لأول مرةٍ، أثبت العلماء عملية (الإجبار الجيني أو محرك الجينات gene drive) لدى الثدييات، باستخدام تقنيات تعديل الجينوم للتأثير على الطريقة التي تُورَّث بها الصفات الجينية في مجموعةٍ من الفئران.
تطورت عملية محرك الجينات في التجارب الحيوانية السابقة، ولكن حتى الآن ثبُتَ استخدامها فقط على الحشرات.
بالنظر إلى نفس المفهوم، يمكن تحقيقه مع حيواناتٍ أكثر تعقيدًا، فإن البحث يدفعنا وبشكلٍ كبيرٍ للوصول إلى تكنولوجيا قويةٍ ومثيرةٍ للجدل لا يمكن إنكارها.
في نظرية علم الوراثة الكلاسيكية المسماة (الوراثة المندلية- Mendelian inheritance)، هناك فرصة 50% أن تكون نُسخ الأم من أي جينٍ محددٍ مُوَرَّثة إلى الذُرّية.
إن محرك الجينات أو الإجبار الجيني، الموصوف كنوعٍ من (الوراثة فوق المندلية – Super-Mendelian inheritance)، في الدراسة الجديدة يُعدِّل هذه الاحتمالات إذ يصبح نوعٌ واحدٌ من الجينات (ثم الصفة) أكثر احتمالًا في الجيل التالي من الكائن الحي (الذُّرية).
«إن محرك الجينات ينحاز لانتقال إحدى نسختي الجينات إذ يتم توارثها بشكلٍ أكثر تكرارًا عن طريق التمييز العشوائي»، كما أوضح الباحثون في الدراسة الجديدة، بقيادة الباحثة وأخصائية علم الوراثة كيمبرلي كوبر من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، في ورقتهم البحثية.
«على حد علمنا، لم يثبت بعد وجود هذا النظام في الثدييات، على الأقل حتى الآن».
في البحث الجديد، الذي صُمِّمَ كحالة اختبارٍ، استخدم الفريق تقنية CRISPR-Cas9 لتحرير الجينوم لزيادة الفرصة لدى ذرية الفأر ليرث متغيّرًا مُصمَّمًا بشكلٍ محددٍ من جين التيروزينز (Tyr، الذي يؤثر على لون فرو الفأرة) من الأبوين.
قالت كوبر: «لقد أوضحنا أنه بإمكاننا هندسةُ جينٍ يمكن أن يستخدم تقنية CRISPR وآلية إصلاح الحمض النووي (homology directed repair) لإيجاد واستبدال النسخة غير المُعدّلة (المُهَندَسة)».
«هذه هي الآلية الأساسية للإجبار الجيني التي تتوسطها CRISPR، لكن هناك العديد من الأسباب الأخرى حيث نرغب في زيادة معدل وراثة نسخةٍ معينةٍ من الجين».
في عالم الحشرات، على سبيل المثال، يقترح مناصرو المحرك الجيني أنّ هذه التكنولوجيا يمكن أن تساعدنا في القضاء على أمراضٍ مثل الملاريا، عن طريق تغيير أو تثبيط أو استئصال أنواع البعوض التي تنقل المرض.
ولكن رغم وجود فوائد لهذا، فهناك أيضًا مخاطر محتملة، مثل الآثار غير المقصودة التي ستنتشر بها الأنواع المهندسة في البريّة.
تقول كوبر: «إن المخاطر المهمة معظمها هي احتمال ألّا تكون هذه الكائنات المعدلة وراثيًا محصورةً في المنطقة الجغرافية المقصودة وأن الجينات المهندسة يمكن أن تنتشر في البريّة».
«كل ما قيل، إن العلماء الذين يقومون بهذا العمل يدركون جيدًا هذه المخاطر، وكل ما أعرفه أنهم يفكرون بعمقٍ في كيفية تصميم أنظمة محرك الجينات التي يمكن أن تكون محددةً لذاتها أو تنطفئ بطريقةٍ ما».
في العمل الجديد، كان لدى فريق كوبر نتائج متفاوتة جزئيًا، ولم يكن قادرًا على تغيير الخط الجنسي الذكري (the male germline) بنجاحٍ دون وجود معدلاتٍ عاليةٍ من الأذى للحمض النووي.
أثبتت هذه التقنيات نجاحًا ملحوظًا أكثر مع الإناث.
وقالت كوبر: «في المعتاد، ستُنقل إحدى نسختي الجين إلى 50% من النسل».
«لقد استطعنا زيادة هذه النسبة إلى 86%».
«لأن الفئران تأخذ وقتًا أطول في التكاثر مقارنةً بالبعوض، فقد استغرق الأمر عامين لإنشاء نتائج لم تكن تستغرق سوى بضعة أشهرٍ مع الحشرات».
قد تكون الآثار بطيئةً، ولكن إذا أمكن تطوير التكنولوجيا، يمكن استخدام محرك الجينات في الثدييات لمحاربة الأوبئة أو الحيوانات الناشرة للأمراض، ولكن يجب أن نكون حذرين.
يقول عالم الوراثة بروس ر. كونكلين من معهد جلادستون لأمراض القلب والأوعية الدموية في تعليقٍ على البحث الجديد: «بما أن محرك الجينات لديه القدرة على تغيير نوعٍ بأكمله، فإن التنظيم المناسب لهذه التكنولوجيا هو أمرٌ مقلقٌ جدًا».
«تنبغي مناقشة استخدام تقنية محرك الجينات فقط في التحديات الصحية المعندة والكبيرة».
قد يكون هذا هو الحال، ولكن بالنظر إلى المعدل الذي تتطور به تقنية CRISPR، فإن هذه التدخلات أصبح تواجدها واستخدامها أكثر احتمالًا مع الوقت.
تستمر التجارب في مختبر كوبر بينما تظل الصورة الأكبر غير معروفة.
«الخطوة التالية هي محاولة تحسين الكفاءة في الإناث لمحاولة الوصول إليها تعمل في الذكور».
«هذا العمل مستمرٌ، ونحن لا نعرف النتيجة حتى الآن».