اعتاد الناس خلال عقود مضت أن يستمعوا إلى الراديو أو يشاهدوا التلفاز قبل الذهاب إلى العمل صباحًا، وكانت برامج الإذاعة الصباحيّة ونشرة أنباء الصباح على قنوات التلفاز تحرص على بثّ تقارير يوميّة حول الحالة المروريّة في طُرق وشوارع العواصم والمُدن الكُبرى لكي تُساعد سائقي المركبات على اختيار الطُرق الأقلّ ازدحامًا قدر الإمكان للوصول إلى وجهتهم في وقت أسرع ممّا يُقلّل بدوره من حدّة الاختناقات المروريّة، ويُساعد على زيادة انسيابيّة الحركة المروريّة. كانت تلك التقارير عادةً ما تصدر عن وزارة الداخليّة والجهات الأمنيّة المُختصّة بإدارة حركة المرور. اندثرت هذه العادة في السنوات الأخيرة أو كادت بعد أن أصبحت الهواتف الذكيّة تُقدّم خدمات شبيهة، ولعل أشهر هذه الخدمات وأهمّها على الإطلاق خدمة خرائط جوجل.
لا تُعتبر خرائط جوجل وسيلة لتحديد المواقع تُساعد المُستخدمين على الاهتداء إلى وجهتهم وفقًا للخرائط فحسب، بل تُحدّد لهم متوسّط الوقت اللازم للوصول إليها، وتُخبرهم بحالة الطُرق والحركة المروريّة في الوقت الفعليّ لكي يكونوا مُستعدّين للذهاب إلى وجهتهم في الموعد المطلوب حتّى في حالة وجود اختناقات مروريّة أو في حالة تعطّل حركة السير لأي سبب، مثل وقوع حادث في أحد الشوارع أو الطُرق الرئيسيّة.
قد تكون قُدرة خرائط جوجل على تحديد مواقع الأشخاص ومدى بُعدها عن المواقع الأخرى والوجهات المُختلفة بدقّة مفهومة إن استطعنا فهم كيفيّة عمل نظام التموضع العالميّ (GPS) وقياس المسافات باستخدام نظام الإحداثيّات، ولكن السؤال الذي رُبّما تبادر إلى ذهن القارئ هو كيف تعرف خدمة خرائط جوجل حالة الطرق والحركة المروريّة ومن أين تحصل على تلك البيانات التي تمدّ بها المُستخدم والمُتعلّقة بهذا الصدد ؟ هذا ما سوف تُجيب عنه السطور التالية.
ما هي خرائط جوجل ؟ وكيف تعمل ؟
هي خدمة على شبكة الإنترنت توفّر معلومات مُفصّلة حول المواقع الجغرافيّة والمناطق المُختلفة في جميع أنحاء العالم. كانت هذه الخدمة في بدايتها محصورة في عدد محدود من دول العالم ثُمّ توسّعت لتُقدّم خرائط للطرق التقليديّة، ومناظر جوّية وصورًا مُلتقطة باستخدام الأقمار الصناعية للعديد من المواقع في نحو 220 دولة حول العالم. توفّر خرائط جوجل في الوقت الحالي في بعض المُدن أيضًا صورًا للشوارع مأخوذة من على متن المركبات بالإضافة إلى الصور المُلتقطة بالأقمار الصناعيّة.
تُساعد خرائط جوجل سائقي وقادة السيّارات ومُختلف أنواع المركبات في الوصول إلى وجهتهم بعد أن تُحدّد موقعهم الحاليّ باستخدام الـ GPS فإذا كُنت تملك هاتفًا محمولًا ذكيًّا أو أيّ كمبيوتر محمول آخر وحمّلت التطبيق، سيُطلب منك فور تشغيله الموافقة على منح الإذن بالوصول إلى موقعك الجغرافيّ في الوقت الفعليّ ليتمكّن من مُساعدتك على الوصول إلى وجهتك باستخدام أسهل الطُرق المُتاحة وأقلّها ازدحامًا، ويحسب المسافة بين موقعك الحاليّ وبين وجهتك والوقت اللازم للوصول ويوضّح لك حالة الطُرق والحركة المروريّة، كما يُمكن أن يُقدّم لك توصيات بأمكان الخدمات المُختلفة القريبة منك مثل المقاهي والمطاعم والفنادق حسب رغبتك اعتمادًا على بيانات موقعك والبيانات المُستمدّة من شبكة الهاتف الخلويّ والأقمار الصناعيّة.
يُمكن تمثيل حالة الحركة المروريّة على تطبيق خرائط جوجل باستخدام علامات على الطُرق تحمل ثلاثة ألوان دلاليّة هي الأخضر، والبرتقاليّ، والأحمر بحيث يُشير ظهور اللون الأخضر إلى انسيابيّة حركة المرور في هذا الشارع وسلاستها وعدم وجود ازدحام قد يدفعك للتأخّر عن موعدك، بينما يُشير ظهور اللون البرتقالي إلى وجود حركة مروريّة مُعتدلة تُعاني بعض الازدحام وقد تؤدّي إلى تأخّرك عن موعدك بضع دقائق. أمّا اللون الأحمر فيشير إلى وجود ازدحام واختناقات مروريّة سوف تؤخرك عن موعدك دون شكّ، وكُلّما بدى اللون الأحمر أكثر قتامة أشار ذلك إلى أنّ الحركة المروريّة على هذا الطريق تسير بشكل أبطأ.
كيف تعرف جوجل حركة المرور على مستوى الكوكب ؟!
يحتوي تطبيق خرائط جوجل على خاصّية مُضمّنة في نظامه تُعرف باسم جوجل ترافيك Google Traffic، والتي تعرض معلومات حول حالة الطُرق والحركة المروريّة في الوقت الفعليّ في الشوارع الرئيسيّة لبعض المُدن والمواقع الجُغرافيّة. اعتمدت هذه الخاصيّة في تطبيق خرائط جوجل منذ بداية القرن الحادي والعشرين وحتّى عام 2009 على بيانات مأخوذة من أجهزة مستشعرات حركة المرور والكاميرات التي تضعها الجهات الحكوميّة والشركات الخاصة على الطرق.
كانت هذه المُستشعرات تتضمّن أجهزة الرادار التي تعمل باستخدام أشعّة الليزر أو تقنية الأشعة تحت الحمراء النشطة، والتي يُمكنها اكتشاف مدى سيولة حركة المرور الإجماليّة من خلال مراقبة سُرعة السيارات والحيّز العام الذي تُغطّيه المركبات من الطريق لتُرسل المُستشعرات كُلّ هذه المعلومات بعد ذلك إلى خوادم خاصّة يتمّ من خلالها الإعلان عن الحالة المروريّة، وتوفير تحديث لهذه المعلومات بصورة مُنتظمة. لما تكُن هذه الطريقة فعّالة بما يكفي، فقد كانت أجهزة الاستشعار تُثبّت فقط في الشوارع الرئيسيّة في المدن الكبيرة وفي الطُرق الأكثر ازدحامًا بالحركة المروريّة، كما أنّها لم تكُن توفّر للمُستخدم تحديثات فوريّة للمعلومات حول حالة الطُرق.
بدأت خرائط جوجل بعد ذلك تنتهج أسلوبًا آخر اعتمد على جمع المعلومات المتعلّقة بحركة المرور من مستخدمي التطبيق أنفسهم، فأولئك الذين يفعّلون خاصيّة وصول التطبيق إلى بيانات الموقع الجغرافيّ في الوقت الفعليّ على هواتفهم أصبحوا هم المصدر الرئيسيّ الذي تستمدّ منه خرائط جوجل معلوماتها حول الحالة المروريّة.
يستفيد تطبيق خرائط جوجل من الوقت الذي يستغرقه أولئك المُستخدمين في السفر بين البُلدان والانتقال بين المناطق المُختلفة ويدرجه في مُعادلات رياضيّة لحساب متوسّط المسافات وامتدادات الطُرق المؤدّية إلى هذه المناطق، ومتوسّط زمن هذه الرحلات خلال أيّام مُحدّدة، فعلى سبيل تختلف السيولة المروريّة خلال أيّام العُطلات الأسبوعيّة والأعياد الرسميّة حتمًا عنها في الأيام الأخرى من العام.
يستخدم ملايين الأشخاص حول العالم تطبيق خرائط جوجل على الطُرق ممّا يُمدّ التطبيق بما يكفيه من بيانات تستطيع خوارزميّاته تحليلها بدقّة وترجمتها إلى معلومات توضّح حالة الطُرق. ولنفترض الآن أنّك أحد مُستخدمي تطبيق خرائط جوجل، وأنّك قد منحت التطبيق إذنًا بتتبّع موقعك الجغرافيّ في الوقت الفعليّ، فعندما تتحرّك بسرعة 40 كيلومتر في الساعة على طريق سريع يُسمح فيه بقيادة المركبات بسرعة 100 كيلومتر في الساعة سينبّه ذلك تطبيق خرائط جوجل إلى أنّك لا تتحرّك بالسرعة المطلوبة، ومن هُنا سوف تستنتج خوارزميّات التطبيق أن ثَمّة ازدحامًا مروريًّا أو تعطّل للحركة المروريّة قائمًا على هذا الطريق
image widget