انتعاشٌ في الحراك التشكيليِّ السوريّ أم مجرد فورةٍ؟
تشرين- بديع صنيج:
مَن يتابع حراك الفن التشكيلي في دمشق تحديداً، يرى أنه يشهد انتعاشاً ملحوظاً، ليس فقط من جهة عدد المعارض المقامة والمُعلَن عنها، وإنما من ناحية افتتاح صالات عرض جديدة وأيضاً عبر ابتكار أماكن بديلة للعرض، ما يضعنا أمام سينوغرافيات متعددة ومشهديات وافرة تُغذِّي نسغ الحياة التشكيلية السورية، ولاسيما بالاتكاء على تجارب فريدة، سواء أكانت من خلال معارض فردية برؤى متجددة، أو عبر معارض جماعية تجمع أجيالاً تشكيلية من مرحلة التأسيس مروراً بمن حمل على عاتقه متابعة التأسيس وانتهاءً بأصوات المصورين الجدد ومحاولاتهم ترك بصمة واضحة على الساحة التشكيلية السورية.
فمنذ فترة سمعنا بغاليري دمشق الذي بدأ بمعرض للفنان القدير عز الدين شموط، وثاني معارض الغاليري ما زال مستمراً تحت عنوان «عيون سورية» وضمَّ أعمالاً لجيلين مهمين في محترف التصوير السوري الحديث، جيل أسَّس لملامح الحركة التشكيلية السورية متمثلاً بفاتح المدرس، نصير شورى، محمود حماد، لؤي كيالي، نذير نبعة، نعيم إسماعيل، ومروان قصاب باشي، وجيل آخر يتابع التأسيس تمثّل بنزار صابور، حمود شنتوت، أحمد معلا، علي مقوص، فؤاد دحدوح، بهرام حاجو، وسعد يكن.
كما سمعنا عن معرض «حلم» للفنانة الشابة الراحلة «لمى حمادي» وذلك ضمن صالة «كاراكاز» في منطقة ساحة عرنوس، وكان بمنزلة تحية لها وإحياء لذكراها بين أصدقائها ومحبي فنّها، حيث إنه وثَّق لمسيرتها التي كانت في بداياتها لكن مع بصمات مميزة.
وأيضاً منذ يومين تم الإعلان عن معرض جديد للفنانة المتميزة صفاء الست في السابع والعشرين من الشهر الجاري بعنوان «أحلام اليقظة» الذي سيقام في موقع يحمل مكانة خاصة للفنانة ضمن حي «أبو رمانة»، لا نعلم ملامح ذاك المكان ولا خصوصيته، لكن ثمة إغراء تضمنه الإعلان من أجل الحضور واكتشاف ذلك، فضلاً عن ظهور دور مميز لما يصطلح على تسميتهم المنسِّقين الفنيين الذين يتم بإدارتهم ومبادراتهم الكثير من المعارض ومنها معرض «الست» وغيره مما حضرناه مثلاً على سطح مركز «رايزهب» (المركز الثقافي البريطاني سابقاً).
كل ذلك يثير الكثير من الأسئلة المتعلقة بسيرورة الحياة التشكيلية في سورية عموماً، وما أبرز محطاتها؟ وما الذي يؤسس لخصوصيتها؟ وأين تكمن ملامح حيويتها؟ وهل شكَّلت حركة تشكيلية أم إنها بقيت في إطار التجارب الفردية للعديد من المصورين السوريين على اختلاف الموضوعات التي تناولوها والتقنيات التي لجؤوا إليها للتعبير عن أفكارهم؟
وبالنسبة للجيل المؤسس كيف استطاعوا أن يسجلوا أسماءهم في تاريخ التصوير السوري الحديث وأن يكونوا علامات فارقة في المشهد، حيث إن أعمالهم على تنوع مدارسها وأساليب الاشتغال عليها بقيت محافظة على طزاجتها وحيويتها عبر الزمن؟
وأيضاً تطرح تلك الانتعاشة إشكالية استمرارية نسغ الحياة التشكيلية السورية من الجيل المؤسس بكل ما أثبته من فرادة وغنى وتنوع، إلى الجيل الذي تلاه، ويسعى لترسيخ ملامح من الخصوصية في أعمال تجعله قادراً على مواصلة التأسيس، وكيف بنى الفنانون اللاحقون لهم مزاياهم التشكيلية الخاصة؟ ثم هل هناك من آثار يمكن رصدها في لوحاتهم تعود إلى من سبقهم؟ وما مدى تأثرهم وتأثر أعمال الجيل السابق لهم بالحركة التشكيلية العالمية بمدارسها وتياراتها المتنوعة؟
كما يتبادر إلى الذهن هاجس التأصيل الذي بدأه الجيل المؤسس أو ما يسميه بعض النقاد بجيل التحديث، وذلك عن طريق البحث في التاريخ البصري لسورية ومحاولة إيجاد إجابات تشكيلية تعطي اللوحة معناها ومشروعيتها؟
وبناء على ذلك يطرح سؤال ما أثر النقد واشتغالاته التقويمية في تطوير حركة التصوير في سورية؟ أم إن الارتقاء كان نابعاً من تفكير الفنانين أنفسهم بعيداً عن الأحكام النقدية وارتكازهم فقط على تجربتهم الشخصية والسعي لزيادة زخم أعمالهم وإشباعها بالحياة وتثوير قدرتها على تجاوز الزمن؟
ورغم أن هذه الأسئلة تحتاج الكثير من الجهد للإجابة عنها، لكنها تبقى محفزاً لمتابعة هذه الانتعاشة التشكيلية التي تشهدها العاصمة على الأقل، مع رغبة الكثيرين في أن تتم شراكة ما بين الصالات الخاصة وتلك التابعة لوزارة الثقافة، لنقل المعارض بين المحافظات، حتى لا تبقى أسيرة مكان واحد، وكي يطلع أكبر عدد ممكن من السوريين على تلك التجارب بأجيالها المتعددة، على أمل أن يؤسس الحراك التشكيلي الحاصل لنهضة ما وتنتعش معه الحركة النقدية المحفزة لمزيد من النهوض.