كونستان (بنجمان) Constant (Benjamin-) - Constant (Benjamin-)
كونستان (بُنْجَمان ـ)
(1767 ـ 1830)
بُنجمان كونستان Benjamin Constant أديب ورجل سياسي فرنسي من أصل سويسري، ولد في لوزان Lausanne وتُوفي في باريس. يُعد من أشهر كتّاب الرواية التحليلية في مطلع القرن التاسع عشر. نشأ وسط عائلة بروتستنتية وتولى والده العقيد في الجيش تربيته بعد أن فقد والدته في سنواته الأولى. درس في جامعتي أكسفورد وأدنبره البريطانيتين مكتسباً ثقافة أوربية أسعفته في مواقفه السياسية.
كان بُنْجمان كونستان يبحث عن إيديولوجية ليبرالية أو حرّة، وساند في البداية نابليون بونابرت الذي أوكل إليه منصباً إلى جانب محاميه، وكان نابليون قد أعجب بكتابه «قوة الحكومة الفرنسية الحالية وضرورة الانضمام إليها» De la force du gouvernement actuel de la France et de la nécessité de s’y rallier، إلا أن مساندته تلك لم تدم طويلاً إذ سرعان ما تخلى عن موقفه لمصلحة الأحرار والمعارضة. ويقول الناقد الكبير هنري غيمان H.Guillemin «إن تغير موقفه يعود إلى عدم وصوله إلى ما كان يحلم به»، ومن ثم كان تقربه من العهد الجديد مغرضاً. وتبدّلت كتاباته باتجاه النقد والذّم فكتب عام 1813 «فكر الغزو والتعدِّي وعلاقاتهما مع الحضارة الأوربية» De L’esprit de conquête et de l’usurpation dans leurs rapports avec la civilisation européenne. وقال في نابليون: «الحكم الاستبدادي هو الحكم الفردي الذي يُحاط بمجموعة من المنتفعين ويجعل من نقاباته لسان حاله. ويستبيح هذا الحكم سلب حرية المواطنين دون مبرر وتخضع محاكمه لنزواته وبالتالي يسهل في ظله إلغاء الأحكام والاستعاضة بقضاة جدد لتبرئة المتهمين». ويتابع كونستان قوله «لم تشهد أوربا منذ عشرين عاماً حكماً يشبه الحكم القائم في فرنسا الآن وكما يقول الفيلسوف الفرنسي كونْديّاك Condillac هناك نوعان من الهمجية أو البربرية barbarie؛ الأولى سبقت العصور النيّرة والثانية تبعتها ومع هذه يكون التدهور سريعاً إذ إن ما يقلل من شأن الإنسان هو تخلّيه عن قوته وقدراته».
حاول كونستان أن يسترجع صلته بالحكومة مع عودة الأسرة المالكة «آل بوربون» Les Bourbons والعهد القديم إلى الحكم، وحظي بمقعد في مجلس النواب وأصبح رئيساً لمجلس الدولة، وكان على استعداد للتقّرب من ذوي الشأن بهدف الدخول إلى الأكاديمية الفرنسية إلا أن تقدمه في السن أقعده عن ذلك. ومع ذلك كان يسعى على الصعيد السياسي وراء الحرية الفردية وفرض احترام الملكية الخاصة.
اُشتهر كونستان بروايته «أدولف» Adolphe التي كتبها عام 1805 وصدرت في أثناء وجوده في لندن عام 1816، وهي سيرة ذاتية يحلّل فيها شخصيته من خلال بطله الرومنسي ضحية داء العصر Le Mal du siècle في مطلع القرن التاسع عشر. فالحزن والملل وشبح الموت يهيمنون على فكر أدولف ويجردونه من عاطفته؛ فيصبح شارداً أنانياً غير مبالٍ يتملكه شعور غريب لايعرف مصدره يقتل حماسه فور ظهوره ويُجِفّ قريحته ويعزله عن الآخرين. ويسعى إلى كسر الحاجز الذي يفصله عن المجتمع فيقيم علاقة مع إلينور Ellénore السيدة المتزوجة التي تكبره سناً وتضحي بأسرتها في سبيل إسعاده وإخراجه من مرضه النفسي. ولكن فجأة تخمد عاطفته فيطلق اعترافات مريرة بحقها تودي بحياتها. عندئذٍ فقط يدرك تفاهة مشاعره وعجزه وإخفاقه في محبة أكثر المخلوقات إخلاصاً له. رأى النقاد في هذه الرواية صورة عن عـلاقته مع الأديبة الفرنسية مدام دي ستال[ر] Mme de Staël التي تخللتها مشاجرات مستمرة.
يتابع كونستان في روايته «سِسيل» Cécile (1810) تحليله الذاتي فيروي قصة رجل لايعرف كيف يُحِّب وكيف يُحَب، كما يتوه بين امرأتين ويتزوج في النهاية من دون حب. وإذا كانت حياة كونستان العاطفية عاصفة فلأنه كان يحب حريته أكثر من أي التزام عاطفي. وكان قد صرّح في رسالة أنه على قناعة بأن أخلاقية الإنسان الحقيقية تكمن في توفير الألم الذي يسببه لآخرين.
سخر كونستان في رواياته من الذكاء المخرِّب والصراع الفكري المدمِّر، ومن قسوة القلب القاتلة ومن زيف المشاعر التي تزول بعد تأججها.
له أيضاً «يوميات خاصة جداً» Journaux intimes، صدرت كاملة عام 1952.
حنان المالكي
كونستان (بُنْجَمان ـ)
(1767 ـ 1830)
بُنجمان كونستان Benjamin Constant أديب ورجل سياسي فرنسي من أصل سويسري، ولد في لوزان Lausanne وتُوفي في باريس. يُعد من أشهر كتّاب الرواية التحليلية في مطلع القرن التاسع عشر. نشأ وسط عائلة بروتستنتية وتولى والده العقيد في الجيش تربيته بعد أن فقد والدته في سنواته الأولى. درس في جامعتي أكسفورد وأدنبره البريطانيتين مكتسباً ثقافة أوربية أسعفته في مواقفه السياسية.
كان بُنْجمان كونستان يبحث عن إيديولوجية ليبرالية أو حرّة، وساند في البداية نابليون بونابرت الذي أوكل إليه منصباً إلى جانب محاميه، وكان نابليون قد أعجب بكتابه «قوة الحكومة الفرنسية الحالية وضرورة الانضمام إليها» De la force du gouvernement actuel de la France et de la nécessité de s’y rallier، إلا أن مساندته تلك لم تدم طويلاً إذ سرعان ما تخلى عن موقفه لمصلحة الأحرار والمعارضة. ويقول الناقد الكبير هنري غيمان H.Guillemin «إن تغير موقفه يعود إلى عدم وصوله إلى ما كان يحلم به»، ومن ثم كان تقربه من العهد الجديد مغرضاً. وتبدّلت كتاباته باتجاه النقد والذّم فكتب عام 1813 «فكر الغزو والتعدِّي وعلاقاتهما مع الحضارة الأوربية» De L’esprit de conquête et de l’usurpation dans leurs rapports avec la civilisation européenne. وقال في نابليون: «الحكم الاستبدادي هو الحكم الفردي الذي يُحاط بمجموعة من المنتفعين ويجعل من نقاباته لسان حاله. ويستبيح هذا الحكم سلب حرية المواطنين دون مبرر وتخضع محاكمه لنزواته وبالتالي يسهل في ظله إلغاء الأحكام والاستعاضة بقضاة جدد لتبرئة المتهمين». ويتابع كونستان قوله «لم تشهد أوربا منذ عشرين عاماً حكماً يشبه الحكم القائم في فرنسا الآن وكما يقول الفيلسوف الفرنسي كونْديّاك Condillac هناك نوعان من الهمجية أو البربرية barbarie؛ الأولى سبقت العصور النيّرة والثانية تبعتها ومع هذه يكون التدهور سريعاً إذ إن ما يقلل من شأن الإنسان هو تخلّيه عن قوته وقدراته».
حاول كونستان أن يسترجع صلته بالحكومة مع عودة الأسرة المالكة «آل بوربون» Les Bourbons والعهد القديم إلى الحكم، وحظي بمقعد في مجلس النواب وأصبح رئيساً لمجلس الدولة، وكان على استعداد للتقّرب من ذوي الشأن بهدف الدخول إلى الأكاديمية الفرنسية إلا أن تقدمه في السن أقعده عن ذلك. ومع ذلك كان يسعى على الصعيد السياسي وراء الحرية الفردية وفرض احترام الملكية الخاصة.
اُشتهر كونستان بروايته «أدولف» Adolphe التي كتبها عام 1805 وصدرت في أثناء وجوده في لندن عام 1816، وهي سيرة ذاتية يحلّل فيها شخصيته من خلال بطله الرومنسي ضحية داء العصر Le Mal du siècle في مطلع القرن التاسع عشر. فالحزن والملل وشبح الموت يهيمنون على فكر أدولف ويجردونه من عاطفته؛ فيصبح شارداً أنانياً غير مبالٍ يتملكه شعور غريب لايعرف مصدره يقتل حماسه فور ظهوره ويُجِفّ قريحته ويعزله عن الآخرين. ويسعى إلى كسر الحاجز الذي يفصله عن المجتمع فيقيم علاقة مع إلينور Ellénore السيدة المتزوجة التي تكبره سناً وتضحي بأسرتها في سبيل إسعاده وإخراجه من مرضه النفسي. ولكن فجأة تخمد عاطفته فيطلق اعترافات مريرة بحقها تودي بحياتها. عندئذٍ فقط يدرك تفاهة مشاعره وعجزه وإخفاقه في محبة أكثر المخلوقات إخلاصاً له. رأى النقاد في هذه الرواية صورة عن عـلاقته مع الأديبة الفرنسية مدام دي ستال[ر] Mme de Staël التي تخللتها مشاجرات مستمرة.
يتابع كونستان في روايته «سِسيل» Cécile (1810) تحليله الذاتي فيروي قصة رجل لايعرف كيف يُحِّب وكيف يُحَب، كما يتوه بين امرأتين ويتزوج في النهاية من دون حب. وإذا كانت حياة كونستان العاطفية عاصفة فلأنه كان يحب حريته أكثر من أي التزام عاطفي. وكان قد صرّح في رسالة أنه على قناعة بأن أخلاقية الإنسان الحقيقية تكمن في توفير الألم الذي يسببه لآخرين.
سخر كونستان في رواياته من الذكاء المخرِّب والصراع الفكري المدمِّر، ومن قسوة القلب القاتلة ومن زيف المشاعر التي تزول بعد تأججها.
له أيضاً «يوميات خاصة جداً» Journaux intimes، صدرت كاملة عام 1952.
حنان المالكي