فكري (عبد الله)
Fikri (Abdullah-) - Fikri (Abdullah-)
فكري (عبد الله -)
(1250-1308هـ/1834-1890م)
عبد الله فكري بن محمد بليغ بن عبد الله، أحد رجال الفكر والإدارة والأدب في مصر في القرن التاسع عشر، ولـه آثار في الشعر والنثر.
ولد في مكة المكرمة يوم كان أبوه محمد بليغ ضابطاً مهندساً يشارك في الحملة المصرية على الحجاز مع الجيش المصري في زمن محمد علي الكبير، أما جده الشيخ عبد الله فقد كان من جملة العلماء المدرسين في الأزهر. توفي والده في مصر وتركه وهو في الحادية عشرة من عمره.
ولما اشتد عوده انتسب إلى الجامع الأزهر، وتلقى العلوم المتداولة فيه على أيدي جماعة من كبار علمائه، وحفظ القرآن الكريم وقرأ التفسير ودرس الفقه، وأتقن اللغتين العربية والتركية. ثم التحق بوظائف حكومية عدة، فكان لـه إسهام جليل في ترجمة بعض القوانين التي صدرت في عهد محمد علي من التركية إلى العربية، وذلك بأسلوب تجديدي رفيع أصبح نموذجاً يحتذى في الكتابة الديوانية وتدبيج الرسائل الحكومية. ولكنه مع ذلك لم ينقطع عن مواصلة الأزهر ومتابعة العلم فيه، ولاسيما علم الحديث الذي كانت لـه في روايته طرق عدة وأسانيد سديدة.
ولما تولى الخديوي إسماعيل عرش مصر سنة 1862؛ أبقى عبد الله فكري في عمله وقرَّبه إليه واختاره مدرساً لأولاده، وانتدبه مرات ليسافر معه إلى الأستانة.
وظل عبد الله فكري يرتقي في المناصب من وكيل لديوان المكاتب إلى وكيل لنظارة المعارف، إلى أن عيِّن سنة 1882 وزيراً للمعارف في وزارة محمود سامي البارودي، وهي وزارة العرابيين التي سقطت بإخفاق الثورة ودخول جيش الاحتلال مصر، فكان عبد الله فكري أحد المتهمين بالاشتراك في الثورة العرابية.
قام برحلتين اثنتين؛ أولاهما إلى الحجاز سنة 1884 لأداء فريضة الحج، والثانية إلى بلاد الشام سنة 1885، فزار القدس والخليل، ثم توجه إلى لبنان وسورية والتقى هناك بعدد من أعلام الفكر والعلم والأدب. وقد أقام في بيروت نحو شهرين أتيح لـه فيهما أن يجتمع بالشيخ الإمام محمد عبده حيث كان منفياً هناك، فأبدى إعجابه بعبد الله فكري وشهد لـه بأنه «الشاعر الناشر».
وقد كتب الأمير شكيب أرسلان فصلاً عن الشيخ محمد عبده ضمَّنه نبذة من سيرة الإمام في بيروت جاء فيه: «وكان الإمام شديد الحب لعبد الله فكري باشا، لا يفتأ يذكر محامده ومتانة دينه ورقة أخلاقه، ويحفظ من شعره، ويعجبه منه قولـه خطاباً للخديوي توفيق:
ولو شئتُ كانت لي زروعٌ وأنْعُمٌ
ومالٌ به الآمالُ أقتادُها قَسْرا
ولكنَّها نَفْسٌ فَدَتكَ أبيَّةٌ
تَعافُ الدَّنايا أن تَمُرَّ بها مَرَّا
وفي سنة 1889 اختير رئيساً للوفد العلمي المصري في مؤتمر المستشرقين المنعقد في استوكهولم عاصمة السويد، وهناك التقى بكوكبة من المستشرقين المعروفين أمثال غوتولد Gottwald الروسي، وفون كريمر Von Kremer الألماني، ودي خويه De Goeje الهولندي وغيرهم. وفي هذا المؤتمر قدم عبد الله فكري بحثين اثنين، أولهما في شرح القصيدة الهمزية لحسان بن ثابت بيَّن فيه أنه جعل هذا الشرح جامعاً بين اللغة والرواية والتاريخ، إضافة إلى ما يستفاد من أصل المتن وسياق الكلام من أخلاق العرب وعاداتهم وطباعهم، وما يمدح ويذم ويحب ويكره عندهم، والثاني في موضوع التعليم في المدارس الأميرية (الحكومية) والمكاتب الأهلية والمدارس الدينية بمصر. وهو بحث يُعد وثيقة مهمة عن واقع التعليم في مصر في القرن التاسع عشر، لأنه ثمرة خبرة عبد الله فكري واشتغاله مدة طويلة في دوائر المعارف. وقد قُيِّض لـه آنئذٍ أن يزور معظم العواصم الأوروبية. ولما عـاد إلى مصر عكف على تدوين رحلته وتسجيل ما شاهده من آثار الغرب ونهضته، غير أن المنية لم تمهلـه، فقضى بعد عودته في القاهرة. فقام نجله أمين فكري الذي رافقه في هذه الرحلة بإتمام تدوينها في كتاب أسماه «إرشاد الألبَّا إلى محاسن أوربا» ونُشر سنة 1892 في مطبعة المقتطف في القاهرة.
كان عبد الله فكري من المناصرين للتجديد، والداعين إلى الأخذ بالعلوم الطبيعية الحديثة، وإلى التوفيق بين الدين والعلم، ولذلك عمل على تطوير المناهج التعليمية في المدارس، وضمَّ صوته إلى صوت الشيخ محمد عبده في المناداة بإصلاح الأزهر والارتقاء بأساليب التعليم فيه.
خلَّف عبد الله فكري مجموعة من الرسائل بعث بها إلى بعض من عاصرهم واتصل بهم من رجال الفكر والأدب والعلم والحُكم، وكان أسلوبه في هذه الرسائل رشيقاً متين العبارة، يزينه السجع والمحسنات البديعية من دون تكلف أو تعمد.
أما شعره فكان تقليدياً يعبر عن افتتان صاحبه بأساليب القدماء ومعانيهم وطرائقهم في التعبير والتصوير، ولاسيما الغزل والمدح ووصف المعارك، ومع ذلك فقد كان يجيد شعر الحكمة ومواعظ الأبناء، ويصدر فيه عن فطرة وطبيعة لا عن صنعة وتقليد.
كما خلَّف عدداً من المؤلفات في شؤون علمية وأدبية مختلفة، منها: «الرحلة البعلبكية» و«رسالة في المقارنة بين الوارد في نصوص الشرع والمقرر في علم الهيئة» و«الفوائد الفكرية للمكاتب المصرية» و«المقامة الفكرية في المملكة الباطنية» و«نظم اللآل في الحكم والأمثال» و«ديوان شعر».
قـام ولـده أمين فكري بجمع آثـار أبيـه في كتاب سـماه «الآثار الفكرية» وطبـع فـي بـولاق سـنة 1315هـ/1897م.
محمّد كمال
Fikri (Abdullah-) - Fikri (Abdullah-)
فكري (عبد الله -)
(1250-1308هـ/1834-1890م)
عبد الله فكري بن محمد بليغ بن عبد الله، أحد رجال الفكر والإدارة والأدب في مصر في القرن التاسع عشر، ولـه آثار في الشعر والنثر.
ولد في مكة المكرمة يوم كان أبوه محمد بليغ ضابطاً مهندساً يشارك في الحملة المصرية على الحجاز مع الجيش المصري في زمن محمد علي الكبير، أما جده الشيخ عبد الله فقد كان من جملة العلماء المدرسين في الأزهر. توفي والده في مصر وتركه وهو في الحادية عشرة من عمره.
ولما اشتد عوده انتسب إلى الجامع الأزهر، وتلقى العلوم المتداولة فيه على أيدي جماعة من كبار علمائه، وحفظ القرآن الكريم وقرأ التفسير ودرس الفقه، وأتقن اللغتين العربية والتركية. ثم التحق بوظائف حكومية عدة، فكان لـه إسهام جليل في ترجمة بعض القوانين التي صدرت في عهد محمد علي من التركية إلى العربية، وذلك بأسلوب تجديدي رفيع أصبح نموذجاً يحتذى في الكتابة الديوانية وتدبيج الرسائل الحكومية. ولكنه مع ذلك لم ينقطع عن مواصلة الأزهر ومتابعة العلم فيه، ولاسيما علم الحديث الذي كانت لـه في روايته طرق عدة وأسانيد سديدة.
ولما تولى الخديوي إسماعيل عرش مصر سنة 1862؛ أبقى عبد الله فكري في عمله وقرَّبه إليه واختاره مدرساً لأولاده، وانتدبه مرات ليسافر معه إلى الأستانة.
وظل عبد الله فكري يرتقي في المناصب من وكيل لديوان المكاتب إلى وكيل لنظارة المعارف، إلى أن عيِّن سنة 1882 وزيراً للمعارف في وزارة محمود سامي البارودي، وهي وزارة العرابيين التي سقطت بإخفاق الثورة ودخول جيش الاحتلال مصر، فكان عبد الله فكري أحد المتهمين بالاشتراك في الثورة العرابية.
قام برحلتين اثنتين؛ أولاهما إلى الحجاز سنة 1884 لأداء فريضة الحج، والثانية إلى بلاد الشام سنة 1885، فزار القدس والخليل، ثم توجه إلى لبنان وسورية والتقى هناك بعدد من أعلام الفكر والعلم والأدب. وقد أقام في بيروت نحو شهرين أتيح لـه فيهما أن يجتمع بالشيخ الإمام محمد عبده حيث كان منفياً هناك، فأبدى إعجابه بعبد الله فكري وشهد لـه بأنه «الشاعر الناشر».
وقد كتب الأمير شكيب أرسلان فصلاً عن الشيخ محمد عبده ضمَّنه نبذة من سيرة الإمام في بيروت جاء فيه: «وكان الإمام شديد الحب لعبد الله فكري باشا، لا يفتأ يذكر محامده ومتانة دينه ورقة أخلاقه، ويحفظ من شعره، ويعجبه منه قولـه خطاباً للخديوي توفيق:
ولو شئتُ كانت لي زروعٌ وأنْعُمٌ
ومالٌ به الآمالُ أقتادُها قَسْرا
ولكنَّها نَفْسٌ فَدَتكَ أبيَّةٌ
تَعافُ الدَّنايا أن تَمُرَّ بها مَرَّا
وفي سنة 1889 اختير رئيساً للوفد العلمي المصري في مؤتمر المستشرقين المنعقد في استوكهولم عاصمة السويد، وهناك التقى بكوكبة من المستشرقين المعروفين أمثال غوتولد Gottwald الروسي، وفون كريمر Von Kremer الألماني، ودي خويه De Goeje الهولندي وغيرهم. وفي هذا المؤتمر قدم عبد الله فكري بحثين اثنين، أولهما في شرح القصيدة الهمزية لحسان بن ثابت بيَّن فيه أنه جعل هذا الشرح جامعاً بين اللغة والرواية والتاريخ، إضافة إلى ما يستفاد من أصل المتن وسياق الكلام من أخلاق العرب وعاداتهم وطباعهم، وما يمدح ويذم ويحب ويكره عندهم، والثاني في موضوع التعليم في المدارس الأميرية (الحكومية) والمكاتب الأهلية والمدارس الدينية بمصر. وهو بحث يُعد وثيقة مهمة عن واقع التعليم في مصر في القرن التاسع عشر، لأنه ثمرة خبرة عبد الله فكري واشتغاله مدة طويلة في دوائر المعارف. وقد قُيِّض لـه آنئذٍ أن يزور معظم العواصم الأوروبية. ولما عـاد إلى مصر عكف على تدوين رحلته وتسجيل ما شاهده من آثار الغرب ونهضته، غير أن المنية لم تمهلـه، فقضى بعد عودته في القاهرة. فقام نجله أمين فكري الذي رافقه في هذه الرحلة بإتمام تدوينها في كتاب أسماه «إرشاد الألبَّا إلى محاسن أوربا» ونُشر سنة 1892 في مطبعة المقتطف في القاهرة.
كان عبد الله فكري من المناصرين للتجديد، والداعين إلى الأخذ بالعلوم الطبيعية الحديثة، وإلى التوفيق بين الدين والعلم، ولذلك عمل على تطوير المناهج التعليمية في المدارس، وضمَّ صوته إلى صوت الشيخ محمد عبده في المناداة بإصلاح الأزهر والارتقاء بأساليب التعليم فيه.
خلَّف عبد الله فكري مجموعة من الرسائل بعث بها إلى بعض من عاصرهم واتصل بهم من رجال الفكر والأدب والعلم والحُكم، وكان أسلوبه في هذه الرسائل رشيقاً متين العبارة، يزينه السجع والمحسنات البديعية من دون تكلف أو تعمد.
أما شعره فكان تقليدياً يعبر عن افتتان صاحبه بأساليب القدماء ومعانيهم وطرائقهم في التعبير والتصوير، ولاسيما الغزل والمدح ووصف المعارك، ومع ذلك فقد كان يجيد شعر الحكمة ومواعظ الأبناء، ويصدر فيه عن فطرة وطبيعة لا عن صنعة وتقليد.
كما خلَّف عدداً من المؤلفات في شؤون علمية وأدبية مختلفة، منها: «الرحلة البعلبكية» و«رسالة في المقارنة بين الوارد في نصوص الشرع والمقرر في علم الهيئة» و«الفوائد الفكرية للمكاتب المصرية» و«المقامة الفكرية في المملكة الباطنية» و«نظم اللآل في الحكم والأمثال» و«ديوان شعر».
قـام ولـده أمين فكري بجمع آثـار أبيـه في كتاب سـماه «الآثار الفكرية» وطبـع فـي بـولاق سـنة 1315هـ/1897م.
محمّد كمال