لماذا وكيف؟!
----
كنت أقرأ للعملاق "عبّاس محمود العقّاد" كتابه الرّائع "أبو الشّهداء الحسين بن علي" فتأثّرت كلَّ التّأثّر بتفاصيل حادثة استشهاده الموجعة الأليمة فكانت هذه القصيدة :
---
لماذا بسيفٍ يموتُ "الحسينُ"
وكيفَ يغطّيهِ رملٌ وطينُ؟
وقد قامَ يسعى لنَيلِ حياةٍ
لها في الخلودِ صدًى ورنينُ
فتًى ما ارتدى ثوبَ يأسٍ وشكٍّ
وأمسى يقودُ خُطاهُ يقينُ
ولا قَدَمٌ فيهِ سارت لبُطْلٍ
ولا فيهِ مالت إلى القُبْحِ عَينُ
وأصبحَ سيلًا رُبى الشّوكِ يغزو
وكانَ بما شاءَ لا يستكينُ
يهدُّ جبالَ سوادٍ ويمضي
كعَصْفٍ لتدميرِ أمرٍ يَشينُ
إلى النّارِ يُلقي دفاترَ جهلٍ
وكلَّ الكلامِ المُسيءِ يَدينُ
ويدعو لهدمِ كهوفٍ أُقيمتْ
وليس يرى ما يراهُ لعينُ
مآثرُهُ لا كلامٌ مقُولٌ
ولكنْ فِعالٌ بها الدِّينُ دِينُ
فِعالٌ تعيدُ الحياةَ لقفْرٍ
وينسى بها الحزنَ يومًا حزينُ
ويرسمُ مَنْ ذاقَ قحطًا ربيعًا
فيخضرُّ قمحٌ ويزهرُ تينُ
ويُكسَرُ رمحٌ ظلومٌ ويُمحى
ويطلَقُ مِنْ جوفِ سجنٍ سجينُ
ويُسحَقُ جوعٌ ويُهزَمُ سُقْمٌ
وسورُ الودادِ عظيمٌ متينُ
وتنهضُ أنثًى لترجمَ قهرًا
وتقوى لكلِّ صبيٍّ يمينُ
ولا تنحني ركبةٌ لمَجيدٍ
وليس يداسُ مَقالٌ ثمينُ
ولا يُكرَمُ الذّئبُ فيها وفيها
لِمن أجهضَ الّلؤمَ يعلو جبينُ
يطيبُ النّهارُ بها والّليالي
ونحو السّلامِ تسيرُ سفينُ
تُعلّى قِبابٌ وتصفو مرايا
وليس يُساوى بوحلٍ عجينُ
سلامٌ عليكَ ذُبِحتَ كشاةٍ
وأنتَ النّقيُّ البريءُ الفَطينُ
ولستَ الوحيدَ بهذا فمِنْ عهدِ
"هابيلَ" يشقى التّقيُّ الرّزينُ
ومِنْ عهدِ "هابيلَ" والظّلْمُ جارٍ
يلَوَّثُ طهرٌ وينمو أنينُ
ويُطمَرُ عشبٌ ويُمحى مِدادٌ
وبالسّيفِ مَنْ رامَ نجمًا طَعينُ
ونصرُخُ : كيفَ لماذا يدُ الشّرِّ
أقوى ونفْسَ الكرامِ تُهينُ
وأينَ بأيِّ مكانٍ سيُبنى
بناءٌ مِنَ الوردِ زاهٍ مَكينُ
وهذا الصّريعُ الشّقيُّ إلى مَنْ
ينادي ويشكو ولا مَنْ يُعينُ
وكيف البشاعةُ تطغى وتسطو
وكيف الوجودُ بثأرٍ ضنينُ؟!
سلامٌ عليكَ وقد كنتَ ريحًا
بوجهِ دُعاةِ الرّدى لا تلينُ
وسُقْيًا لمن جاءَ يشدو بنايِ
السّماءِ قصيدًا قوافيهِ لِينُ
هنا كلُّ قولي هزيلٌ ضعيفٌ
وصمتيْ الكلامُ القويُّ المُبينُ
وإنّيْ المسيحيُّ ما خنتُ دِيني
بمدحِ الّذي بالمديحِ قَمينُ
ألا ليتَ في كلِّ عصرٍ جديدٍ
لنا فيهِ يأتي مضيئًا "حسينُ"
------
القس جوزيف إيليا
١٨ - ٩ - ٢٠٢١
Jehad Hasan