رؤيتان لمسرحية واحدة.(5 نخلات حول بحيرة حمراء) أو(توقف) أكثرمسرحيات"منصورأبو شناف"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رؤيتان لمسرحية واحدة.(5 نخلات حول بحيرة حمراء) أو(توقف) أكثرمسرحيات"منصورأبو شناف"


    رؤيتان لمسرحية واحدة

    ( خمس نخلات حول بحيرة حمراء ) أو (توقف ) أكثر مسرحيات" منصور أبو شناف" حظاً في العروض قدمتها فرقة الجيل الصاعد بطرابلس بالتعاون مع" دار الفنون" من إخراج أحمد إبراهيم، وبالمركز العالي للمهن الموسيقية والمسرحية من إخراج أستاذ مادة الإخراج" د. عبدالكريم عبود " بالإضافة لمشاريع التخرج في كلية الفنون، وأيضاً قدمها المسرح الوطني/ بنغازي من إخراج " فرج أبوفاخرة " .
    النص يحكي سيرة زوجين بانتكاساتهما العاطفية والنفسية والسياسية والاجتماعية من خلال كلمة سحرية اعتبرها المفتاح السري لمضمون المسرحية (polygamy) أو تعدد الزوجات التي تصدر من خلال الزوج قائد الجيش المقعد العاجز_ عجزاً مادياً ومعنوياً_ وهو يطالع قاموسا للغة الإنجليزية. ظلت تتكرر هذه المفردة أكثر من مرة في النص ... وكما في أغلب نصوص منصور نلاحظ العلاقة العرجاء بين الرجل والمرأة علاقة تتأرجح بين العاطفة المجنونة والعنف إلى حد الجلد بمعنييه المجازي والواقعي .فهذه المسرحية وبعض أعماله الأخرى تذكرني ب"درس" و"كرسي" يونسكو، "فاند و وليز" أرابال ، "الأيام الحلوة" و "في انتظار جودو" لبيكت . مع إختلاف ظروف وأفكار كل من هذه الأعمال في طرح موضوعة التواصل والهروب للوهم أستطيع أن أقول هنا بأن شخصيات منصور شخصيات هاربة من واقعها الى الوهم، فنساء " كلام نساوين " يهربن الى دمية رجل، ورجل "عروس بالمواصفات" يهرب لدمية امرأة، وشخصيات " السعداء" تهرب الى نهر النسيان "الليتيوس"، وشخصيات "جالو" تهرب الى الشعوذة. أيضاً شخصيتي مسرحيتنا "توقف " تسير في نفس الطريق فهي تتغذى بالحلم وتهرب الى الوهم من خلال تداعيات انتكاساتهم ونسفها بالحلم ، الحلم الذي يجعل الأنثى الخصبة المتوهجة - الأرض - التي تذكرني ب(يرما)" لوركا" تحلم بالولد أمام رجل عاجز وتحلم بحديقة غناء . والوهم الذي يجعل الرجل العاجز يحلم بتعدد الزوجات، والوهم الذي يجعل قائد الجيش المهزوم يغني للعلا ، والمجد التليد ، والجيش العظيم، النص يسير بشكل دائري وهي تقنية لازمت منصور أبوشناف في العديد من أعماله فنص توقف يبدأ من حيت انتهى والعكس ، فهو لا يخلو من روح الدعابة والسخرية المرة ( الكوميديا السوداء ) ... دائما كنت أقول لمنصور: بأن نصوصه مقفلة لا تترك مجالاً لخيال المخرج فأنا أشفق دائما على أي مخرج يتعامل مع نصوصه فالمخرج هنا أمام خيارين إما أن ينفذ تعليمات النص بحذافيرها و في هذه الحالة يأخذ صفة مخرج منفذ وإما أن يضيف للنص بعض الحوارات أو بالتقديم والتأخير في سياق الحوار ، أو إلى إلغاء بعض الحوارات للاستعاضة عنها بالحركة . و بهذا يقع في محظور اختلاف اللغة المسرحية وإيقاعها، ولو أن الكاتب "أحمد بللو" - الذي أعتبره الأكثر فهما لنصوص منصور بحكم العلاقة الخاصة التي تربطه بمنصور ولكونه كاتباً - فاجأ الجميع عندما قدم النصوص الخمسة القصيرة بإيجاد صيغة تربط هذه النصوص عن طريق إضافة بعض الجمل أو من خلال( السينوغرافيا) وعناصر العرض الأخرى . ثمة حل ثالث بأن تتم التعديلات بوجود الكاتب وهذا الأمر شبه مستحيل فالقابض على منصور كالقابض على الماء .
    أنا هنا مع تجربتين للمرة الثانية تحدث في المسرح الليبي _على حد علمي _ عندما قدم المخرجان" محمد العلاقي" و"عبدالله الزروق"المسرحية اليتيمة ( الأقنعة) لمحمد عبدالجليل قنيدي برؤيتين مسرحيتين منذ أكثر من عشرين سنة . قدمت فرقة الجيل الصاعد بالتعاون مع دار الفنون مسرحية( توقف) من إخراج" أحمد إبراهيم" وقام بأداء الأدوار " محمد الطاهر" في دور عمر و" فاطمة غندور" في دور فاطمة . استطاع "أحمد إبراهيم" بنقلة ذكية ولماحة عندما استغنى عن(العلبة الإيطالية) هذه الخشبة التي تملي عليك شروطها ومتطلباتها، ليجعل مكان عرضه في فضاء حر . صالة ( دار الفنون ) بطرابلس وبأحدي الصالات كما عرضها في مهرجان إبراهيم الأسطى عمر بمدينة درنة . مما جعل هذه الرؤيا تعفيه من الكثير من الإرباكات في حال تعامله مع قاعة عرض مجهزة بالتقنية. فتعامل مع الصالة بشكل عفوي وشاعري وبسيط، مع قطع بسيطة من( الإكسسوار) صندوق يحتوي على بعض القطع ، مجسم أشبه بـ (الفزّاعة ) ، مشجب. وإضافة لاستغلال هذه القطع في العرض فقد أعتمدها المخرج أيضا ليحدد بها مجال الممثلين والمكان ،الأمر الذي ساعد الممثلين في الأداء براحة وعفوية في الإحساس مع إعفائهم من عناء توصيل الصوت لأخر متفرج في الصالة في حال تم العرض في قاعة مسرح. أيضا وضع الجلوس للمتفرجين بشكل دائري حول الممثلين مكن إشراكهم في اللعبة بجعلهم يشاركون الممثلين وجدانياً مما ساعد على روح التواصل بين المتلقي والمرسل ، الموسيقى كانت تنساب من كمان الفنان المطرب" خالد الزواوي "بتقاسيمه المنتقاة مما جعله هو وكمانه الشخصية الثالثة في المسرحية ، أداء الممثلين تلبس روح المكان وأحيانا يطغى الأداء المسرحي التقليدي - أداء العلبة الإيطالية - في بعض المقاطع. لم يتنبه المخرج لملابس المسرحية بالذات ملابس الممثلة فهي شخصية حارة يسيطر عليها الهاجس الجنسي والدموي أحياناً، نراها بفستان أزرق سماوي طويل يعطينا إيحاء بالصفاء والاستقرار والهدوء. كما لم يتنبه لعفوية ا لحوار وروح الدعابة في النص والتلقائية . أريد هنا أن أشيد بخبرة محمد الطاهر واهتمامه بالتفاصيل الصغيرة ولم يتناسى جلسة المعاق على الكرسي وكيفية وضع الرجلين ، فاطمة غندور في تجربتها الأولى تمكنت من مجاراة خبرة محمد الطاهر وأدائه ليكونا عنصرين متجانسين طيلة العرض . الحركة كانت بسيطة كما ينبغي لها أن تكون تماشياً مع روح مكان العرض . المخرج حافظ على النص الأصلي دون زوائد أو نقص ، كما حافظ على الإيقاع العام للعمل، وهذا وحده كفيل بخروج عرض لا يخلو من المتعة . هذه ليست التجربة الأولى للمخرج فقد أخرج أكثر من أربع أعمال إضافة إلى كونه ممثلا يتمتع بموهبة حقيقية. فكانت " توقف" البداية الحقيقية له كمخرج.... ومن المؤسف حقاً بأن هذا العرض لم يحظ بعروض كافية كعادة أغلب أعمالنا المسرحية وأيضاً لم يتم توثيقه مرئياً وهذا أمر سنعض أصابعنا عليه ندما في وقت لاحق، عندما نحاول أن نؤرخ لمسرحنا الليبي، كما ضاعت الكثير من الأعمال المسرحية في مهب ريح ولا شواهد لها في قاموسنا المرئي، وهذا أمر معني بصناع العمل وليس معني بالمؤسسة .
    * يأتي " فرج أبوفاخرة " ليغامر على مسرحية لاقت صدى طيباً لدى المهتمين بالمسرح، ويخوض التجربة في تحد مع ذاته أولاً ومع النص ثانياً وأخيراً تحد مع من شاهد العمل مسبقا مدفوعا ًبحب الفضول للمقارنة بين العرضين . أنا هنا لست في باب المفاضلة بينهما ولكني أحاول أن أطرح قراءة انطباعية لكل عمل ...." توقف" أبوفاخرة لاقت حظها من العروض فقد شاركت المسرحية في الدورة الثانية - وقد تكون الأخيرة - لمهرجان البيضاء للمسرح التجريبي ، وشاركت في العروض الموازية لأيام قرطاج المسرحية بتونس، كما عرضت في الملتقى الأول للمسرحيين بمدينة بنغازي ، المنظر عبارة عن ستارة من اللدائن المقوى الشفاف يتوسطها مدخل يفضي لخلفية سوداء اللون.. الفضاء الأمامي خال تماما. قبل أن ترتفع الإضاءة تدريجياً تنساب إلى مسامعنا جملة موسيقية معبرة ستلازمنا طيلة العرض ، لنرى المقعد ( ناصر الأوجلي ) على كرسي متحرك متشحاً بملابس تقترب كثيراً من السواد ، وفاطمة (حنان الشويهدي) بملابسها السوداء تزينها خيوط فسفورية مشعة.... المخرج هنا أشتغل على النص المكتوب عن طريق الإلغاء والتقديم والتأخير في بعض الجمل. مع ربط بعض الجمل التي تقال على مراحل بين الشخصيتين ..... ليبدأ بفاطمة بدلا عن عمر كما هو وارد في النص الأصلي متجاوزا ً التمهيد الذي أراه مهما في العرض .
    عمر: بوليجومي (polygamy)...... تعدد الزوجات .... بوليجومي . (polygamy)
    فاطمة: هل أنت بخير؟
    عمر: "لا يلتفت إليها".... بوليجومي (polygamy) تعدد الزوجات.
    فاطمة : هل تأخرت عليك ... كان الطريق مزدحماً... وكان ثمة.....
    عمر: بوليجومي .(polygamy)
    فاطمة : حادث.......
    عمر: تعدد الزوجات.
    فاطمة : حادث .... كان حادثاً مريعاً ..
    عمر : بوليجومي. (polygamy).
    فاطمة : أنت تهذي ..
    عمر : بوليجومي. (polygamy)
    فاطمة : " أنت...كان الضحية طفلاً ".... إلى أخر الحوار من هنا يبدأ فرج أبوفاخرة مسرحيته ، مضيفا عليها جملة فاطمة التي ترد في بداية الحوار" كان الطريق مزدحماً وكان ثمة حادث ... حادث مريع". أعتبر هذا الدخول لعمل من هذا النوع أشبه بالدخول القسري مما يؤثر سلباً على تعاطي الجمهور مع اللعبة المسرحية ، في الوقت الذي يحتاج العمل لفترة تمهيدية كافية لطرح أبعاد الشخصيات والتعريف بالمكان ..اختيار كلمة (polygamy) من قاموس للغة الإنجليزية من خلال شخصية عاجزة لها دلالاتها كما نرى في هذا المقطع من حوار المسرحية،عدم تواصل الشخصيات مع بعضها، أي لا توجد لغة مشتركة بينهما ف"ثمة برد، وثمة وحشة، الليل بارد، الليل موحش" - الدلالة جنسية هنا- وبالتالي ثمة غربة بين شخصيات المسرحية.المخرج اعتمد الحركة بديلاً للحوار في بعض المشاهد. مثل المشاهد المحكية عن الهزائم العربية بتكوين مشهد من خلال الشاشة في خلفية المسرح مصحوباً بمؤثرات قنابل ورصاص . ومشهد شرفة الشقة الذي جسد من خلال الشاشة أيضاً.....المخرج بذل مجهودا كبيراً في المحاولة للإستفاذة بالتقنية المتاحة حتى انه أستنفذ كل العناصر المتاحة له وأدخلها في العمل ، و أن الكثير منها لم تخدم العرض بل كان ضحيتها الحوار، الذي في كثير من الأحيان لم يصلنا في دوامة هذه" الزحمة" ، والمشكل هنا ليس من الممثلين بل كثرة المفردات البصرية والمؤثرات الصوتية كانت العائق الرئيس لتلاشي كثير من الجمل.الدخان الذي يأتينا قبل نهاية العرض بقليل ليملأ صالة العرض وليشكل عدم ارتياح بالنسبة للمتلقي، خاصة إذا كانت دلالة الدخان تشير إلى الضباب فليس هناك مايفيد في سياق العمل أي معنى للضباب . حركة الممثلين كانت تسير بين العنف والسرعة والتوثر في رسم الحركة . أستثني اشتغال المخرج على " الحبل " الذي يربط الشخصيتين بين مد وزجر والدوران لتبين العلاقة المتأرجحة بين الرفض والقبول ولتوضح بأن الشخصيتين ضحايا قدرهما المرسوم بشكل يخدم العرض. وأيضاً اشتغاله على مفردة (الجلد - الجنس) بحيث جسد الحركة بكرسي المقعد البارد لتعطيك إيحاء بالوهم ،و لو عمل المخرج على هاتين المفردتين " الجلد والحبل " مع الجملة الموسيقية المتكررة والمؤثرة ، إضافة لصوت الممثلين منبعثاً من جهاز التسجيل ، لحقق المخرج هدفه دونما عناء وبهدوء . أريد أن أسجل هنا بأن فرج أبوفاخرة لديه القدرة على التحكم في أدواته التقنية كمخرج وله القدرة على التعامل مع هذه العناصر، خاصة العرض الأخير في مسرح الفكر القومي فقد تمكن وبمجهودات مهندسي الصوت والإضاءة والديكور. وبالذات الموسيقى التصويرية التي ترجمت وبشكل دقيق مكنونات النص . و باقي الفريق الفني الذين توخوا الدقة والإتقان في هذه العملية الإبداعية. أذكر منهم" بريك درباش" و"نورالدين الشيخي"، فاعذروني إن لم أتمكن من معرفة بقية أفراد الفريق الفني، والممثلين . وأخيرا أشكر المخرج المثابر فرج أبوفاخرة على جرأته ومثابرته وهو أكثر المخرجين إنتاجاً لايسبقه في هذا الإنتاج إلا المخرج عبدا لله الزروق .و اريد أن اسجل شكري للفنان التشكيلي" عادل جربوع" الذي يحرص دائماً على توثيق العروض المسرحية في هذه المدينة وبمجهود فردي .
    المخرج / محمد القمودي......
يعمل...
X