عن عُمر ناهز التسعين عاماً، رحل عالم الاجتماع والروائيّ السوريّ حليم بركات(1933 ــ 2023) يوم الجمعة الماضي، الثالث والعشرين من حزيران/ يونيو الجاري، في مغتربه الأميركي، تاركاً وراءه سبعة عشر مؤلَّفاً في الرواية والسوسيولوجيا وترجمات عدة من الانكليزية الى العربية.
وُلد حليم بركات عام 1933 في قرية الكفرون، الواقعة بين حمص وطرطوس، لعائلةٍ مسيحية. واضطرّت عائلته للانتقال إلى لبنان بعد وفاة والده وتردّي أوضاعهم الاقتصادية، بينما لم يكن قد تجاوز التاسعة من العُمر بعد.حيث تولت أمه مسؤولية إعالة العائلة وتعليم أولادها.
نال إجازة عام 1955 ثمّ درجة الماجستير في علم الاجتماع من "الجامعة الأميركية" في بيروت عام 1960، و يذهب للدراسة في الولايات المتّحدة حيث يحصل عام 1966 على درجة الدكتوراه في علم النفس الاجتماعي من "جامعة ميشيغان ــ آن آربور".. ثم عاد إلى لبنان وانضمّ إلى هيئة التدريس في الجامعة الأميركية في بيروت كأستاذ في مادة علم الاجتماع. إلا أنه وجد نفسه من جديد في أميركا بسب عدم ترقيته في الجامعة الأميركية في بيروت، و"أظن أن سبب ذلك كان اهتمامي بالقضية الفلسطينية، حيث أجريت حينذاك أبحاثاً في مخيّمات اللاجئين في الأردن، وكتبت كتابي حول أزمة اللاجئين بعنوان: نهر بلا جسور. ومن قبيل الصدف أن دعتني جامعة هارفرد في أميركا إلى الانضمام إليها كأستاذ زائر. ومنذ ذلك الحين، وجدت نفسي منفياً في الولايات المتحدة"، يقول حليم بركات في حوار مع مجلة المستقبل العربي.
وخلال فترة تكوينه العلمي هذه، نشر روايتين ("القِمَم الخضراء"، 1956؛ و"ستّة أيّام"، 1961) ومجموعة قصصية ("الصمت والمطر"، 1958).
ووتبعهم بروايات "عودة الطائر إلى البحر" (1969)، و"طائر الحوم" (1988)، و كتابه السيَريّ "المدينة الملوّنة" (2006)، الذي يستعيد فيه حياته ببيروت.
على أن الاعتراف الذي استحقّه حليم بركات خلال حياته كان منبعه في مكان آخر: في اشتغالاته السوسيولوجية، أو في نوع من الإثنولوجيا النظرية، التي قدّم من خلالها ــ "بلغةٍ تحليلية، نقدية"، كما يقول في أحد كتبه ــ وصفاً لبنية وأزمات "المجتمع العربي المعاصر" (1984)، وهو عنوان كتابه البحثي الرئيسي، الذي سيُفرِّع عنه كتباً أُخرى مثل "المجتمع العربي في القرن العشرين" (1999)، و"المجتمع المدني في القرن العشرين" (2000). و("الاغتراب في الثقافة العربية: متاهات الإنسان بين الحلم والواقع"، 2006) و ("غربة الكاتب العربي"، 2011) وفيه ، يرى بركات أنّ الكاتب العربي يعيش غربات عديدة، داخل الوطن وخارجه، وهي تجربة عاشها إنساناً ومثقّفاً، وجمعته صداقة حميمة بمثقّفين وكتّاب في المنفى.
ويتناول الكتاب تأثيرات الغربة في شعر أدونيس، وفي فكر هشام شرابي وإدوارد سعيد، وفي روايات جبرا إبراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف والطيب صالح، وفي مسرح سعد ونوس، وفي لوحات مروان قصاب باشي.
وسئل بركات عن أي المجالين ساعده أكثر في فهم وشرح التجربة الإنسانية، الدراسات الاجتماعية أم الروايات، فردّ: منذ البداية بدأت أعرف أنني أريد أن أكون روائياً، وسألت نفسي هل أدرس في الجامعة لأتخصص بالأدب، أم أتخصص في علم الاجتماع والنفس، فاخترت علم الاجتماع، وذلك ليقيني أنه سيفيدني في كتابة الرواية، وذلك لأنه يكشف البنى الاجتماعية وتأثيرها في الأفراد، والعلاقة بين هذه البنى والمؤسسات مثل العائلة والدين والسياسة والطبقات الاجتماعية، وهي عناصر تدخل في بنية الرواية ليس فقط في وصف الشخصية، بل في تجارب هذه الشخصية المتأثرة إلى حدّ بعيد بالطبقات الاجتماعية والأوضاع المختلفة لظروف العائلة والدين والسياسية.