية فقد طورت أسمدة كيميائية صناعية لتخصيب التربة، كما طورت مواد كيميائية أخرى للسيطرة على الحشرات الضارة، وعلى أمراض الحيوان والنبات.
وفي أواسط القرن العشرين، جمع عدد من المخترعين بين مفاهيم وأدوات عديدة لإنتاج الحاسوب الإلكتروني. ولقد أصبح الحاسوب واحدًا من أوسع مخترعات القرن العشرين تأثيرًا، نظرًا لأن الحواسيب تعالج المعلومات بسرعة مذهلة، كما تحل المسائل الرياضية المعقدة في ثوان معدودات، وتقوم بعدد ضخم من مختلف الوظائف الأخرى. وتُسْتعمل الحواسيب أيضًا في التجارة والتعليم وأعمال الحكومات والصناعة والعلوم. ويستعمل رواد الفضاء الحواسيب لإبقاء مركباتهم في مسارها. وتستعمل مؤسسات الأعمال الخاصة الحواسيب لإنجاز جداول الرواتب ولطبع الشيكات الخاصة بمدفوعاتها. أما في الصناعات، فإن الحواسيب تُستعمل في ضبط عمليات الآلات الأخرى في نطاق العملية المعروفة في الصناعة بالأوتوماتية (ذاتية الدفع).
في منتصف القرن العشرين طور الباحثون الخلية الشمسية التي تسمى أيضًا الخلية الفولطية الضوئية تولد فيها الطاقة من الشمس. تحول الخلية الفولطية الضوئية ضوء الشمس والإشعاع الشمسي إلى طاقة كهربائية. استطاع المهندسون في مختبرات بل للهاتف استخدام خلية فولطية ضوئية فعالة في عام 1954م ومنذ ذلك التاريخ استخدمت قوة الخلايا الفولطية الضوئية في مختلف الأجهزة الإلكترونية بدءًا بالحاسبات اليدوية الصغيرة إلى الأقمار الصناعية.
التطورات الأخيرة:
تطورت تقنية الحاسوب بسرعة في الستينيات من القرن العشرين. وكان أهم التطورات هو اختراع الدائرة المتكاملة، وهي شريحة دقيقة من مادة شبه موصلة، عادة ما تكون السليكون، توضع بداخلها ترانزستورات وأجزاء إلكترونية أخرى. استطاع المهندس الأمريكي جاك كلبي والفيزيائي الأمريكي روبرت نويس اختراع أول دائرة متكاملة في عام 1960م، فتقدمت تقنيات الحاسوب تقدمًا سريعًا في الستينيات من القرن العشرين. وقد ساعد أيضًا في اختراع المعالج الدقيق للحاسوب. أدت التحسينات التي طرأت على المعالج الدقيق والدائرة المتكاملة إلى تقليل أحجام الحواسيب في السبعينيات. في عام 1959م اخترع الفيزيائي الأمريكي ثيودور ميمان أول ليزر. وأصبح اختراع الليزر من أكثر اختراعات القرن العشرين إفادة حيث استخدم في الأقراص (الأسطوانات) المدمجة CD. وبيع أول قرص مدمج في اليابان عام 1982م. تستعمل الأسطوانات المدمجة لحمل التسجيلات الموسيقية وتخزين المعلومات لأجهزة الحاسوب.
أنشأت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) في ستينيات القرن الماضي لخدمة عمليات الجيش الأمريكي. وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق عام 1991م، تحولت الشبكة إلى خدمة الأغراض المدنية، وأصبح يشارك في إدارتها وتغذيتها وصيانتها كثير من الجامعات والشركات والمؤسسات الخاصة. وتربط هذه الشبكة ملايين الحاسوبات معًا. ويعرف أن نائب الرئيس الأمريكي السابق ألبرت جور كان أول من فكر في استخدام هذه الشبكة على نطاق عالمي. وفي البداية نقلت الشبكة المعلومات والبيانات في شكل نصوص وأرقام. وفي بداية تسعينيات القرن الماضي اخترع خبراء الإنترنت برامج حاسوبية مكنت مستخدمي الشبكة من التجول عبر الشبكة ومشاهدة كل ما فيها بالصورة والصوت والفيديو. وقد سهل هذا التطور الذي عرف باسم الشبكة العالمية العنكبوتية استخدام الإنترنت. أغرت الشبكة العالمية العنكبوتية الملايين من مستخدمي الحاسوب للتجول عبر شبكة الإنترنت.
تحديات المستقبل
تواجه قدرة الإنسان على الابتكار اثنين من التحديات أحدهما: كيفية تحسين النمو الاقتصادي للبلدان النامية. أما التحدي الآخر فهو كيفية التعامل مع الآثار الضارة الناتجة عن المخترعات القائمة. وتعتمد نوعية الحياة في المستقبل إلى حد بعيد على المدى الذي سيحسن فيه بنو الإنسان مواجهة هذين التحديين.
يمتلك عدد قليل من الدول في العالم الآن من الصناعات ما يكفي لإتاحة مستوى عال من العيش لمواطنيها، بينما تعاني أكثر شعوب العالم من مستوى معيشي منخفض ؛ فإن الشعوب ترغب في توفر السلع التي وفرتها المخترعات وعمليات التصنيع في البلدان الغنية. ويعتقد كثير من هذه الشعوب أنه يجب على الأمم المصنعة أن تساعد في رفع مستوى المعيشة لدى الدول النامية، كما يعتقد هؤلاء أنه إذا ما قصرت البلدان الغنية في ذلك، فإنَّ الهوة ستتسع بين مستويات المعيشة في البلدان المصنّعة والبلدان النامية، الأمر الذي سيؤدي إلى تنامي التوتر بين الأمم الغنية والأمم الفقيرة باستمرار.
وعلى الرغم من ذلك فإنَّ البلدان المصنِّعة لا يمكنها أن تقوم ببساطة بتصدير المخترعات والمهندسين والفنيين إلى البلدان النامية. ولقد أثبتت التجربة أن التقنية الغربية لا يمكن أن تنجح إذا طُبقت لدى حضارات تفتقر إلى أحوال اقتصادية وسياسية واجتماعية معينة، فمثلاً لا يمكن للاختراعات المعقدة أن تكون مؤثرةً في بلد يعاني من اقتصاد زراعي بدائي ومن مستوى منخفض في التعليم. ولهذا، فإنه يتعين على علماء الاقتصاد الغربيين والمخترعين والعلماء والسياسيين والقادة، أن يبحثوا عن طرق لتكييف المهارات الفنية الغربية بما يناسب المناطق النامية.
يعتقد الكثيرون أن تكييف التقنية لمواكبة حاجات وأحوال البلدان النامية يمكن أن يحل بعضًا من مشاكلها. فمثلاً قد يوفّر الاستعمال الابتكاري للتقنية البسيطة، على النقيض من التقنية العالية، مزايا عديدة لتلك البلدان، فالسيارات والشاحنات ومضخات الماء، التي تحوي أجزاء موحَدة القياس غير معقدة التركيب والتي يمكن تفكيكها وتجميعها بسهولة، تظل أكثر نفعًا من مثيلتها ذات التصميمات البالغة التعقيد ولكنها سريعة العطب، تلك التصميمات المستعملة في البلدان المصنعة.
لقد دأب بنو آدم في الماضي على إطلاق العنان لقدراتهم الابتكارية كي تعمل من غير ضوابط. لذا، فإن بعض أكثر مشكلاتنا إلحاحًا قد أحدثته مخترعات سابقة، والسيارات مثال وجيه على ذلك. فقد أضحت السيارة واحدة من أهم وسائل النقل لدينا، لكن دخان العادم المنبعث من السيارات يسبب الكثير من تلوث الهواء. ويعتقد بعض الناس أنه من أجل حل المشاكل التي أحدثتها المخترعات السابقة يجب حظر مثل هذه المخترعات أو الحد منها. فمثلاً يقترح البعض تقييد المكان والزمان اللذين يمكن للمرء أن يقود سيارة فيهما. ويعتقد آخرون أن حل مثل هذه المشكلات يكمن في ابتكار اختراعات جديدة يمكنها التخلص من الآثار الخطيرة للمخترعات الحالية. فمثلاً، يرى هؤلاء أنه بدلاً من تقييد استعمال السيارات، يجب علينا أن نخترع محركات وأنواعًا من الوقود من شأنها أن تقلِّل من التلوث الناتج عن عادم السيارات.
إن بني آدم سوف يواصلون الاختراع لسد حاجاتهم ولإشباع فضولهم وحوافزهم نحو الإبداع، ولكنَّ عليهم أن يحاولوا التبصر بالآثار المؤذية التي قد تنتج عن اختراعاتهم وذلك لكي لا تتعرض الأجيال القادمة للأخطار.
هي قصة وتاريخ الإختراع
عصور ما قبل التاريخ:
لقد ظهرت أوائل المخترعات خلال العصر الحجري القديم الذي امتد منذ ما يقرب من مليوني سنة قبل الميلاد وحتى حوالي عام 8000 ق.م. وقد اكتشف الناس في ذلك العصر أن بوسعهم أن يصنعوا فؤوسًا وأزاميل ومعدات أخرى من خلال تشظية العظام والصّوّان والقرون والعاج والحجارة وتحويلها إلى رقائق بالشكل المرغوب، كما أنهم اخترعوا القوس والسهم والرمح. ولقد ساعدت هذه الأسلحة أولئك الناس البدائيين في اصطياد الحيوانات البرية قوتًا لهم بطريقة أكثر فعالية. وكذلك، فقد اكتشف الناس في العصر الحجري أن بوسعهم أن يشعلوا النار من خلال قَدْح الصّوّان بخام المعدن.
بحلول أواخر العصر الحجري، كان الناس قد تعلَّموا كيف يزرعون المحاصيل، فقد اخترعوا المعزْقة والمنْجل ومعدات أخرى لزراعة محاصيل أجود، وللمساعدة في حصادها. وقد دلَّ تطوير الزراعة على أن الناس لم يعودوا مضطرين إلى الانتقال من مكان إلى آخر بحثًا عن قوتهم حيث أخذ المزارعون البدائيون يستوطنون في القرى التي أصبحت فيما بعد سلفًا لأوليات المدن.
كان الناس في عصور ما قبل التاريخ يصطادون الحيوانات ويستعملون جلودها لباسًا. غير أن المزارعين البدائيين صاروا بعد ذلك بحاجة إلى مصدر آخر للباسهم، نظرًا لأنَّ صيد الحيوانات لاستخدامها طعامًا قد تضاءل عندهم. ولهذا، فقد اخترع الناس المنسوجات. ومن أجل صنع المنسوجات تم اختراع أدوات الغزل لإنتاج خيوط من ألياف الحيوان والنبات، كما اختُرع نولٌ ينسج الخيوط قماشًا.
لا أحد يعلم متى استطاع الناس صناعة أشياء من المواد الفلزية لأول مرة. ويعتقد العلماء أنَّ الناس في العصر النيوليتي (العصر الحجري الحديث) كانوا يطرقون تلك الخامات المعدنية لفلزات النحاس والذهب والفضة ويشكلون منها حُليًا. وقد تعلم الناس منذ عام 3500 ق.م. أنه من الممكن صهر فلزي القصدير والنحاس ثم مزجهما معًا لإنتاج البرونز، وهو مادة فلزية أقوى وأمتن من كلٍّ من العنصرين بمفرده. أما العجلة، وهي أحد أكثر المخترعات أهمية، فقد ظهرت للوجود حوالي عام 3500 ق.م.، وكان الناس قبل اختراعها يحملون أثقالهم على ظهورهم أو يجرونها على مزالج ثقيلة، كما أنهم كانوا يستعملون العربات الصغيرة التي بدورها مكَّنت الناس من تحريك البضائع بسهولةٍ أكثر، ومن نقل أحمالٍ أضخم مما عرفوه في أيّ وقت مضى.
الحضارات الأولى:
لقد تطورت الحضارات الأولى فيما بين عامي 3500 و3100 ق.م وذلك في أودية الأنهار، فيما بين نهري دجلة والفرات في بلاد ما بين النهرين، وفي وادي نهر النيل بمصر. وقد تأسست هذه الحضارات على الزراعة. وترجع نشأة الحضارات الأولى في أودية الأنهار إلى خصوبة الأرض، إذ كانت الأنهار تفيض سنويًا مرسِّبةً معها كميات كبيرة من التربة الخصيبة في الأودية. لقد اخترع سكان هذه الأودية أنظمة القنوات والخنادق والحُفر للتحكم في اتجاه جريان الماء أثناء الفيضانات، كما أنهم تحكَّموا من خلال هذه الأنظمة في عملية صرف مياه الفيضان وإعادتها إلى مجاري الأنهار.
لعل الاختراع الأكثر أهميةً لتلك الحضارات الممعنة في القدم هو الكتابة. فقد طور السومريون، الذين عاشوا في الجزء الجنوبي من بلاد ما بين النهرين أول نظام للكتابة. ويعتقد المؤرخون أنَّ السومريين اخترعوا هذا النظام حوالي عام 3500 ق.م. وقد جعل اختراع الكتابة الناس غير مضطرين إلى استخدام الذاكرة في المعارف كلها. فقد صار بوسعهم أن يدوِّنوا المفاهيم والمعلومات كي يستعملوها في وقت لاحق. وكذلك تمكنوا لأول مرة من الاتصال بعضهم ببعض عبر مسافات طويلة، وذلك من خلال نقل ما يكتبونه من مكان إلى آخر، وعلاوة على ذلك، فإن الكتابة قد حفظت المفاهيم والمعارف للأجيال المقبلة.
بلاد اليونان القديمة:
لقد قامت حضارة مزدهرة في بلاد اليونان بحلول القرن السادس قبل الميلاد على وجه التقريب. وأفضل ما عُرف عن الإغريق القدماء مآثرهم في الفنون والفلسفة والعلوم، غير أنهم أنتجوا كذلك العديد من المخترعات. وكان من بين المخترعين الإغريق الأكثر أهمية، ستيسيبيوس وأرخميدس وهيرو.
عاش ستيسيبيوس في القرن الثالث قبل الميلاد في الإسكندرية بمصر، وقد كانت آنذاك مركزًا للتعليم الإغريقي والثقافة الإغريقية. صنع ستيسيبيوس أول مضخة كانت تتكون من أسطوانة بداخلها كبَّاس، فكلما جرى تحريك الكباس إلى أعلى وإلى أسفل أحدث ذلك ضغطًا يمكن استعماله في ضخ الماء.
عاش أرخميدس في القرن الثالث قبل الميلاد. في سيراقوسة، وهي مدينة إغريقية تقع في صقلية. ومع أنه الأكثر شهرةً باكتشافاته الرياضية المهمة، فإنه أنتج العديد من المخترعات. وقد كان شادوف أرخيميدس الذي جرى تصميمه لرفع الماء من مستوىً منخفض إلى مستوىً آخر أعلى منه، أكثر مخترعاته ذيوعًا. وقد استعمل شادوف أرخيميدس في مصر القديمة في وادي النيل. وكانت هذه الأداة تتألف من شادوف مثبت بإحكام داخل أسطوانة مفتوحة الطرفين. فيوضع الطرف الأدنى من الأداة داخل الماء بينما يزوَّد طرف الأداة العلوي بمقبضٍ متصل بالشادوف، وعند تدوير المقبض يرتفع الماء إلى أعلى من خلال أسنان الشادوف ليخرج من الطرف العلوي.
أما هيرو، فقد عاش خلال القرن الأول الميلادي في الإسكندرية. ومن أكثر مخترعاته أهمية المكبس اللولبي. والمكبس اللولبي أداة لاستخراج العصارة من العنب لصنع العصائر ولاستخراج الزيت من الزيتون. لم تكن المكابس الأقدم عمرًا توفر سوى ضغط ضئيل، وهكذا كان يتخلف كثير من العصارة داخل الثمرة. ويتكون المكبس اللولبي من عمود مسنن متصل بكتلة الخشب التي تعتصر الثمار. وعند إدارة العمود، يقع ضغط هائل على ثمار العنب أو الزيتون، وبالتالي فإن مكبس هيرو اللولبي صار يعتصر كمية من السائل أكثر بكثير من المكبس الأقدم منه عمرًا.
البوصلة المغنطيسية اختُرعت في الصين في القرن الثاني عشر الميلادي. وباستعمال البوصلات تمكن المكتشفون في القرن السادس عشر الميلادي من تعيين الطرق التي كانوا يسلكونها إلى البلاد البعيدة. |
أنتجت الصين العديد من المخترعات المهمة. وقد نقلت العديد من هذه المخترعات إلى أوروبا في وقتٍ مبكر حيث أسهمت هذه المخترعات في توجيه تاريخ العالم الغربي. ففي عام 105م اخترع تساي لن، الموظف في الحكومة الصينية، الورق. كما اخترع الصينيون الخزف الصيني. وتعود النماذج الباقية إلى الآن من الخزف الصيني إلى الفترة من 618م حتى 907م حين كانت أسرة تانْغ تحكم الصين. وعلى الرغم من ذلك، فإن من المعتقد أن الصينيين قد بدأوا صناعة الخزف الصيني قبل ميلاد المسيح عليه السلام. وقد اخترع الصينيون كذلك البوصلة المغنطيسية في وقت ما، خلال حكم أسرة سونج (960 - 1279م). ثم أخذها عنهم العرب وطوروها فانتقلت منهم إلى أوروبا.
في حوالي 1045م، اخترع الطبَّاع الصيني بي شنغ الحروف المطبعية المتحركة، حيث صنع قطعًا منفصلة من الحروف المطبعية لكل حرف أبجدي في اللغة الصينية، إلا أنَّ اختراعه هذا لم ينتقل إلى الغرب لأن الحروف المطبعية المتحركة اخترعت في أوروبا بصورة مستقلة بعد نحو 400 عام من الاختراع الصيني.
الاسطرلاب اخترعه المسلمون لتعيين ارتفاعات الأجرام السماوية ومعرفة الوقت، ومن ذلك أوقات الصلوات ومعرفة الجهات الأصلية ومنها تعيين جهة القبلة (القرن العاشر الميلادي). |
يعود الفضل للعرب في اختراع بارود المدافع، وكان مسلمو الأندلس أول من صنع المدافع، ونقلها إلى أوروبا الجنود الذين كانوا يحاربون في صفوف الجيش الأسباني في منتصف القرن الرابع عشر الميلادي. وكان جابر بن حيان أول من حضر حمض الكبريتيك بالتقطير من الشب وأول من اكتشف الصودا الكاوية واستخرج نترات الفضة. كما اخترع الكيميائيون العرب أول ميزان حساس في التجارب المخبرية. واخترع الفارابي آلة القانون الموسيقية. واخترع أحمد بن موسى بن شاكر كثيرًا من المخترعات الميكانيكية كالألعاب والآلات نحو عام 250هـ، 864م، وينسب لعباس بن فرناس فضل اختراع عدد من الآلات الفلكية مثل الحلق وصنع الزجاج من الرمال والحجارة. كما اخترع أبو سعيد عبدالرحمن بن يونس المصري رقاص (بندول) الساعة حوالي عام 390هـ، 1000م، وينسب للبيروني اختراع الجهاز المخروطي وهو أقدم مقياس لتعيين كثافة المواد نحو عام 415هـ، 1024م، واخترع ابن الرزاز الجزري حوالي عام 600 هـ، 1203م، مضخة سحب الماء التي تعد الجد الأقرب للآلة البخارية. ويعود للعرب والمسلمين فضل اختراع كثير من آلات الرصد الفلكي من ذلك اللبنة والحلقة الاعتدالية وذات الأوتار والمشبهة بالناطق وقد اخترعها جميعًا تقي الدين الراصد. كما اخترع أبو إسحاق النقاش الزرقالي (ت 493هـ، 1099م) آلة تشبه الإسطرلاب سميت الزرقالة نسبة له. وفي مجال العلوم الرياضية كان لغياث الدين الكاشي الفضل في اختراع الكسور العشرية نحو عام 800هـ، 1397م. ★ تَصَفح: العلوم عند العرب والمسلمين.
العصور الوسطى الأوروبية:
شهدت العصور الوسطى الأوروبية التي استمرت من القرن الخامس الميلادي إلى القرن السادس عشر الميلادي تغييرات هائلة في طريقة العيش في أوروبا. وقد نشأ العديد من هذه التغييرات عن المخترعات في مجالات الزراعة والنقل والحرب.
لقد ساعد اختراع طوق الحصان الصلب في القرن التاسع الميلادي في تقدم كل من الزراعة والنقل. ذلك أن الخيول، قبل هذا الاختراع، كانت تلبس أطقمًا تنطبق على حلقها. فإذا جرَّ الحصان حمله بقوة، فإن الطقم يكاد يقطع عليه نفسه، لكن استعمال الطوق الصلب يحوِّل ثقل الحمل إلى كتفي الحصان، وهكذا فإنه باستعمال الطقم الجديد صار في وسع الحصان أن يجر حملاً أثقل بكثير من ذي قبل.
لقد استفادت عملية النقل المائي من عدة اختراعات في العصور الوسطى. وكان الشراع المثلث الشكل أو الشراع اللاتيني أحد هذه المخترعات وقد ظهر في القرن السادس الميلادي. أما الأشرعة المربعة الشكل التي كانت شائعة الاستعمال في ذلك الوقت فإنها تعمل بصورةٍ جيدةٍ فقط عندما تهب الرياح من خلف السفينة. لكن الأشرعة المثلثة الشكل صارت تعمل بصورة جيدة في الحالتين عندما تبحر السفينة عكس الرياح وعندما تبحر مع الرياح.
وصلت البوصلة المغنطيسية إلى أوروبا من الصين عن طريق العرب خلال القرن الثاني عشر الميلادي. ولقد جعلت البوصلة الملاحة البحرية المضبوطة أمرًا ممكنًا عندما تكون السفينة في منأى عن رؤية اليابسة، وعندما لا يكون الملاح قادرًا على الاستدلال بالنجوم أو بالشمس لتحديد اتجاهه.
ظهرت دفة القائم الكوثلي في القرن الرابع عشر الميلادي، وكانت السفن قبل هذا الاختراع تُوجه بوساطة مجاديف كبيرة قرب كوثلها (مؤخرها). وكانت المجاديف الكبيرة غير مريحة وغير وافية بالغرض. وكثيرًا ما كانت تنكسر أثناء العواصف. فضلاً عن ذلك فإن استعمال مجاديف التوجيه ساعد في أن يجعل حجم السفينة محدودًا، كما زادت المسافة التي تقطعها بعيدًا عن اليابسة. وأمكن استعمال الدفة في توجيه سفن أكبر حجمًا، كما أنها أتاحت للسفن أن تبحر بأمان عبر البحار الهائجة. ولقد ساعد اختراع دفَّة القائم الكَوثلي، مع غيره من المخترعات في حقلي بناء السفن والملاحة، في القيام بالرحلات المهمة التي أدّت إلى اكتشاف العالم الجديد.
والواقع أنَّ أحد أهم مخترعات العصور الوسطى كان الرِّكاب الذي وصل إلى أوروبا من الهند عن طريق الصين. وبإضافة الركاب إلى السَّرْج تمكن الجنود من خوض المعارك فوق ظهور الخيل. أما قبل اختراع الرّكاب، فقد كان الجنود المشاة هم الذين يقومون بمعظم أعمال القتال. وباختراع الرّكاب، صار المحاربون الراكبون، المسمون بالفرسان، هم الذين يقومون بمعظم القتال.
عصر النهضة الأوروبية:
بدأ عصر النهضة الأوروبية في القرن الرابع عشر الميلادي ودام حتى القرن السابع عشر الميلادي. وفي خلال هذه الفترة من اليقظة الحضارية في أوروبا، كان عدد المخترعات التي ظهرت أقل مما ظهر أثناء العصور الوسطى الأوروبية. وعلى الرغم من ذلك، فقد أفرز عصر النهضة اثنين من أكثر المخترعات أهمية في التاريخ - البارود والطباعة.
لقد اخترع العرب البارود قبل عصر النهضة الأوروبية بقرون، وقد استخدمه مسلمو الأندلس الذين كانوا كذلك أول من صنع المدافع. وبحلول القرن الثالث عشر، كان استعمال البارود قائمًا في أوروبا. وقد غير البارود طبيعة الحرب ؛ ففرسان القرون الوسطى لم يعد بوسعهم الدفاع عن أنفسهم أمام الأسلحة النارية والمدافع التي حلت محل أسلحة قديمة كالقوس والنُشَّاب والرمح. لذا ؛ فقد حل محل الفرسان في المعركة سلاح المدفعية والجنود المشاة المسلحون بالأسلحة النارية.
في أواسط القرن الخامس عشر الميلادي، اخترع الألماني جُوهانس جوتنبرج الطباعة كما نعرفها في هذه الأيام، وهي تعتبر مثالاً لكيفية ابتكار اختراع معين من عدة اختراعات قائمة. ذلك لأن كلاً من الحبر والحروف المتحركة والورق والمكبس كانت قد اخترعت قبل عصر جوتنبرج بوقت طويل. لكن جوتنبرج جمع بين هذه المخترعات بطريقة إبداعية كي ينتج الطباعة التي سرعان ما أصبحت الوسيلة الأولى للاتصالات على نطاقٍ واسع. وضعت الطباعة أكبر قدرٍ من المعرفة في متناول أكبر عدد من الناس بطريقة أسرع وبتكلفة أقل عن أي وقت مضى. وبالتالي، فقد ساعدت الطباعة على تطوير الديمقراطيات الحديثة التي تعتمد على وجود مواطنين واسعي الاطلاع كي يشاركوا في الحكومة.
عصر العقل:
بدأ عصر العقل في القرن السابع عشر وظل حتى أواخر القرن الثامن عشر. وخلال هذه الفترة، ظهر العديد من المخترعات المهمة، كما ساهمت العلوم بدرجة ملموسة لأول مرة في ابتكار المخترعات، وأنتج بعض العلماء مخترعات معينة. وعلى سبيل المثال، اخترع الفيزيائي الإيطالي جاليليو القطاع المحسِّن وهو أداةٌ لرسم وقياس الزوايا. وكان ثمة علماء آخرون، مثل السير إسحق نيوتن من إنجلترا، قد قدموا المعارف العلمية التي أدّت بدورها إلى اختراعات أخرى فيما بعد. فقد أدت قوانين الحركة لنيوتن، التي نشرها في البرنسِبيا عام (1687م) دورًا مهمًا في اختراع محرِّكات الدفع النفاث ومحركات الدفع الصاروخي الذي تم في القرن العشرين.
لم يكن قطاع جاليليو سوى واحد من عدة أجهزة قياس علمية تم اختراعها في عصر العقل. ففي عام 1608م، اخترع صانع الأدوات البصرية الهولندي هانز ليبرشاي التلسكوب (المقراب)، وفي عام 1643م اخترع الفيزيائي الإيطالي إيفانجليستا تُوريشلي البارومتر (مقياس الضغط الجوي).
يشمل العديد من المخترعات التي ظهرت خلال عصر العقل آلات جديدة وطرقا زراعية خاصة تساعد على زراعة المحاصيل وحصادها. لقد أحدثت هذه المخترعات تغييرًا ضخمًا في الزراعة سُمِّي الثورة الزراعية. ولقد كانت البذّارة أحد هذه المخترعات المهمة التي اخترعها في القرن الثامن عشر الميلادي جثرو تل وهو مزارع إنجليزي. وكان المزارعون، قبل اختراع تل، يزرعون البذور بنثرها على الأرض ويُفْقَدُ في هذه الطريقة الكثير من البذور، أما البذَّارة فقد كانت تُحدث حفرًا في صفوف مستقيمة في التربة ليقوم المزارعون بإلقاء البذور داخلها.
الثورة الصناعية:
بدأت الثورة الصناعية في بريطانيا خلال القرن الثامن عشر الميلادي. وبحلول منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، كانت الثورة الصناعية قد امتدت إلى كلِّ مكان في أوروبا الغربية وإلى الولايات المتحدة الأمريكية. والواقع أن الثورة الصناعية لم تطور الصناعة فقط، بل إنها أحدثت تغييرات هائلةً في الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية.
محرك جيمس واط البخاري أدى دورًا مهمًا في الثورة الصناعية التي حدثت في القرن الثامن عشر الميلادي. وفر المحرك مصدرًا رخيصا وفعالاًا للطاقة لإدارة الآلات. |
لم يخترع واط المحرك البخاري، فقد كانت المحركات المستعملة قبل عصره رديئة الصنع، كما أنها غير فعالة وذات تكلفة تشغيل عالية. وفي الستينيات من القرن الثامن عشر، اخترع واط محركًا محسنًا. ثم أوجد مخترعون آخرون استعمالات جديدة لمحرك واط الذي غدا بسرعة المصدر الرئيسي للقدرة اللازمة لأعمال النقل والصناعة. وفي عام 1787م، توصل جون فيتش إلى أول سفينةٍ بخارية يمكن تشغيلها عمليًا في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 1804م، اخترع ريتشارد تريفيثيك القاطرة البخارية. وفي عام 1839م، اخترع المهندس الأسكتلندي جيْمس نازمث المطرقة البخارية الخاصة بتشكيل الفلزات.
وفي عام 1831م حقَّق الفيزيائيان، مايْكِل فارادي من إنجلترا، وجوزيف هنري من الولايات المتحدة الأمريكية ـ كلّ على حدة ـ اكتشافهما الذي أدى إلى اتخاذ الكهرباء مصدرًا للطاقة. وقد توصَّل كلٌّ من فارادي وهنري إلى أنهما كلما حركا ملفًا من أسلاك النحاس بالقرب من مغنطيس، أو حركا مغنطيسًا بالقرب من ملف من أسلاك النحاس، ولَّدا تيارًا كهربائيًا يسري في السلك. وهكذا، اكتشف المخترعان مبدأ الحث (التأثير) الكهرومغنطيسي. وسرعان ما أدرك المخترعون إمكانية استعمال الكهرباء بطرق عديدة. وفي عام 1832م، اخترع هيبولايت بكسي، وهو صانع أجهزة قياس فرنسي، أول مولد كهربائيّ يعمل بمبدأ الحث. وفي عام 1837م، سجل الفيزيائيان البريطانيان وليم كوك، وتشارلز ويتستون اختراع المبرقة الكهربائية (التلغراف)، ثم تبعهما المخترع الأمريكي صمويل مورس فسجل اختراع مبرقة أخرى عام 1840م.
وقد استمرت الثورة الزراعية أثناء الثورة الصناعية ؛ ففي أواخر القرن الثامن عشر اخترع أحد النبلاء الإنجليز، توماس كوك من هولكهام، طريقة جديدة للدورة الزراعية في مزرعته بمقاطعة نورفوك. وقد سُمِّيت طريقته بنظام نورفوُك.
وقد دأب المزارعون منذ العصور الوسطى الأوروبية على ترك ثلث حقولهم بورًا، أي من غير أن تُزرع سنويًا. وقد ترك دأبهم هذا مجالاً للتربة كي تسترد المواد المعدنية التي تمتصها منها المزروعات. واكتشف كوك أنَّ بعض المزروعات، مثل الفصفصة والبرسيم، بوسعها أن تعيد إلى التربة المواد المعدنية، وعلاوة على ذلك فإنَّ مثل هذه المزروعات يمكن أن تُحصد وتستعمل علفًا للحيوانات. وهكذا، فإنه من خلال زراعة المحاصيل المنتجة للعلف في أعقاب زراعة محاصيل الحبوب الاعتيادية استطاع المزارعون أن يجعلوا أرضهم منتجةً كل عام، وأن يحافظوا مع ذلك على محتوى التربة من الأملاح المعدنية. وساعدت زراعة محاصيل العلف على حصول المواشي على تغذية أفضل، الأمر الذي أتاح كميات أكبر وذات نوعية أجود من لحوم البقر والضأن وكذلك الألبان والصوف. ومع هذا كله، فقد أعطت المواشي التي صارت في وضع صحيٍّ أفضل سمادًا أكثر وأجود لتخصيب أراضيهم الزراعية.
أواخر القرن التاسع عشر:
حاول عددٌ من المخترعين خلال القرن التاسع عشر تطوير محرِّكات أكثر كفاءة من المحرك البخاريّ. وفي سنة 1860م، صنع المخترع الفرنسي جان جوزيف إتيان لانوار أول محرك احتراق داخليّ عمليّ يعطي قدرة من خلال حرق الوقود داخل أسطوانة مغلقة. وهكذا صار محرك الاحتراق الداخلي أبسط عملاً وأصغر حجمًا وأكثر كفاءة من المحرك البخاريّ الذي كان يحرق الوقود خارج الأسطوانة. وفي عام 1885م، صنع المخترعان الألمانيان كارل بنز، وجوتليب ديملر ـ كلٌّ على حدة ـ محركات احتراقٍ داخليّ تشبه من حيث الأساس محركات البنزين المستعملة في السيارات هذه الأيام. وبالتدريج، حل محرك الاحتراق الداخليّ محل محركات البخار، واستعملت البطاريات الكهربائية لتزويد السيارات الأولى بالقدرة المحركة.
في أواخر القرن التاسع عشر، أدى ظهور عدة اختراعات إلى إحداث ثورة في الاتصالات. ففي عام 1867م، سجل ثلاثة مخترعين أمريكيين، هم كريستوفَر لاثام شولز، وكارلوس جليدين، وصمويل سول براءة اختراع أول آلة كاتبة عملية. وفي عام 1876م، سجل المخترع الأمريكي جراهام بِلْ براءة اختراع الهاتف. وفي عام 1884م، سجل المخترع الألماني المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية أوتمار مرجنتيلر آلة اللينوتيب (آلة الطباعة بالتنضيد السطري)، وهو الاختراع الذي أزال الحاجة إلى تنضيد الحروف باليد، وبالتالي زادت كثيرًا من سرعة طباعة الكتب والمجلات والصحف. وفي عام 1895م، اخترع الإيطاليّ جوليلمو مارْكوني المِبرقة اللاسلكية.
اكتشف الفيزيائي الألماني ويلهلم رونتجن الأشعة السينية في عام 1895م. وقد أدى هذا الاكتشاف إلى اختراع جهاز الأشعة السينية، الذي كان له تأثير كبير في تقنيات الجراحة والصناعة والبحث العلمي.
توماس أديسون يعد أشهر المخترعين في التاريخ. والصورة أعلاه تظهره وهو يستمع إلى نسخة بدائية من الحاكي (الفونوغراف) الذي اخترعه عام 1877م. |
بدأت مختبرات البحوث الصناعية في الظهور في الصناعات الكيميائية الألمانية وذلك في نهاية القرن التاسع عشر. وفي عام 1876م وضع أديسون أولى لبنات مختبرات البحث العلمي الأمريكية في مينلو بارك بولاية نيوجيرسي. ولكن هذا المختبر لم يكن قائمًا على أساس فريق البحث العلمي كما حدث بعد ذلك في مختبرات البحوث. ولقد سيطرت عبقرية أديسون على المختبر، فاستأجر واستخدم العلماء والفنيين وذلك لهدف وحيد وهو تطبيق أفكاره وإظهارها للوجود.
أوائل وأواسط القرن العشرين:
غدت السيارة وسيلة نقلٍ رئيسية في أوائل هذا القرن، ذلك لأنَّ المخترعات الجديدة جعلت السيارات أسهل تشغيلاً وأكثر أمانًا. ففي عام 1911م، ابتكر المخترع الأمريكي تشارلز فرانكلين كترنج بادئ الحركة الذاتي الكهربائي المسمى (المارش). فقد كان بدء حركة السيارات قبل هذا الاختراع يتم بتدوير عمودها يدويًا. وجاء اختراع كترنج ليُمكِّن من بدء تشغيل محرِّك السيارة بوساطة الضغط على أحد الأزرار. وفي عام 1918م، اخترع الأمريكي مالكولم لوكهيد النظام الهيدروليكي للكبح على العجلات الأربع. ولقد ساعد هذا الاختراع سائقي السيارات على إيقاف سياراتهم بأمانٍ أكثر مما كانت تُتيحه أنظمة الكبح من قبل.
كما أنجز الأخوان أورفيل وويلبر رايت رحلات الطيران الناجحة الأولى عام 1903م، وكانت طائرتهما تعمل بمحرك احتراق داخلي، ذلك لأنَّ المحركات النفاثة استعملت لأول مرة في الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945م). وبحلول الستينيات من القرن العشرين، أصبح استعمال المحرِّكات النفاثة واسعًا في كل من الطيران التجاري والعسكري على السواء. والمخترعون للمحركات النفاثة هم الإنجليزي السيرفرانك ويتل والألمانيان ولي ميسرشميت وهانز فون أوهاين.
أدى تطوير الصمام الأيوني الحراري (الثيرميوني) في أوائل القرن العشرين إلى تأسيس صناعة الإلكترونيات. ففي عام 1904م، اخترع المهندس الكهربائي البريطاني السير جون فليمنج الصمام الثنائي الذي يمكنه أن يكشف عن الإشارات اللاسلكية. وفي عام 1907م، سجل المخترع الأمريكي لي دي. فُورسْت اختراع الصمام الثلاثي، الذي ساعد على تقوية الإشارات اللاسلكية. وقد أحدث المهندسون عقب هذين الاختراعين تحسينات عديدة في صناعة الصمام الإلكتروني الذي أدى دورًا مهمًا ليس فقط في تطوُّر الراديو، ولكن كذلك في تطور الرادار، والهاتف والتلفاز، وغيرها من الأجهزة الإلكترونية. وفي عام 1947م اخترع العلماء والمهندسون والعاملون في مختبرات بِل للهاتف التّرانزستور، وهو نبيطة (أداة) تفضل الصمام بميزات عديدة جعلتها تحل محله في التجهيزات الإلكترونية على نطاق واسع.
أما الطاقة النووية التي تكاد تكون مصدرًا لقدرة غير محددة، فقد تم تطويرها في أواسط القرن العشرين. وقد استعملت الطاقة النووية لأول مرة في الحرب العالمية الثانية. ومنذ تلك الفترة، يجدّ المخترعون والعلماء في إحداث المزيد من الاستعمالات السلمية أو العسكرية للطاقة النووية. ففي عام 1956م، افتتحت بريطانيا أول محطة توليد للكهرباء من القدرة النووية يجري بناؤها في العالم على نطاق واسع. أما الآن، فقد أصبحت محطات توليد الكهرباء تعمل في أقطار عديدة في جميع أنحاء العالم.
لقد شهدت أوائل وأواسط القرن العشرين إنتاج مواد جديدة عديدة. ففي عام 1909م، اخترع الكيميائي الأمريكي ليو بيكلاند أولى الراتينجيات الصناعية (الباكليت) وهي أول أنواع البلاستيك ظهورًا. وفي أواسط هذا القرن، اخترع العلماء الباحثون في المختبرات الألياف الصناعية مثل الترلين والنيلون.
تركز العديد من اختراعات أوائل وأواسط القرن العشرين في حقل الزراعة. فقد طور العلماء أساليب استيلاد جديدة لتحسين الإنتاج الحيواني والنباتي. واخترعت أيضًا آلات جديدة لزراعة عدة أنواع من المحاصيل ولتعهدها ولجنيها. أما الصناعات الكيميائية فقد طورت أسمدة كيميائية صناعية لتخصيب التربة، كما طورت مواد كيميائية أخرى للسيطرة على الحشرات الضارة، وعلى أمراض الحيوان والنبات.
الحواسيب. توفر الحواسيب خدمات عديدة لأعمال التجارة وللحكومات وللصناعة. ويظهر في الصورة أعلاه المهندس الأمريكي فانفربُش أمام حاسوب التماثل الذي اخترعه عام 1930م. |
في منتصف القرن العشرين طور الباحثون الخلية الشمسية التي تسمى أيضًا الخلية الفولطية الضوئية تولد فيها الطاقة من الشمس. تحول الخلية الفولطية الضوئية ضوء الشمس والإشعاع الشمسي إلى طاقة كهربائية. استطاع المهندسون في مختبرات بل للهاتف استخدام خلية فولطية ضوئية فعالة في عام 1954م ومنذ ذلك التاريخ استخدمت قوة الخلايا الفولطية الضوئية في مختلف الأجهزة الإلكترونية بدءًا بالحاسبات اليدوية الصغيرة إلى الأقمار الصناعية.
مخترعات عصر الفضاء جعلت من استكشاف القمر أمرًا مستطاعًا. وطئ رجل الفضاء جيمس ب. إروين سطح القمر عام 1971م في مركبة مطورة (من نوع جديد) تسمى الجوالة القمرية. |
تطورت تقنية الحاسوب بسرعة في الستينيات من القرن العشرين. وكان أهم التطورات هو اختراع الدائرة المتكاملة، وهي شريحة دقيقة من مادة شبه موصلة، عادة ما تكون السليكون، توضع بداخلها ترانزستورات وأجزاء إلكترونية أخرى. استطاع المهندس الأمريكي جاك كلبي والفيزيائي الأمريكي روبرت نويس اختراع أول دائرة متكاملة في عام 1960م، فتقدمت تقنيات الحاسوب تقدمًا سريعًا في الستينيات من القرن العشرين. وقد ساعد أيضًا في اختراع المعالج الدقيق للحاسوب. أدت التحسينات التي طرأت على المعالج الدقيق والدائرة المتكاملة إلى تقليل أحجام الحواسيب في السبعينيات. في عام 1959م اخترع الفيزيائي الأمريكي ثيودور ميمان أول ليزر. وأصبح اختراع الليزر من أكثر اختراعات القرن العشرين إفادة حيث استخدم في الأقراص (الأسطوانات) المدمجة CD. وبيع أول قرص مدمج في اليابان عام 1982م. تستعمل الأسطوانات المدمجة لحمل التسجيلات الموسيقية وتخزين المعلومات لأجهزة الحاسوب.
أنشأت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) في ستينيات القرن الماضي لخدمة عمليات الجيش الأمريكي. وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق عام 1991م، تحولت الشبكة إلى خدمة الأغراض المدنية، وأصبح يشارك في إدارتها وتغذيتها وصيانتها كثير من الجامعات والشركات والمؤسسات الخاصة. وتربط هذه الشبكة ملايين الحاسوبات معًا. ويعرف أن نائب الرئيس الأمريكي السابق ألبرت جور كان أول من فكر في استخدام هذه الشبكة على نطاق عالمي. وفي البداية نقلت الشبكة المعلومات والبيانات في شكل نصوص وأرقام. وفي بداية تسعينيات القرن الماضي اخترع خبراء الإنترنت برامج حاسوبية مكنت مستخدمي الشبكة من التجول عبر الشبكة ومشاهدة كل ما فيها بالصورة والصوت والفيديو. وقد سهل هذا التطور الذي عرف باسم الشبكة العالمية العنكبوتية استخدام الإنترنت. أغرت الشبكة العالمية العنكبوتية الملايين من مستخدمي الحاسوب للتجول عبر شبكة الإنترنت.
تحديات المستقبل
الحاجة إلى المياه العذبة دفعت المخترعين للتفكير في طرق لتحلية المياه المالحة. في الصورة محطة تحلية مياه البحر في جدة، بالمملكة العربية السعودية، التي أنشئت عام 1390هـ، 1970م وهي تنتج 88,5 مليون جالون في اليوم بالإضافة إلى 840 مي |
يمتلك عدد قليل من الدول في العالم الآن من الصناعات ما يكفي لإتاحة مستوى عال من العيش لمواطنيها، بينما تعاني أكثر شعوب العالم من مستوى معيشي منخفض ؛ فإن الشعوب ترغب في توفر السلع التي وفرتها المخترعات وعمليات التصنيع في البلدان الغنية. ويعتقد كثير من هذه الشعوب أنه يجب على الأمم المصنعة أن تساعد في رفع مستوى المعيشة لدى الدول النامية، كما يعتقد هؤلاء أنه إذا ما قصرت البلدان الغنية في ذلك، فإنَّ الهوة ستتسع بين مستويات المعيشة في البلدان المصنّعة والبلدان النامية، الأمر الذي سيؤدي إلى تنامي التوتر بين الأمم الغنية والأمم الفقيرة باستمرار.
وعلى الرغم من ذلك فإنَّ البلدان المصنِّعة لا يمكنها أن تقوم ببساطة بتصدير المخترعات والمهندسين والفنيين إلى البلدان النامية. ولقد أثبتت التجربة أن التقنية الغربية لا يمكن أن تنجح إذا طُبقت لدى حضارات تفتقر إلى أحوال اقتصادية وسياسية واجتماعية معينة، فمثلاً لا يمكن للاختراعات المعقدة أن تكون مؤثرةً في بلد يعاني من اقتصاد زراعي بدائي ومن مستوى منخفض في التعليم. ولهذا، فإنه يتعين على علماء الاقتصاد الغربيين والمخترعين والعلماء والسياسيين والقادة، أن يبحثوا عن طرق لتكييف المهارات الفنية الغربية بما يناسب المناطق النامية.
يعتقد الكثيرون أن تكييف التقنية لمواكبة حاجات وأحوال البلدان النامية يمكن أن يحل بعضًا من مشاكلها. فمثلاً قد يوفّر الاستعمال الابتكاري للتقنية البسيطة، على النقيض من التقنية العالية، مزايا عديدة لتلك البلدان، فالسيارات والشاحنات ومضخات الماء، التي تحوي أجزاء موحَدة القياس غير معقدة التركيب والتي يمكن تفكيكها وتجميعها بسهولة، تظل أكثر نفعًا من مثيلتها ذات التصميمات البالغة التعقيد ولكنها سريعة العطب، تلك التصميمات المستعملة في البلدان المصنعة.
لقد دأب بنو آدم في الماضي على إطلاق العنان لقدراتهم الابتكارية كي تعمل من غير ضوابط. لذا، فإن بعض أكثر مشكلاتنا إلحاحًا قد أحدثته مخترعات سابقة، والسيارات مثال وجيه على ذلك. فقد أضحت السيارة واحدة من أهم وسائل النقل لدينا، لكن دخان العادم المنبعث من السيارات يسبب الكثير من تلوث الهواء. ويعتقد بعض الناس أنه من أجل حل المشاكل التي أحدثتها المخترعات السابقة يجب حظر مثل هذه المخترعات أو الحد منها. فمثلاً يقترح البعض تقييد المكان والزمان اللذين يمكن للمرء أن يقود سيارة فيهما. ويعتقد آخرون أن حل مثل هذه المشكلات يكمن في ابتكار اختراعات جديدة يمكنها التخلص من الآثار الخطيرة للمخترعات الحالية. فمثلاً، يرى هؤلاء أنه بدلاً من تقييد استعمال السيارات، يجب علينا أن نخترع محركات وأنواعًا من الوقود من شأنها أن تقلِّل من التلوث الناتج عن عادم السيارات.
إن بني آدم سوف يواصلون الاختراع لسد حاجاتهم ولإشباع فضولهم وحوافزهم نحو الإبداع، ولكنَّ عليهم أن يحاولوا التبصر بالآثار المؤذية التي قد تنتج عن اختراعاتهم وذلك لكي لا تتعرض الأجيال القادمة للأخطار.
هي قصة وتاريخ الإختراع