محمود حسن
على خلاف كثر من أبناء جيله، بدء الممثل الأمريكي داستن هوفمان حياته السينمائية بأول أفلامه كبطل بترشيح لجائزة الأوسكار، كان ذلك عن فيلمه "الخريج"، فالفنان المتمرس في مسارح برودواي، والحائز على جائزتها الكبرى كأحسن ممثل، كان يقدم أداء محمومًا، جديدًا، يخالف التقاليد السائدة في فترة الخمسينيات وقتذاك، التي ميزت عمل الممثل بطابع خطابي ورصانة في التجسيد.
في ذلك الوقت، لم يتنكر داستن هوفمان لجماليات الحواريات الطويلة للشخصيات، بل ظل متمسكًا بها، لكنه أبدى اهتمامًا موازيًا بملامح الشخصية وسلوكها، كان يحاول الإتيان بالشخصية من موقعها، لذلك قد تجد أداءه مشفوعًا بأسئلة بسيطة لكنها جوهرية، فبالإضافة إلى الاهتمام العميق بماذا تقول الشخصية وماذا تفعل، قدم هوفمان تساؤلات موازية حول الشخصية، وهي كيف تقول وكيف تفعل، كيف تأكل ، كيف تتحرك، كيف تبكي، كيف تصرخ، كيف تنكسر، وهذا ربما ما دفعه إلى المقدمة مبكرًا، ليحصل على ترشيحين لجائزة الأوسكار في أولى تجاربه السينمائية، بفارق عامين فقط عن فيلمه كاوبوي منتصف الليل.
انطلق بعد ذلك بمجموعة من الأداءات التمثيلية العبقرية، التي شكلت ولا تزال مراجع دراسية وبحثية في عمل وعلم الممثل. يجنح دومًا نحو نسج التفاصيل الدقيقة للشخصية، في الحركة والإيماءات وطبقة الصوت وانطباعات الوجه، وينقل أداءه ما بين الإسراف والسكون الانفعالي. لقد أثبت عبر سنوات من الأفلام الأيقونية في الذاكرة السينمائية أنه أستاذ في فن الممثل، والطريق أمام تجسيد الشخصية مفتوح أمامه في اتجاهين، من الداخل إلى الخارج، ومن الخارج إلى الداخل، أي أنه قد يبدأ العمل على الشخصية انطلاقًا من تفكيك عالمها الداخلي وتعقيداته، ليتوصل إلى سلوكها وشكلها وتفاصيها، وقد يبدأ من ملمح سلوكي وشكل خاص ويبحر بعد ذلك في عمقها. كما أن هوفمان يعلي من شأن النجاح، ويراه أكبر وأهم عامل في توليد الإيمان بما نفعل، يقول هوفمان في أحد اللقاءات الترويجية لفيلم "رجل المطر" إن النجاح يزيل الشك ويدحض الوهم. لا يمكن لمن نجح أن يفشل وإلا لكان غير مؤمن بحق بما يفعل.
وإليكم خمسة من أهم أفلام داستن هوفمان الأيقونية، والتي صنعت منه أيقونة هوليوود بلا منازع.
1- الخريج
اختار المخرج مايك نيكولس داستن هوفمان الشاب، للعب شخصية بن برادوك، في فيلمه الكوميدي الدرامي المأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب تشارلز روب.
تتحدث الراوية والفيلم عن التيه والتردد والتشتت، بوصفهما سمات تحكم عالمًا يغرق في الماديات شيئًا فشيئًا، ويحكي الفيلم عن ذلك من خلال تأزيم حياة بن برادوك، خريج الجامعة الجديد المقبل على حياة صارت مضطربة ومجهولة ومشوشة، أوقعته في خيارات صعبة، وأصابته بإرباك عاطفي جعله يقع في غواية امرأة تكبره سنًا بكثير، ليلملم بعد ذلك شتات نفسه بعد ذلك، ويقع في غرام ابنتها، الفيلم محمل بأسئلة كبيرة عن الذات والزمن والعمر ومشحون بالعواطف، ترك فيه داستن هوفمان نفسه لأداء انسيابي أخاذ، قاده لأول ترشيح لجائزة الأوسكار، ووضعه في مصاف أهم الممثلين السينمائيين في العالم.
- كاوبوي منتصف الليل
فيلم يعد تحفة سينمائية لم تكرر على صعيد الموضوع والمعالجة، إذ يرسم صورة للحضيض الإنساني، وتبدد الكرامة الإنسانية. فيلم بروح دونكيشوتية موغلة في المأساة وزوال الفروسية، يحكي قصة شابين يكافحان لاصطياد فرصة لعيش كريم في نيويورك التي أبرز الفيلم جانبًا شديد الوحشية منها، لكن المدينة القاسية تقتادهما إلى قاع حضيضها وتمرغ بكرامتهما الأرض.
يتأمل الفيلم في هشاشة الأحلام، وضعف الإنسان وسهولة انجرافه نحو الضياع وسلب الآدمية، ينهش الجوع والمرض جسد الشابين ويتيهان في شوارع نيويورك، وليس لهما في هذه الوحشة إلا بعضهما البعض.
قدم داستن هوفمان في هذا الفيلم، مجموعة من المشاهد التي تدرس حقيقة، وتعتبر دروسًا خالدة في علم الممثل، إذا في واحد من أروع وأقسى مشاهد الفيلم، يجلس الشابين متجاورين في الباص وكلاهما منهار ومريض وجائع، فيدخل داستن هوفمان في نوبة من البكاء والنشيج، لأنه تبول في ثيابه. بكاء فيه إدراك كامل لمستوى الحضيض الذي وصل إليه، دون أن يقول كلمة واحدة حول ذلك.
نال داستن هوفمان ترشيحه الثاني لجائزة الأوسكار عن أدائه العبقري في هذا الفيلم. الفيلم نال ثلاث جوائز أوسكار.
3- كلاب من قش
يثير الفيلم المنتج عام 1971 النقاش حول موضوعة العنف، العنف بوصفه سلوكًا، وبوصفه لغة للتعبير، وخيارًا لإعادة تعريف الذات والمجتمع.
وعلى الرغم من أن الفيلم تعرض لانتقادات واسعة أكاديمية وجماهيرية، بسبب الإسراف في مشاهد العنف والاغتصاب، وبالتحديد طول مشهد الاغتصاب، وبأن الفيلم منحاز للجوء لخيار العنف لتقديم فهم أكثر تبسيطًا للعالم، لكن الفيلم يعد واحدًا من أعمق التجارب السينمائية التي تحلل دوافع العنف، وتنظر إليه ليس بوصفه مفهومًا مستقلًا خاصًا بسياق اجتماعي وطبقي معين، بل بوصفه طبيعة قابلة للظهور والتسيد، لكنها تتخفى مؤقتًا خلف حجب من التفهم واللطف، والاستعداد للحوار، لكنه يشكك في صلابة تلك الحجب وبأن ظهور العنف، مرهون بتعريض الشخص للضغط المناسب ووصول الغضب لحد يسمح بانطلاق العنف وتحوله إلى لغة التفاهم الوحيدة، التي يعبر بها ومن خلالها الإنسان.
قدم داستن هوفمان بلعبه شخصية ديفيد سمنر هذه الفلسفة بأسلوب أدائي عبقري، وتدور قصة الفيلم حول أستاذ الرياضيات الجامعي المتزوج من فتاة جميلة متململة، تفتقد للتشويق في حياتها.
ينتقل الزوجان إلى بلدة نائية فيها بيت والد زوجة ديفيد. يعود الزوجان لترميمه والعيش فيه، ومعه يعود ماضي الفتاة في بلدتها الصغيرة ويبدأ السكان المحليون بمضايقة الزوجين، فيخدعان الزوج ويدعوانه إلى رحلة صيد لكنهم يتركونه ويرجع الشبان ويغتصبون زوجته، ليجد الزوج نفسه وسط دوامة نشطة من العنف لا يلبث أن ينخرط فيها، ليقوم بمجموعة من المشاهد في غاية التشويق، واللغة السينمائية العالية، بالانتقام وقتل المغتصبين.
4- توتسي
يقدم داستن هوفمان في هذه الكوميديا الرومنسية، أداء يضعه في سكة الكوميديا ذات العيار الثقيل، كوميديا وودي آلن القائمة على المفارقات والمواقف، كوميديا الظرف الكلاسيكية، كوميديا قناع فن التهريج، لكن باشتغال عملياتي يحيل القناع التقليدي القديم إلى شخصية مكتملة، ويعيد إنتاج سلوك التهريج، ويحوله إلى صراعات واقعية ومواقف كوميدية، أظهر هوفمان في هذا الفيلم الاستعراضي قدرته وأدواته، كواحد من أبرع المشتغلين على كوميديا النوع المتخصصة، تدور قصة الفيلم حول مايكل دورسي الممثل المسرحي الموهوب، الذي يعاني الأمرين ليحظى بفرصة عمل في المسرح أو التلفزيون، لكنه يطرد وينبذ دومًا بسبب فضوليته، وتدخله الأكاديمي في الصناعة الإنتاجية ومتطلباته الكثيرة كممثل، يعارض التناول السطحي والتجاري لمهنة التمثيل، يذهب في يوم لمساعدة صديقته في تجربة أداء فتفشل صديقته، وهنا تخطر له الفكرة في أن يتنكر بزي سيدة ويقوم بتجربة الأداء والمفاجأة أنه ينجح، ويحظى بالدور، تزداد الحكاية تأزمًا وتتعاظم ورطة مايكل دورسي، بعد أن تصبح دوروثي التي يلعبها شخصية ملهمة لنساء المجتمع الأمريكي وتتسع شهرتها بتسارع كبير، جعل من الصعب على مايكل الخروج منها.
تقع دورثي – مايكل في حب بطلة المسلسل ويعاني مايكل لأنه غير قادر على الإفصاح عن مشاعره، بينما يقع والد البطلة في حب دورثي. سلسلة من المفارقات الكوميدية والأداء التمثيلي العبقري، جعلت من هذه الكوميديا الرومنسية مضحكة ومسلية، رغم مرور الزمن عليها، وكأنها مقاومة لعوامل الزمن.
نالت جيسيكا لاند أوسكار أفضل ممثلة مساعدة، بينما حصل هوفمان على الغولدن غلوب عن أدائه للشخصيتين. الفيلم من إنتاج عام 1982، ومن إخراج المخرج سيدني بولاك الذي نال ترشيحًا لجائزة أوسكار أفضل مخرج وأفضل فيلم.
5- رجل المطر
يعالج الفيلم قضية رايموند المصاب بطيف توحد، والمقتبس عن شخصية حقيقية هي كيم بيك، صاحب أقوى ذاكرة حفظية، وعبقرية في العمليات الحسابية الرياضية.
تماهى داستن هوفمان، الذي أجرى مقابلات عدة مع الشخصية الحقيقية لينمذج سلوكها سينمائيًا، تماهى مع شخصية رايموند وقدم أداء عبقريًا حصل من خلاله على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل، تدور أحداث القصة، حول تشارلي الشاب المتعجرف العملي، الذي يعمل في تجارة السيارات، وشقيقه الأكبر رايموند المصاب بطيف التوحد، بعد وفاة والدهما يكتشف تشارلي أن والده قد أوصى بميراثه كله لرايموند، تدفع وصية الأب تشارلي إلى الجنون، فيختطف شقيقه الذي لم يكن يعلم بوجوده أصلًا، ويذهبان في رحلة طريق يعبران فيها أمريكا، وخلال الرحلة تنشأ العلاقة بين الشقيقين، وتكون هذه الرحلة سببًا بإحداث تحول كبير داخل تشارلي، الذي يحاول جاهدًا نيل الوصاية القانونية على شقيقه لكنه يفشل، ورغم فشله في نيل الوصاية إلا أنه شعر بأنه كسب الكثير من خلال معرفة شقيقه، الذي أيقظ فيه الجانب الخير والطيب.
حصد الفيلم المنتج عام 1988 أربع جوائز أوسكار، كأفضل فيلم وأفضل سيناريو أصلي وأفضل إخراج، وبالطبع أفضل ممثل لداستن هوفمان.
على خلاف كثر من أبناء جيله، بدء الممثل الأمريكي داستن هوفمان حياته السينمائية بأول أفلامه كبطل بترشيح لجائزة الأوسكار، كان ذلك عن فيلمه "الخريج"، فالفنان المتمرس في مسارح برودواي، والحائز على جائزتها الكبرى كأحسن ممثل، كان يقدم أداء محمومًا، جديدًا، يخالف التقاليد السائدة في فترة الخمسينيات وقتذاك، التي ميزت عمل الممثل بطابع خطابي ورصانة في التجسيد.
في ذلك الوقت، لم يتنكر داستن هوفمان لجماليات الحواريات الطويلة للشخصيات، بل ظل متمسكًا بها، لكنه أبدى اهتمامًا موازيًا بملامح الشخصية وسلوكها، كان يحاول الإتيان بالشخصية من موقعها، لذلك قد تجد أداءه مشفوعًا بأسئلة بسيطة لكنها جوهرية، فبالإضافة إلى الاهتمام العميق بماذا تقول الشخصية وماذا تفعل، قدم هوفمان تساؤلات موازية حول الشخصية، وهي كيف تقول وكيف تفعل، كيف تأكل ، كيف تتحرك، كيف تبكي، كيف تصرخ، كيف تنكسر، وهذا ربما ما دفعه إلى المقدمة مبكرًا، ليحصل على ترشيحين لجائزة الأوسكار في أولى تجاربه السينمائية، بفارق عامين فقط عن فيلمه كاوبوي منتصف الليل.
انطلق بعد ذلك بمجموعة من الأداءات التمثيلية العبقرية، التي شكلت ولا تزال مراجع دراسية وبحثية في عمل وعلم الممثل. يجنح دومًا نحو نسج التفاصيل الدقيقة للشخصية، في الحركة والإيماءات وطبقة الصوت وانطباعات الوجه، وينقل أداءه ما بين الإسراف والسكون الانفعالي. لقد أثبت عبر سنوات من الأفلام الأيقونية في الذاكرة السينمائية أنه أستاذ في فن الممثل، والطريق أمام تجسيد الشخصية مفتوح أمامه في اتجاهين، من الداخل إلى الخارج، ومن الخارج إلى الداخل، أي أنه قد يبدأ العمل على الشخصية انطلاقًا من تفكيك عالمها الداخلي وتعقيداته، ليتوصل إلى سلوكها وشكلها وتفاصيها، وقد يبدأ من ملمح سلوكي وشكل خاص ويبحر بعد ذلك في عمقها. كما أن هوفمان يعلي من شأن النجاح، ويراه أكبر وأهم عامل في توليد الإيمان بما نفعل، يقول هوفمان في أحد اللقاءات الترويجية لفيلم "رجل المطر" إن النجاح يزيل الشك ويدحض الوهم. لا يمكن لمن نجح أن يفشل وإلا لكان غير مؤمن بحق بما يفعل.
وإليكم خمسة من أهم أفلام داستن هوفمان الأيقونية، والتي صنعت منه أيقونة هوليوود بلا منازع.
1- الخريج
اختار المخرج مايك نيكولس داستن هوفمان الشاب، للعب شخصية بن برادوك، في فيلمه الكوميدي الدرامي المأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب تشارلز روب.
تتحدث الراوية والفيلم عن التيه والتردد والتشتت، بوصفهما سمات تحكم عالمًا يغرق في الماديات شيئًا فشيئًا، ويحكي الفيلم عن ذلك من خلال تأزيم حياة بن برادوك، خريج الجامعة الجديد المقبل على حياة صارت مضطربة ومجهولة ومشوشة، أوقعته في خيارات صعبة، وأصابته بإرباك عاطفي جعله يقع في غواية امرأة تكبره سنًا بكثير، ليلملم بعد ذلك شتات نفسه بعد ذلك، ويقع في غرام ابنتها، الفيلم محمل بأسئلة كبيرة عن الذات والزمن والعمر ومشحون بالعواطف، ترك فيه داستن هوفمان نفسه لأداء انسيابي أخاذ، قاده لأول ترشيح لجائزة الأوسكار، ووضعه في مصاف أهم الممثلين السينمائيين في العالم.
- كاوبوي منتصف الليل
فيلم يعد تحفة سينمائية لم تكرر على صعيد الموضوع والمعالجة، إذ يرسم صورة للحضيض الإنساني، وتبدد الكرامة الإنسانية. فيلم بروح دونكيشوتية موغلة في المأساة وزوال الفروسية، يحكي قصة شابين يكافحان لاصطياد فرصة لعيش كريم في نيويورك التي أبرز الفيلم جانبًا شديد الوحشية منها، لكن المدينة القاسية تقتادهما إلى قاع حضيضها وتمرغ بكرامتهما الأرض.
يتأمل الفيلم في هشاشة الأحلام، وضعف الإنسان وسهولة انجرافه نحو الضياع وسلب الآدمية، ينهش الجوع والمرض جسد الشابين ويتيهان في شوارع نيويورك، وليس لهما في هذه الوحشة إلا بعضهما البعض.
قدم داستن هوفمان في هذا الفيلم، مجموعة من المشاهد التي تدرس حقيقة، وتعتبر دروسًا خالدة في علم الممثل، إذا في واحد من أروع وأقسى مشاهد الفيلم، يجلس الشابين متجاورين في الباص وكلاهما منهار ومريض وجائع، فيدخل داستن هوفمان في نوبة من البكاء والنشيج، لأنه تبول في ثيابه. بكاء فيه إدراك كامل لمستوى الحضيض الذي وصل إليه، دون أن يقول كلمة واحدة حول ذلك.
نال داستن هوفمان ترشيحه الثاني لجائزة الأوسكار عن أدائه العبقري في هذا الفيلم. الفيلم نال ثلاث جوائز أوسكار.
3- كلاب من قش
يثير الفيلم المنتج عام 1971 النقاش حول موضوعة العنف، العنف بوصفه سلوكًا، وبوصفه لغة للتعبير، وخيارًا لإعادة تعريف الذات والمجتمع.
وعلى الرغم من أن الفيلم تعرض لانتقادات واسعة أكاديمية وجماهيرية، بسبب الإسراف في مشاهد العنف والاغتصاب، وبالتحديد طول مشهد الاغتصاب، وبأن الفيلم منحاز للجوء لخيار العنف لتقديم فهم أكثر تبسيطًا للعالم، لكن الفيلم يعد واحدًا من أعمق التجارب السينمائية التي تحلل دوافع العنف، وتنظر إليه ليس بوصفه مفهومًا مستقلًا خاصًا بسياق اجتماعي وطبقي معين، بل بوصفه طبيعة قابلة للظهور والتسيد، لكنها تتخفى مؤقتًا خلف حجب من التفهم واللطف، والاستعداد للحوار، لكنه يشكك في صلابة تلك الحجب وبأن ظهور العنف، مرهون بتعريض الشخص للضغط المناسب ووصول الغضب لحد يسمح بانطلاق العنف وتحوله إلى لغة التفاهم الوحيدة، التي يعبر بها ومن خلالها الإنسان.
قدم داستن هوفمان بلعبه شخصية ديفيد سمنر هذه الفلسفة بأسلوب أدائي عبقري، وتدور قصة الفيلم حول أستاذ الرياضيات الجامعي المتزوج من فتاة جميلة متململة، تفتقد للتشويق في حياتها.
ينتقل الزوجان إلى بلدة نائية فيها بيت والد زوجة ديفيد. يعود الزوجان لترميمه والعيش فيه، ومعه يعود ماضي الفتاة في بلدتها الصغيرة ويبدأ السكان المحليون بمضايقة الزوجين، فيخدعان الزوج ويدعوانه إلى رحلة صيد لكنهم يتركونه ويرجع الشبان ويغتصبون زوجته، ليجد الزوج نفسه وسط دوامة نشطة من العنف لا يلبث أن ينخرط فيها، ليقوم بمجموعة من المشاهد في غاية التشويق، واللغة السينمائية العالية، بالانتقام وقتل المغتصبين.
4- توتسي
يقدم داستن هوفمان في هذه الكوميديا الرومنسية، أداء يضعه في سكة الكوميديا ذات العيار الثقيل، كوميديا وودي آلن القائمة على المفارقات والمواقف، كوميديا الظرف الكلاسيكية، كوميديا قناع فن التهريج، لكن باشتغال عملياتي يحيل القناع التقليدي القديم إلى شخصية مكتملة، ويعيد إنتاج سلوك التهريج، ويحوله إلى صراعات واقعية ومواقف كوميدية، أظهر هوفمان في هذا الفيلم الاستعراضي قدرته وأدواته، كواحد من أبرع المشتغلين على كوميديا النوع المتخصصة، تدور قصة الفيلم حول مايكل دورسي الممثل المسرحي الموهوب، الذي يعاني الأمرين ليحظى بفرصة عمل في المسرح أو التلفزيون، لكنه يطرد وينبذ دومًا بسبب فضوليته، وتدخله الأكاديمي في الصناعة الإنتاجية ومتطلباته الكثيرة كممثل، يعارض التناول السطحي والتجاري لمهنة التمثيل، يذهب في يوم لمساعدة صديقته في تجربة أداء فتفشل صديقته، وهنا تخطر له الفكرة في أن يتنكر بزي سيدة ويقوم بتجربة الأداء والمفاجأة أنه ينجح، ويحظى بالدور، تزداد الحكاية تأزمًا وتتعاظم ورطة مايكل دورسي، بعد أن تصبح دوروثي التي يلعبها شخصية ملهمة لنساء المجتمع الأمريكي وتتسع شهرتها بتسارع كبير، جعل من الصعب على مايكل الخروج منها.
تقع دورثي – مايكل في حب بطلة المسلسل ويعاني مايكل لأنه غير قادر على الإفصاح عن مشاعره، بينما يقع والد البطلة في حب دورثي. سلسلة من المفارقات الكوميدية والأداء التمثيلي العبقري، جعلت من هذه الكوميديا الرومنسية مضحكة ومسلية، رغم مرور الزمن عليها، وكأنها مقاومة لعوامل الزمن.
نالت جيسيكا لاند أوسكار أفضل ممثلة مساعدة، بينما حصل هوفمان على الغولدن غلوب عن أدائه للشخصيتين. الفيلم من إنتاج عام 1982، ومن إخراج المخرج سيدني بولاك الذي نال ترشيحًا لجائزة أوسكار أفضل مخرج وأفضل فيلم.
5- رجل المطر
يعالج الفيلم قضية رايموند المصاب بطيف توحد، والمقتبس عن شخصية حقيقية هي كيم بيك، صاحب أقوى ذاكرة حفظية، وعبقرية في العمليات الحسابية الرياضية.
تماهى داستن هوفمان، الذي أجرى مقابلات عدة مع الشخصية الحقيقية لينمذج سلوكها سينمائيًا، تماهى مع شخصية رايموند وقدم أداء عبقريًا حصل من خلاله على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل، تدور أحداث القصة، حول تشارلي الشاب المتعجرف العملي، الذي يعمل في تجارة السيارات، وشقيقه الأكبر رايموند المصاب بطيف التوحد، بعد وفاة والدهما يكتشف تشارلي أن والده قد أوصى بميراثه كله لرايموند، تدفع وصية الأب تشارلي إلى الجنون، فيختطف شقيقه الذي لم يكن يعلم بوجوده أصلًا، ويذهبان في رحلة طريق يعبران فيها أمريكا، وخلال الرحلة تنشأ العلاقة بين الشقيقين، وتكون هذه الرحلة سببًا بإحداث تحول كبير داخل تشارلي، الذي يحاول جاهدًا نيل الوصاية القانونية على شقيقه لكنه يفشل، ورغم فشله في نيل الوصاية إلا أنه شعر بأنه كسب الكثير من خلال معرفة شقيقه، الذي أيقظ فيه الجانب الخير والطيب.
حصد الفيلم المنتج عام 1988 أربع جوائز أوسكار، كأفضل فيلم وأفضل سيناريو أصلي وأفضل إخراج، وبالطبع أفضل ممثل لداستن هوفمان.