مسرحية "السندياد"
في دائرة الضوء
بقلم / يوسف محمد بالريش
عرضت " فرقة المسرح الوطني " بطرابلس مسرحية " السندباد " من تأليف " شوقي خميس " وإخراج الفنان " فتحى كحلول " وهي العمل الأول الذي قدمته خلال موسمها المسرحي لعام 1991م ، ولقد ارتأينا في هذه الأسطر أن نقدم إضاءة نقدية على هذا العمل لإيماننا بأن نجاح العمل لا يكتمل إلا بمثل هذه الإضاءات التي تساهم دون شك في إثراء حركية الإبداع .
النص
طرح النص إشكالية أداة الحكم طرحاً حاول من خلاله أنْ يؤطر جوانب هذه الإشكالية تأطيراً شموليا لبحث جوانبها ، حيث استهل الكاتب مسرحيته استهلالاً جنائزيا عبر الضلع الأول في هذا الإطار وهو تلك الاستغاثة الصادرة من أفواه المقهورين في ليل الاستعباد التي كانت تبحث عمن يهدم جدران العبودية تلك . واستجابة لتلك الهمهمات المتأوهة يأتي " السندباد " ذلك المنقذ الذي لم يحتمل سماع تلك الهمهمات والسكوت عليها فهبَّ من وسط الجماهير بكل عنفوان القوة والشباب ليخلص المعذبين المقهورين وليكوِّن بذلك الضلع الثاني في إطار القضية المطروحة لكنه عندما يقترب من بؤرة الحكم تواجهه السلطة المتسلطة بكل أساليبها القمعية سواء كانت تلك في صورة أحزاب أو برلمانات أمْ في صورة هيمنة دينية ذات عمق اجتماعي فتلقى به السلطة في غياهب السجون ودياجير الظلم لتعبده بعد فترة زمنية إلى المجتمع الذي حاول السندباد نجدته ومساعدته على تهديم الجدران وبذلك صار السندباد رقماً مجنوناً وبعد ذلك يحاول الكاتب أنْ يُكمل إطاره الذي وضعه لقضية الحرية عبر تجذر الايمان بالثورة في قلب هذا السندباد الذي يخرج من السجن مجنوناً بقرار سلطوى لكنه عاقل بفعل ذلك الإيمان الذي أحيت توهجه جذوة الحب الذي منحته الأم الثورة والحلم ، وبعد أن يستعيد السندباد توازنه النفسي والعاطفي يقرر محاربة السلطة بسلاحها ، فكان ان لبس قناع المكر والخديعة بدل المواجهة المباشرة في إطار جماهيري تحريضي ويُفلح عن طريق ذلك الأسلوب في حرق السلطة وأقنعتها المزيفة المتمثلة في بُنيتها الهيكلية ويعود بعد ذلك إلى بوتقته الجماهيرية التي أفرزته بطلاً منتصراً .
الملخص السابق للنص هو الذي نتج عن الرؤية التي ارتآها المخرج للنص ولم يكن بلورة لرؤية الكاتب، ذلك أن الكاتب أشار إلى جدران تحتاج لعملية هدم :- ( من يهدم الجدران ؟) ومن ناحية أخرى وفي إطار حوار السندباد مع الجموع التي كانت تبحث عن الخلاص قال لهم في معرض سرده لمسببات عبوديتهم :-
- لأنكم نسيتم الأذان .
وحيث ان الأذان كماهو معروف موضوعيا وسيلة الاتصال بين الخالق والمخلوق حسبما يراه الدين الإسلامي فإن هذا يعنى أن النص كان يطرح قضية فئة محددة من البشر أي تلك التي عناها الأذان ، أما الجانب الثالث الذي أراه دليلاً على اختلاف رؤيتى الكاتب والمخرج فهو التناقض بين نداء الهمهمات المطالبة بهدم الجدران والتي كانت فوق الركح وهي صادرة عن الجماهير الكادحة وخروج السندباد من صُلب امتداد تلك الجماهير وأعنى به جمهور المتفرجين الذين كانوا جزءاً من النص المسرحي حسب الرؤية الإخراجية ، فهل كان الاختلاف بين الجماهيرية حاداً إلى هذه الدرجة من التناقص؟؟خصوصاً ان السندباد ترك جزءاً من زيه المسرحي لدى فرد من المتفرجين وصعد الركح ببقية الزى الذي يعنى بالضرورة وحدة الانتماء الجغرافي المسرحي يضاف إلى ذلك مجموعة المقاطع الغنائية التي أكدت تلك الحالة وإضافة اسم شخصية أعتقد ان الكاتب لم يجعلها ضمن شخصياته وهو إسم مصاص الدماء "ريجان " الذي ما ان ذكر الممثل السندباد اسمه حتى ضجت القاعة بالتصفيق فهل كان التصفيق هنا للاستهجان أم الإعجاب وهو أسلوب يحتاج إلى دراسة قبل الزج به في أي نص مسرحي أو غيره .
مما سبق أخلص إلى ان النص المكتوب يختلف موضوعيا عن النص المسرح وهذا يدفعنا إلى طرح السؤال التالي :
هل مهمة المخرج المسرحي تفسير النص أم أن مهمته كتاب نص مسرحي جديد ؟؟
إننى شخصياً أرى أن مهمة المخرج هي تعميق فهم النص المسرحي المكتوب بهدف تعميق رؤية الكاتب إلى موضوع مسرحيته إذا توفر شرط أساسي هو تطايق الموقف الأخلاقي من الموضوع تطابقاً تاماً وبذلك ينجح المخرج في تقديم عمل مسرحي يؤدي دوره في بث الوعي بين الجمهور .
الإخراج
أولاً : المكان ( المناظر)
قام بتصميم المناظر الفنان المبدع " محمد شعبان " الذي استمد من أقنعة الدجل قناعاً كبيراً جعله مسرحاً لأحداث المسرحية وهذا المسرح كان بإمكانه أن يكون فوق كوكب الأرض لولا تدخل عنصر الملابس ، هذا من الناحية الموضوعية ، أما من الناحية الجمالية فقد كان هذا القناع أشبه بمنحوتة عكست فراغ الحياة الدنيا وخواءها من الأحاسيس الإنسانية وكان بإمكان لحظات السمو أن ترتقى فوق أقنعة الزيف بدل ارتقائها درجات السلالم الخشبية التي كانت مكملة لعنصر المكان .
ثانياً :- الزمان " الإضاءة والملابس ".
يتجسد الزمان في مسرحية " السندباد" بعدة وسائل وقد اعتمد المخرج على عاملين أساسيين هما الإضاءة والملابس حيث قامت الإضاءة بجعل الزمن المسرحي للمسرحية زمناً نضالياً ذا أبعاد نفسية فكانت المرحلة الأولى مرحلة الكآبة النفسية التي يعيشها الكادحون ثم انتقلت إلى لحظة إشراق عند بدء التوهج الثوري للسندباد ثم تراجعت إلى مرحلة الكآبة النفسية المحُبطة التي استولت على أغلب المساحة الزمنية لعرض المسرحية ثم عادت لتسترجع توهجها في لحظات اللقاء الحميمي للسندباد بالوطن الأم والثورة ولأمل ثم صارت مترعة بالثورة عند مرحلة حرق الأقنعة لتستعيد توهجها حتى التألق عند انتصار السندباد ، ثم حاول المخرج أن يحدد الزمان بأداة أخرى هي الملابس وبذلك أضاف بعداً توقيتياً للحالة الزمنية للمسرحية فجعل أحداث مسرحيته تمتد عبر الفترة ما بعد العصر الحجرى الثاني أي عصر الحضارة المدنية الأول وحتى عصر الفضاء الكوني الذي نعتقد أنه أرقى مراحل الحضارة الإنسانية وهو ما جعلني أشير إلى مكان المسرحية حينما قلت إنه كان يمكن ان يكون فوق كوكب الأرض لولا عنصر الملابس وهذا ناتج عن الشكل الذي احتوى الحالة الزمنية وجعل من ملابس عصر الفضاء الكوني اداة من أدوات بناء المسرحية إذاً وبسبب بعض التناقض الذي احتوى الأدوات المسرحية ابتعدت المسرحية نسبياً عن موضوعيتها ذلك أن ما نعتقده حالة استعباد سادت العصر الحجرى الثاني هو اعتقاد لم يكن الإنسان البدائي يعيشه ومن المؤكد الا يعيشه إنسان عصر الفضاء الكوني وهذا يعنى ان المخرج لأي عمل مسرحي لابد أن يضع إطاراً لبعده الزماني من خلال عنصري الضوء والملابس حتى يمكنه الوصول إلى غايته في قلوب المتفرجين والاستغناء عن الأدوات التي تتوه المتفرج وتجعله يركض نحو مرجعيته التاريخية حول التطور الحضاري الأمر الذي يحدث لديه نوعاً من التشتت الذهني ، وكذلك إبعاد الإضافات الجمالية غير الموضوعية مثل استخدام خيال الظل في هذه المسرحية في غير موقعه الصحيح ، ذلك أن استخدام التقنية المسرحية والجماليات المفرطة يضيف إلى العمل بهرجة شكلية على حساب الإبداع الذي هو جوهر الموضوع .
ثالثاً :الموضوع "الحركة"
ان الهدف من الحركة على الركح هو إيصال حوار الموضوع إلى المتفرج وهذا يستوجب توفر العناصر التالية :-
أ- الحوار من حيث كونه نسيجاً موضوعياً يفضى إلى إيصال فكرة الكاتب إلى المتفرج بُغية إحداث رد الفعل المناسب .
ب - الإلقاء باعتباره أداة توصيل للحوار وهذا يعنى أن الحوار الجيد قد يمنع استيعابه إلقاء رديء.
ج- المؤثرات الصوتية سواء كانت في صورة جُمل موسيقية أو مقاطع غنائية أو ايقاعات تعبيرية .
وفي مسرحية " السندباد " تميز الحوار بالحيوية التي تُبعد الإحساس بالملل والرتابة وكانت عباراته واضحة في تضمين أفكارها أما الإلقاء فقد عانى من التسرع عند بعض الممثلين وخصوصاً العنصر النسائي بينما استطاعت الحان الفنان " علي ماهر " أن تتألق عبر أداء الفنان " علي الشول ؛ الذي نتمنى له كل التوفيق ونرجو ألا يتحول إلى منشد فقط لأنه يملك الكثير من الإمكانات التمثيلية الإبداعية التي يجب ألا يُغفلها أي مخرج .
أما العنصر الاخر للحركة مسرحية " السندباد " فهو الإيماءة الجسدية والانفعال العصبي الذي يؤدى إلى التنقل فوق الركح بموضوعية وهنا برزت حالة من الإبداع لدى المخرج الفنان " فتحي كحلول " الذي استطاع ان يوجد علاقة متناغمة بين الحجم والكتلة والتوازن والتوافق الحركي للممثلين أفراداً وجماعات رغم أن الركح عانى بعض الاكتظاظ المكاني في بعض المشاهد .
لقد أفرزت مسرحية " السندباد" مجموعة من المواهب مثلما أكدت موهبة جميع المبدعين كل في إطار عمله ، ومن هذه المواهب :
1- "ربيعة بن بركة " في تصميم الملابس .
2- "طارق العجيلي " كممثل يملك قدرة ايمائية إبداعية الأمر الذي يؤهله إلى ان يصبح ممثلاً ناجحاً .
3- "مهيبة نجيب " كممثلة مسرحية واعدة إذا تخلصت من سيطرة العدسة المرئية وحاولت التعامل مع الحوار المسرحي بشكل أكثر دقة وإلقاءً كذلك سجلت المسرحية " السندباد " عودة الفنانة الكبير سعاد الحداد إلى الركح الذي افتقد لمساتها الإبداعية ردحاً من الزمن .
هناك نقطة أحب أن أشير إليها تتعلق بالفنان " علي القبلاوي" الذي يملك الكثير من الإمكانيات المسرحية لكنه يحتاج إلى مخرج يُخرجه من الشخصية النمطية إلى الشخصية المسرحية المركبة وهو قادر بلا شك على ذلك .
وأخيراً مع كل حبة عرق سُكبت لتقديم هذا العمل المسرحي نوجه تحية وفاء ومودة لكل المبدعين المسرحيين الذين يحاولون إرساء تقاليد مسرحية راسخة في ثرى الوطن العظيم .