استقطاب ضوء
Polarization of light - Polarisation de la lumière
استقطاب الضوء
استقطاب الضوء polarization of light يعني أن يكون للاهتزازة الضوئية حول اتجاه انتشارها منحى معين ثابت، ويتم استقطاب الضوء الطبيعي بالانعكاس أو بالانكسار المضاعف، ويمكن أن يكون هذا الاستقطاب، وفي شروط معينة، مستقيماً أو دائرياً أو إهليلجياً.
استطاع العالم هويْغنز[ر] Huygens في أواخر القرن السابع عشر تفسير انعكاس الضوء وانكساره بعلاقات رياضية تعتمد على فرضية تموجات «الأثير»، وقد مكَّنته هذه الفرضية من وضع قوانين دقيقة في ظاهرة الانكسار المضاعف (المزدوج) birefringence الذي يحدث في بلورة الكلْسيت (كربونات الكلسيوم CaCO3)، وهي الظاهرة التي لاحظها أول مرة إيراسْموس Erasmus عام 1669. ولكن لم تتضح ظاهرة استقطاب الضوء إلا في عام 1808 عندما راقب مالوس Malus انعكاس ضوء الشمس عن الزجاج من خلال بلورة الكلسيت، ورأى صورتين للشمس ولاحظ أنه إذا أديرت البلورة اشتد ضياء إحدى الصورتين وضعف ضياء الأخرى، وأنه عندما تكون شدة إحداهما عظمى تكون شدة الأخرى صغرى. وقد أدهشت هذه الظاهرة علماء ذلك العصر الذين رفدوا تلك الظاهرة بمعلومات جديدة. فآراغو[ر] Arago مثلاً اكتشف الظواهر اللونية في الاستقطاب اللوني، وبيو Biot اكتشف ظاهرة الاستقطاب الدوراني بدراسة تأثير بعض المواد كالسكريات في الضوء المستقطب. وقد ثبتت صحة هذه الاكتشافات بفضل الأبحاث التي قام بها بروستر Brewster. ومع ذلك لم يكن باستطاعة النظرية الموجية التي قال بها هويْغنز، أو نظرية الإصدار التي قال بها نيوتن أن تشرح الأسباب التي تجعل الضوء المنعكس عن الزجاج أو الذي اخترق بلورة الكلسيت يتمتع بخواص الاستقطاب وأن يكون له منحى اهتزاز معين وثابت.
وكان فرينل[ر] Fresnel أول من تقدم بشرح مُرْضٍ عام 1821، وذلك بافتراض أن الضوء يتولد عن اهتزاز «الأثير» اهتزازاتٍ عرضانية (عمودية على منحى انتشارها)؛ وجاء الحل النهائي الصحيح لهذه المسألة على يد مكْسِويل[ر] Maxwel عام 1869، إذ بينت معادلات مكسويل أن الضوء يتكون من موجات كهربائية مغنطيسية (كهرمغنطيسية) يمكنها أن تنتشر في الخلاء دونما حاجة إلى حامل مادي كالأثير الذي كان العلماء يفترضون وجوده. وتدل النظرية مؤيَّدةً بالتجربة على أن المتجه الكهربائي في الموجة الكهرمغنطيسية هو وحده من دون المتجه المغنطيسي المسؤول عن الظواهر الضوئية، لذلك يمكن القول إن المتجه الكهربائي هو الذي يمثّل المتجه الضوئي أو الاهتزازة الضوئية. وقد دلت تجارب انطفاء الاهتزازة الضوئية انطفاءً تاماً على أن هذه الاهتزازة عرضانية، وأنه ليس لها أي مركبة طولية وفق منحى انتشارها. ويتصف الضوء الطبيعي (وهو الذي يصدر مباشرة من المنبع المضيء) بأن اهتزازاته الضوئية تتخذ في مدة قصيرة جداً (0.10 ثانية)، هي مدة دوام التأثير على شبكية العين، كل المناحي العمودية على الشعاع الضوئي عشوائياً، لذلك يمكن أن تعدَّ اهتزازة الضوء الطبيعي مؤلفةً من اهتزازتين متعامدتين متساويتين سعة وغير مترابطتين incoherent. أما اهتزازة الضوء المستقطب فهي ذات منحى ثابت محدد. ويكون هذا المنحى مستقيماً إذا كان الاستقطاب مستوياً أو مستقيماً، ويكون لولبياً إهليلجياً في حالة الاستقطاب الإهليلجي أو لولبياً دائرياً في حالة الاستقطاب الدائري.
استقطاب الضوء بالانعكاس
إن أبسط الطرائق المتبعة لتوليد ضوء مستقطب استقطاباً مستقيماً هي طريقة الانعكاس الزجاجي (الانعكاس عن السطح الفاصل بين وسطين عازلين كالهواء والزجاج مثلاً). ويمكن إيضاح هذا الاستقطاب بإسقاط ضوء طبيعي وحيد اللون على السطح المستوي للوح زجاجي (مرآة مستوية) بزوايا ورود (د) مختلفة.
الشكل (1) |
(1) |
جب د=ن جب دَ (2)
حيث ن: قرينة الانكسار المطلقة للزجاج من أجل الضوء الوحيد اللون المستعمل.
إن رسم الخط البياني لتغيّر كلٍ من نعم ونعع بدلالة زاوية الورود (د) يعطي الشكل (1)، الذي يتبين منه أن نعم=\ من أجل زاوية ورود معينة. وتدل صيغة نعم في العلاقة (1) على أن ذلك يحدث عندما
(3) |
(4) |
ويتبين من الشكل (1) أنه عندما لايكون الورود ناظمياً (د=0) أو مماسياً (د=90ْ) أو بروسترياً (د=دب)، تكون شدتا الانعكاس نعم ونعع مختلفتين، أي إن الضوء المنعكس حينئذ يكون مستقطباً استقطاباً جزئياً بسبب الاختلاف بين سعتيْ الاهتزازتين (م) و(ع). وكذلك يكون الضوء المنكسر في اللوح الزجاجي والبارز منه لأن الأشعة المنكسرة تتضمن دائماً بعضاً من كلا الاهتزازتين بنسب مختلفة.
ويستقطب الضوء الطبيعي عندما ينعكس انعكاساً معدنياً أي عن سطح ناقل للكهرباء، غير أن هذا الاستقطاب لا يكون تاماً بل جزئيٌ تسود فيه الاهتزازة (ع) العمودية على مستوى الورود. ويكون الاستقطاب أشد ما يكون عندما تبلغ زاوية الورود قيمة خاصة تتعين بالعلاقة (4) ذاتها. ويبين الشكل (1) المنحنيين في حالة الانعكاس المعدني.
قانون مالوس
إذا سقط الضوء المستقطب المنعكس عن لوحٍ زجاجي (مقطِّب) على لوح زجاجي ثانٍ (مرآة) بزاوية ورود تساوي زاوية بروستر دب فإن التجربة تبيّن أن شدة الضوء المنعكس عن اللوح الثاني تكون عظمى إذا كان مستويا الورود على اللوحين، الأول والثاني، متوازيين، وتكون منعدمة إذا كانا متعامدين. ويوصف اللوح الثاني بأنه محلِّل analyser لأنه يكشف استقطاب الضوء الساقط عليه.
الشكل (2) |
ش=ش0تجب2يه(قانون مالوس) (5)
حيث ش: شدة الضوء المستقطب الساقط على المحلّل. فإذا توازى مستويا الورود يه=\ْ كانت شدة الاهتزازة المنعكسة عن المحلل عظمى وتساوي ش0، وإذا تعامد المستويان (يه= 90ْ) انعدمت هذه الاهتزازة وانطفأ الضوء بعد المحلل.
إن تناسب ش مع تجب2يه يصح من أجل كل أنواع المقطبات والمحللات، غير أنه ينبغي في حالة المحللات النافذة (المقطبات بالانكسار المضاعف) أن يؤخذ بالحسبان مايفقده الضوء بالامتصاص في أثناء نفوذه من المحلل. لذلك يُضرب الطرف الأيمن من العلاقة (5) بثابت (ثا) أقل من الواحد وتتوقف قيمته على طبيعة المحلل: ش=ثا ش0 تجب2يه (6)
ويستفاد من قانون مالوس هذا في المقارنة بين شدات المنابع الضوئية بإسقاط أضوائها على مقطب يليه محلل.
استقطاب الضوء بالانكسار المضاعف
يوصف الوسط بأنه متماثل المناحي isotropic إذا كانت خواصه الفيزيائية واحدة في كل المناحي كالغازات والسوائل والأجسام المتبلورة من الزمرة المكعبية، أما الأجسام المتبلورة من الزمر الأخرى فتوصف بأنها متباينة المناحي anisotropic، مثل بلورة الكلْسيت. وتتصف الأوساط متباينة المناحي بأنه يحدث فيها انكسار مضاعف (مزدوج). فإذا وضعت صفيحة من الكلسيت على رقعة من الورق الأبيض رُسمت عليها نقطة، فإنه يُرى لهذه النقطة صورتان (خيالان) حين يُنظر إليها ناظمياً. وحين تُدار الصفيحة في مستويها تظل إحدى الصورتين ثابتة في حين تدور الصورة الأخرى حولها. وتبطل ظاهرة الانكسار المضاعف عندما يسقط الضوء على البلورة وفق منحى يسمى «المحور الضوئي». وتوصف البلورة بأنها أحادية المحور إذا كان لها محور ضوئي واحد، وتوصف بأنها ثنائية المحور إذا كانت ذات محورين ضوئيين.
ويطلق على الأشعة المنكسرة التي تخضع لقانون سنيل ـ ديكارت (العلاقة 2) «الأشعة العادية» ordinary rays، ويطلق على الأشعة المنكسرة التي لا تخضع لهذا القانون «الأشعة الشاذة» extraordinary rays. وكل من الشعاعين العادي والشاذ يكون مستقطباً استقطاباً مستقيماً، غير أن اهتزازة الشعاع الشاذ تكون متعامدة مع اهتزازة الشعاع العادي التي تكون دائماً عمودية على المحور الضوئي.
االشكل (3) |
الشكل (4) |
موشور نيكول: هو مقطب صممه نيكول Nicol عام .1829 تؤخذ بلورة من الكلسيت بأبعاد مناسبة وتُشْطر شطرين وفق مستوٍ عمودي على محورها الضوئي، ثم يلصق الشطران بطبقة رقيقة من بلسم كندا الذي تبلغ قرينة انكساره (1.55)، وهي وسط بين قرينتيْ انكسار الشعاع العادي (1.66) والشعاع الشاذ (1.48) بالنسبة لضوء الصوديوم (الشكل 4). وتُجعل زاوية ورود الحزمة الضوئية على الموشور لتكون زاوية ورود الشعاع العادي على طبقة البلسم أكبر من الزاوية الحرجة (التي يحدث عندها انعكاس كلي)، فينعكس هذا الشعاع كلياً عن طبقة البلسم ويسقط على منطقة ب مغطاة بالسواد تمتصه وتمنع انعكاسه مرة أخرى. أما الشعاع الآخر الشاذ فينفذ من البلسم ومن الموشور.
الشكل (5) |
أما في موشور روشون Rochon الذي يبينه الشكل (6)، فإن إحدى الحزمتين (العادية) تحافظ على منحاها من دون انحراف ولا يكون فيها زيغ لوني، لذلك يفضل استعمالها على الحزمة الأخرى الشاذة ذات الزيغ اللوني فتحجب هذه بحاجز مناسب.
البولاريد Polaroid: هو مقطب نجح لَنْد Land في صنعه عام 1932 بأن فَرش بلورات دقيقة جداً من يود كبريتات الكينين quinine iodosulfate الإبرية الشكل على لوحٍ من مادةٍ لدنة، وشدَّ هذا اللوح حتى يجعل جميع المحاور الضوئية للبلورات متوازية. وتتصف مثل هذه البلورات إضافة إلى خاصية الانكسار المضاعف بأن عامليْ امتصاصها للحزمتين المستقطبتين مختلفان اختلافاً كبيراً ليكفي أن يكون ثخن البلورة من مرتبة 0.1 مم حتى تمتص البلورة الحزمة العادية امتصاصاً تاماً وتدع الحزمة الشاذة تنفذ منها دونما امتصاص يُذكر.
الشكل (4) |
ويمتاز البولاريد في أنه يمكن صنعه على شكل ألواح ذات مساحة كبيرة تصل إلى نحو متر مربع ليتيسر معها إجراء تجارب كثيرة كان يصعب إجراؤها باستعمال المقطبات الأخرى. فهي تستعمل اليوم لإضعاف شدة الأضواء المنعكسة غير المرغوب فيها والتي تكون بوجه عام مستقطبة. كذلك يمكن استعمالها للتخلص من بهر ضوء السيارات للسائقين في الليل كما يمكن استعمالها لرؤية الصور مجسَّمة.
استقطاب الضوء بالتبعثر
عندما تسقط حزمة من ضوء طبيعي على جزيئات أو جسيمات أبعادها من مرتبة طول موجة الضوء λ يتبعثر (يتشتت) الضوء في كل المناحي، ويلاحظ أن الضوء المبعثر في اتجاه ما يكون مستقطباً استقطاباً جزئياً بوجه عام، ولكنه يكون مستقطباً استقطاباً تاماً إذا كان مبعثراً في منحىً عمودي على منحى انتشار الحزمة الأصلية، وتكون اهتزازاته في هذه الحالة عمودية على منحى انتشار هذه الحزمة.
ويمكن تفسير استقطاب الضوء المبعثر بفعل الجسيمات الدقيقة بالقول: إن هذه الجسيمات تحتوي على إلكترونات تهتز اهتزازاً قسرياً بتأثير الضوء الساقط عليها فيكون منحى اهتزازها كمنحى الاهتزازة الضوئية الواردة، وتصبح هذه الجسيمات منابع ضوئية ينتشر منها الضوء في كل الاتجاهات. ويعود ظهور السماء مضيئةً في جوٍ خالٍ من الغيوم إلى تبعثر ضوء الشمس على جزيئات الهواء، ولولا هذا التبعثر لبدت السماء مظلمة حالكة السواد مثلما تظهر لرواد الفضاء في الطبقات العليا من الجو الأرضي.
وقد تبين أن شدة الضوء المبعثر تتناسب عكساً مع λ4، فالضوء الأبيض المبعثر في الاتجاه العمودي على منحى انتشار الحزمة الأصلية تسود فيه الأضواء القصيرة الموجة فيبدو أزرق اللون بينما تسود في الضوء غير المبعثر (في منحى انتشار الحزمة) الأضواء الطويلة الموجة فيظهر أحمر اللون. مثال ذلك زرقة السماء وزرقة المحاليل ذات الجسيمات الدقيقة المعلَّقة واحمرار الشمس عند شروقها وغروبها.
أنماط الضوء المستقطب
يصنف الضوء المستقطب وفقاً لمنحى الاهتزازة الضوئية فيه. ففي الضوء المستقطب استقطاباً مستقيماً (خطياً) تظل الاهتزازة الضوئية في مستوٍ واحد يحتوي على منحى الانتشار. ومن أجل ضوءٍ وحيد اللون (ذي تواتر معين) يتغير مطال الاهتزازة تغيراً جيبياً مع الزمن. أما الضوء المستقطب دائرياً P.circularly، فإن نهاية اهتزازاته ترسم لولباً دائرياً محوره منحى الانتشار ويكون مطال الاهتزازة ثابتاً وتواتر (تردد) الدوران يساوي تواتر الضوء. وفي الضوء المستقطب إهليلجياً P.elliptically تدور الاهتزازة حول منحى الانتشار دوراناً لولبياً ولكن مطالها يتغير ليكون مرتسم الاهتزازة على مستوٍ متعامد مع منحى الانتشار قطعاً ناقصاً.
إن هذه الأنماط الثلاثة للضوء المستقطب يمكن ردها إلى مركبتين مستقيمتين متعامدتين تعرفان كما يلي:
س=بس جب (ى ز+طس) (7)
ع=بع جب (ى ز+طع) (8)
حيث س: المركبة وفق المحور س وع: المركبة وفق المحور ع، وحيث بس وبع السعتان، وطس وطع الطوران، وحيث ى=π2 ت هو التواتر الزاوي باعتبار (ت) التواتر، وحيث ز: الزمن
فمن أجل الضوء المستقطب استقطاباً خطياً يكون: طس=طع و بس ≠بع.
ومن أجل الضوء المستقطب دائرياً يكون:
وعلى هذا تكون معادلة الاهتزازة المستقيمة:
س2+ع2=ب2
ومعادلة الاهتزازة الإهليلجية
تعليق