سويدنبورغ (إمانويل ـ)
(1688 ـ 1772)
إمانويل سويدنبورغ (سفيدِبري)Emanuel Swedberg عالم وكاتب وفيلسوف سويدي، ومؤسس كنيسة القدس الجديدةNew Jerusalem الموحدة الناشطة في بريطانيا والولايات المتحدة. ولد في ستوكهولم لأب كان عنصراً بارزاً في الحياة الدينية والثقافية، إذ كان أسقفاً وأستاذاً في اللاهوت في جامعة أبسالا Uppsala، وعند منح العائلة مرتبة النبالة في عام 1719 اتخذت اسم سويدنبورغ Swedenborg. درس في جامعة أبسالا وتخرج فيها عام 1709 وحصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة، إلا أن اهتمامه الأول انصب على العلوم الطبيعية. بدأ بعد ذلك التجوال والبحث في بلدان أوربا وأمضى خمس سنوات في فرنسا وهولندا وإنكلترا. ولدى عودته إلى بلاده صار مساعداً للعالم كريستوفر بولهِم K.Polhemومشرفاً على المجلس الملكي للمناجم، وأصدر صحيفة علمية باسم «ديدالُس هيبربوريوس» Daedalus Hyperboreus. ومع هذه النشاطات وجد الوقت الكافي لكتابة بعض الأشعار باللغة اللاتينية التي كتب بها أغلب مؤلفاته، ونشرت خلال حياته.
سعى سويدنبورغ إلى تطوير نفسه بالقراءة الكثيرة والسفر، ولم ينشر خلال عشر سنوات سوى مؤلفين في الفلسفة والكيمياء. ثم نشر في لايبزيغ «أعمال فلسفية ومنطقية» (1734) Opera philosophica et mineralia في ثلاثة مجلدات كان أولها «أسس الأشياء الطبيعية» Principia rerum naturalium الذي ضم فلسفته حول الطبيعة متأثراً إلى حد كبير بأفكار ديكارت [ر] حول تركيب المواد وحركتها، وعن كون الأرض والمجموعة الشمسية انفصلت عن الشمس ذاتها. وهذا المبدأ هو الدعامة الرئيسية في نظرية سويدنبورغ حول نشوء الشمس والكواكب السيارة القائلة بأن هذه كلها نشأت من غيمة سديمية nebula واحدة، وهي سابقة لنظرية كَنْت ولابلاس حول الغيوم السديمية، ولنظرية الانفجار العظيمBig Bang حول نشوء الكون.
كان كتاب سويدنبورغ «اقتصاد المملكة الروحية» Oeconomica regni animalis الذي أكمله ونشره في امستردام بين عامي 1740 و1741 مفصلاً مهماً في حياته. و«المملكة الروحية» في فكر سويدنبورغ هي الجسم البشري ومسكن الروح anima. وكان قد درس النفس الإنسانية والجسم، وخصوصاً الدم والدماغ، وكان هدفه في ذلك إثبات خلود الروح. وخلص إلى أن الروح هي في حيوية الدم وبأن مكانها هو الدماغ cellular cortex، وبحث في ما يحصل لهذه الروح عند موت الجسد وانتقالها إلى عالم آخر. نشر بعد ذلك «المملكة الروحية» (1744ـ1745) Regnum animale في ثلاثة مجلدات ضمت أبحاثه النفسية ومحاولاته إيجاد لغة عالمية اعتماداً على نماذج ديكارت ولايبنيتس، إلا أنه وضع بديلاً لها في مبدأ التراسل correspondence[ر. تراسل الحواس] الذي قدمه في كتاب «مفتاح هيروغليفي»Clavis hieroglyphicaالذي نشر بعد وفاته في عام 1784، ويرى فيه أن هذا التراسل قائم بين العالمين المادي والروحي إذ أن لكل شيء موجود في الطبيعة ما يسببه ويقابله في العالم الروحي.
كتب سويدنبورغ «كتاب الأحلام» (1743ـ1744) Drömboken، وهو مؤلفه الوحيد باللغة السويدية، بدأه على شكل يوميات في مداخل عن أحداث عادية في حياته اليومية، لينتقل فجأة إلى سلسلة من الأحلام والرؤى والحالات الروحية التي مر بها صدمت القراء عند نشرها لما احتوته من تفسيرات على صعيد حياة الكاتب الشخصية وعلى الصعيد العام. وتطور ذلك إلى رؤى تتعلق بالسيد المسيح والله. وكان قد بدأ في الوقت نفسه كتابه «حول عبادة وحب الله» (1745) De cultu et amore Dei وهي دراما حول الخليقة إلا أنها بقيت غير مكتملة. ثم كتب دراسته الدينية المطولة في ثمانية مجلدات «ألغاز سماوية» (1749ـ1756)Arcana coelestia ونشرت في لندن، شرح فيها سفري «التكوين» و«الخروج»، و«حول الجنة والجحيم» (1758) De coelo et de inferno عن تجربته الدينية، كما كتب «حول الحب الزوجي» (1768) De amore conjugialiوهو مؤلفه الأشهر الذي ترك أثراً لدى كتّاب كبار مثل بلزاك وشعراء مثل بودلير.
وضع سويدنبورغ في كتابه الكبير الأخير «الديانة المسيحية الحقة» Vera Christiana Religio الذي نشره في امستردام عام 1771 في ثمانية مجلدات تصوراً كاملاً لفكره الديني الناتج عن دراية ودراسة طويلة. فقد بحث في الماهيات وعاد إلى بدايات الكنيسة الأولى وإلى ما قبل الجدل الديني، من المجمع المسكوني في نيقيةNicaea حتى «الانشقاق الكبير» في الكنيسة عام 1054، حين أضيفت إلى عقيدة الإيمان النيقية، القائلة بانبثاق الروح القدس من الأب، كلمة «والابن» et filioque، منهية بذلك ألف عام من التوحيد، فرفض المبدأ القائل بألوهية السيد المسيح والثالوث. ورأى سويدنبورغ أيضاً استحالة الوصول إلى الهدف المقصود من وراء الخليقة إلا بواسطة الإنسان؛ لكن هذا الإنسان انحرف عن الطريق القويم وأساء استخدام الإرادة الحرة التي منحه إياها الخالق، ومن ذلك نبع الشر.
كان سويدنبورغ موسوعياً في اهتماماته العلمية والدينية والأدبية. فقد نهل من الكتب الدينية المقدسة، ومن أدب عصر النهضة وفكره، إذ كان على اطلاع على الشعر الميتافيزيقي الإنكليزي، وعلى الفكر الصوفي حين بحث في وحدة الوجود وتمثُّل الخالق في الكون وتكامل العالمين المادي والروحي، كما نهل أيضاً من أفكار عصر التنوير حين نادى بحرية الإنسان ومسؤوليته، ورأى بأن الجنة والجحيم ليستا مكاناً جغرافياً حسياً بل حالتان نفسيتان.
لم يقتصر تأثير سويدنبورغ في المقربين إليه فقط، فقد نشأت بعد وفاته مباشرة منظمات كنسية عديدة اعتماداً على فكره، كما أثر في أدباء وفلاسفة بارزين أمثال بليك وإمرسون وثورو وسترندبرغ وسانتيانا. إلا أن أفكاره لم تلق ذلك الترحيب الحار في بلاده إذ حكمت عليه الكنيسة السويدية بالحرمان عام 1769 بذريعة الهرطقة. توفي في لندن ودفن هناك إلى أن أعيدت رفاته إلى وطنه بناء على طلب الحكومة السويدية عام 1908 لتدفن من جديد في كاتدرائية أبسالا.
طارق علوش
(1688 ـ 1772)
إمانويل سويدنبورغ (سفيدِبري)Emanuel Swedberg عالم وكاتب وفيلسوف سويدي، ومؤسس كنيسة القدس الجديدةNew Jerusalem الموحدة الناشطة في بريطانيا والولايات المتحدة. ولد في ستوكهولم لأب كان عنصراً بارزاً في الحياة الدينية والثقافية، إذ كان أسقفاً وأستاذاً في اللاهوت في جامعة أبسالا Uppsala، وعند منح العائلة مرتبة النبالة في عام 1719 اتخذت اسم سويدنبورغ Swedenborg. درس في جامعة أبسالا وتخرج فيها عام 1709 وحصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة، إلا أن اهتمامه الأول انصب على العلوم الطبيعية. بدأ بعد ذلك التجوال والبحث في بلدان أوربا وأمضى خمس سنوات في فرنسا وهولندا وإنكلترا. ولدى عودته إلى بلاده صار مساعداً للعالم كريستوفر بولهِم K.Polhemومشرفاً على المجلس الملكي للمناجم، وأصدر صحيفة علمية باسم «ديدالُس هيبربوريوس» Daedalus Hyperboreus. ومع هذه النشاطات وجد الوقت الكافي لكتابة بعض الأشعار باللغة اللاتينية التي كتب بها أغلب مؤلفاته، ونشرت خلال حياته.
سعى سويدنبورغ إلى تطوير نفسه بالقراءة الكثيرة والسفر، ولم ينشر خلال عشر سنوات سوى مؤلفين في الفلسفة والكيمياء. ثم نشر في لايبزيغ «أعمال فلسفية ومنطقية» (1734) Opera philosophica et mineralia في ثلاثة مجلدات كان أولها «أسس الأشياء الطبيعية» Principia rerum naturalium الذي ضم فلسفته حول الطبيعة متأثراً إلى حد كبير بأفكار ديكارت [ر] حول تركيب المواد وحركتها، وعن كون الأرض والمجموعة الشمسية انفصلت عن الشمس ذاتها. وهذا المبدأ هو الدعامة الرئيسية في نظرية سويدنبورغ حول نشوء الشمس والكواكب السيارة القائلة بأن هذه كلها نشأت من غيمة سديمية nebula واحدة، وهي سابقة لنظرية كَنْت ولابلاس حول الغيوم السديمية، ولنظرية الانفجار العظيمBig Bang حول نشوء الكون.
كان كتاب سويدنبورغ «اقتصاد المملكة الروحية» Oeconomica regni animalis الذي أكمله ونشره في امستردام بين عامي 1740 و1741 مفصلاً مهماً في حياته. و«المملكة الروحية» في فكر سويدنبورغ هي الجسم البشري ومسكن الروح anima. وكان قد درس النفس الإنسانية والجسم، وخصوصاً الدم والدماغ، وكان هدفه في ذلك إثبات خلود الروح. وخلص إلى أن الروح هي في حيوية الدم وبأن مكانها هو الدماغ cellular cortex، وبحث في ما يحصل لهذه الروح عند موت الجسد وانتقالها إلى عالم آخر. نشر بعد ذلك «المملكة الروحية» (1744ـ1745) Regnum animale في ثلاثة مجلدات ضمت أبحاثه النفسية ومحاولاته إيجاد لغة عالمية اعتماداً على نماذج ديكارت ولايبنيتس، إلا أنه وضع بديلاً لها في مبدأ التراسل correspondence[ر. تراسل الحواس] الذي قدمه في كتاب «مفتاح هيروغليفي»Clavis hieroglyphicaالذي نشر بعد وفاته في عام 1784، ويرى فيه أن هذا التراسل قائم بين العالمين المادي والروحي إذ أن لكل شيء موجود في الطبيعة ما يسببه ويقابله في العالم الروحي.
كتب سويدنبورغ «كتاب الأحلام» (1743ـ1744) Drömboken، وهو مؤلفه الوحيد باللغة السويدية، بدأه على شكل يوميات في مداخل عن أحداث عادية في حياته اليومية، لينتقل فجأة إلى سلسلة من الأحلام والرؤى والحالات الروحية التي مر بها صدمت القراء عند نشرها لما احتوته من تفسيرات على صعيد حياة الكاتب الشخصية وعلى الصعيد العام. وتطور ذلك إلى رؤى تتعلق بالسيد المسيح والله. وكان قد بدأ في الوقت نفسه كتابه «حول عبادة وحب الله» (1745) De cultu et amore Dei وهي دراما حول الخليقة إلا أنها بقيت غير مكتملة. ثم كتب دراسته الدينية المطولة في ثمانية مجلدات «ألغاز سماوية» (1749ـ1756)Arcana coelestia ونشرت في لندن، شرح فيها سفري «التكوين» و«الخروج»، و«حول الجنة والجحيم» (1758) De coelo et de inferno عن تجربته الدينية، كما كتب «حول الحب الزوجي» (1768) De amore conjugialiوهو مؤلفه الأشهر الذي ترك أثراً لدى كتّاب كبار مثل بلزاك وشعراء مثل بودلير.
وضع سويدنبورغ في كتابه الكبير الأخير «الديانة المسيحية الحقة» Vera Christiana Religio الذي نشره في امستردام عام 1771 في ثمانية مجلدات تصوراً كاملاً لفكره الديني الناتج عن دراية ودراسة طويلة. فقد بحث في الماهيات وعاد إلى بدايات الكنيسة الأولى وإلى ما قبل الجدل الديني، من المجمع المسكوني في نيقيةNicaea حتى «الانشقاق الكبير» في الكنيسة عام 1054، حين أضيفت إلى عقيدة الإيمان النيقية، القائلة بانبثاق الروح القدس من الأب، كلمة «والابن» et filioque، منهية بذلك ألف عام من التوحيد، فرفض المبدأ القائل بألوهية السيد المسيح والثالوث. ورأى سويدنبورغ أيضاً استحالة الوصول إلى الهدف المقصود من وراء الخليقة إلا بواسطة الإنسان؛ لكن هذا الإنسان انحرف عن الطريق القويم وأساء استخدام الإرادة الحرة التي منحه إياها الخالق، ومن ذلك نبع الشر.
كان سويدنبورغ موسوعياً في اهتماماته العلمية والدينية والأدبية. فقد نهل من الكتب الدينية المقدسة، ومن أدب عصر النهضة وفكره، إذ كان على اطلاع على الشعر الميتافيزيقي الإنكليزي، وعلى الفكر الصوفي حين بحث في وحدة الوجود وتمثُّل الخالق في الكون وتكامل العالمين المادي والروحي، كما نهل أيضاً من أفكار عصر التنوير حين نادى بحرية الإنسان ومسؤوليته، ورأى بأن الجنة والجحيم ليستا مكاناً جغرافياً حسياً بل حالتان نفسيتان.
لم يقتصر تأثير سويدنبورغ في المقربين إليه فقط، فقد نشأت بعد وفاته مباشرة منظمات كنسية عديدة اعتماداً على فكره، كما أثر في أدباء وفلاسفة بارزين أمثال بليك وإمرسون وثورو وسترندبرغ وسانتيانا. إلا أن أفكاره لم تلق ذلك الترحيب الحار في بلاده إذ حكمت عليه الكنيسة السويدية بالحرمان عام 1769 بذريعة الهرطقة. توفي في لندن ودفن هناك إلى أن أعيدت رفاته إلى وطنه بناء على طلب الحكومة السويدية عام 1908 لتدفن من جديد في كاتدرائية أبسالا.
طارق علوش