فرا (جم)
Al-Farra (Jammal-) - Al-Farra (Jammal-)
الفرا (جمال -)
(1911-2005م)
جمال الفرا؛ مربٍ وعالم وأديب ودبلوماسي، ولد في حي القنوات بدمشق القديمة. وكان والده الشيخ توفيق الفرا تاجراً، عُرف بالتقوى والصلاح وحسن السيرة، ومتابعة علوم الدين وتدريسها للآخرين.
نشأ جمال في بيئة علمية ودينية، وتلقى دراسته الابتدائية في مدرسة «العصر الجديد»، والثانوية في «مكتب عنبر»، وكان من المبرزين بين رفاقه.
أوفد في بعثة علمية إلى باريس عام 1929م لمواصلة دراسته العالية، فانتسب إلى جامعة «السوربون»، وتخرج فيها عام 1935م بعد أن فاز بخمس شهادات في الفيزياء العامة، والكيمياء العامة، والكيمياء الصناعية، والميكانيك الرياضي، والهندسة الكيميائية.
عاد إلى دمشق عام 1935م، فعُيَّن مدرساً للرياضيات في مكتب عنبر، ثمّ نُقِلَ في العام التالي إلى حلب لتدريس الفيزياء، فمكث فيها سنتين. وفي عام 1937م عاد إلى دمشق، فدرّس الفيزياء في ثانوية «جودة الهاشمي» مدة سنتين، ثم عين مديراً للتجهيز الثانية في حي «الحلبوني» مدة ثلاث سنوات.
في عام 1942م، عُيَّن مديراً مساعداً للتعليم الثانوي في وزارة المعارف، وفي عام 1945م مديراً للتعليم الثانوي، وفي عام 1948م أميناً عاماً لوزارة المعارف.
في مطلع عام 1949م، نُقل إلى وزارة الخارجية، وعيّن رئيساً للبعثة الدبلوماسية في بلجيكا، وفي عام 1950 أميناً عاماً لوزارة الخارجية، وفي عام 1951 وزيراً للخارجية في حكومة الأمناء العامين.
في أواخر عام 1952م، عُيّن وزيراً مفوضاً في السويد والنروج والدنمارك وفنلندا، وفي عام 1954 وزيراً مفوضاً في ألمانيا الغربية، وفي عام 1956م وزيراً مفوضاً في الاتحاد السوڤييتي السابق وبولونيا.
في عام 1958، عُيّن سفيراً في البرازيل، وفي عام 1961م أعيد تعيينه سفيراً في ألمانيا الغربية، وفي عام 1962م عُيّن من جديد وزيراً للخارجية، ثم سفيراً لسورية في إيطاليا، وقد ظل في هذا المنصب حتى عام 1964 حين طلب إعفاءه من الوظائف الرسمية، ليتفرَّغ إلى التأليف والمطالعة والأسفار. وقد آثر بعد هذا التجوال الطويل الإقامة في مدينة «كونستانز» الألمانية الواقعة على ضفاف البحيرة المعروفة باسمها، وهي ملتقى الحدود بين ألمانيا والنمسا وسويسرا، حتى وافته المنية، وهو في الرابعة والتسعين من عمره.
أولع جمال الفرا بالعلم والمعرفة وتعلّم اللغات منذ نعومة أظفاره، فأتقن الفرنسية والإنكليزية والألمانية، وألم بالإيطالية والروسية والإسبانية والبرتغالية والسويدية، وكان حريصاً على المطالعة، ومتابعة أحداث الأدب والفكر والحضارة، كما كان يتمتع بذكاء حاد، وذاكرة حيّة، وبديهة حاضرة، ولباقة شديدة، وأناقة ظاهرة، وحسن هندام.
كان سريع الحفظ والإجادة لعدد من اللغات الأجنبية، ويُروى عنه أنه حينما كان سفيراً في البرازيل، زار ولاية «ريو غراندي»، فأقيم له حفل تكريم دعي إليه القناصل المعتمدون في تلك الولاية، فتحدث فيه إلى عشرة قناصل، كل واحد بلغة بلاده.
بعد أن تقاعد وهو في الثالثة والخمسين بناء على طلبه، أخذ يحن إلى الكتابة والعودة إليها، ولاسيما بعد صدور كتابه «دنيا المغتربين» 1962، وصار عنده الوقت الكافي لتسجيل خواطره وذكرياته ومشاهداته، فتعاقدت معه مجلة «الأسبوع العربي» اللبنانية على كتابة مقال أسبوعي لصفحتها الأولى على نحو دائم، فسجل في هذه المقالات كثيراً من الخواطر والذكريات، والطرائف التي شهدها في جولاته سفيراً في عدد من بلدان العالم التي أقام فيها أو زارها. وقد استمر في كتابتها حتى عام 1978م حين اضطر إلى التوقف عن الكتابة بسبب اضطراب صدور المجلة، إبّان الحرب الأهلية اللبنانية. وقد جمع هذه المقالات في كتب خوفاً عليها من التشتت والضياع، وزاد عليها بعض ما كتبه بعد هذا التاريخ حتى بلغ عدد كتبه اثني عشر كتاباً هي «الراديو والتلفزة»، و«نظريات في المادة»، و«دنيا المغتربين»، و«لؤلؤة مايوركا»، و«صدى السنين الحاكي»، و«ثلاث سنين في بلد لينين»، و«أربع سنين في البرازيل وأخواتها العشرين»، و«لقين من حياتهن عجبا»، و«أيام وليالٍ في بلاد الشمال»، و«نجمة وهلال»، و«حيث تشرق الشمس في منتصف الليل»، و«الله يعمرك يا حي الوردات»، والمقصود بحي الوردات حي «القنوات»، الذي ولد وعاش فيه حتى السابعة عشرة من عمر. كان هذا الحي يعيش منذ أجيال في طمأنينة وسلام عيشاً رتيباً، تغلب عليه الأمية، ويقتصر جهاز التعليم فيه على الشيخ «صادق الحمامي» الذي يقوم بتعليم الصبيان القرآن الكريم في حارة «عنبر»، وعلى الخوجة «إقبال» التي كانت تعلم بنات الأثرياء في دارها بحارة «النونو». أما الإنارة فيه فكانت تقتصر على سراجين يضاءان بالزيت، واحد في ساحة «الصفصافة» والآخر في مدخل «جامع نور الدين»، ويشعلهما مؤذن الجامع الحاج رحمون عند غروب الشمس، ويطفئهما بُعيد صلاة العشاء.
كذلك تحدث عن التضامن الاجتماعي في حي الوردات فقال: «إنه فضلاً عن حب الإحسان ومراعاة الجار، فإنه يستند إلى فريضة الزكاة التي التزم بها الأثرياء، وكانوا يؤدونها على حقها طواعية، وفي عقيدتهم أن المال الذي لا تُؤدى زكاته لا يجلب السعد».
وتحدّث أخيراً، عن نهر الوردات الذي كانت مياهه تتوزع على بيوت الحي كلها، وفق مقاسم تتوالى على جانبيه يمنة ويسرة قُدّرت فتحاتها ومواقعها تقديراً يسير الماء بينها هادئاً. وعن شجرة الصفصاف التي كانت منارة الحي في علوها، حيث يجتمع تحتها أهل الحي يتحدثون ويتسامرون.
كان جمال الفرا إلى جانب كونه عالماً ومربياً ودبلوماسياً، أديباً من طراز رفيع، تميز برهافة الإحساس، وأناقة اللفظة، وبساطة العبارة، ورشاقة الأسلوب الذي أقل ما يقال فيه إنه السهل الممتنع.
عيسى فتوح
Al-Farra (Jammal-) - Al-Farra (Jammal-)
الفرا (جمال -)
(1911-2005م)
جمال الفرا؛ مربٍ وعالم وأديب ودبلوماسي، ولد في حي القنوات بدمشق القديمة. وكان والده الشيخ توفيق الفرا تاجراً، عُرف بالتقوى والصلاح وحسن السيرة، ومتابعة علوم الدين وتدريسها للآخرين.
نشأ جمال في بيئة علمية ودينية، وتلقى دراسته الابتدائية في مدرسة «العصر الجديد»، والثانوية في «مكتب عنبر»، وكان من المبرزين بين رفاقه.
أوفد في بعثة علمية إلى باريس عام 1929م لمواصلة دراسته العالية، فانتسب إلى جامعة «السوربون»، وتخرج فيها عام 1935م بعد أن فاز بخمس شهادات في الفيزياء العامة، والكيمياء العامة، والكيمياء الصناعية، والميكانيك الرياضي، والهندسة الكيميائية.
عاد إلى دمشق عام 1935م، فعُيَّن مدرساً للرياضيات في مكتب عنبر، ثمّ نُقِلَ في العام التالي إلى حلب لتدريس الفيزياء، فمكث فيها سنتين. وفي عام 1937م عاد إلى دمشق، فدرّس الفيزياء في ثانوية «جودة الهاشمي» مدة سنتين، ثم عين مديراً للتجهيز الثانية في حي «الحلبوني» مدة ثلاث سنوات.
في عام 1942م، عُيَّن مديراً مساعداً للتعليم الثانوي في وزارة المعارف، وفي عام 1945م مديراً للتعليم الثانوي، وفي عام 1948م أميناً عاماً لوزارة المعارف.
في مطلع عام 1949م، نُقل إلى وزارة الخارجية، وعيّن رئيساً للبعثة الدبلوماسية في بلجيكا، وفي عام 1950 أميناً عاماً لوزارة الخارجية، وفي عام 1951 وزيراً للخارجية في حكومة الأمناء العامين.
في أواخر عام 1952م، عُيّن وزيراً مفوضاً في السويد والنروج والدنمارك وفنلندا، وفي عام 1954 وزيراً مفوضاً في ألمانيا الغربية، وفي عام 1956م وزيراً مفوضاً في الاتحاد السوڤييتي السابق وبولونيا.
في عام 1958، عُيّن سفيراً في البرازيل، وفي عام 1961م أعيد تعيينه سفيراً في ألمانيا الغربية، وفي عام 1962م عُيّن من جديد وزيراً للخارجية، ثم سفيراً لسورية في إيطاليا، وقد ظل في هذا المنصب حتى عام 1964 حين طلب إعفاءه من الوظائف الرسمية، ليتفرَّغ إلى التأليف والمطالعة والأسفار. وقد آثر بعد هذا التجوال الطويل الإقامة في مدينة «كونستانز» الألمانية الواقعة على ضفاف البحيرة المعروفة باسمها، وهي ملتقى الحدود بين ألمانيا والنمسا وسويسرا، حتى وافته المنية، وهو في الرابعة والتسعين من عمره.
أولع جمال الفرا بالعلم والمعرفة وتعلّم اللغات منذ نعومة أظفاره، فأتقن الفرنسية والإنكليزية والألمانية، وألم بالإيطالية والروسية والإسبانية والبرتغالية والسويدية، وكان حريصاً على المطالعة، ومتابعة أحداث الأدب والفكر والحضارة، كما كان يتمتع بذكاء حاد، وذاكرة حيّة، وبديهة حاضرة، ولباقة شديدة، وأناقة ظاهرة، وحسن هندام.
كان سريع الحفظ والإجادة لعدد من اللغات الأجنبية، ويُروى عنه أنه حينما كان سفيراً في البرازيل، زار ولاية «ريو غراندي»، فأقيم له حفل تكريم دعي إليه القناصل المعتمدون في تلك الولاية، فتحدث فيه إلى عشرة قناصل، كل واحد بلغة بلاده.
بعد أن تقاعد وهو في الثالثة والخمسين بناء على طلبه، أخذ يحن إلى الكتابة والعودة إليها، ولاسيما بعد صدور كتابه «دنيا المغتربين» 1962، وصار عنده الوقت الكافي لتسجيل خواطره وذكرياته ومشاهداته، فتعاقدت معه مجلة «الأسبوع العربي» اللبنانية على كتابة مقال أسبوعي لصفحتها الأولى على نحو دائم، فسجل في هذه المقالات كثيراً من الخواطر والذكريات، والطرائف التي شهدها في جولاته سفيراً في عدد من بلدان العالم التي أقام فيها أو زارها. وقد استمر في كتابتها حتى عام 1978م حين اضطر إلى التوقف عن الكتابة بسبب اضطراب صدور المجلة، إبّان الحرب الأهلية اللبنانية. وقد جمع هذه المقالات في كتب خوفاً عليها من التشتت والضياع، وزاد عليها بعض ما كتبه بعد هذا التاريخ حتى بلغ عدد كتبه اثني عشر كتاباً هي «الراديو والتلفزة»، و«نظريات في المادة»، و«دنيا المغتربين»، و«لؤلؤة مايوركا»، و«صدى السنين الحاكي»، و«ثلاث سنين في بلد لينين»، و«أربع سنين في البرازيل وأخواتها العشرين»، و«لقين من حياتهن عجبا»، و«أيام وليالٍ في بلاد الشمال»، و«نجمة وهلال»، و«حيث تشرق الشمس في منتصف الليل»، و«الله يعمرك يا حي الوردات»، والمقصود بحي الوردات حي «القنوات»، الذي ولد وعاش فيه حتى السابعة عشرة من عمر. كان هذا الحي يعيش منذ أجيال في طمأنينة وسلام عيشاً رتيباً، تغلب عليه الأمية، ويقتصر جهاز التعليم فيه على الشيخ «صادق الحمامي» الذي يقوم بتعليم الصبيان القرآن الكريم في حارة «عنبر»، وعلى الخوجة «إقبال» التي كانت تعلم بنات الأثرياء في دارها بحارة «النونو». أما الإنارة فيه فكانت تقتصر على سراجين يضاءان بالزيت، واحد في ساحة «الصفصافة» والآخر في مدخل «جامع نور الدين»، ويشعلهما مؤذن الجامع الحاج رحمون عند غروب الشمس، ويطفئهما بُعيد صلاة العشاء.
كذلك تحدث عن التضامن الاجتماعي في حي الوردات فقال: «إنه فضلاً عن حب الإحسان ومراعاة الجار، فإنه يستند إلى فريضة الزكاة التي التزم بها الأثرياء، وكانوا يؤدونها على حقها طواعية، وفي عقيدتهم أن المال الذي لا تُؤدى زكاته لا يجلب السعد».
وتحدّث أخيراً، عن نهر الوردات الذي كانت مياهه تتوزع على بيوت الحي كلها، وفق مقاسم تتوالى على جانبيه يمنة ويسرة قُدّرت فتحاتها ومواقعها تقديراً يسير الماء بينها هادئاً. وعن شجرة الصفصاف التي كانت منارة الحي في علوها، حيث يجتمع تحتها أهل الحي يتحدثون ويتسامرون.
كان جمال الفرا إلى جانب كونه عالماً ومربياً ودبلوماسياً، أديباً من طراز رفيع، تميز برهافة الإحساس، وأناقة اللفظة، وبساطة العبارة، ورشاقة الأسلوب الذي أقل ما يقال فيه إنه السهل الممتنع.
عيسى فتوح