عملية الاختراع
أنتج الناس ملايين المخترعات النافعة من أيسر الأدوات في عصور ما قبل التاريخ إلى أكثر الآلات العصرية تعقيدًا، إلا أن جميع هذه المخترعات نشأت عما يمكن تسميته العملية الابتكارية. وفي عملية الاختراع، يدرك المخترع بادئ ذي بدء الحاجة إلى اختراع معيَّن. ثم يجمع بين المعرفة والمهارة مستعملاً المواد المناسبة لابتكار اختراع نافع.
وقد ظلت معظم المخترعات حتى القرن العشرين من إنتاج مخترعين أفراد كانوا يعملون، كلٌّ على حدة، معتمدين بشكل واسع على معرفتهم ومهاراتهم الشخصية. ولكن حل محل المخترع المنفرد هذه الأيام، على نطاق واسع، مجموعات من العلماء الفنيين الذي يعملون معًا في مختبرات حكومية أو صناعية أو جامعية للبحوث العلمية. ومن خلال الإسهام المشترك بقدراتهم بدلاً من العمل على انفراد، فإنَّ هؤلاء الكيميائيين والمهندسين وغيرهم من الاختصاصيين يزيدون من فرص ابتكار مخترعات نافعة.
هناك مثل قديم يقول: الحاجة أم الاختراع ؛ فالحاجة مثلاً إلى الاتصالات السريعة عبر مسافات طويلة، وُجدت قبل اختراع الراديو والمبرقة والبرق والهاتف بوقت طويل. كما أننا لا نزال نفتقر إلى العلاج الشافي من الزكام أو من أمراض عديدة أخرى. غير أن المخترع لا يمكنه أن يبتكر اختراعًا بمجرد إدراك أن الناس في حاجة إليه. فلابد أن تتوفر للمخترع الناجح علاوةً على ما تقدم، ثلاثة عوامل مهمة لإنجاز الاختراع: 1- المعرفة 2-القدرة الفنية 3- البصيرة الإبداعية.
المعرفة:
من أجل ابتكار اختراع ما، لابد أن يتوفر للمخترع فهم عملي لكيفية عمل هذا الاختراع. فالقوس والسهم يُعدان من أقدم وأهم المخترعات، ولابد أن الشخص الذي اخترعهما في عصور ما قبل التاريخ كان يعرف أن غصن الشجرة يمكن ثنيه ليصبح قوسًا. وعليه كذلك أن يفهم إمكانية إطلاق السهم إذا شد إلى الوراء خيطًا مربوطًا إلى كلٍّ من طرفي الغصن.
القدرة الفنيَّة:
تعني القدرة الفنية المواد والأجزاء والعُدة التي يجب توافرها لدى المخترع ليبتكر اختراعًا ما. ولقد كان للمخترعين على مدى التاريخ مفاهيم الاختراع، لكن كانت تعوزهم القدرة الفنية لتحويل مفاهيمهم عن الاختراع إلى واقعٍ محسوس. فمثلاً أراد كثير من المخترعين بناء آلة تطير قبل بداية القرن العشرين بكثير، لكنهم افتقروا إلى محرِّك أساسيٍّ عالي القدرة يكفي لجعل آلتهم تطير، ويظل مع ذلك صغير الحجم كي يكون عمليًا. ولم يتم الوصول إلى هذا المحرك، محرك البنزين إلا أواخر القرن التاسع عشر حين ساعد تطوير المحرك المخترعَيْن الأمريكيين الأخوين أورفيل وويلبر رايت على بناء الطائرة الأولى الناجحة عام 1903م.
البصيرة الإبداعية:
تساعد البصيرة الإبداعية المخترع على الوصول إلى الفكرة التي تدمج معرفته وقدرته التقنية على نحو يتفتَّق عن اختراع. وفي معظم المحاولات، يدرك المخترع هذه الفكرة بعد مدة طويلة من التجربة والخطأ. وقد تتكشف هذه الفكرة للمخترع بمحض المصادفة أحيانًا.
إن المحاولة والخطأ لا تعني ببساطة نهجًا يُصيب حينًا ويخطئ حينًا. ذلك أنه يتعين على المخترع أن يحدِّد المعضلة بدقة، ثم عليه أن يجري تجاربه بصبر باستعمال تصاميم أو مواد مختلفة حتى يعثر من بينها على الحل للمعضلة، فمثلاً كان المخترعان الأخوان رايت يعرفان أنهما بحاجة إلى أجنحة مشكلة على وجه خاص من شأنه أن يُساعد على رفع الطائرة من الأرض وأن يبقيها في الهواء، ولقد جرب الأخوان أشكالاً عديدة قبل أن يجدا الشكل الذي أتاح قدرة كافية لرفع الطائرة.
قد يعثر المخترع مصادفة، بعد سنوات من التجارب غير الناجحة، على الفكرة الهادية التي تؤدي إلى الاختراع. فقد حاول المخترع الأمريكي تشارلز جوديير مدة خمس سنوات أن يجد طريقة لجعل المطاط مُنتجًا نافعًا. كان يريد مطَّاطًا لا ينصهر عند درجات الحرارة المرتفعة ولا يصبح قَصِفًا صلبًا في درجات الحرارة المنخفضة. لذا، فقد أجرى جوديير عدة معالجات على الصمغ المطاطي، وهو الاسم الذي أطلقه على المطاط لكن أيّا منها لم ينجح.
في إحدى ليالي الشتاء من عام 1839م، كان جوديير يتكلم مع أخيه في المنزل، وكان يحمل في يده قطعة من المطاط رشَّ عليها كبريتًا، وبمحض المصادفة أسقط قطعة المطاط على موقد متوهج بالحرارة. فإذا به يفاجأ، فبدلاً من أن تنصهر قطعة المطاط فإذا هي قد تفلطحت لتصبح قرصًا صغيرًا. وقد وجد أنَّ قطعة المطاط، بعد رفعها عن الموقد، لا تزال قابلة للانثناء وعالية المقاومة. ثم علق جوديير القرص على عضادة الباب طوال الليل في الشتاء البارد. وفي الصباح التالي، كان القرص لا يزال محتفظًا بخاصيته المطاطية، وهكذا يكون جوديير قد اخترع، بمحض المصادفة الفلكنة، أي عملية تسخين المطاط المُعالج بالكبريت لإكسابه خواص: المرونة والصلابة والمقاومة معًا.
في جميع الحالات التي جاءت فيها المخترعات مصادفةً تقريبًا، فإن المخترعين كانوا اختصاصيين على درجة عالية من التمرس. فقد كانوا يواصلون العمل في اختراعهم لمدة طويلة كما كانوا منتبهين إلى معضلاته. لقد كان لدى جوديير من التفكير البارع والتجربة ما عرّفه أن المصادفة قد منحته الفكرة الهادية التي حلت له معضلته.
أنتج الناس ملايين المخترعات النافعة من أيسر الأدوات في عصور ما قبل التاريخ إلى أكثر الآلات العصرية تعقيدًا، إلا أن جميع هذه المخترعات نشأت عما يمكن تسميته العملية الابتكارية. وفي عملية الاختراع، يدرك المخترع بادئ ذي بدء الحاجة إلى اختراع معيَّن. ثم يجمع بين المعرفة والمهارة مستعملاً المواد المناسبة لابتكار اختراع نافع.
وقد ظلت معظم المخترعات حتى القرن العشرين من إنتاج مخترعين أفراد كانوا يعملون، كلٌّ على حدة، معتمدين بشكل واسع على معرفتهم ومهاراتهم الشخصية. ولكن حل محل المخترع المنفرد هذه الأيام، على نطاق واسع، مجموعات من العلماء الفنيين الذي يعملون معًا في مختبرات حكومية أو صناعية أو جامعية للبحوث العلمية. ومن خلال الإسهام المشترك بقدراتهم بدلاً من العمل على انفراد، فإنَّ هؤلاء الكيميائيين والمهندسين وغيرهم من الاختصاصيين يزيدون من فرص ابتكار مخترعات نافعة.
هناك مثل قديم يقول: الحاجة أم الاختراع ؛ فالحاجة مثلاً إلى الاتصالات السريعة عبر مسافات طويلة، وُجدت قبل اختراع الراديو والمبرقة والبرق والهاتف بوقت طويل. كما أننا لا نزال نفتقر إلى العلاج الشافي من الزكام أو من أمراض عديدة أخرى. غير أن المخترع لا يمكنه أن يبتكر اختراعًا بمجرد إدراك أن الناس في حاجة إليه. فلابد أن تتوفر للمخترع الناجح علاوةً على ما تقدم، ثلاثة عوامل مهمة لإنجاز الاختراع: 1- المعرفة 2-القدرة الفنية 3- البصيرة الإبداعية.
المعرفة:
من أجل ابتكار اختراع ما، لابد أن يتوفر للمخترع فهم عملي لكيفية عمل هذا الاختراع. فالقوس والسهم يُعدان من أقدم وأهم المخترعات، ولابد أن الشخص الذي اخترعهما في عصور ما قبل التاريخ كان يعرف أن غصن الشجرة يمكن ثنيه ليصبح قوسًا. وعليه كذلك أن يفهم إمكانية إطلاق السهم إذا شد إلى الوراء خيطًا مربوطًا إلى كلٍّ من طرفي الغصن.
القدرة الفنيَّة:
تعني القدرة الفنية المواد والأجزاء والعُدة التي يجب توافرها لدى المخترع ليبتكر اختراعًا ما. ولقد كان للمخترعين على مدى التاريخ مفاهيم الاختراع، لكن كانت تعوزهم القدرة الفنية لتحويل مفاهيمهم عن الاختراع إلى واقعٍ محسوس. فمثلاً أراد كثير من المخترعين بناء آلة تطير قبل بداية القرن العشرين بكثير، لكنهم افتقروا إلى محرِّك أساسيٍّ عالي القدرة يكفي لجعل آلتهم تطير، ويظل مع ذلك صغير الحجم كي يكون عمليًا. ولم يتم الوصول إلى هذا المحرك، محرك البنزين إلا أواخر القرن التاسع عشر حين ساعد تطوير المحرك المخترعَيْن الأمريكيين الأخوين أورفيل وويلبر رايت على بناء الطائرة الأولى الناجحة عام 1903م.
البصيرة الإبداعية:
تساعد البصيرة الإبداعية المخترع على الوصول إلى الفكرة التي تدمج معرفته وقدرته التقنية على نحو يتفتَّق عن اختراع. وفي معظم المحاولات، يدرك المخترع هذه الفكرة بعد مدة طويلة من التجربة والخطأ. وقد تتكشف هذه الفكرة للمخترع بمحض المصادفة أحيانًا.
إن المحاولة والخطأ لا تعني ببساطة نهجًا يُصيب حينًا ويخطئ حينًا. ذلك أنه يتعين على المخترع أن يحدِّد المعضلة بدقة، ثم عليه أن يجري تجاربه بصبر باستعمال تصاميم أو مواد مختلفة حتى يعثر من بينها على الحل للمعضلة، فمثلاً كان المخترعان الأخوان رايت يعرفان أنهما بحاجة إلى أجنحة مشكلة على وجه خاص من شأنه أن يُساعد على رفع الطائرة من الأرض وأن يبقيها في الهواء، ولقد جرب الأخوان أشكالاً عديدة قبل أن يجدا الشكل الذي أتاح قدرة كافية لرفع الطائرة.
قد يعثر المخترع مصادفة، بعد سنوات من التجارب غير الناجحة، على الفكرة الهادية التي تؤدي إلى الاختراع. فقد حاول المخترع الأمريكي تشارلز جوديير مدة خمس سنوات أن يجد طريقة لجعل المطاط مُنتجًا نافعًا. كان يريد مطَّاطًا لا ينصهر عند درجات الحرارة المرتفعة ولا يصبح قَصِفًا صلبًا في درجات الحرارة المنخفضة. لذا، فقد أجرى جوديير عدة معالجات على الصمغ المطاطي، وهو الاسم الذي أطلقه على المطاط لكن أيّا منها لم ينجح.
في إحدى ليالي الشتاء من عام 1839م، كان جوديير يتكلم مع أخيه في المنزل، وكان يحمل في يده قطعة من المطاط رشَّ عليها كبريتًا، وبمحض المصادفة أسقط قطعة المطاط على موقد متوهج بالحرارة. فإذا به يفاجأ، فبدلاً من أن تنصهر قطعة المطاط فإذا هي قد تفلطحت لتصبح قرصًا صغيرًا. وقد وجد أنَّ قطعة المطاط، بعد رفعها عن الموقد، لا تزال قابلة للانثناء وعالية المقاومة. ثم علق جوديير القرص على عضادة الباب طوال الليل في الشتاء البارد. وفي الصباح التالي، كان القرص لا يزال محتفظًا بخاصيته المطاطية، وهكذا يكون جوديير قد اخترع، بمحض المصادفة الفلكنة، أي عملية تسخين المطاط المُعالج بالكبريت لإكسابه خواص: المرونة والصلابة والمقاومة معًا.
في جميع الحالات التي جاءت فيها المخترعات مصادفةً تقريبًا، فإن المخترعين كانوا اختصاصيين على درجة عالية من التمرس. فقد كانوا يواصلون العمل في اختراعهم لمدة طويلة كما كانوا منتبهين إلى معضلاته. لقد كان لدى جوديير من التفكير البارع والتجربة ما عرّفه أن المصادفة قد منحته الفكرة الهادية التي حلت له معضلته.