الشاعر عبدالله الكعبي: يبقى الشعر عصيا على التفسير
يجد توافقا مع الكلمة الشعرية وحقيقتها
مسقط ـ العُمانية: الراصد لتجربة الشاعر العُماني عبدالله الكعبي يجد ذلك التوافق مع الكلمة الشعرية وحقيقتها، بدءًا من إصداره الأول (كأن الوجوه تراني)، مرورًا بإصدار (إذا مسه الحب)، مع محطته الأخيرة إصدار (القارب الذي نسي البحر)، وقد توّج ذلك ما حققته مسيرته الشعرية من خلال ستة إصدارات، من بينها (النيرا ونجوم أخر) و(أوتار مهملة) و(ضمير المخمل)، فهو مسكون بالتجديد والتخيل ويعمل مع كل إصدار على تفعيل أدوات الابتكار لتكون أكثر توهجًا وبيانًا بين مسار الشعر وخصوصيته.
في هذا السياق يتحدث الكعبي عن علاقته بالشعر وتجربته مع التجديد ويقول: من خلال تجربتي أحاول أن أكون أكثر قربًا من تساؤلات عديدة لدي، فالشاعر في داخلي كطفل يحاول أن يتعرف على عالمه المحيط، وحشد كل أحاسيسه لاستيعاب العالم الخارجي والداخلي، يعيش قلقًا وجوديًّا باستمرار ربما الاضطراب بين العوالم هذه هو القلق، نحن نتكلم عن الشعر وهو من الأشياء التي تستعصي على التفسير، فكلما اقترب الشاعر من المعنى الحقيقي للشعر بدأت محنة التساؤلات الأكثر تعقيدًا.
ويتحدث الكعبي عن إصداره الشعري الأخير الصادر عن الجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء المعنون بـ (القارب الذي نسي البحر)، وهنا يوضح ما يميز واقعه الشعري وما أوجده ككاتب في سياق القصيدة الحديثة فيه، ويشير: في الحقيقة أنا مهووس بالتغيير والتجربة وأيضًا بالاستمرار على التراث والقديم، لا أحب الثورة على القديم ولكنني أحب الثورة على الرديء، وقد جاء (القارب الذي نسي البحر) ثورةً ليس على الشعر والشكل بل على الجمود، فالشاعر الحق هو من يحاول بناء عالم حرٍّ نقيب قائمة على الأصالة من جهة وعلى الإبداع من جهة أخرى، يحاول النص تتبع الحياة بكل ما فيها من جمود ومرونة، فالنص الذي يعتلي الدهشة هو ما أبحث عنه، ويبدو لي التجربة هنا جديدة ليس في الشكل بل في التجربة كما ترى فاليوم لا بد من التغير في داخلنا، لينعكس حتمًا في السطح.
ومن بين إصدارات الكعبي الشعرية أيضًا (كأنّ الوجوه تراني)، هنا يقترب من هذا الإصدار وموضع تجربته الشعرية فيه ويشير: هذا الإصدار تحديدًا أجده محاولة جادة في تجربة المغاير من الإبداع الشعري لدي، كانت محاولة كتابة قصيدة تفعيلة هادئة الإيقاع، غير مثقلة بأعباء وصوت الإيقاع، تلك تجربة مهمة لجيل متشبع بإيقاف التفعيلة وخاصة لصوت محمود درويش وأمل دنقل الذين تشبعت حناجر الشعراء به، بيد أن هناك محاولات لبناء صوت شعري مستقل وممتاز بالهدوء وخفة الموسيقى لدرجة تحريك أهذا شعر أم نثر، كانت تلك العصا التي مسكت بها من الوسط في هذا الإصدار، وكانت تلك الوجوه تنظر لي بحياء وبخفاء، ربما غردت خارج السرب ولكن بكل شجاعة أحسست أن الطريق التي سلكتها صحيحة، وإن كان الجميع يخالفني المسير.
ولأن لدى الكعبي حضورًا إيجابيًّا من خلال المسابقات الشعرية المحلية التي حقق فيها مراكز متقدمة؛ يفسر كيف يمكن أن تخدم المسابقات القصيدة الشعرية على المستوى المحلي والعربي تجربة الشاعر خاصة الحديثة منها: لست ضد الشهرة على العكس تمامًا، لكني ضد تأثر الشاعر بها فيكون أداة للحال والأنساق المضمرة، وقد يختفي مع الوقت صوتك النقدي لهذه الأنساق. ويؤكد: توقعك هذه المسابقات في فخ صعب ألا وهو فخ الابتذال، والجماهير بصفة خاصة تجرّك لهذا الفخ، وكم من شاعر لمع نجمه في مسابقات كثيرة جدًّا واليوم خَفَت شعره، كما لا بد من إضافة أمر مهم وهو الجمهور حينما يصفق لك ليس لأنك الفائز، بل لأن نصك لامسه، فالجمهور ذكي جدًّا بمجرد تسقط تجربتك يسقطك، لذلك أنا متصالح مع المسابقات، ولا أسعى إذا دخلتها إلا إلى نيل ما يمكنه أن يحسن الجيب إن وجد، وأما النقاد كما في المسابقات التلفزيونية يضعفون أمام رأي المخرج والمنتج.
ويملك الكعبي مهارات نقدية ذاتية، وهذا بسبب دراسته الأكاديمية لكنه لم يستثمرها، وهنا يفسر ذلك ويشير إلى نظرته حيث الواقع النقدي في سلطنة عُمان خصوصًا: من أجل أن تنتهي من دارسة ما تمامًا يصعب عليك التفرغ للكتابة النقدية، علمًا أنني اكتب بعض القراءات وفعلًا شرعت فيها وفي القريب العاجل سأنشرها تباعًا. أتمنى أن أكتب أكثر عن تجارب الشعراء والساردين العُمانيين، فلدينا تجارب جميلة تحتاج أن يسلط عليه الضوء سواء في الشعر أو السرد، ثم هناك ظاهرة الرحيل من عالم الشعر إلى الرواية وهذه ظاهرة أحاول أن أكتب عنها فقد بدأتْ تظهر بشكل لافت، ثم هناك أقلام نقدية جادة والساحة العُمانية تذخر بعدد كبير منهم.
في نهاية هذا التطواف الأدبي يقف الشاعر الكعبي حيث الإصدار (أوتار مهملة) ويشير إلى ما أراد أن يقوله هنا، وكيف جسّد روح القصيدة بين دفتي هذا الإصدار: حقيقة هي نصوص ذات طابع عمودي تميل للأواني المهملة مثل بحر المنسرح ومخلع البسيط الطويل والجديد والمجتث إلخ، هذه هي الأوتار المهملة التي حاولت أن أنبش هذا الترك وأن أبث الحياة فيها وأعزف على هذه الأوتار، وقد لاحظت أمرًا؛ أن العزف على المتروك هو كالكتابة على نص من شعر التفعيلة از قل قصيدة النثر فالعجيب في الأمر أن مستوى التفكير يختلف تمامَا عن التفكير العادي.
تعليق