كيسان (محمد احمد) Ibn Kissan (Mohammad ibn Ahmad-) - Ibn Kissan (Mohammad ibn Ahmad-)
ابن كيسان (محمد بن أحمد ـ)
(من نحاة القرن 3 و4 للهجرة)
أبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان، النحوي اللغوي، و«كيسان» لقب جده إبراهيم، وقيل: لقب أبيه.
لم تذكر المصادر زمن ولادته، ولا ذكرت أيضاً شيئاً عن نشأته وحياته، واختلفت فوق ذلك في سنة وفاته على قولين يصعب التوفيق بينهما، فقد ذكر الخطيب البغدادي أنه توفي سنة (299هـ) في خلافة المقتدر العباسي (295-320هـ) وتبعه جُلّ من ترجم له، بيد أن ياقوتاً استبعد ذلك، قال: «والذي ذكره الخطيب لاشكّ سهو، فإني وجدت في تاريخ أبي غالب همام بن الفضل بن المهذب المغربي أن ابن كيسان مات في سنة عشرين وثلاثمئة». وشكك أيضاً فيما جاء على لسان أبي حيان التوحيدي (ت نحو 400هـ) من وصفه مجلس ابن كيسان: «ما رأيت مجلساً أكثر فائدة وأجمع لأصناف العلوم وخاصّة ما يتعلّق بالتحف والطرف والنتف من مجلس ابن كيسان … حتى قال الصابئ: هذا الرجل من الجنّ إلا أنه في شكل إنسان».
والذي يخشاه الباحث هو وجود غير واحد ممن تلقب بـ«ابن كيسان» اختلطت سنو وفياتهم وأزمانهم، وأن الذي عناه البغدادي ليس هو من تحدّث عنه أبو حيان، ولعله مما يؤنس بذلك ما نُقِل عن الزبيدي في ترجمة محمد هذا: «وليس هذا بالقديم الذي له في العروض والمعمّى كتاب». ويؤنس بذلك أيضاً ما ذكره الخطيب البغدادي أن محمداً هذا رزق سنة 282هـ بتوءمين سمّى الأول محمداً كاسم والده، وسمّى الثاني عليّاً، وهذا الأخير لُقّب بأبي الحسن كلقب والده وكان من أهل العلم في عصره.
ومهما يكن فإن من الثابت أن صاحب الترجمة هو من طبقة إبراهيم بن السري[ر] الزجاج (ت 310هـ)، وأساتذته هم أساتذة الزجاج أيضاً، فقد أخذ النحو عن علمين من أعلام البصرة والكوفة؛ هما محمد ابن يزيد المبرد البصري (ت 285هـ)، وأحمد بن يحيى المعروف بثعلب الكوفي (ت 291هـ)؛ ولذا وصفه معاصروه بأنه كان يحفظ مذهب البصريين والكوفيين في النحو، وقد أثنى عليه أبو بكر بن مجاهد (ت 324هـ)، وكان يقول: «هو أنحى من الشيخين» (يعني المبرد وثعلباً)، وكذا أثنى عليه أبو حيان التوحيدي كما سلف؛ إن صح أنه المقصود، ووصف لنا مجلس علمه، قال: «كان يبدأ بأخذ القرآن والقراءات، ثم يأخذ بأحاديث رسول الله r، فإذا قُرئ خبر غريب أو لفظة شاذة أبان عنها، وتكلّم عليها، وسأل أصحابه عن معناها، وكان يُقرأ عليه مجالسات ثعلب في طرفي النهار، وقد اجتمع على باب مسجده نحو مئة رأس من الدواب للرؤساء والكُتّاب والأشراف والأعيان الذين قصدوه».
وقد أشار القدماء إلى تردّده بين المذهبين الكوفي والبصري، فذكر السيرافي أنه كان يخلط بين المذهبين، وذكر أبو الطيب اللغوي أن ابن كيسان كان يختار أشياء من مذهب الفراء يخالف فيها سيبويه، وأنه كان يسأل المبرد عن مسائل، فيجيبه، فيعارضها بقول الكوفيين.
ولعل تردّده هذا أثار حفيظة معاصره أبي بكر بن الأنباري (ت 328هـ) وهو من أئمة الكوفيين، فقد ذكرت المصادر أنه كان يتعصب على ابن كيسان، ويقول: «خلط بين المذهبين، فلم يضبط منهما شيئاً»، وكان يفضل الزجاج عليه.
ولم يكن القدماء على رأي واحد في تبيان مدى ميله إلى أحد المذهبين دون الآخر، فقد جعله الزبيدي في عداد البصريين، وذكر ياقوت أيضاً أنه كان إلى البصريين أميل، بيد أن الزجاجي عبد الرحمن ابن إسحاق (ت 338هـ) - وهو من تلامذة ابن كيسان - جعله أقرب إلى نحاة الكوفة، قال: «ومن علماء الكوفيين الذين أَخَذْتُ عنهم أبو الحسن بن كيسان وأبو بكر بن شقير وأبو بكر بن الخياط؛ لأن هؤلاء قدوة أعلام في علم الكوفيين، وكان أول اعتمادهم عليه، ثم درسوا علم البصريين بعد ذلك فجمعوا بين العلمين»، ويؤيد كلام الزجاجي هذا ما ذكره مَبْرَمان أنه قصد ابن كيسان؛ ليقرأ عليه كتاب سيبويه، فامتنع وقال: «اذهب إلى أهله»، يشير بذلك إلى الزجاج.
وهذا الأخذ عن المذهبين دفع بعض الدارسين المعاصرين -ولاسيما شوقي ضيف- إلى أن جعل ابن كيسان رأس مدرسة جديدة في النحو العربي ظهرت معالمها في القرن الرابع سمّاها «المدرسة البغدادية»، فقد عرض في كتابه «المدارس النحوية» جملة من آرائه التي وافق فيها البصريين أو الكوفيين، وشيئاً من آرائه الاجتهادية، ثم قال: «ولعل في كل ما قدّمنا ما يدلّ على براعة ابن كيسان، وكيف ابتدأ المدرسة البغدادية، فهو يعكف على آراء الكوفيين والبصريين دارساً فاحصاً منتخباً لنفسه طائفة من الآراء البصرية وأخرى من الآراء الكوفية ومشتقاً لنفسه آراء جديدة مبتكرة».
صنّف ابن كيسان طائفة من الكتب تدل أسماؤها على سعة ثقافته النحوية واللغوية بيد أنها فقدت، ولا نعرف عنها إلا أسماءها، وهي: «المهذب في النحو»، «غلط أدب الكاتب»، «اللامات»، «الحقائق»، «البرهان»، «مصابيح الكتّاب»، «الهجاء والخط»، «غريب الحديث»، «الوقف والابتداء»، «القراءات»، «التصاريف»، «الشاذان في النحو»، «المذكر والمؤنث»، «المقصور والممدود»، «معاني القرآن»، «المختصر في النحو»، «المسائل»، «ما اختلف فيه البصريون والكوفيون»، «الفاعل والمفعول به»، «المختار في علل النحو». وأشار الزركلي إلى كتاب له مطبوع لم تذكره كتب التراجم سمّاه «تلقيب القوافي وتلقيب حركاتها». وحفظ الزجاجي في مجالسه مجلسين دارا بين ابن كيسان وأستاذه المبرّد.
نبيل أبو عمشة
ابن كيسان (محمد بن أحمد ـ)
(من نحاة القرن 3 و4 للهجرة)
أبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان، النحوي اللغوي، و«كيسان» لقب جده إبراهيم، وقيل: لقب أبيه.
لم تذكر المصادر زمن ولادته، ولا ذكرت أيضاً شيئاً عن نشأته وحياته، واختلفت فوق ذلك في سنة وفاته على قولين يصعب التوفيق بينهما، فقد ذكر الخطيب البغدادي أنه توفي سنة (299هـ) في خلافة المقتدر العباسي (295-320هـ) وتبعه جُلّ من ترجم له، بيد أن ياقوتاً استبعد ذلك، قال: «والذي ذكره الخطيب لاشكّ سهو، فإني وجدت في تاريخ أبي غالب همام بن الفضل بن المهذب المغربي أن ابن كيسان مات في سنة عشرين وثلاثمئة». وشكك أيضاً فيما جاء على لسان أبي حيان التوحيدي (ت نحو 400هـ) من وصفه مجلس ابن كيسان: «ما رأيت مجلساً أكثر فائدة وأجمع لأصناف العلوم وخاصّة ما يتعلّق بالتحف والطرف والنتف من مجلس ابن كيسان … حتى قال الصابئ: هذا الرجل من الجنّ إلا أنه في شكل إنسان».
والذي يخشاه الباحث هو وجود غير واحد ممن تلقب بـ«ابن كيسان» اختلطت سنو وفياتهم وأزمانهم، وأن الذي عناه البغدادي ليس هو من تحدّث عنه أبو حيان، ولعله مما يؤنس بذلك ما نُقِل عن الزبيدي في ترجمة محمد هذا: «وليس هذا بالقديم الذي له في العروض والمعمّى كتاب». ويؤنس بذلك أيضاً ما ذكره الخطيب البغدادي أن محمداً هذا رزق سنة 282هـ بتوءمين سمّى الأول محمداً كاسم والده، وسمّى الثاني عليّاً، وهذا الأخير لُقّب بأبي الحسن كلقب والده وكان من أهل العلم في عصره.
ومهما يكن فإن من الثابت أن صاحب الترجمة هو من طبقة إبراهيم بن السري[ر] الزجاج (ت 310هـ)، وأساتذته هم أساتذة الزجاج أيضاً، فقد أخذ النحو عن علمين من أعلام البصرة والكوفة؛ هما محمد ابن يزيد المبرد البصري (ت 285هـ)، وأحمد بن يحيى المعروف بثعلب الكوفي (ت 291هـ)؛ ولذا وصفه معاصروه بأنه كان يحفظ مذهب البصريين والكوفيين في النحو، وقد أثنى عليه أبو بكر بن مجاهد (ت 324هـ)، وكان يقول: «هو أنحى من الشيخين» (يعني المبرد وثعلباً)، وكذا أثنى عليه أبو حيان التوحيدي كما سلف؛ إن صح أنه المقصود، ووصف لنا مجلس علمه، قال: «كان يبدأ بأخذ القرآن والقراءات، ثم يأخذ بأحاديث رسول الله r، فإذا قُرئ خبر غريب أو لفظة شاذة أبان عنها، وتكلّم عليها، وسأل أصحابه عن معناها، وكان يُقرأ عليه مجالسات ثعلب في طرفي النهار، وقد اجتمع على باب مسجده نحو مئة رأس من الدواب للرؤساء والكُتّاب والأشراف والأعيان الذين قصدوه».
وقد أشار القدماء إلى تردّده بين المذهبين الكوفي والبصري، فذكر السيرافي أنه كان يخلط بين المذهبين، وذكر أبو الطيب اللغوي أن ابن كيسان كان يختار أشياء من مذهب الفراء يخالف فيها سيبويه، وأنه كان يسأل المبرد عن مسائل، فيجيبه، فيعارضها بقول الكوفيين.
ولعل تردّده هذا أثار حفيظة معاصره أبي بكر بن الأنباري (ت 328هـ) وهو من أئمة الكوفيين، فقد ذكرت المصادر أنه كان يتعصب على ابن كيسان، ويقول: «خلط بين المذهبين، فلم يضبط منهما شيئاً»، وكان يفضل الزجاج عليه.
ولم يكن القدماء على رأي واحد في تبيان مدى ميله إلى أحد المذهبين دون الآخر، فقد جعله الزبيدي في عداد البصريين، وذكر ياقوت أيضاً أنه كان إلى البصريين أميل، بيد أن الزجاجي عبد الرحمن ابن إسحاق (ت 338هـ) - وهو من تلامذة ابن كيسان - جعله أقرب إلى نحاة الكوفة، قال: «ومن علماء الكوفيين الذين أَخَذْتُ عنهم أبو الحسن بن كيسان وأبو بكر بن شقير وأبو بكر بن الخياط؛ لأن هؤلاء قدوة أعلام في علم الكوفيين، وكان أول اعتمادهم عليه، ثم درسوا علم البصريين بعد ذلك فجمعوا بين العلمين»، ويؤيد كلام الزجاجي هذا ما ذكره مَبْرَمان أنه قصد ابن كيسان؛ ليقرأ عليه كتاب سيبويه، فامتنع وقال: «اذهب إلى أهله»، يشير بذلك إلى الزجاج.
وهذا الأخذ عن المذهبين دفع بعض الدارسين المعاصرين -ولاسيما شوقي ضيف- إلى أن جعل ابن كيسان رأس مدرسة جديدة في النحو العربي ظهرت معالمها في القرن الرابع سمّاها «المدرسة البغدادية»، فقد عرض في كتابه «المدارس النحوية» جملة من آرائه التي وافق فيها البصريين أو الكوفيين، وشيئاً من آرائه الاجتهادية، ثم قال: «ولعل في كل ما قدّمنا ما يدلّ على براعة ابن كيسان، وكيف ابتدأ المدرسة البغدادية، فهو يعكف على آراء الكوفيين والبصريين دارساً فاحصاً منتخباً لنفسه طائفة من الآراء البصرية وأخرى من الآراء الكوفية ومشتقاً لنفسه آراء جديدة مبتكرة».
صنّف ابن كيسان طائفة من الكتب تدل أسماؤها على سعة ثقافته النحوية واللغوية بيد أنها فقدت، ولا نعرف عنها إلا أسماءها، وهي: «المهذب في النحو»، «غلط أدب الكاتب»، «اللامات»، «الحقائق»، «البرهان»، «مصابيح الكتّاب»، «الهجاء والخط»، «غريب الحديث»، «الوقف والابتداء»، «القراءات»، «التصاريف»، «الشاذان في النحو»، «المذكر والمؤنث»، «المقصور والممدود»، «معاني القرآن»، «المختصر في النحو»، «المسائل»، «ما اختلف فيه البصريون والكوفيون»، «الفاعل والمفعول به»، «المختار في علل النحو». وأشار الزركلي إلى كتاب له مطبوع لم تذكره كتب التراجم سمّاه «تلقيب القوافي وتلقيب حركاتها». وحفظ الزجاجي في مجالسه مجلسين دارا بين ابن كيسان وأستاذه المبرّد.
نبيل أبو عمشة