احداث (تنظيمات) Al-Ahdath

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • احداث (تنظيمات) Al-Ahdath

    الأحداث (تنظيمات-)

    احداث (تنظيمات)

    Al-Ahdath - Al-Ahdath

    الأحداث (تنظيمات -)

    يطلق مصطلح «تنظيمات الأحداث» في التاريخ الإسلامي على جماعات من قوات شعبية تطوعية مسلحة شبه عسكرية ظهرت في بلاد الشام ما بين القرن الرابع وأواسط القرن السادس للهجرة (ق 10-12م)، وكان لها شأن كبير في الكثير من مدنها. فقد عرفت بلاد الشام جماعات شعبية شبه عسكرية منذ أواسط القرن الثالث للهجرة ق 9م كانت تتطوع للحالات الطارئة، وكان وجودها مؤقتاً بحسب مقتضيات الحال، ثم غدت دائمة بمرور الأيام فكونت ما يشبه الحرس الشعبي المحلي في مدينة دمشق وضواحيها وفي حلب وغيرها. وكانت لها مهمة مزدوجة هي حفظ الأمن الداخلي في حالات الطوارئ تعزيزاً لرجال الشرطة والعسس، أو القيام بأعبائهم في غيابهم، والدفاع عن المدينة جنباً إلى جنب مع الجند النظامي أو من دونه أحياناً. وقد تكون هذه التنظيمات إلى جانب حاكم البلد أو عليه بحسب الظروف. وتشير المصادر إلى أن الأحداث في القرن الثالث للهجرة كانوا حرساً لأمير الشام من الطولونيين. وليس من الواضح إن كان هؤلاء جماعات شعبية مسلحة ثم ألحقوا بحرس الأمير أم أن نواتهم الأولى كانت في البداية ممن اختيروا لخدمة الأمير ثم أهملوا فتحولوا إلى جماعة شعبية مسلحة تعمل مستقلة من أجل مصالحها.
    شهد القرن الرابع للهجرة ق 10م ذروة نشاط الأحداث وقوتهم في الشام، واستمر نشاطهم هذا إلى أواخر القرن السادس، وكانت أوضاع البلاد آنذاك مواتية لبقاء تنظيمات الأحداث ونموها وازدياد نفوذها. فقد كان الأمن مزعزعاً والوضع السياسي غير مستقر. وكان النزاع على أشده بين العباسيين والفاطميين والقرامطة والروم من أجل السيطرة على أجزاء من الشام، ولكن الغلبة كانت فيه للفاطميين أكثر الوقت. وبرز الأحداث في ظل هذه الأوضاع قوة ذات شأن يعبر نشاطها عن رفضها السيطرة الخارجية وعن طموحها إلى إقامة حكم محلي على أسس شعبية، وكان من مظاهر هذا النشاط الصراع الطويل الأمد بين تنظيمات الأحداث وجيوش الفاطميين شهدت دمشق في أثنائها ثورات عنيفة من بينها:حركة ابن عصودا وأخيه إسحاق، وثورتا صدقة الشوا وأحمد الجسطار 358هـ/968م وثورة ابن المارود 363-364هـ/974-975م وثورة قسام التراب 365-373هـ/ 976-983م، وهي أشدها عنفاً وأطولها أمداً، وثورة الدهيقين 388هـ/998م وثورة محمد الجزار 412هـ/ 1021م، كما شهدت مدينة صور ثورة العلاّقة الملاح 388هـ/998م.
    كذلك شهدت المناطق الشمالية من الشام بعد أن خضعت للنفوذ السلجوقي ثورة بركات ابن فارس الفوعي المعروف بالمجن في حلب على يوسف بن آبق سنة 489هـ/ 1095م.
    من المرجح أن هذه التنظيمات لم تتكون نتيجة جهد واع قصد منه هدف معين ولكنها جاءت عفوية استجابة لظروف سياسية واقتصادية واجتماعية صعبة كانت تعيشها البلاد في ذلك الحين، وربما تأثر نشوء تنظيم الأحداث في الشام بإحدى مؤسستين كانتا معروفتين من قبل هما: الفتيان والعيارون في العراق وفارس، وسرايا الجهاد في العواصم والثغور، لوجود تماثل كبير بين حركة العيارين أو الشطار أو الفتيان في العراق وحركة الأحداث في الشام. كما يلاحظ الشبه الكبير بين هؤلاء الأحداث وحركة الحرافيش والزعّر اللاحقة في مصر. وكل هذه الحركات تعبير عن معارضة شعبية للقوى السياسية المسيطرة، ودفاع عن مصالح العامة في وجه الخطر الخارجي، وجميعها ظاهرات احتجاج وتمرد على ظروف وأوضاع ضاغطة وعلى السلطة التي تستغل تلك الأوضاع. ويشهد على التماثل في طبيعة حركات أحداث الشام وشطار العراق وحرافيش مصر تلك النعوت التي ينعت بها المؤرخون أفراد هذه التنظيمات وأعمالهم، وتشابه المنبت الطبقي لأعضائها، وأنها حركات احتجاج عنيفة دعامتها العامة من الناس في مواجهة المستغلين وعلى رأسهم السلطة السياسية.
    كان لجماعات الأحداث تنظيمات وقيادات وروابط بين أفرادها تجعلها أقرب ما تكون من المليشيات الشعبية المسلحة في مفهوم العصر الحاضر، ولكنها لم تكن على قدر عال من التنظيم والربط المحكم مما يجعل إطلاق مصطلح «التنظيم» أو «المنظمة» عليها من قبيل المجاز فقط. وقد استعمل مصطلح «الأحداث» في حالات كثيرة دلالة على الذين يثورون على الحاكم أو إشارة إلى العامة من الناس. ولم يكن أعضاء هذه التنظيمات متجانسين طبقياً ولا مهنياً ولا من حيث السكن، ولم تكن مجموعاتهم كذلك، وكان من شروط العضوية في جماعة الأحداث العزوبة والشباب والشجاعة والمروءة والإخلاص للجماعة وتحمل المشاق والتعذيب. وغالباً ما كان أفراد الأحداث من العامة أو الرعية وكذلك شأن بعض رؤسائهم، وأشهرهم قسام الحارثي التراب الذي كان يعمل «زبالاً» في دمشق، والمجن بركات بن فارس الفوعي الذي كان لصاً من الشطار وقاطع طريق من زعّار حلب، وقد أنصفهم بعض المؤرخين فوصفوهم بالشهامة والشجاعة والعدل.
    وكان لأحداث كل مدينة عدة تنظيمات لكل منها رئيسه ونظامه وأعرافه وتنضوي جميعها تحت زعامة قائد واحد، ولكل تنظيم أعلامه وأبواقه وشعاراته ولديهم نظام ترقية وتدرج في المراتب، ولكل تنظيم منطقة نفوذ على حي من الأحياء، ويعرف أفراده باسم حُمّال السلاح، ولديهم قدر من التدريب العسكري والمهارة في القتال.وكان عدد تنظيمات الأحداث في دمشق عندما نكبها القائد الفاطمي جيش بن الصمصامة سنة 389هـ/ 999م اثني عشر تنظيماً لكل منها رئيس ولها كلها رئيس عام، وكان الرئيس يختار عادة لمؤهلاته ولصفاته التي تفوق مالدى الآخرين من شجاعة وإقدام وشهامة وقوة وصبر ومقدرة على القيادة والتنظيم. وكان عدد الأحداث في كل مدينة يراوح بين بضع مئات وبضعة آلاف، وكانت دمشق تضم العدد الأكبر منهم على الدوام، أما أشهر مدن الشام الأخرى التي تألفت فيها جماعات الأحداث فهي حلب وصور وحمص وبعلبك وعسقلان، وربما كان هناك جماعات منهم في الرملة وطرابلس وأنطاكية لتشابه الظروف الحياتية في هذه المدن وفقدان الأمن. ومن الصفات التي أطلقها المؤرخون على هذه الجماعات: العيارون والشطار والغوغاء، والأوباش، والدعّار،والزعّار، واللصوص، والحرامية، والمشالح، وأهل الشره، وأهل الشر، وأهل الشر والفساد، وطلاب الشر، وطلاب الباطل، وحمال السلاح، وقطاع الطرق، والرعية، والعوام، وغير ذلك، وبعض هذه الأوصاف صحيح في أساسه مع التسليم بوجود شيء من المبالغة. فقد تداخلت في مسلك الأحداث أعلى القيم والفضائل وأسوأ الرذائل في مزيج غريب. وتعد ظاهرة الأحداث «مدنية» لا ريفية، ولا ينفي هذا وجودهم في القرى المحيطة بالمدينة وأرباضها. وكان معظم الرؤساء من أهل المدن، مع أن بعضهم كان من القرى كالمجن الذي ينسب إلى قرية فوعة في ريف حلب، وقسام التراب الحارثي الذي قدم من تلفيتا إحدى قرى ريف دمشق، أو من الغرباء القادمين من مناطق بعيدة كمحمد بن سعدان (أو سعدانة) رئيس حلب في أوائل القرن السادس للهجرة (ق 12م) وأصله من مدينة حران. ومكي بن قرناس رئيس حلب الثاني في ذلك الحين كذلك وأصله من حماة.ومما يلفت النظر ذلك التبدل الجذري الذي طرأ على أسلوب اختيار الرؤساء في القرنين الخامس والسادس للهجرة. فقد صارت السلطة الحاكمة هي التي تختار رئيس الأحداث العام من أفراد الطبقة العليا المتنفذة أو من السادة والأشراف، أما رؤساء التنظيمات الفرعية فكانت تختاره تنظيماتهم أو يفرضون أنفسهم عليها كما هو الحال من قبل. ومع حلول القرن السادس للهجرة (ق12م) صار منصب الرؤساء شبه وراثي تحتكره الأسرة الواحدة، ومن هؤلاء آل الصوفي في دمشق، وآل البديع في حلب، وكان أفراد أسرة الرئيس أعضاء في تنظيمه عادة، ومن حرسه الخاص بعد أن جرت عادة اصطناع الرؤساء للحراس الشخصيين. وكثيراً ما كان ظلم الرئيس وسوء تدبيره أو عدم انتمائه إلى فئة الأحداث في الأصل أو أنه من الغرباء سبباً في خيانة مرؤوسيه، كما جرى للشريف الحتيتي رئيس حلب (أو آخر ق6هـ/12م) ومكي بن قرناس والمجن.
    كانت مصادر تمويل الأحداث متنوعة، ولعل الجزء الأكبر منها كان يأتي من أعمال السلب والنهب والسرقة، إلى جانب ما يدخل خزائنهم من أتاوى وخوات يفرضونها على أصحاب الأموال من تجار وصناع وأصحاب إقطاع لقاء حمايتهم، وضرائب أو رسوم يجبونها من الناس في ظل حاكم ضعيف أو عند تمردهم على الحكم، مع ما يصلهم من هبات الحكام وعطاءاتهم لقاء مساعدتهم، وكذلك ما يخصص لهم من رواتب وإقطاعات (مخصصات) شهرية أو سنوية أو من الأوقاف وهو الأغلب في عهودهم المتأخرة.
    وكان الأحداث يعدون الصراع مع الفرنجة حرباً مقدسة والدفاع عن مدنهم ودساكرهم واجبهم الأول. فكانوا يتناسون خلافاتهم ومصالحهم عندما يتهدد المدينة خطر ويتضامنون متحدين عندما يدعوهم الداعي إلى جهاد الفرنجة، ويروى مؤرخ دمشق ابن القلانسي أن أحداث دمشق وحمص نهضوا لحرب الفرنجة عندما استنهضهم أتابك دمشق ظهير الدين طغتكين حين غزا هؤلاء حوران سنة 518هـ/1124م. وأما علاقة الأحداث بالسكان وأصحاب الحكم فلم تكن ثابتة المنهج والخط، ولما كان الاحداث من العامة فقد كان تعاملهم حسناً مع الأهلين على وجه العموم وغالباً ما كانوا ينحازون إلى صفهم في مواجهة الحكام. فقد وقف الأحداث في صف سكان دمشق في القرن الرابع للهجرة (ق10م) عندما اشتكى هؤلاء ظلم الجند المغاربة في الجيش الفاطمي وتعدياتهم.وظلت هذه العلاقات جيدة حتى سقوط الحكم الفاطمي.وفي القرنين الخامس والسادس للهجرة (ق11 و12م) حدث تقارب واضح بين الأحداث وأصحاب السلطة، وكان الأحداث في هذه الحقبة يقومون بما يشبه دور الوسيط بين الرعية والحاكم أو الناطق باسم الأهلين أمام السلطة، ومع ذلك فثمة شواهد تشير إلى سوء معاملة الأحداث للأهلين أو جورهم في أوقات معينة، ولاسيما عند وقوع الفتن وفي عمليات النهب والاغتصاب، كما تشير إلى حدوث انشقاق في تنظيمات الأحداث بسبب ظلم الرؤساء وتجبرهم على العامة فينحاز بعض أتباعهم إلى صف هؤلاء وقد يتألبون على رؤسائهم فينهبونهم. وقد يضطر الحاكم إلى رشوة الرؤساء في بعض الأحيان ليكفوا أذاهم عن الناس أو ليضمن ولاءهم، كما فعل عطية المرداسي في حلب عندما خشي انحياز الأحداث إلى خصمه محمد المرداسي. وثمه حوادث تدل على أن العامة كانت تثور على الأحداث فتطاردهم أو تطيح برئيسهم وتنهب أمواله لسوء إدارته وظلمه، كما حدث لسالم بن مستفاد والمجن الفوعي. ومن جهة أخرى كان الأحداث يسعون غالباً إلى استرضاء الأعيان والأشراف والعلماء ورجال الدين ليضمنوا تأييدهم أو السكوت عنهم، وكان هؤلاء بالمقابل يسعون إلى الإبقاء على علاقات طيبة مع الأحداث درءاً لشرهم وللاستعانة بهم عند الحاجة، وفي جميع الأحوال فإن الأعيان لم يكونوا راضين عن نفوذ الأحداث في المدن ويخشون تسلطهم واستقلالهم بالأمر، وكانت مخاوفهم هذه تستند إلى أسس حقيقية برزت جلية في زمن حكم قسام التراب دمشق وحكم الحتيتي حلب.
    وأما علاقة الأحداث بالسلطة فكانت متقلبة، وكان ظهورهم أول الأمر دعماً للسلطة حتى إن الحكام اتخذوهم حرساً لهم، ثم مالوا إلى مناوأة الفاطميين ومقاومة نفوذهم والثورة عليهم، وقد تخلل ذلك أوقات بذلوا فيها الطاعة والولاء لهم. وتشهد بذلك أخبارهم مع جيش ابن الصمصامة وجعفر بن فلاح ومعلى بن منزو وبدر الجمالي، وكثيراً ما كانوا يخضعون رهبة من الحاكم أو لأنه يترك لهم بعض النفوذ ويثورون أو يتمردون أو يميلون إلى الخصوم عندما يشتد الحاكم في معاملتهم أو تسوء معاملته، إلا أنهم كانوا في جميع الأوقات أعداء ألداء للفرنجة الصليبيين ويقاومونهم بكل ما عرف عنهم من إقدام وجرأة.
    كان الأحداث في بداية أمرهم (القرن الرابع للهجرة) أشبه بعصابات منظمة يفرضون الأتاوى على الأغنياء ويخشاهم العامة والأعيان، يتقنون فن القتال والسطو وتحسب السلطة لهم حساباً وتغض الطرف عن أعمالهم المخلة بالأمن لحاجتها إليهم، ومع مرور الزمن غدت هذه التنظيمات جماعات مسلحة من غير مبدأ، استأنستها السلطة والطبقات الميسورة وتحولوا إلى حرس محلي أو جند ملحق بالحاكم الفاطمي يعملون بمشورته، فانشقت صفوفهم وانفرط عقدهم يوم نكبهم جيش بن الصمصامة والي الفاطميين على دمشق سنة 379هـ/999م وأوقع بهم مذبحة كبرى، بلغ ضحاياها الآلاف منهم، وأمر بأن يعدم رئيس كل تنظيم في حيه، ولكن هذه النكبة لم تقض على حركتهم، فقد عادوا إلى الظهور في العهد السلجوقي يتزعمهم هذه المرة رؤساء من الملاك والأعيان، ويعملون من أجل مصالحهم، ويتعاونون مع السلطة في درء الخطر عن البلد إلى أن انتهى الأمر بهم في أوائل القرن السادس للهجرة (ق12م) إلى أن أصبحوا رديفاً للجيش النظامي وعوناً للشرطة، وإلى انشغالهم بقضايا الدفاع الخارجية عن شؤون البلد الداخلية، ولكنهم لم يستطيعوا قط أن يحلوا محل الجيش أو أن يقوموا بأعبائه كاملة لقلة عددهم وضعف تنظيمهم، وبدأت أعدادهم تتناقص تدريجياً بسبب خسائر الحرب من غير أن تعوض حتى كانت الضربة القاضية في أواخر عهد الزنكيين وبداية العصر الأيوبي عندما استحدثت السلطة نظام «الشحنة» وهو نمط جديد من الشرطة يتولى مهام الأمن، فانتفت أسباب وجود الأحداث باستقرار السلطة في أيد قوية من جهة واستتباب أسباب الأمن من جهة أخرى، فكانت نهاية وجودهم.
    يوسف الأمير علي
يعمل...
X