كوندورسيه Condorcet - Condorcet
كوندورسيه
(1743 ـ 1794)
ماري جان أنطوان نيقولا كاريتا، المركيز دي كوندورسيه Marie Jean Antoine Nicolas Caritat, marquis de Condorcet، فيلسوف ورياضي وموسوعي فرنسي، وأحد أبرز المشاركين في الثورة الفرنسية عام 1789، ومن أشد أنصار ڤولتير حماسة، وصديق دالمبير. وُلد في بلدة ريبمون Ribemont بمقاطعة بيكاردي بفرنسا. تسلّم العديد من المناصب الإدارية الرفيعة، كان آخرها رئيساً للجمعية التشريعية في باريس عام 1791. وعمل محرراً في جريدة «أخبار باريس» ثم أسس «جريدة المجتمع». وقد نادى كوندورسيه بإصلاحات عديدة على مستوى التعليم والدستور والمساواة والديمقراطية، لكن اتهم عام 1793 بالخيانة والخروج على مبادئ الثورة، والتآمر ضد اتحاد وتماسك الجمهورية الفرنسية، فهرب ولزم مخبأً في باريس، كتب فيه تحفته وكتابه الشهير «مجمل صورة تاريخية لتقدم العقل البشري» Esquisse d’un tableau historique des progrès del l‘esprit humain (نشر عام 1795 بعد وفاته)، وكان ينوي أن يكون مقدمة لكتاب أكبر في تاريخ العلوم وآثارها الاجتماعية، لكن القدر عاجله إذ خرج من مخبئه فقبضت الشرطة عليه وأودع أحد السجون القريبة من باريس، ومات في الليلة نفسها، ربما من الإرهاق أو مسموماً.
يُعدّ كتابه «مقال في تطبيق التحليل على احتمالات رأي الأغلبية» (1785) سابقاً لزمنه، وما تزال آراؤه حيّة، وكان يريد به أن يجعل لعلم الإنسان يقيناً كيقين العلوم الطبيعية الذي قال به ديكارت[ر] Descartes (1596-1650)؛ وذلك بتطبيق حساب الاحتمالات عليه، وإنشاء ما أسماه «علم الرياضيات الاجتماعية» mathématique sociale ،أطلق عليه علم السلوك الإنساني.
وقد ترك كوندورسيه كثيراً من الأبحاث والكتب، التي اتسمت بروح البساطة والسهولة والأسلوب البليغ منها.
ـ مقالة في الحساب التكاملي (1767)، مذكرة عن مسألة الأجسام الثلاثة (1767)، حيـاة توغو (1776)، حياة فولتير (1787)، رسالة فلسفية وسياسية (1790)، أفكار عن ثورة (1688)، وثورة أغسطس (1792) .
تنوعت أفكار كوندورسيه ونظرياته وشملت موضوعات عدة تركزت حول المعرفة والحرية والمساواة والتعليم العام والتقدم، ومستقبل الإنسانية، والحضارة العربية وتأثيرها في النهضة الأوروبية، وأخيراً فلسفة التاريخ التي تعدّ من أهم إنجازاته نظراً لأصالتها.
وتأثر كوندورسيه في نظريته عن المعرفة الحسية بأفكار جون لوك[ر] John Locke (1632-1704) ورأى أن الإنسان مزود باستعداد فطري نابع عن تلقي الإحساسات، التي تقسم إلى نوعين: بسيطة ومركبة، وقد ألغى المبادئ العقلية الفطرية لأن المعرفة عنده ترجع إلى الحواس التي تبدأ بسيطة ثم تتجمع في صورة إحساسات مركبة، وعارض بهذا نظرية ديكارت في المعرفة التي تعتمد أساس المعرفة المبادئ العقلية النظرية.
كما دعا كوندورسيه إلى تخليص التفكير الإنساني من سيطرة رجال الدين والخرافة والأفكار المسلم بها سابقاً، ونادى بتحقيق المساواة بين الجميع في الملكية والمستوى الاجتماعي والتعليم والحقوق السياسية، والمساواة بين الرجل والمرأة، ونادى بحرية العقيدة والتسامح بين جميع الأديان. وطالب بفصل التعليم عن الحكومة والدين وحماية التعليم من أهواء الحكام، بحيث تدرّس العلوم الموضوعية في المدارس، ويدرّس الدين في المعابد. ورأى أن وظيفة التعليم في المرحلة الابتدائية ترسيخ قيم الحقوق والواجبات وخلق المواطن الصالح عقلاً وروحاً، ومهمة التعليم العالي توفير المتخصصين والفنيين في العلوم والآداب. وأكد أن التقدم أمر حتمي للحياة الإنسانية في جميع جوانبها، وأن أساس تقدم الإنسانية هو تقدم العقل البشري، الذي به تتقدم الجوانب الإنسانية المادية والاجتماعية.
وقد وجد كوندورسيه في دراسته للحضارة الإسلامية والنهضة العربية إبان العصور الوسطى أن للدين الإسلامي دور أساسي في تطوير وتهذيب أخلاق وعادات العرب، ولاحظ أهمية العرب ومكانتهم في تقدّم التاريخ الإنساني من حيث دراستهم أرسطو وترجمتهم كتبه. فقد وضعوا أسس علم الفلك والبصريات والطب، وزودوا هذه العلوم بالحقائق الرئيسية، وإليهم يرجع الفضل في تعميم استعمال الجبر واختراع الكيمياء. ويرى كوندورسيه أن ازدهار علوم العرب يعود إلى أجواء الحرية والمساواة التي كانت سائدة في المجتمعات العربية، ولم يُنكر كوندورسيه استفادة الغرب من بعض آثار العرب التي أدت إلى النهضة الأوربية وسيادة مبادئ الحرية في أوربا.
وقد ربط كوندورسيه فكرة التقدم بنظريته في فلسفة التاريخ، فوضع قانوناً عاماً لسير التاريخ الإنساني، يرى فيه أن الإنسانية تسير تاريخياً في طريق التقدم العلمي وأساسه العقل، ويستند هذا القانون العام على أساس النظر إلى المجتمعات الإنسانية وتاريخ البشر نظرة كلية عامة، وقد قسّم مسيرة تقدّم الإنسانية إلى عشر مراحل تبدأ بالإنسان الصياد، فالإنسان الرعوي، فالإنسان الزراعي، ثم مرحلة الثقافة العلمية التي بدأت في القرن السادس عشر، ومن ثم مرحلة الثورة الفرنسية، أما المرحلة العاشرة فما تزال في حيز المستقبل.
عصام عبود
كوندورسيه
(1743 ـ 1794)
ماري جان أنطوان نيقولا كاريتا، المركيز دي كوندورسيه Marie Jean Antoine Nicolas Caritat, marquis de Condorcet، فيلسوف ورياضي وموسوعي فرنسي، وأحد أبرز المشاركين في الثورة الفرنسية عام 1789، ومن أشد أنصار ڤولتير حماسة، وصديق دالمبير. وُلد في بلدة ريبمون Ribemont بمقاطعة بيكاردي بفرنسا. تسلّم العديد من المناصب الإدارية الرفيعة، كان آخرها رئيساً للجمعية التشريعية في باريس عام 1791. وعمل محرراً في جريدة «أخبار باريس» ثم أسس «جريدة المجتمع». وقد نادى كوندورسيه بإصلاحات عديدة على مستوى التعليم والدستور والمساواة والديمقراطية، لكن اتهم عام 1793 بالخيانة والخروج على مبادئ الثورة، والتآمر ضد اتحاد وتماسك الجمهورية الفرنسية، فهرب ولزم مخبأً في باريس، كتب فيه تحفته وكتابه الشهير «مجمل صورة تاريخية لتقدم العقل البشري» Esquisse d’un tableau historique des progrès del l‘esprit humain (نشر عام 1795 بعد وفاته)، وكان ينوي أن يكون مقدمة لكتاب أكبر في تاريخ العلوم وآثارها الاجتماعية، لكن القدر عاجله إذ خرج من مخبئه فقبضت الشرطة عليه وأودع أحد السجون القريبة من باريس، ومات في الليلة نفسها، ربما من الإرهاق أو مسموماً.
يُعدّ كتابه «مقال في تطبيق التحليل على احتمالات رأي الأغلبية» (1785) سابقاً لزمنه، وما تزال آراؤه حيّة، وكان يريد به أن يجعل لعلم الإنسان يقيناً كيقين العلوم الطبيعية الذي قال به ديكارت[ر] Descartes (1596-1650)؛ وذلك بتطبيق حساب الاحتمالات عليه، وإنشاء ما أسماه «علم الرياضيات الاجتماعية» mathématique sociale ،أطلق عليه علم السلوك الإنساني.
وقد ترك كوندورسيه كثيراً من الأبحاث والكتب، التي اتسمت بروح البساطة والسهولة والأسلوب البليغ منها.
ـ مقالة في الحساب التكاملي (1767)، مذكرة عن مسألة الأجسام الثلاثة (1767)، حيـاة توغو (1776)، حياة فولتير (1787)، رسالة فلسفية وسياسية (1790)، أفكار عن ثورة (1688)، وثورة أغسطس (1792) .
تنوعت أفكار كوندورسيه ونظرياته وشملت موضوعات عدة تركزت حول المعرفة والحرية والمساواة والتعليم العام والتقدم، ومستقبل الإنسانية، والحضارة العربية وتأثيرها في النهضة الأوروبية، وأخيراً فلسفة التاريخ التي تعدّ من أهم إنجازاته نظراً لأصالتها.
وتأثر كوندورسيه في نظريته عن المعرفة الحسية بأفكار جون لوك[ر] John Locke (1632-1704) ورأى أن الإنسان مزود باستعداد فطري نابع عن تلقي الإحساسات، التي تقسم إلى نوعين: بسيطة ومركبة، وقد ألغى المبادئ العقلية الفطرية لأن المعرفة عنده ترجع إلى الحواس التي تبدأ بسيطة ثم تتجمع في صورة إحساسات مركبة، وعارض بهذا نظرية ديكارت في المعرفة التي تعتمد أساس المعرفة المبادئ العقلية النظرية.
كما دعا كوندورسيه إلى تخليص التفكير الإنساني من سيطرة رجال الدين والخرافة والأفكار المسلم بها سابقاً، ونادى بتحقيق المساواة بين الجميع في الملكية والمستوى الاجتماعي والتعليم والحقوق السياسية، والمساواة بين الرجل والمرأة، ونادى بحرية العقيدة والتسامح بين جميع الأديان. وطالب بفصل التعليم عن الحكومة والدين وحماية التعليم من أهواء الحكام، بحيث تدرّس العلوم الموضوعية في المدارس، ويدرّس الدين في المعابد. ورأى أن وظيفة التعليم في المرحلة الابتدائية ترسيخ قيم الحقوق والواجبات وخلق المواطن الصالح عقلاً وروحاً، ومهمة التعليم العالي توفير المتخصصين والفنيين في العلوم والآداب. وأكد أن التقدم أمر حتمي للحياة الإنسانية في جميع جوانبها، وأن أساس تقدم الإنسانية هو تقدم العقل البشري، الذي به تتقدم الجوانب الإنسانية المادية والاجتماعية.
وقد وجد كوندورسيه في دراسته للحضارة الإسلامية والنهضة العربية إبان العصور الوسطى أن للدين الإسلامي دور أساسي في تطوير وتهذيب أخلاق وعادات العرب، ولاحظ أهمية العرب ومكانتهم في تقدّم التاريخ الإنساني من حيث دراستهم أرسطو وترجمتهم كتبه. فقد وضعوا أسس علم الفلك والبصريات والطب، وزودوا هذه العلوم بالحقائق الرئيسية، وإليهم يرجع الفضل في تعميم استعمال الجبر واختراع الكيمياء. ويرى كوندورسيه أن ازدهار علوم العرب يعود إلى أجواء الحرية والمساواة التي كانت سائدة في المجتمعات العربية، ولم يُنكر كوندورسيه استفادة الغرب من بعض آثار العرب التي أدت إلى النهضة الأوربية وسيادة مبادئ الحرية في أوربا.
وقد ربط كوندورسيه فكرة التقدم بنظريته في فلسفة التاريخ، فوضع قانوناً عاماً لسير التاريخ الإنساني، يرى فيه أن الإنسانية تسير تاريخياً في طريق التقدم العلمي وأساسه العقل، ويستند هذا القانون العام على أساس النظر إلى المجتمعات الإنسانية وتاريخ البشر نظرة كلية عامة، وقد قسّم مسيرة تقدّم الإنسانية إلى عشر مراحل تبدأ بالإنسان الصياد، فالإنسان الرعوي، فالإنسان الزراعي، ثم مرحلة الثقافة العلمية التي بدأت في القرن السادس عشر، ومن ثم مرحلة الثورة الفرنسية، أما المرحلة العاشرة فما تزال في حيز المستقبل.
عصام عبود