الفنون الشعرية المستحدثة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفنون الشعرية المستحدثة

    فنون شعريه مستحدثه

    -

    الفنون الشعرية المستحدثة

    لم يـستطع الدارسون حتى اليوم تحديد زمن بداية الشعر العربي ولا الصورة التي نشأ عليها في بداياته، واختلفت آراؤهم حول هذا الأمر، إلا أنهم مجمعون على أن أقدم ما وصل إلينا من الـشعر العربي إنما وصل ناضجاً مكتملاً، يقوم على إيقاعاتٍ محددة وأوزانٍ معروفة، وأشكالٍ واضحة، وقد حصرت أوزانه ببحور الـشعر المعروفة، وبتفعيلات كل بحر، كما اكتـشفها الخليل بن أحمـد الفـراهيـدي (ت 176هـ). كما أن هذا الشعر يقوم على ثلاثة أشكالٍ مشهورة ومعروفة لها حدودها وضوابطها المعروفة أيضاً وهي: القصيدة، والمقطّعة، والأرجوزة.
    وقد فرض تطور الحياة العربية نوعاً من التطور والتجديد على أوزان الشعر العربي وأشكاله، وكان هذا التطور استجابة للتطور الحضاري للمجتمع العربي، وتلبية لتطلع المبدعين إلى التعبير عما يجول في أذهانهم بطرائق جديدة، ولاسيما بعدما اتسعت مساحة الدولة العربية، وتنوعت بيئتها؛ وتعددت أجناس البشر في مجتمعها، وامتزجت ثقافات كثيرة في حضارة واحدة هي الحضارة العربية الإسلامية. وقد لامس هذا التجديد الشكل والوزن، ولما كان هذا الجديد خارجاً عن مألوف ما جاء عن العرب في الإبداع المنظوم الموزون، أوجدوا له مسمياتٍ جديدة تدل عليه وتحافظ على ما اتفق عليه مما كان سائداً من أوزان الشعر وأشكاله المعروفة التي ظلت بضوابطها حتى اليوم.
    فمن الأشكال مثلاً ظهر التشطير والمعارضات والمخمسات والمسبعات، ومن الأوزان ظهر ما عُرف بالفنون الشعرية المستحدثة.
    وكان ظهور هذه الفنون متتالياً زمنياً ومتنوعاً مكانياً، ولذلك اختلفوا في عددها بين المشرق والمغرب، فعد المشارقة أنواعاً لم يعرفها أهل المغرب، وكذلك فعل أهل المغرب، وهي سبعة فنون أحدها الشعر العربي، إلا أن جمع أنواعها المعدودة في المشرق والمغرب يجعل هذه الفنون أكثر.
    والمُجمَع عليه من هذه الفنون: الشعر، والموشح، والدوبيت، والمواليا، والكان وكان، ويذكر أهل الشام ومصر والمغرب الزجل والحُمَاق، بينما يذكر أهل العراق الحجازي والقوما بدلاً منهما. ويضاف إلى ذلك فنون أخرى كالسلسلة والبَنْد.
    1- الموشح: نشأ في الأندلس في القرن الرابع الهجري ثم انتقل إلى المشرق - على أرجح الأقوال وأشهرها - ويتألف الموشح من غصون وأقفالٍ وخَرجة، لكلٍّ شروطه وضوابطه، وقد يأتي بعض الموشحات على أوزان البحور الشعرية المعروفة، إلا أن الأصل أن يكون لكل موشح وزنه الخاص به. ومن أشهر الموشحات موشح ابن زُهْر الإشبيلي:
    أيها الساقي إليك المشتكى
    قد دعوناك وإن لم تسمع
    ونديـمٍ هِمت في غُرتـه
    وبشربِ الراحِ من راحته
    كلما استيقظ من غفوتـه
    جذب الزقَّ إليه واتكـا
    وسقاني أربعاً في أربـع
    2- الدوبيت: تسمية فارسية مؤلفة من كلمتين (دو) أي (اثنين) و(بيت)، ويسمّى (الرباعي)، لأنه مؤلف من أربعة أشطر، وهو «فن نظميٌّ يُعتقد أنه فارسي النشأة»، وهو من الفنون الفصيحة التي لا يجوز فيها العامي، وتنبني منظومته على مقاطع كل مقطع مؤلف من بيتين، ويمكن أن تتحد قوافي الأشطر الأربعة، ويجوز أن تأتي قافية البيت الثالث مخالفة للباقي، ولا يُشترط في الرباعيات وحدة القوافي، وله أوزان عدة، أشهرها: (فَعِلنْ متفاعِلنْ فعولنْ فَعِلن)، وله أنواع بحسب حالات أشطره ووزنه، منها: الرباعي الخالص، والأعرج، والممنطَق، والمرَفَّل، والمردوف. ومن أشهر من نظم عليه عمر الخيام (ت 515ﻫـ/1121م)، ومن مشهور ما يُغنّى منه:
    يا غصنَ نقى مكللاً بالذهـب
    أفديه من الردى بأمي وأبي
    إن كنتُ أسأتُ في هواكم أدبي
    فالعصمةُ لا تكونُ إلا لنبي
    وقول عبد الغني النابلسي:
    أقسمتُ عليـك أيهـا المحبـوب
    أن تسمحَ لي فوصلُك المطلوب
    أرسلْ منك القميصَ معْ ريحِ صبا
    يا يوسـفَ عصرِنا أنا يعقوب
    بالأجرعِ من جهاتِ ذاك الوادي
    برقٌ قـد دكّ لمعـُه أطوادي
    والنسمـةُ حين أقبلـتْ تُسعدني
    يا نفحةَ من أُحبُّ طاب النادي
    3- المواليا: فن شعري نشأ في واسط من مدن العراق على أرجح الآراء، ويعزون سبب تسميته إلى أن «الواسطيين لما اخترعوه وكان سهل التناول لقصره، تعلمه عبيدهم المتسلمون عَمارة بساتينهم، والفُعول والمَعامرة والأبّارون، فكانوا يغنّون به في رؤوس النخيل وعلى سقاية الماء، ويقولون في آخر كل صوت مع الترنّم: يا مواليا، إشارة إلى ساداتهم فغلب عليه هذا الاسم وعُرف به». وقيل إنما سمي بذلك بعد نكبة البرامكة في زمن هارون الرشيد، وأنه منع الناس من رثائهم بشعر فصيح، فرثتهم إحدى الجواري بكلامٍ عامي وأضافت عند الانتهاء من كل شطر كلمة: يا مواليا. وقيل غير ذلك.
    وقد أخذه أهل بغداد وأضافوا إليه إضافات جديدة، ثم انتقل إلى بلاد الشام ومصر والسودان، وظل حتى اليوم.
    «ويعتمد المواليا تفاعيل البحر البسيط أساساً، لكنه يُتَصرف في بعض صوره على نحوٍ يُخرجه عن هذا البحر». والأصل أنه يتألف من بيتين تتحد فيهما قوافي الأشطر الأربعة، ثم زيد عليها أشطرٌ أخرى، وربما تساهلوا في أن يخالف أحد الأشطر في قافيته.
    والمواليا يغلب عليه العامية والإمالة في الأحرف، وأجازوا أن يكون فصيحاً. ومن المواليا قول صفي الدين الحلي:
    لما استغابوا وعابوا مجدك المحسود
    قالوا يِخوض الوغى أو يتلف الموجـود
    فكان ذا الذمْ عين المدحْ والمقصودْ
    إنك جَرِي في الوغى أو مسرفٌ في الجود
    4- الكان وكان:
    من الفنون الشعرية الملحونة - غير الفصيحة - اخترعه البغداديون، «سمي بذلك لأنهم أول اختراعهم له لم ينظموا فيه سوى الحكايات والخرافات فكأن قائله يحكي ما كان وكان». وله وزن واحد وهو:
    مستفعلن فاعلاتن مستفعلن مستفعلن
    مستفعلن فاعلاتن مستفعلن مستفعلن
    إلا أن الشطر الأول فيه يأتي أطول من الثاني، ولا تأتي قافيته إلا مردوفة بأحد حروف العلة، ومثاله قول صفي الدين الحلي:
    قد خبّروني وقالوا: عَيْنَيْ حَبِيْبَكْ تُوجَعُو
    قلت الضريبة تؤَثِّرْ في الصارمِ الصمصام
    قالوا سِهِرْ من ألمْها. قلت الطبيعهْ مكافيه
    يا طالمـا خَلاّنـي فـي الليـلْ ليس أنام
    وقد انتقل إلى باقي البلاد إلا أن السبق والتميز كانا للبغداديين. وإذا كان هذا الفن بدأ بالخرافات والأساطير؛ فقد تضمن فيما بعد المواعظ والزهديات والأمثال والحكم والرقائق.
    5- الزجل: ومعناه في اللغة: الصوت، وهو من الفنون الملحونة، التي تبتعد عن الفصيح، فإذا جاءت بعض ألفاظه فصيحة أُطلِق عليه اسم (المُزَنَّم)، ومعناه: المُستلحَق أو اللئيم. وبعضهم يرى أن الزجل هو ما كان عامياً ملحوناً خالياً من الإعراب، فإذا أُعرِب صار موشحاً فإذا ورد فيه بعض الكلمات المعربة سُمي مزنماّ. وليس له وزن محدد، وإن كان في بداياته نُظم على أوزان العروض المعروفة، لأن الزجل يعتمد على النغم، ووضع الزجّالون بعض الشروط في الشكل واستخدام بعض الألفاظ والقوافي وأحرف الردف وغير ذلك.
    ويرى صفي الدين الحلي أن فن الزجل «هو أرفعها رتبة، وأشرفها نسبة، وأكثرها أوزاناً، وأرجحها ميزاناً، ولم تزل إلى عصرنا هذا [القرن الثامن الهجري] أوزانه متجددة، وقوافيه متعددة». «وإنما سُمي هذا الفن زجلاً لأنه لا يُلتذ به، وتُفهَم مقاطعُ أوزانه ولزوم قوافيه حتى يُغنّى به ويُصوّت فيزول اللبس بذلك».
    نشأ في الأندلس، ويقال إن ابنَ قُزْمان من أوائل من نظم فيه وأول من سهّله ورقّقه، ثم انتقل إلى بلاد الشام وغيرها. وتنقسم الأزجال إلى أربعة أقسام بالنظر إلى مضمونها لا إلى شكلها وأوزانها، وهذه الأقسام هي:
    أ: الزجل: وهو ما تضمّن الغزل والنسيب والخمريات والزَّهريات.
    ب: البُلَّيق: وهو ما تضمن الهزل والخلاعة والإحماض.
    ج: القُرقي: وهو ما تضمن الهجاء والثلب.
    د: المُكفِّر: وهو ما تضمن الحكمة والمواعظ، كأنه يُقال لتكفير الذنوب.
    6- القوما: فن ملحون اخترعه القائمون على إيقاظ الناس في السحور في رمضان من البغداديين، «واشتقاق اسمه من قول المغنين للتسحير في آخر كل بيت منه بعد غناء الرمل أو الزجل: قومَا لبلسحور (بمد فتحة الميم ألفاً) ينبهون به رب المنزل، ويذكرون فيه مدحه والدعاء له وتقاضيه بالإنعام، فانطلق عليه هذا الاسم وصار علَماً له. ثم لمّا شاع وكثر فيه التصنيف نظموا فيه الغزل والزُّهري والعتاب وسائر الأنواع».
    وفن القوما ينبني على فكرة البيت المستقل، وإن تكررت الأبيات على شكل قصيدة، وله وزنان مشهوران:
    ـ البيت المركب من أربعة أشطر (أقفال) تتساوى في الميزان (مستفعلن فاعلاتن) وجوازاته، وفي القافية؛ باستثناء الثالث يكون مغايراً في القافية والطول، وهذا هو الوزن الأشهر، كقول ابن نُقطة، وقد أراد أن ينبّه الخليفة أن أباه مات وهو الذي يقوم بإيقاظ الناس آملاً أن يقربّه منه ويجزل له العطاء:
    يا سيد السادات
    لكْ بالكرمْ عادات
    أنا بني ابن نقطة
    تِعيشْ أبي قد مات
    ـ البيت المركب من ثلاثة أقفال مختلفة الوزن موحدة القافية متباينة الطول يكون الثالث فيها أطول من الثاني والثاني أطول من الأول ويكون ميزانه العروضي على الترتيب الآتي:
    مستفعلن فا فاعلاتن فاعلاتن
    مستفعلن مستفعلن فاعلاتن فاعلاتن»
    مثاله قول صفي الدين الحلي:
    كنّا مآ ..... لك دون إخوا ........ نك وآلك
    سَليتْنا الله يجعلو أول سؤالك
    7- السلسلة: وهو من الفنون النادرة القلقة، المجهولة النشأة، وهو من الفصيح، وربما جعلوه أحياناً من أبحر العروض المهملة، أو من الفنون المستحدثة، وله وزن معروف وهو:
    فَعْلُن فعِلاتن مسْتفعلن فعِلاتن
    فَعْلُن فعِلاتن مسْتفعلن فعِلاتن
    وربما التبس بفن الدوبيت، ومن أمثلته:
    السحر بعينيك ما تحرك أو جـال
    إلا ورماني من الغرام بأوجال
    يا قامة غصنٍ نشا بروضة إحسان
    أيان هفّت نسمة الدلال به مال
    8- البند: فن شعري مستحدث، نشأ في العراق، لم تُعرَف بدايته بدقة، ولاسيما أنه كان يُنثرُ نثراً، إلا أن هذا النثر يمكن أن يوزع على أشطر غير متساوية، ولها وزنٌ وإيقاعٌ موسيقي واضح هو من إيقاعات الشعر العربي العروضية. ويرى بعض الباحثين أنه يقوم على تفعيلات بحر الهزج (مفاعيلن مفاعيلن)، إلا أن نازك الملائكة رأت أن البند «خلافاً للشعر العربي كله يستعمل بحرين اثنين من بحور الشعر، يجمع بينهما ويكرر الانتقال من أحدهما إلى الآخر عبر القصيدة كلها. والبحران الوحيدان المستعملان فيه هما (الهزج) و(الرمل)»، ينتقل الشاعر من أحدهما إلى الآخر انتقالاً مدروساً يحافظ على جمالية الإيقاع، ولذلك يخطئ من يظن أن البند «نثر لا موسيقى له ولا جهد فيه». ولذلك فإن نازك الملائكة ترى أن هناك شبهاً قوياً بين البند والشعر الحر.
    ومن (البند) قول أحدهم:
    «أهل تعلم أم لا أن للحب لذاذات، وقد يعذر لا يعذل من فيه غراماً وجوى مات، فذا مذهب أرباب الكمالات، فدع عنك من اللوم زخاريف المقالات، فكم قد هذب الحب بليدا، فغدا في مسلك الآداب والفضل رشيدا»، وعند توزيعه على أشطرٍ يصبح:
    «أهل تعلم أم لا أن للحب لذاذات،
    وقد يعذر لا يعذل من فيه غراماً وجوى مات،
    فذا مذهب أرباب الكمالات،
    فدع عنك من اللوم زخاريف المقالات،
    فكم قد هذب الحب بليدا،
    فغدا في مسلك الآداب والفضل رشيدا».
    علي أبو زيد
يعمل...
X