مختار (محمود)
Mukhtar (Mahmoud-) - Mukhtar (Mahmoud-)
مختار (محمود ـ)
(1891ـ 1934)
ولد محمود مختار في قرية نشا القريبة من مدينة المنصورة في مصر لأب كان عمدة لقرية طنبارة بالمحلة الكبرى، وبقي في كنف والده بعد انفصال الأب والأم.
وفي قرية نشا عاش مختار طفولته، وفيها تفتحت أولى مواهبه على مشاهد أهلها الفلاحين، إذ كان يصنع التماثيل من الطمي المتوافر بكثرة من حوله، وقد لقي تشجيعاً ورعاية ملحوظين من أساتذته، إلى أن اصطحبه أحد شيوخ القرية المتصلين بأسرته إلى والدته التي استقرت بالقاهرة، فعاش بين أحيائها القديمة حتى التحاقه بمدرسة الفنون الجميلة في عام تأسيسها. ومن الجدير بالذكر أن الأمير يوسف كمال أحد أفراد الأسرة الحاكمة هو المؤسس لهذه المدرسة عام 1908.
تتلمذ مختار على يد أستاذه الفرنسي غيوم لابلان G.Leblanc، الذي لقنه قواعد النحت الكلاسي وفق المدرسة الإغريقية والرومانية، وكان من المتفوقين. وقد تبلورت أبحاثه في هذه المرحلة في تجسيد الملامح الوطنية بتأكيده على روح البطولة، فصاغ من هذه الملامح تماثيله للأبطال العرب الذين حققوا الانتصارات عبر التاريخ المديد أمثال عمرو بن العاص وخالد ابن الوليد وطارق بن زياد. كما جسد دور المرأة وتحريرها حين نحت تمثال خولة بنت الأزور إضافة إلى ذلك جسّد ورسّخ مشاعر الحب ومشاهد الحياة المصرية. ولم يغفل في هذه الأعمال القدرة على التعبير وإبداع أسلوب خاص به، في ظل التراث المحلي المتجسد في شخصية الحضارات التي مرت على وادي النيل.
أُوفد مختار عام 1911 إلى باريس، فتتلمذ هناك على يد النحات الفرنسي أنطونان ميرسييه Antonin Mercier، وفي هذه المدرسة احتكت روحه الشرقية بمناهج الفكر الأوربي، وتعمّق في مناهجه وتفتحت عيناه على آفاق جديدة من النحت التشكيلي، لكنه على الرغم من الضجيج العالي الذي أحدثته المذاهب الفنية المتزاحمة على الظهور آنذاك، استطاع مختار أن يعصم نفسه عن الانسياق وراء بريقها ليعود إلى تراث بلاده الأصيل مستفيداً من هذه التجارب بما يغني الكتلة النحتية بإدراك ووعي فريدين.
في أثناء دراسته في باريس، عاش مختار مرحلة حياتية صعبة؛ بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى، وانقطاع منحته الدراسية مما اضطره إلى العمل حمّالاً في مصانع الذخيرة، وبإرادته القوية استطاع التغلب على جميع الصعوبات من حوله.
كان مختار متفاعلاً مع قضايا وطنه، ففي عام 1910 شارك في المظاهرات المطالبة بالدستور والاستقلال وأودع السجن لمدة خمسة عشرة يوماً، وفي عام 1919 عندما وصلت الثورة المصرية إلى ذروتها بزعامة سعد زغلول، أراد أن يعبر عن موقفه من الاستعمار؛ ففكر في إقامة تمثال يعبر عن النهضة فصمم نموذجاً شارك فيه في معرض الفنانين الفرنسيين الذي افتتحه رئيس الجمهورية الفرنسية آنذاك عام 1920، وتألف هذا العمل من رموز محلية ممثَّلة بأبي الهول والفلاحة المصرية وقد رأى النقاد في هذا العمل أول شعاع تنبثق منه نهضة الفن المصري وانطلاقة حياته الجديدة.
بعد عودته إلى وطنه عام 1920مصطحباً نموذجه الذي نال إعجاب الشخصيات السياسية والفكرية، تبنى العديد منهم الدعوة إلى إشادة هذا التمثال في إحدى ميادين القاهرة. حتى إن رجال الأزهر الشريف قدموا دعماً ومجهوداً كبيرين لإنجاح هذه المهمة، ومن أجل تنفيذه تم تشكيل لجنة وتنظيم اكتتاب شعبي لجمع التبرعات أسهمت فيه جميع الفعاليات الوطنية والاجتماعية.
شرع مختار عام 1923 بتنفيذ هذا العمل النصبي، مستخدماً حجر الغرانيت في الوقت الذي كانت تنفذ فيه تماثيل القادة والشخصيات البارزة بمادة البرونز، وقد أزاح الملك فؤاد الستار عن هذا التمثال عام 1928.
أثار هذا العمل الميداني جدلاً واسعاً حول فكرته، حيث نقدها بعضهم وتحمس لها آخرون ورأوا فيها إعجازاً في التعبير عن معنى النهضة وما فيها من دلالة عميقة تصل الماضي بالحاضر. وفي الواقع فإن مختار ـ من خلال هذا العمل الإبداعي ـ أظهر مهارات عديدة تتلخص بقدرته على التأليف والتحوير، واستطاع بإحساسه الفطري بالتوازن والبساطة المدروسة تحليل المسطحات، وقد ساعده على ذلك طبيعة المادة المستخدمة، كما استطاع فوق ذلك بشاعريته التي كونتها الحماسة والعاطفة أن يعيد تقاليد أجداده المصريين الذين انحبست طرْقات أزاميلهم منذ آلاف السنين، وفي هذا الصدد لابد من التذكير ببعض الجوانب السلبية التي اكتنفت هذا العمل المهم، وتتمثَّل في القاعدة الضخمة التي ابتلعته وفي الفراغ الواسع من حوله الذي قزّمه وأضعف من حضوره الفراغي.
من أعمال مختار الميدانية تمثالا سعد زغلول في القاهرة والإسكندرية، ففي الأول يطل برأسه الشامخ ويده المرفوعة، وفي الثاني يقف متحفّزاً ينظر في الأفق البعيد، وقد أراد مختار أن يجسد من خلال هذه الشخصية الفذة كفاح الأمة وانتصار الإرادة الشعبية. أما من الناحية التشكيلية فقد عالجها بأسلوب تعبيري مبسط يحمل طابعه الفني في الاستفادة من تجارب الفن الحديث. ولابد من التذكير بأن تماثيل الأشخاص في هذه المرحلة والتي تمثّل السلاطين والشخصيات البارزة صيغت على غرار أسلوب القرن التاسع عشر المتمثّل بالاتجاه الكلاسي المحدث.
على الرغم من قصر عمره الفني، ترك مختار إرثاً عظيماً من القصائد المنحوتة تمثّل الحياة اليومية بأحزانها وأفراحها، ومن أهم أعماله تمثال «رياح الخماسين» المنفذ من الحجر الأسود عام 1929 ويمثل فتاة مصرية ترمز إلى المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الإنكليزي ويتميز بمتانة تكوينه البنائي وتبسيط الكتلة و(ديناميكيتها)، ومن أعماله أيضاً تمثال «حارس الحقول» الذي نفذه عام 1930، ويمثل رجلاً يحمل عصا طويلة وإلى جانبه كلبه الصغير وفيه يجسد حياة الريف المصري بكامل شخصيتها، إلى جانب ذلك نفّذ العديد من اللوحات الجدارية مستخدماً التبسيط في صوغها، مما يذكر بالفنون المصرية القديمة، ومن أهمها لوحة «تحية أقاليم مصر» وتمثّل سبع فتيات يؤدين التحية بطرائق مختلفة، كما نفذ جدارية لسعد زغلول وهو يقدِّم مطالب الأمة.
بعد وفاة مختار في عام 1934، بدأت المطالب من القاصي والداني لإنشاء متحف خاص بأعماله، وتحقق هذا المشروع المهم عام 1962، حين افتتح متحف باسمه يضم في قاعاته الثماني مجموعة كبيرة من الأعمال المنفذة بخامات مختلفة بعد أن تبرعت أسرته بأعماله وبدعم من أصدقائه الذين رأوا فيه فناناً كبيراً منذ بداية تجربته النحتية، وقد أضحى هذا المتحف قبلة للمهتمين، ومركزاً مهماً للأنشطة من ندوات ومعارض وكل الفعاليات الثقافية.
أحمد الأحمد
Mukhtar (Mahmoud-) - Mukhtar (Mahmoud-)
مختار (محمود ـ)
(1891ـ 1934)
ولد محمود مختار في قرية نشا القريبة من مدينة المنصورة في مصر لأب كان عمدة لقرية طنبارة بالمحلة الكبرى، وبقي في كنف والده بعد انفصال الأب والأم.
وفي قرية نشا عاش مختار طفولته، وفيها تفتحت أولى مواهبه على مشاهد أهلها الفلاحين، إذ كان يصنع التماثيل من الطمي المتوافر بكثرة من حوله، وقد لقي تشجيعاً ورعاية ملحوظين من أساتذته، إلى أن اصطحبه أحد شيوخ القرية المتصلين بأسرته إلى والدته التي استقرت بالقاهرة، فعاش بين أحيائها القديمة حتى التحاقه بمدرسة الفنون الجميلة في عام تأسيسها. ومن الجدير بالذكر أن الأمير يوسف كمال أحد أفراد الأسرة الحاكمة هو المؤسس لهذه المدرسة عام 1908.
تتلمذ مختار على يد أستاذه الفرنسي غيوم لابلان G.Leblanc، الذي لقنه قواعد النحت الكلاسي وفق المدرسة الإغريقية والرومانية، وكان من المتفوقين. وقد تبلورت أبحاثه في هذه المرحلة في تجسيد الملامح الوطنية بتأكيده على روح البطولة، فصاغ من هذه الملامح تماثيله للأبطال العرب الذين حققوا الانتصارات عبر التاريخ المديد أمثال عمرو بن العاص وخالد ابن الوليد وطارق بن زياد. كما جسد دور المرأة وتحريرها حين نحت تمثال خولة بنت الأزور إضافة إلى ذلك جسّد ورسّخ مشاعر الحب ومشاهد الحياة المصرية. ولم يغفل في هذه الأعمال القدرة على التعبير وإبداع أسلوب خاص به، في ظل التراث المحلي المتجسد في شخصية الحضارات التي مرت على وادي النيل.
محمود مختار: "النهضة المصرية" |
في أثناء دراسته في باريس، عاش مختار مرحلة حياتية صعبة؛ بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى، وانقطاع منحته الدراسية مما اضطره إلى العمل حمّالاً في مصانع الذخيرة، وبإرادته القوية استطاع التغلب على جميع الصعوبات من حوله.
كان مختار متفاعلاً مع قضايا وطنه، ففي عام 1910 شارك في المظاهرات المطالبة بالدستور والاستقلال وأودع السجن لمدة خمسة عشرة يوماً، وفي عام 1919 عندما وصلت الثورة المصرية إلى ذروتها بزعامة سعد زغلول، أراد أن يعبر عن موقفه من الاستعمار؛ ففكر في إقامة تمثال يعبر عن النهضة فصمم نموذجاً شارك فيه في معرض الفنانين الفرنسيين الذي افتتحه رئيس الجمهورية الفرنسية آنذاك عام 1920، وتألف هذا العمل من رموز محلية ممثَّلة بأبي الهول والفلاحة المصرية وقد رأى النقاد في هذا العمل أول شعاع تنبثق منه نهضة الفن المصري وانطلاقة حياته الجديدة.
بعد عودته إلى وطنه عام 1920مصطحباً نموذجه الذي نال إعجاب الشخصيات السياسية والفكرية، تبنى العديد منهم الدعوة إلى إشادة هذا التمثال في إحدى ميادين القاهرة. حتى إن رجال الأزهر الشريف قدموا دعماً ومجهوداً كبيرين لإنجاح هذه المهمة، ومن أجل تنفيذه تم تشكيل لجنة وتنظيم اكتتاب شعبي لجمع التبرعات أسهمت فيه جميع الفعاليات الوطنية والاجتماعية.
شرع مختار عام 1923 بتنفيذ هذا العمل النصبي، مستخدماً حجر الغرانيت في الوقت الذي كانت تنفذ فيه تماثيل القادة والشخصيات البارزة بمادة البرونز، وقد أزاح الملك فؤاد الستار عن هذا التمثال عام 1928.
محمود مختار: "رأس الزعيم الوطني سعد زغلول" |
من أعمال مختار الميدانية تمثالا سعد زغلول في القاهرة والإسكندرية، ففي الأول يطل برأسه الشامخ ويده المرفوعة، وفي الثاني يقف متحفّزاً ينظر في الأفق البعيد، وقد أراد مختار أن يجسد من خلال هذه الشخصية الفذة كفاح الأمة وانتصار الإرادة الشعبية. أما من الناحية التشكيلية فقد عالجها بأسلوب تعبيري مبسط يحمل طابعه الفني في الاستفادة من تجارب الفن الحديث. ولابد من التذكير بأن تماثيل الأشخاص في هذه المرحلة والتي تمثّل السلاطين والشخصيات البارزة صيغت على غرار أسلوب القرن التاسع عشر المتمثّل بالاتجاه الكلاسي المحدث.
على الرغم من قصر عمره الفني، ترك مختار إرثاً عظيماً من القصائد المنحوتة تمثّل الحياة اليومية بأحزانها وأفراحها، ومن أهم أعماله تمثال «رياح الخماسين» المنفذ من الحجر الأسود عام 1929 ويمثل فتاة مصرية ترمز إلى المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الإنكليزي ويتميز بمتانة تكوينه البنائي وتبسيط الكتلة و(ديناميكيتها)، ومن أعماله أيضاً تمثال «حارس الحقول» الذي نفذه عام 1930، ويمثل رجلاً يحمل عصا طويلة وإلى جانبه كلبه الصغير وفيه يجسد حياة الريف المصري بكامل شخصيتها، إلى جانب ذلك نفّذ العديد من اللوحات الجدارية مستخدماً التبسيط في صوغها، مما يذكر بالفنون المصرية القديمة، ومن أهمها لوحة «تحية أقاليم مصر» وتمثّل سبع فتيات يؤدين التحية بطرائق مختلفة، كما نفذ جدارية لسعد زغلول وهو يقدِّم مطالب الأمة.
بعد وفاة مختار في عام 1934، بدأت المطالب من القاصي والداني لإنشاء متحف خاص بأعماله، وتحقق هذا المشروع المهم عام 1962، حين افتتح متحف باسمه يضم في قاعاته الثماني مجموعة كبيرة من الأعمال المنفذة بخامات مختلفة بعد أن تبرعت أسرته بأعماله وبدعم من أصدقائه الذين رأوا فيه فناناً كبيراً منذ بداية تجربته النحتية، وقد أضحى هذا المتحف قبلة للمهتمين، ومركزاً مهماً للأنشطة من ندوات ومعارض وكل الفعاليات الثقافية.
أحمد الأحمد