شفيق اشتي.. هويةٌ فنيّةٌ تستدعي نِزاعات الأمكنة والبشر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شفيق اشتي.. هويةٌ فنيّةٌ تستدعي نِزاعات الأمكنة والبشر


    شفيق اشتي.. هويةٌ فنيّةٌ تستدعي نِزاعات الأمكنة والبشر


    تشرين- لبنى شاكر:
    لا عنوان لِمعرض الفنان شفيق اشتي المُقام حالياً في المركز الوطني للفنون البصرية، ربما لأن الهويّة التي شكّلها منذ عام 1976 في إطار العمارة والأوابد الأثرية في احترافٍ مُبكّر أحالت اسمه إلى دلالةٍ قائمةٍ بذاتها، يكفي أن يُذكر حتى تنبري في الذهن مَشاهد وحكايات وأساطير، استطاع تباعاً إخراجها من حيّز الزمن المُنتهي إلى المُتجدد بموازاة الحدث الراهن، وهو ما ينسحب أيضاً على التجربة الأخيرة (24 لوحة)، رغم شمولها مجموعتين فنيتين مُتباعدتين، الأولى نتاج عام 2009 سبق عرضها في أروقة متحف دمشق الوطني، والثانية حصيلة الأعوام الأخيرة، أوجد في كلتيهما جديداً يَصب في الخط العام له، وعلى حد تعبيره «مسيرتي الفنية حصيلة عدة تجارب، يستمر بعضها خمس سنوات أو سبعاً أو عشراً، لكنها جميعها أعطتني الهوية التي أُعرف بها».
    في المعرض الحالي أضاف اشتي إلى أعماله تقاطعاتٍ تعامدية، أدخل بموجبها الأبنية الأثرية ونظيرتها المُتهالكة التي كانت طويلاً، موضع اختبارٍ لعوامل الطبيعة والحروب والصراعات، إلى أجواءٍ وعوالم تختلف عن سابقاتها، بدت فيها جزءاً من تصوراتٍ افتراضية وخيالات، لا تخلو بالطبع من إسقاطات، اختار لها مُسمى «الواقع»، مُبتعداً كعادته عن الإشارات المباشرة إلى الأكثر اتساعاً وإحاطة، كما تنصهر معها تكويناتٌ جسدية لكتلٍ بشرية مُتحركة، في شطحاتٍ لونيةٍ عفوية، يقول عنها التشكيلي في حديثٍ إلى «تشرين»: «هذه العفوية هي ما أعتمده في مراحل بناء لوحتي، مُستنبطاً الأشياء الجميلة التي تخدم مضمون اللوحة وما وراءه، بما ينسجم مع هويتي وفكري، وفي النتيجة يشعر المُتفرج بأشياء فلسفية باطنية، من دون أن يتمكن من توصيفها، ربما تكون مسرحاً أو ملحمةً أو واقعة، ما زالت تضج بالحياة».
    توليفة الأمكنة والبشر في نزاعاتٍ لا تتوقف استدعت ألواناً مُماثلة للعناصر على تباينها، في الرمادي والبني والأصفر، حيث لا يرى الواقف قبالة اللوحة فرقاً بين الدفاع والهجوم، الإحجام والإقدام، في صورةٍ كليّة عامة، وإن كان هذا لا ينفصل برأي اشتي عن حالة التكامل البصري اللوني الذي نرى فيه ذوباناً هائلاً، تندغم فيه المكونات دونما أي شذوذ أو نفور، وفي السياق ذاته، لم يَحل ابتعاد الأعمال عن حالة الاستقرار والسكون، نحو الحركة وتغيّر حركات الأجساد ومواضعها، وما يتردد عن التشاؤمية في لوحات اشتي، دون حرصه على أن تُؤدي اللوحة رسالتها الجمالية، من ناحية التقنية والخبرة والمهارات المُكتسبة وتتابع التجارب، يقول التشكيلي: «إلى اليوم، أشتغل بحركة الأدوات نفسها.. الريشة والقلم والفحم، حقيقةً صادقت أدواتي حتى أصبحت لنا روحٌ واحدة، لكن حين يُقال إني متشائم، فلهذا أسباب، كيف أكون سعيداً والآخرون حولي ليسوا بخير، من الطبيعي أن يشعر المتلقي بهذا، وربما يراه في تضخيم المعالم والمبالغة بها، ومن ثم تصديره بلا تكلّف».
    في إحدى لوحاته باللون الأحمر القليل جداً في المعرض، استند اشتي إلى لوحة العشاء الأخير لرائد عصر النهضة الإيطالي ليوناردو دافينشي عام 1498، والتي أصبحت رمزاً وأيقونةً فنية، أُعيد رسمها مئات المرات حول العالم، مُتجاوزاً ما يتعلق بالحكاية المعروفة للرسل الإثني عشر الذين يحيطون بالسيد المسيح حول المائدة، وما تضمنته رسائلهم اللاحقة من محبة وتسامح وإيمان، نحو فكرةٍ بعيدة، يُطلق عليها «العشاء السري ما بعد الأخير»، يشرح عنها: «في أيامنا هذه، أصبح التآمر سمة العيش، لم تعد الطاولة مقدسة بل شيطانية، تدور المكائد والدسائس حولها، الإنسان يكيد لأخيه كيفما أُتيح له، نحن نعيش في غابة، ومَن رسمتهم في لوحتي أسيادها، وسيكتشف مَن يتأمل جيداً في العمل المُكوّن من جزءين علوي وسفلي، شبهاً بشكل المخ، هذا مقطعٌ مأخوذٌ منه»، يُضيف أيضاً «اللوحة نتاج تجربةٍ سابقة عام 2014، لكنها في كل مرة تنجح في توجيه الأنظار إليها، يُمكن أن تُبنى عليها عدة أعمال، إلى جانب المنظر الجمالي الرائع الطاغي فيها، كان لا بد منه لاستساغة المضمون».
    المعرض الحالي هو الـ 27 الفردي لاشتي، تُضاف له مشاركات جماعية وورشات عمل كثيرة داخل سورية وخارجها، وفي جعبته مجموعات أعمال لم تُعرض في دمشق رغبةً منه في ترك فاصلٍ زمني بين معرضٍ وآخر، منها مجموعةٌ اشتغلها عام 2011 في بحثٍ لكلية الفنون الجميلة في مدينة إدنبرة في اسكوتلندا، وهي واحدة من أعرق أكاديميات الفنون في العالم، تعود إلى القرن الخامس عشر، كذلك مجموعة عن الرقص، يُمكن عدها فكرةً خارجة عن المألوف في مشوار شفيق اشتي لا تنفصل عن هويته.
يعمل...
X