استقلاب
Metabolism - Métabolisme
الاستقلاب
الاستقلاب أو الأيض metabolism هو مجموع التحولات الكيمياوية والفيزيائية التي تمر بها المادة في الخلية الحية. وتقدم للكائن الحي مايحتاج إليه من طاقة ومادة.
وتقسم دراسة الاستقلاب إلى ثلاثة أجزاء:
ـ الاستقلاب الوسيط intermediary metabolism وهو استعراض لتحولات المادة في المتعضية.
ـ الآلية الإنظيمية لحدوث التفاعلات، وبالتالي تحديد المراحل التي تتحرر فيها الطاقة، ودور الفسفور في ذلك.
ـ تقدير الراتب الغذائي اللازم للمتعضية الحية.
الشكل (1) تمثيل المراحل الثلاث لعملية الاستقلاب |
ويشمل جميع عمليات تركيب المادة الحية الجديدة وتكوينها، والظواهر التي ترافق اتحاد المواد البسيطة في أثناء تحولها إلى مواد معقدة (الابتناء anabolism)، ويشمل كذلك عمليات تفكك المادة الحية المعقدة وتحولها إلى جزيئات أبسط تركيباً (التقويض catabolism). والواقع أن العمليتين تمثلان اتجاهين متعاكسين لتفاعل واحد هو قابل للعكس في الغالب:
وتمر عمليات التقويض بمراحل ثلاث (الشكل1): يتم في المرحلة الأولى هضم المواد المركبة وتفكيكها إلى مواد أكثر بساطة بإدخال جزيء ماء في بنيتها، بالتحليل المائي hydrolysis. وهكذا تتفكك البروتينات إلى حموض أمينية يصل عدد أنواعها في المواد الغذائية إلى نحو 20 حمضاً، وتتحول الشحميات إلى الغليسرول وحموض دسمة يبلغ عدد أنواعها عشرة تقريباً، أما السكريات فتعطي سكريات بسيطة، هي السكريات السداسية (الهكسوزات) التي يحوي جزيؤها 6 ذرات من الكربون كالغلكوز، والسكريات الخماسية (البنتوزات) التي يحوي جزيؤها 5 ذرات كربون. وتُنْجَزُ هذه المرحلة من التقويض عادة في جهاز الهضم، وتتواسطها الإنظيمات [ر] الهاضمة التي تفرزها الغدد الهاضمة.
الشكل (2) دورة اكربس |
وتعد المرحلة الثالثة أهم المراحل الثلاث، إذ يتحرر فيها الثلثان الباقيان من الطاقة الكامنة في المادة الغذائية. وهذه المرحلة هي نفسها في المواد الغذائية الثلاث: السكريات والشحميات والبروتينات، وفيها يتأكسد «أستيل تميم الإنظيم آ» الناتج من المرحلة السابقة (كما تتأكسد الحموض الكيتونية الناتجة من البروتينات) مكوناً الماء وثنائي أكسيد الكربون. وتمثل هذه المرحلة مجموعة معقدة من التفاعلات الكيمياوية تعرف باسم «دورة الحمض ثلاثي الكربكسيل tricarboxylic acid cycle» أو «دورة إكْرِبْس krebs cycle» (الشكل2).
وعلى النسق نفسه تمر عمليات الابتناء بثلاث مراحل تماثل مراحل التقويض وتخالفها في الاتجاه. فتركيب البروتينات يبدأ بتكوين الحموض الكيتونية، التي تتحول في المرحلة الثانية إلى حموض أمينية نتيجة لانتقال زمرة الأمين إليها من حموض أمينية أخرى موجودة في الخلية (الشكل3). وفي المرحلة الثالثة تتكاثف الحموض الأمينية الناتجة مكونة روابط ببتيدية تربطها بعضها ببعض، فتتكون بذلك سلاسل ببتيدية طويلة تمثل البروتينات (الشكل 4).
الشكل (3) تمثيل انتقال الأمين من الحمض الأميني I إلى الحمض الكيتوني II الذي يتحول إلى الحمض الأميني II يتواسط هذا الانتقال النظم (ناقل الأميني بمساعدة تميم الأنظيم، فسفات البيريدوكسال ذي العلاقة بالفيتامين ب6 |
الشكل (4) |
الشكل (5) مخطط الاستقلاب المتوسط والعلاقات الاستقلابية بين مختلف المواد |
أما تركيب الشحميات فيبدأ بتكوين الحموض الدسمة ابتداء من «أستيل تميم الإنظيم أ» الذي ينتج في المرحلة الأولى، وتتكون في المرحلة الثالثة «روابط إستيرية» تربط الغليسرول بهذه الحموض الدسمة وبالمواد الأخرى التي تدخل في تركيب الشحميات (الشكل 5). ومايلفت النظر في تفاعلات التقويض أنه، في المرحلة الثانية منها، حين تتكون الحموض الكيتونية، تتكون فيها أيضاً مادة النشادر (الأمونيا)، وهي مادة سامة لابد من طرحها. ويتم ذلك بتحويلها إلى مادتي البولة وحامض البول الأقل سمية، ويحدث ذلك في سلسلة من التفاعلات المعقدة في الكبد فقط نظراً لحاجة التفاعلات المذكورة إلى إنظيم الـ«أرجِناز» الذي لايوجد إلا في خلايا الكبد (الشكل 6).
آلية الاستقلاب الإنظيمية
الشكل (6) تشكل الفضلات السامة الثلاث: النشادر والبولة وحمض البول |
ففي الطريقة الأولى قد يتحد حمض اللبن مباشرة بالأكسجين مكوناً «الحمض البيروفي» والماء وتتحرر الطاقة.
CH3.CO.COOH.+H2O | CH3.CHOH.COOH | |
أما في الطريقة الثانية فيحصل التأكسد بنزع ذرة هدروجين من حمض اللبن ونقلها إلى مادة أخرى. وقد أمكن تبين وجود إنظيم يقوم بهذا الدور يدعى «نازع هدروجين اللَّبنات lactate dehydrogenase». وقد عرف أن الجزء الفعال في هذا الإنظيم هو «تميم الإنظيم» coenzym. فهدروجين حمض اللبن يرتبط بتميم الإنظيم الذي يتمثل بمادة «ثنائي نيكلوتيد الأدنين والنيكوتيناميد» التي يرمز لها اختصاراً بـ «ناد NAD»، التي تتحول بعد ارتباطها بالهدروجين إلى (NADH) «ناد ـ H»:
وينتشر جزء من الطاقة المتحررة في الوسط الذي يعيش فيه الكائن، ويُدَّخر الجزء الآخر لحين الحاجة على شكل مركبات خاصة تنتج من ربط حمض الفسفور ببعض المواد المعقدة، ليحرر تحليل هذه المركبات بالماء الطاقة المدخرة. وأهم هذه المركبات هو «ثلاثي فسفات الأدنوزين» ويرمز له «أتب ATP»، الذي يتكون من ارتباط الأدنوزين بثلاثة جزيئات من حمض الفسفور. وحين يتحلل بالماء جزيءٌ من الأتب يتحرر جزيءٌ من «ثنائي فسفات الأدنوزين» (أدب ADP) وجزيء من حمض الفسفور، إضافة إلى كمية من الطاقة تقدر بنحو 8 حرَّات.
8 حرات + | ADP+ P | g | ATP |
لقد ذُكر سابقاً أن ثلث الطاقة تقريباً ينطلق في المرحلة الثانية من عمليات التقويض، أما الباقي فينطلق في دورة الحمض الثلاثي الكربكسيل (دورة إكربس). فأكسدة جزيء من «أستيل تميم الإنظيم أ» في كل دورة يصاحبه انطلاق 8 ذرات من الهدروجين، تتحد في سلسلة الأكسدة الحيوية بالأكسجين لتكوِّن 4 جزيئات من الماء وتحرر 12 جزيئاً من «الأتب». والواقع يعطي جزيء الغلوكوز، في المرحلة الثانية من عمليات التقويض، جزيئين من أستيل تميم الإنظيم أ، ويتحرر لدى تكوّن كل منهما 7 جزيئات من «الأتب». أي يتحرر في هذه المرحلة 14 جزيئاً من «الأتب»، في حين يحرر تأكسد أستيل تميم الإنظيم آ، في المرحلة الثالثة، 12 جزيئاً من «الأتب». أي يتحرر في هذه المرحلة 24 جزيئاً من «الأتب»، فيكون المجموع العام 38 جزيئاً من «الأتب».
وتتوضح أهمية المواد الفسفورية العالية الطاقة في أن معظم المواد لا تبدأ التفاعل بعضها مع بعض إلا بعد أن تُنَشَّط بارتباطها بحمض الفسفور في عملية تسمى الفسفرة phosphorylation. ففي تفاعلات التحلل السكري مثلاً يرتبط الغلوكوز بحمض الفسفور، الذي يأتي من «الأتب» عادة، ويتحول إلى سداسي فسفات الغلوكوز، يتابع التفاعلات التي تميز استقلاب السكريات، ويتحول الأتب، نتيجة ذلك، إلى «أدب».
الشكل (7) الصيغة الكمياوية للأتب |
تعد المادة الشحمية من أهم مصادر الطاقة التي يحتاج إليها الكائن الحي. فالحرق التجريبي لـ 1غ من السكريات أو 1غ من البروتينات يحرر نحو 4.1 حرة، في حين أن 1غ من الشحميات يحرر نحو 9.3 حرة. والسبب في ذلك غزارة الهدروجين الموجود في جزيئات الشحميات بالمقارنة مع ماهو موجود في السكريات أو البروتينات. ولذلك فإن كمية الأكسجين التي تستهلك في حرق السكر أقل بكثير مما تحتاجه مادة الأستيارين مثلاً (وهي مادة شحمية)، كما يتضح من التفاعلين التاليين:
6CO2+6H2O | " | C6H12O2+6O2 | (السكر) |
114CO2+110H2O | " | C57H110O6+163O2 | (الأستيارين) |
الشكل (8) معدل الاستقلاب الأساسي لدى الإنسان بحسب العمر والجنس |
هذا فيما يتصل بالاستقلاب الأساسي. أما عند الفرد الذي يقوم بفعاليات مختلفة فيحتاج إلى طاقة إضافية، فحاجات طالب مثلاً تقدر بنحو 2500 حرة في اليوم، وتقدر متطلبات سائق شاحنة أو مزارع بنحو 3500 حرة، أما لاعب كرة القدم فيحتاج إلى نحو 4000 حرة في اليوم. وعلى كل حال فإنه يقدر أن الشخص العادي يتطلب نحو 2800 حرة يومياً. فإذا أريد حساب هذه الطاقة من الأغذية التي يتناولها على أساس أن:
1غ من السكر يطلق 4 حرات
1غ من الشحميات يطلق 9 حرات
1غ من البروتينات يطلق 4 حرات
فإن عليه أن يتناول وجبة غذائية تحتوي على:
375غ من السكر، تطلق 1500 حرة
100غ من الشحميات، تطلق 900 حرة
100غ من البروتينات تطلق 400 حرة ويكون مجموع الطاقة فيها 2800 حرة
وتجب ملاحظة أن هذه الوجبة الغذائية تستمد نحو 15% من قيمتها الحرارية من البروتينات، ونحو 50% من السكريات. ونحو 35% من الشحميات. كما وجد أن بروتين الجسم يزداد في مدة النمو السريعة عند الإنسان، وهي مابين 11- 16 سنة، بمعدل 4كغ في السنة. ولما كان الغرام الواحد من البروتينات يعادل 4 حرات فإن الجسم يتطلب:
4000غ × 4حرة = 16000 حرة في السنة وهذا يعني أن الجسم يحتاج يومياً، إضافة إلى المتطلبات العادية الأخرى، إلى 1600/360=44 حرة تقريباً.
والمصابون بالبدانة لديهم من المدخر الشحمي والوزن الزائد ما ينوء به جسمهم، وبالتالي يُحَمِّلُ قلوبهم فوق طاقتها، مما يوجب تخفيف وزنهم؛ والنقصان النموذجي المقبول عادة هو بمعدل 0.5- 1كغ في الأسبوع الواحد. فإذا أراد شخص ما إنقاص وزنه من 80كغ إلى 70كغ مثلاً فإنه يجب عليه أن يُخَفِّضَ راتبه الغذائي في مدة لا تقل عن 10 أسابيع. وفي هذه الحالات يُكتفى براتب غذائي لا يقل عن 1000 حرة في اليوم الواحد. وفي مثل هذه الوجبات يجب أن يكون المحتوى البروتيني كبيراً، فلا يقل عن 50% من القيمة الغذائية كلها.
وتختلف قيمة الاستقلاب الأساسي بحسب عدة عوامل، يذكر منها العمر والجنس. ويبين المخطط التالي اختلاف معدل الاستقلاب الأساسي لدى الإنسان، ومنه يبدو انخفاض المعدل لدى الأنثى عما هو عليه لدى الذكر في جميع الأعمار. كما يبدو انخفاض المعدل، وبالتالي حاجات الاستقلابية، كلما ازداد عمره.
كما أن لقيمة الاستقلاب هذه دلالة مهمة فيما يتصل بفعالية الخلية، لذلك فإن تغيرها يعني اضطراباً في الاستقلاب العام في الجسم، الأمر الذي يهتم به الأطباء كثيراً، ولاسيما أطباء الغدد الصم، إذ إن للغدة الدرقية سيطرة كبيرة على ذلك. ففرط إفراز الدرقية يزيد من قيمة الاستقلاب الأساسي، في حين يؤدي قصور إفراز الدرقية إلى نقصها.
حسن حلمي خاروف