شارلمان
(742 ـ 814م)
شارلمان Charlemagne ملك الفرنجة (771 ـ 800م)، مؤسس السلالة الكارولنجية التي حملت اسمه، وأول أباطرتها وأعظم حكامها. وشارلمان بالفرنسية تعني شارل الكبير. وهو معروف أيضاً باسم شارل الأول الكبير، بوصفه ملك فرنسا وامبراطور الامبراطورية الرومانية المقدسة.
مكان ولادته وتاريخها غير مؤكدين، لكن من المحتمل أنه ولد في نيسان 742 في آخن (Aix-La-Chapelle) Aachen وهو بكر والده، ملك الفرنجة «بيبان» الثالث المعروف أيضاً باسم بيبان القصير Pépin le Bref.
قسم والده مملكته بين ولديه، شارلمان وكارلومان Carloman، قبيل وفاته (768)، فكان نصيب شارلمان مقاطعات اوستراسيةAustrasie ونوسترية Neustrie ونصف أكيتانية. وعلى أثر وفاة أخيه كارلومان المفاجئة (771)، ضم شارلمان أقاليم أخيه: الألزاس وبورغونيا وبروفانس والنصف الثاني من أكيتانية إلى أملاكه، وانفرد بحكم مملكة الفرنجة كلها.
فيما بين 771 و800، شن شارلمان الحرب على جميع القوى المعاصرة المحيطة بمملكته. فاحتل مملكة لومبارديا Lombardieفي شمالي إيطاليا (773ـ 774)، وزار روما (800)، وأخضع سكسونيا، وقاد عدة حملات على هنغاريا (المجر) وإسبانيا إبان حكم العرب للأندلس، وحارب الباسك فيها. وضم بافاريا وأخضع قبائل الأفار Avars (في هنغاريا المعاصرة والنمسا العليا) إلى مملكته. أما ما تبقى من الإمارات الأفارية والدويلات السلافية الحديثة العهد في إقليم الدانوب، فأصبحت تتبع مملكة الفرنجة مع الاعتراف باستقلالها إلى حد ما. وكان يسعى من وراء ذلك إلى تحقيق ثلاثة أهداف بآن معاً هي حماية حدود بلاده، وتوسيع رقعة مملكته، ونشر المسيحية الكاثوليكية في معظم الدول الأوربية الغربية في مملكة واحدة. وفي أوج عظمته، أصبح شارلمان يحكم أوربا الغربية كلها باستثناء الجزر البريطانية وإيطاليا الجنوبية وصقلية. وحمل لقب «ملك الفرنجة واللومبارديين».
سلم شارلمان منذ وقت مبكر بأهمية الترابط بين السلطة الزمنية والكنيسة، فقد كان يكن احتراماً كبيراً للكنيسة، ويؤمن بواجب الملك في نشر المسيحية. وإذ كان يفرض سيادة السلطة الزمنية على الكنيسة، كان يعتقد أنه مسؤول أمام الله عن المسيحيين الذين يوكل أمرهم إليه. ولدى تتويجه امبراطوراً في كانون الأول عام 800، على يد البابا ليو الثالثLeo III ت(795ـ 816) كانت مملكته أوسع مملكة عرفها الغرب منذ القرن الرابع، وأدى ذلك إلى إحياء القسم الغربي من الامبراطورية الرومانية المقدسة، وبذلك أصبح العالم الروماني يتكون من امبراطوريتين: الفرنجية في الغرب وعاصمتها آخن (ايكس لا شابل)، والبيزنطية في الشرق وعاصمتها القسطنطينية. وفي عام 812 اعترف به الامبراطور البيزنطي ميشيل الأول امبراطوراً، أما عن علاقة شارلمان بهارون الرشيد فتعود إلى رواية أوربية وحيدة الجانب، ولا يوجد ما يؤكدها في المصادر العربية، وأغلب الظن أن بعض التجار العرب قد ظهروا في بلاط شارلمان وقدموا أنفسهم على أنهم رسل الخليفة العباسي إليه.
يعد عهد شارلمان في النهضة الكارولنجية، بمنزلة إحياء للتقاليد التوسعية والعلمية والتشريعية للامبراطورية الرومانية، فمع أن شارلمان كان أمياً، أولى للعلم والعلماء عناية خاصة، وزود امبراطوريته الواسعة بالمدونات القانونية، وعمل على إحياء الدراسات الأدبية، وبمساعدة العلماء الذين كانوا يتوافدون على بلاطه أسس مكتبة البلاط واهتم بجمع أعمال آباء الكنيسة والكتب القديمة، وخاصة المؤلفات اللاتينية القديمة من إيطاليا وغيرها من دول أوربا الغربية. ولكي يجعل شارلمان النهضة الكارولنجية نهضة حقيقية، استدعى إلى عاصمة امبراطوريته «آخن» جمعاً من كبار علماء عصره ومثقفيه من الأدباء والفلاسفة والمفكرين وعلماء اللاهوت، مثل الشاعر تيودولف الإسباني Theodulf، والنحوي بطرس البيزاوي، والمؤرخ بولس الشماس اللومبارديPaul Diacre، والإنكليزي إلكوين Alcuin، للاشتغال في أمور العلم والتعليم في مدرسة البلاط المشهورة التي أسسها في عاصمته، لتعليم أبنائه وأبناء كبار رجال حاشيته. وحظي التاريخ بمكانة مرموقة في النهضة الكارولنجية. إذ انتعشت فيها حركة التدوين التاريخي وتعددت أنواع كتابات التاريخ وفنونه، من مؤلفات تاريخية وكتب التراجم وسير القديسين والحوليات التاريخية، كما أخذ النمط القبلي للحكومة يزول، وبدأت تظهر أنماط جديدة للحكم، مثل تلك التي ميزت العصور الوسطى، وخاصة النظام الإقطاعي، فكانت النهضة التي شهدها عصره بداية لنهضة القرن الثاني عشر في أوربا الغربية، وإرهاصاً للنهضة الأوربية في العصر الحديث. وأصبح شارلمان من أشهر الشخصيات التي قادت أوروبة الغربية وأعادت تنظيمها في حقبة من أهم حقب العصور الوسطى وأشدها اضطراباً. وبرغم أن امبراطورية شارلمان بقيت حية بعد وفاة مؤسسها لمدة جيل من الزمن، فإن الممالك الفرنسية والألمانية في القرون الوسطى استمدت تقاليدها الدستورية من مملكة شارلمان.
أما عن صفاته الشخصية، فيوصف بأنه رجل قوي ومرح، ذكي ونشيط، شجاع ومستبد، واقعي ودقيق، مزيج من الجندي والريفي، متعلق بتقاليد شعبه، كان شارلمان يحب الترف والمسرات، والنشاط الرياضي والتعلم، أو على الأقل كان حريصاً على أن يقدم هذه الصورة عن نفسه. كان شارلمان يتكلم اللغة الفرنسيكية (وهي لغة ألمانية تكلمها فرنجة بلاد الغال)، ويلم باللغتين اللاتينية واليونانية. وفي أوربا القرون الوسطى عُدّ شخص شارلمان مثالاً لملك مسيحي وامبراطور.
صباح كعدان
شارلمان
(742 ـ 814م)
شارلمان Charlemagne ملك الفرنجة (771 ـ 800م)، مؤسس السلالة الكارولنجية التي حملت اسمه، وأول أباطرتها وأعظم حكامها. وشارلمان بالفرنسية تعني شارل الكبير. وهو معروف أيضاً باسم شارل الأول الكبير، بوصفه ملك فرنسا وامبراطور الامبراطورية الرومانية المقدسة.
مكان ولادته وتاريخها غير مؤكدين، لكن من المحتمل أنه ولد في نيسان 742 في آخن (Aix-La-Chapelle) Aachen وهو بكر والده، ملك الفرنجة «بيبان» الثالث المعروف أيضاً باسم بيبان القصير Pépin le Bref.
قسم والده مملكته بين ولديه، شارلمان وكارلومان Carloman، قبيل وفاته (768)، فكان نصيب شارلمان مقاطعات اوستراسيةAustrasie ونوسترية Neustrie ونصف أكيتانية. وعلى أثر وفاة أخيه كارلومان المفاجئة (771)، ضم شارلمان أقاليم أخيه: الألزاس وبورغونيا وبروفانس والنصف الثاني من أكيتانية إلى أملاكه، وانفرد بحكم مملكة الفرنجة كلها.
فيما بين 771 و800، شن شارلمان الحرب على جميع القوى المعاصرة المحيطة بمملكته. فاحتل مملكة لومبارديا Lombardieفي شمالي إيطاليا (773ـ 774)، وزار روما (800)، وأخضع سكسونيا، وقاد عدة حملات على هنغاريا (المجر) وإسبانيا إبان حكم العرب للأندلس، وحارب الباسك فيها. وضم بافاريا وأخضع قبائل الأفار Avars (في هنغاريا المعاصرة والنمسا العليا) إلى مملكته. أما ما تبقى من الإمارات الأفارية والدويلات السلافية الحديثة العهد في إقليم الدانوب، فأصبحت تتبع مملكة الفرنجة مع الاعتراف باستقلالها إلى حد ما. وكان يسعى من وراء ذلك إلى تحقيق ثلاثة أهداف بآن معاً هي حماية حدود بلاده، وتوسيع رقعة مملكته، ونشر المسيحية الكاثوليكية في معظم الدول الأوربية الغربية في مملكة واحدة. وفي أوج عظمته، أصبح شارلمان يحكم أوربا الغربية كلها باستثناء الجزر البريطانية وإيطاليا الجنوبية وصقلية. وحمل لقب «ملك الفرنجة واللومبارديين».
سلم شارلمان منذ وقت مبكر بأهمية الترابط بين السلطة الزمنية والكنيسة، فقد كان يكن احتراماً كبيراً للكنيسة، ويؤمن بواجب الملك في نشر المسيحية. وإذ كان يفرض سيادة السلطة الزمنية على الكنيسة، كان يعتقد أنه مسؤول أمام الله عن المسيحيين الذين يوكل أمرهم إليه. ولدى تتويجه امبراطوراً في كانون الأول عام 800، على يد البابا ليو الثالثLeo III ت(795ـ 816) كانت مملكته أوسع مملكة عرفها الغرب منذ القرن الرابع، وأدى ذلك إلى إحياء القسم الغربي من الامبراطورية الرومانية المقدسة، وبذلك أصبح العالم الروماني يتكون من امبراطوريتين: الفرنجية في الغرب وعاصمتها آخن (ايكس لا شابل)، والبيزنطية في الشرق وعاصمتها القسطنطينية. وفي عام 812 اعترف به الامبراطور البيزنطي ميشيل الأول امبراطوراً، أما عن علاقة شارلمان بهارون الرشيد فتعود إلى رواية أوربية وحيدة الجانب، ولا يوجد ما يؤكدها في المصادر العربية، وأغلب الظن أن بعض التجار العرب قد ظهروا في بلاط شارلمان وقدموا أنفسهم على أنهم رسل الخليفة العباسي إليه.
يعد عهد شارلمان في النهضة الكارولنجية، بمنزلة إحياء للتقاليد التوسعية والعلمية والتشريعية للامبراطورية الرومانية، فمع أن شارلمان كان أمياً، أولى للعلم والعلماء عناية خاصة، وزود امبراطوريته الواسعة بالمدونات القانونية، وعمل على إحياء الدراسات الأدبية، وبمساعدة العلماء الذين كانوا يتوافدون على بلاطه أسس مكتبة البلاط واهتم بجمع أعمال آباء الكنيسة والكتب القديمة، وخاصة المؤلفات اللاتينية القديمة من إيطاليا وغيرها من دول أوربا الغربية. ولكي يجعل شارلمان النهضة الكارولنجية نهضة حقيقية، استدعى إلى عاصمة امبراطوريته «آخن» جمعاً من كبار علماء عصره ومثقفيه من الأدباء والفلاسفة والمفكرين وعلماء اللاهوت، مثل الشاعر تيودولف الإسباني Theodulf، والنحوي بطرس البيزاوي، والمؤرخ بولس الشماس اللومبارديPaul Diacre، والإنكليزي إلكوين Alcuin، للاشتغال في أمور العلم والتعليم في مدرسة البلاط المشهورة التي أسسها في عاصمته، لتعليم أبنائه وأبناء كبار رجال حاشيته. وحظي التاريخ بمكانة مرموقة في النهضة الكارولنجية. إذ انتعشت فيها حركة التدوين التاريخي وتعددت أنواع كتابات التاريخ وفنونه، من مؤلفات تاريخية وكتب التراجم وسير القديسين والحوليات التاريخية، كما أخذ النمط القبلي للحكومة يزول، وبدأت تظهر أنماط جديدة للحكم، مثل تلك التي ميزت العصور الوسطى، وخاصة النظام الإقطاعي، فكانت النهضة التي شهدها عصره بداية لنهضة القرن الثاني عشر في أوربا الغربية، وإرهاصاً للنهضة الأوربية في العصر الحديث. وأصبح شارلمان من أشهر الشخصيات التي قادت أوروبة الغربية وأعادت تنظيمها في حقبة من أهم حقب العصور الوسطى وأشدها اضطراباً. وبرغم أن امبراطورية شارلمان بقيت حية بعد وفاة مؤسسها لمدة جيل من الزمن، فإن الممالك الفرنسية والألمانية في القرون الوسطى استمدت تقاليدها الدستورية من مملكة شارلمان.
أما عن صفاته الشخصية، فيوصف بأنه رجل قوي ومرح، ذكي ونشيط، شجاع ومستبد، واقعي ودقيق، مزيج من الجندي والريفي، متعلق بتقاليد شعبه، كان شارلمان يحب الترف والمسرات، والنشاط الرياضي والتعلم، أو على الأقل كان حريصاً على أن يقدم هذه الصورة عن نفسه. كان شارلمان يتكلم اللغة الفرنسيكية (وهي لغة ألمانية تكلمها فرنجة بلاد الغال)، ويلم باللغتين اللاتينية واليونانية. وفي أوربا القرون الوسطى عُدّ شخص شارلمان مثالاً لملك مسيحي وامبراطور.
صباح كعدان
(742 ـ 814م)
تمثال لشارلمان على حصانه |
مكان ولادته وتاريخها غير مؤكدين، لكن من المحتمل أنه ولد في نيسان 742 في آخن (Aix-La-Chapelle) Aachen وهو بكر والده، ملك الفرنجة «بيبان» الثالث المعروف أيضاً باسم بيبان القصير Pépin le Bref.
قسم والده مملكته بين ولديه، شارلمان وكارلومان Carloman، قبيل وفاته (768)، فكان نصيب شارلمان مقاطعات اوستراسيةAustrasie ونوسترية Neustrie ونصف أكيتانية. وعلى أثر وفاة أخيه كارلومان المفاجئة (771)، ضم شارلمان أقاليم أخيه: الألزاس وبورغونيا وبروفانس والنصف الثاني من أكيتانية إلى أملاكه، وانفرد بحكم مملكة الفرنجة كلها.
فيما بين 771 و800، شن شارلمان الحرب على جميع القوى المعاصرة المحيطة بمملكته. فاحتل مملكة لومبارديا Lombardieفي شمالي إيطاليا (773ـ 774)، وزار روما (800)، وأخضع سكسونيا، وقاد عدة حملات على هنغاريا (المجر) وإسبانيا إبان حكم العرب للأندلس، وحارب الباسك فيها. وضم بافاريا وأخضع قبائل الأفار Avars (في هنغاريا المعاصرة والنمسا العليا) إلى مملكته. أما ما تبقى من الإمارات الأفارية والدويلات السلافية الحديثة العهد في إقليم الدانوب، فأصبحت تتبع مملكة الفرنجة مع الاعتراف باستقلالها إلى حد ما. وكان يسعى من وراء ذلك إلى تحقيق ثلاثة أهداف بآن معاً هي حماية حدود بلاده، وتوسيع رقعة مملكته، ونشر المسيحية الكاثوليكية في معظم الدول الأوربية الغربية في مملكة واحدة. وفي أوج عظمته، أصبح شارلمان يحكم أوربا الغربية كلها باستثناء الجزر البريطانية وإيطاليا الجنوبية وصقلية. وحمل لقب «ملك الفرنجة واللومبارديين».
سلم شارلمان منذ وقت مبكر بأهمية الترابط بين السلطة الزمنية والكنيسة، فقد كان يكن احتراماً كبيراً للكنيسة، ويؤمن بواجب الملك في نشر المسيحية. وإذ كان يفرض سيادة السلطة الزمنية على الكنيسة، كان يعتقد أنه مسؤول أمام الله عن المسيحيين الذين يوكل أمرهم إليه. ولدى تتويجه امبراطوراً في كانون الأول عام 800، على يد البابا ليو الثالثLeo III ت(795ـ 816) كانت مملكته أوسع مملكة عرفها الغرب منذ القرن الرابع، وأدى ذلك إلى إحياء القسم الغربي من الامبراطورية الرومانية المقدسة، وبذلك أصبح العالم الروماني يتكون من امبراطوريتين: الفرنجية في الغرب وعاصمتها آخن (ايكس لا شابل)، والبيزنطية في الشرق وعاصمتها القسطنطينية. وفي عام 812 اعترف به الامبراطور البيزنطي ميشيل الأول امبراطوراً، أما عن علاقة شارلمان بهارون الرشيد فتعود إلى رواية أوربية وحيدة الجانب، ولا يوجد ما يؤكدها في المصادر العربية، وأغلب الظن أن بعض التجار العرب قد ظهروا في بلاط شارلمان وقدموا أنفسهم على أنهم رسل الخليفة العباسي إليه.
يعد عهد شارلمان في النهضة الكارولنجية، بمنزلة إحياء للتقاليد التوسعية والعلمية والتشريعية للامبراطورية الرومانية، فمع أن شارلمان كان أمياً، أولى للعلم والعلماء عناية خاصة، وزود امبراطوريته الواسعة بالمدونات القانونية، وعمل على إحياء الدراسات الأدبية، وبمساعدة العلماء الذين كانوا يتوافدون على بلاطه أسس مكتبة البلاط واهتم بجمع أعمال آباء الكنيسة والكتب القديمة، وخاصة المؤلفات اللاتينية القديمة من إيطاليا وغيرها من دول أوربا الغربية. ولكي يجعل شارلمان النهضة الكارولنجية نهضة حقيقية، استدعى إلى عاصمة امبراطوريته «آخن» جمعاً من كبار علماء عصره ومثقفيه من الأدباء والفلاسفة والمفكرين وعلماء اللاهوت، مثل الشاعر تيودولف الإسباني Theodulf، والنحوي بطرس البيزاوي، والمؤرخ بولس الشماس اللومبارديPaul Diacre، والإنكليزي إلكوين Alcuin، للاشتغال في أمور العلم والتعليم في مدرسة البلاط المشهورة التي أسسها في عاصمته، لتعليم أبنائه وأبناء كبار رجال حاشيته. وحظي التاريخ بمكانة مرموقة في النهضة الكارولنجية. إذ انتعشت فيها حركة التدوين التاريخي وتعددت أنواع كتابات التاريخ وفنونه، من مؤلفات تاريخية وكتب التراجم وسير القديسين والحوليات التاريخية، كما أخذ النمط القبلي للحكومة يزول، وبدأت تظهر أنماط جديدة للحكم، مثل تلك التي ميزت العصور الوسطى، وخاصة النظام الإقطاعي، فكانت النهضة التي شهدها عصره بداية لنهضة القرن الثاني عشر في أوربا الغربية، وإرهاصاً للنهضة الأوربية في العصر الحديث. وأصبح شارلمان من أشهر الشخصيات التي قادت أوروبة الغربية وأعادت تنظيمها في حقبة من أهم حقب العصور الوسطى وأشدها اضطراباً. وبرغم أن امبراطورية شارلمان بقيت حية بعد وفاة مؤسسها لمدة جيل من الزمن، فإن الممالك الفرنسية والألمانية في القرون الوسطى استمدت تقاليدها الدستورية من مملكة شارلمان.
أما عن صفاته الشخصية، فيوصف بأنه رجل قوي ومرح، ذكي ونشيط، شجاع ومستبد، واقعي ودقيق، مزيج من الجندي والريفي، متعلق بتقاليد شعبه، كان شارلمان يحب الترف والمسرات، والنشاط الرياضي والتعلم، أو على الأقل كان حريصاً على أن يقدم هذه الصورة عن نفسه. كان شارلمان يتكلم اللغة الفرنسيكية (وهي لغة ألمانية تكلمها فرنجة بلاد الغال)، ويلم باللغتين اللاتينية واليونانية. وفي أوربا القرون الوسطى عُدّ شخص شارلمان مثالاً لملك مسيحي وامبراطور.
صباح كعدان
شارلمان
(742 ـ 814م)
تمثال لشارلمان على حصانه |
مكان ولادته وتاريخها غير مؤكدين، لكن من المحتمل أنه ولد في نيسان 742 في آخن (Aix-La-Chapelle) Aachen وهو بكر والده، ملك الفرنجة «بيبان» الثالث المعروف أيضاً باسم بيبان القصير Pépin le Bref.
قسم والده مملكته بين ولديه، شارلمان وكارلومان Carloman، قبيل وفاته (768)، فكان نصيب شارلمان مقاطعات اوستراسيةAustrasie ونوسترية Neustrie ونصف أكيتانية. وعلى أثر وفاة أخيه كارلومان المفاجئة (771)، ضم شارلمان أقاليم أخيه: الألزاس وبورغونيا وبروفانس والنصف الثاني من أكيتانية إلى أملاكه، وانفرد بحكم مملكة الفرنجة كلها.
فيما بين 771 و800، شن شارلمان الحرب على جميع القوى المعاصرة المحيطة بمملكته. فاحتل مملكة لومبارديا Lombardieفي شمالي إيطاليا (773ـ 774)، وزار روما (800)، وأخضع سكسونيا، وقاد عدة حملات على هنغاريا (المجر) وإسبانيا إبان حكم العرب للأندلس، وحارب الباسك فيها. وضم بافاريا وأخضع قبائل الأفار Avars (في هنغاريا المعاصرة والنمسا العليا) إلى مملكته. أما ما تبقى من الإمارات الأفارية والدويلات السلافية الحديثة العهد في إقليم الدانوب، فأصبحت تتبع مملكة الفرنجة مع الاعتراف باستقلالها إلى حد ما. وكان يسعى من وراء ذلك إلى تحقيق ثلاثة أهداف بآن معاً هي حماية حدود بلاده، وتوسيع رقعة مملكته، ونشر المسيحية الكاثوليكية في معظم الدول الأوربية الغربية في مملكة واحدة. وفي أوج عظمته، أصبح شارلمان يحكم أوربا الغربية كلها باستثناء الجزر البريطانية وإيطاليا الجنوبية وصقلية. وحمل لقب «ملك الفرنجة واللومبارديين».
سلم شارلمان منذ وقت مبكر بأهمية الترابط بين السلطة الزمنية والكنيسة، فقد كان يكن احتراماً كبيراً للكنيسة، ويؤمن بواجب الملك في نشر المسيحية. وإذ كان يفرض سيادة السلطة الزمنية على الكنيسة، كان يعتقد أنه مسؤول أمام الله عن المسيحيين الذين يوكل أمرهم إليه. ولدى تتويجه امبراطوراً في كانون الأول عام 800، على يد البابا ليو الثالثLeo III ت(795ـ 816) كانت مملكته أوسع مملكة عرفها الغرب منذ القرن الرابع، وأدى ذلك إلى إحياء القسم الغربي من الامبراطورية الرومانية المقدسة، وبذلك أصبح العالم الروماني يتكون من امبراطوريتين: الفرنجية في الغرب وعاصمتها آخن (ايكس لا شابل)، والبيزنطية في الشرق وعاصمتها القسطنطينية. وفي عام 812 اعترف به الامبراطور البيزنطي ميشيل الأول امبراطوراً، أما عن علاقة شارلمان بهارون الرشيد فتعود إلى رواية أوربية وحيدة الجانب، ولا يوجد ما يؤكدها في المصادر العربية، وأغلب الظن أن بعض التجار العرب قد ظهروا في بلاط شارلمان وقدموا أنفسهم على أنهم رسل الخليفة العباسي إليه.
يعد عهد شارلمان في النهضة الكارولنجية، بمنزلة إحياء للتقاليد التوسعية والعلمية والتشريعية للامبراطورية الرومانية، فمع أن شارلمان كان أمياً، أولى للعلم والعلماء عناية خاصة، وزود امبراطوريته الواسعة بالمدونات القانونية، وعمل على إحياء الدراسات الأدبية، وبمساعدة العلماء الذين كانوا يتوافدون على بلاطه أسس مكتبة البلاط واهتم بجمع أعمال آباء الكنيسة والكتب القديمة، وخاصة المؤلفات اللاتينية القديمة من إيطاليا وغيرها من دول أوربا الغربية. ولكي يجعل شارلمان النهضة الكارولنجية نهضة حقيقية، استدعى إلى عاصمة امبراطوريته «آخن» جمعاً من كبار علماء عصره ومثقفيه من الأدباء والفلاسفة والمفكرين وعلماء اللاهوت، مثل الشاعر تيودولف الإسباني Theodulf، والنحوي بطرس البيزاوي، والمؤرخ بولس الشماس اللومبارديPaul Diacre، والإنكليزي إلكوين Alcuin، للاشتغال في أمور العلم والتعليم في مدرسة البلاط المشهورة التي أسسها في عاصمته، لتعليم أبنائه وأبناء كبار رجال حاشيته. وحظي التاريخ بمكانة مرموقة في النهضة الكارولنجية. إذ انتعشت فيها حركة التدوين التاريخي وتعددت أنواع كتابات التاريخ وفنونه، من مؤلفات تاريخية وكتب التراجم وسير القديسين والحوليات التاريخية، كما أخذ النمط القبلي للحكومة يزول، وبدأت تظهر أنماط جديدة للحكم، مثل تلك التي ميزت العصور الوسطى، وخاصة النظام الإقطاعي، فكانت النهضة التي شهدها عصره بداية لنهضة القرن الثاني عشر في أوربا الغربية، وإرهاصاً للنهضة الأوربية في العصر الحديث. وأصبح شارلمان من أشهر الشخصيات التي قادت أوروبة الغربية وأعادت تنظيمها في حقبة من أهم حقب العصور الوسطى وأشدها اضطراباً. وبرغم أن امبراطورية شارلمان بقيت حية بعد وفاة مؤسسها لمدة جيل من الزمن، فإن الممالك الفرنسية والألمانية في القرون الوسطى استمدت تقاليدها الدستورية من مملكة شارلمان.
أما عن صفاته الشخصية، فيوصف بأنه رجل قوي ومرح، ذكي ونشيط، شجاع ومستبد، واقعي ودقيق، مزيج من الجندي والريفي، متعلق بتقاليد شعبه، كان شارلمان يحب الترف والمسرات، والنشاط الرياضي والتعلم، أو على الأقل كان حريصاً على أن يقدم هذه الصورة عن نفسه. كان شارلمان يتكلم اللغة الفرنسيكية (وهي لغة ألمانية تكلمها فرنجة بلاد الغال)، ويلم باللغتين اللاتينية واليونانية. وفي أوربا القرون الوسطى عُدّ شخص شارلمان مثالاً لملك مسيحي وامبراطور.
صباح كعدان