Mohammad Kujjah
1 مايو ·
حوار مع الاديب" الصديق " "جمال الغيطاني"
( رحمه الله رحمة واسعة )
*** قبل 20 عاما ***
2003 *** 2023 المكان : دار الكتب الوطنية في حلب .
ولايزال موضوع الحوار حيا معاصرا يحمل الهموم نفسها
*****
1 - كان نخبةٌ من المثقفين والمهتمين على موعدٍ مع محاضرة المفكر المصري العربي "جمال الغيطاني"، الروائي والباحث والإعلامي اللامع، والذي تُرجمت أعماله إلى أكثر من ثلاثين لغة في العالم.
2 - يمثّل "الغيطاني" في مسيرته الفكرية والإبداعية نموذج المثقف العربي الوطني، والمبدع المتميز الذي واءم بين دلالة المفردة اللغوية وروح التراث الأصيل، وقدّم ذلك بشفافيةٍ فيها غنى تصوّفي، وهويةٌ واضحة المعالم التي تربط الزمان بالمكان بالأبعاد العميقة لهما.
بين (الزيني بركات) و(فنون الأهرام) رحلةٌ من العمل الإبداعي عمرها أكثر من ثلث قرن، ونتاجها أكثر من ثلاثين كتاباً تلامس جوهر الوجدان الثقافي العربي.
3 - كان اللقاء في دار الكتب الوطنية في حلب، للحديث عن الثقافة العربية والتحديات المعاصرة. وخلال ساعةٍ من الحديث المركّز الدقيق، طرح "الغيطاني" جملةً من الأفكار، واجاب على الأسئلة المطروحة ويمكن إيجاز ذلك فيما يلي:
*****
4 - إن حالة الانحسار في الواقع العربي، والتي تشمل ميادين السياسة والاقتصاد والصراعات الجانبية، يجب ألاّ نسمح لها بالوصول إلى الحالة الثقافية العربية، التي هي الجدار الأخير الذي نحتمي به. والواقع العالمي اليوم تحاول فيه قوةٌ عظمى فرضَ مقولة (صدام الثقافات وصراع الحضارات) كغطاءٍ للوصول إلى أهدافها في السيطرة على مصادر الثروة في العالم، وإعادة تشكيل الخرائط الجغرافية والتاريخية والثقافية.
ولقد كنا -كعرب- في تاريخنا المديد دعاةَ حوارٍ حضاري وليس صراع حضاري، ويكفي أن نستذكر بعض رموزنا الحضارية الرائعة مثل "ابن عربي" و"ابن رشد" و"ابن حزم" و"ابن الخطيب"، الذين كانوا همزة وصلٍ بين الحضارة الإسلامية الناصعة وأوروبا العصور الوسطى، هذه الرموز الحضارية كانت وراء عصر النهضة الأوروبية.
*****
5 - إن الدعوة إلى حوارٍ حضاري مع الآخر في العالم اليوم يجب أن يسبقها حوارٌ داخلي، نوحّد فيه الجبهة الثقافية العربية التي تتصدّع يوماً إثر يوم، والتي يجب أن تبقى متماسكة، وأن تظلّ اللغة العربية هي الدرع الواقي والحامي للوجود الثقافي العربي، وهذا لا يعني الانغلاق ورفض الثقافات واللغات الأخرى، وإنما يعني العناية باللغة الأم كأداة تفكيرٍ أولاً، ثم العناية باللغات الأخرى كثقافةٍ رديفة ثانياً.
وهذا يفرض علينا - لنجاح حوارنا الداخلي العربي - جملةً من الأعباء والالتزامات، كالسماح بالتدفّق الثقافي العربي عبر الأقطار العربية بلا حدود ولا رقابة، وتوحيد الجهود في مجالات الترجمة والنشر وتحقيق التراث، وتوحيد جهود مجامع اللغة العربية في ميدان المصطلحات، ودعم النشر والطباعة من خلال التسهيلات الاقتصادية المقدمة لها.
*****
6 - وفي مجال تأكيد الثقافة الوطنية، يجب الانتباه إلى الذاكرة التاريخية والاجتماعية التي تحمل وعاءً ثقافياً، يتمثل في الموسيقى وطراز الحياة اليومية من طعامٍ وملبس وعادات وأمثالٍ ونكات وأغانٍ . وهذا التراث في كثيرٍ من جوانبه غير مدوّن، ومن الخطورة بمكان أن نسمح بذوبانه أمام طغيان الحداثة المطروحة، من خلال النموذج الأمريكي الذي يريد ابتلاع العالم بأفلامه وأغانيه الصاخبة ووجباته السريعة وقسوته المادية المفرطة.
*****
7 - وحينما نتمكّن من لملمة الصف الداخلي الثقافي العربي نستطيع محاورة الآخر، وهذا الآخر يتمثل في دوائر قريبة وبعيدة: فالدائرة الأقرب هي العمق الحضاري والإقليمي الذي نراه في امتداد الحضارة المشتركة في دول العالم الإسلامي، في آسيا وووسطها وجنوبها في شرق آسيا ووسط أفريقيا، والهند والصين كحضارتين عريقتين متميزتين. ثم هناك دائرة شمال البحر المتوسط، وهي الدائرة الأوروبية، التي يتهمها وزير الدفاع الأمريكي "دونالد رامسفيلد" بأنها قارةٌ بلغت مرحلة الشيخوخة، وبالتالي فإن تجديدها يحتاج إلى دماء أمريكية شابة!
إن العمل الحضاري والثقافي المشترك بين هذه الدوائر، وصولاً إلى أمريكا اللاتينية، يجب أن يتكاتف لوضع حدٍّ لهذا الطوفان الأخرق، الذي تحاول الإدارة الأمريكية المحافظة واليمينية جداً أن تفرضه على العالم.
*****
8 - وأشار المحاضر إلى نقطةٍ فائقة الأهمية، هي العمق الحضاري التاريخي والجغرافي للوطن العربي، هذا العمق الذي يمتدّ آلاف السنين منذ السومريين والأكاديين والعموريين والبابليين وممالك مصر القديمة وحضارات الغرب العربي القديمة، هذه الحضارات التي اندمجت في إطار الحضارة العربية الإسلامية بلا صراعٍ وبلا حساسيات، فكانت حضارة العرب بأبعادها الإنسانية المتسامحة المعترفة بالآخر.
9 - إن الإشكالية التي يطرحها اليوم بعض دعاة التجزئة هي أن هذه الحضارات القديمة تتصادم مع الثقافة العربية، وهذا طرحٌ خاطئ وخطير، لأن هذا التنوّع الحضاري العريق يُثري ولايشتّت، ويجمع ولا يفرّق. إننا حينما نعتزّ بالحضارة العربية، فإننا في الوقت نفسه نعتزّ بالحضارات القديمة، من مصرية وأمازيغية وبابليّة وآرامية وكنعانية وسواها، فهي كلها نِتاج أرضنا. كما نعتزّ بأن الأديان السماوية كانت من بلادنا وهي التي قدمت للبشرية أبعادها الروحية والأخلاقية.
*****
10 - إن الخلافات السياسية العربية يجب ألا تحجب العمل الثقافي العربي المشترك، وإن ما يطلبونه في نهاية المطاف هو السيطرة على العقل العربي وتهميشه وإلغاؤه، وما حدث في العراق ليس إلا بداية، ويجب ألاّ نسمح لهذه البداية بالنجاح مطلقاً في بلدان عربية أخرى.
*****
11 - كان الصديق الأديب "جمال الغيطاني" رئيس التحرير في مجلة (أخبار اﻵدب) المصرية، وكانت لي زاوية أسبوعية فيها لمدة طويلة .وقد زارنا في حلب مرات ومرات، كما أني زرته في القاهرة في مكتبه ومنزله مرات عديدة، والتقينا مراراً في حلقة "نجيب محفوظ" في فندق (شيبرد) في قلب القاهرة، أو في المركب العائم (فرح) على النيل .
*****
11 - الصور المرفقة :
١ - في دار الكتب الوطنية في حلب : من اليمين : جمال الغيطاني. محمد قجة
٢ : الصورة في منزل جمال الغيطاني ويبدو فيها من اليمين : جمال الغيطاني، ثم محمد قجة
٣ - الصورة في مركب " فرح " على النيل:
من اليمين محمد قجة ، جمال الغيطاني، نجيب محفوظ، زكي سالم
كل التفاعلات:
د.عائشة الخضر لونا عامر، وعمر رحمون