غونتشاروفا (ناتاليا سيرغييفنا)
Goncharova (Natalya Serguéievna-) - Goncharova (Natalya Serguéievna-)
غونتشاروفا (ناتاليا سيرغييفنا -)
(1881-1962)
ناتاليا سيرغييفنا غونتشاروفا Natalia Sergeueïvna Gontcharova مصورة روسية ولدت في لاديينو Ladyzhino وتوفيت في باريس Paris، غالباً ما يرد اسمها ضمن لائحة من الفنانين الروس الذين لم يقتصر تأثيرهم في مسيرة الفن الروسي الحديث فحسب، بل طال الساحة الأوربية أيضاً. ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر كاندينسكي Kandinsky، مالفيتش Malévich، شاغال Chagall، شيفتشينكو Shevchenko، ماشكوف Mashkov. فقد تلاقت الطروحات الجمالية لهؤلاء الفنانين مع مثيلاتها في الغرب لتحدث زخماً جارفاً في مسيرة الفن الحديث، ولتؤسس كذلك لظاهرة فن الحداثة modernism.
شاركت غونتشاروفا مع زوجها ميخائيل لاريونوف M.Larionov بتأسيس البدائية الروسية Russian primitivism والشعاعية rayonism (إحدى أولى التجارب على صعيد التجريد التزييني).
درست ناتاليا النحت في مدرسة التصوير والنحت بموسكو، وتتلمذت على يد الفنان المعروف تروبيتسكوي Troubetskoï، إلا أنها لم تعمل في هذا المجال، لأن اللون كان قد استهواها كلياً وكوَّن لديها الهاجس الدائم طوال تجربتها الفنية.
تكونت رؤيتها الفنية في خضم حراك فني حيوي، وسجالات فكرية حادة تزامنت مع تقلبات سياسية مضطربة عصفت بروسيا القيصرية في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. فقد تميزت هذه الفترة في طور الثقافة الروسية بنشوء تيارات وتجمعات عديدة تبنت مواقف متباينة وطرحت برامج مختلفة حول مسائل المعاصرة والموروث القومي والموقف من الثقافات الوافدة.
انخرطت غونتشاروفا بحماس في المعترك الدائر حولها، وبدأت تشارك في المعارض الفنية منذ عام 1898. وتنقلت مع لاريونوف بين صفوف تجمعات مختلفة، فاقتربا في البداية من تيار المستقبلية futurism الذي برز رداً على المتغيرات الاجتماعية العميقة وما نجم عنها من مظاهر المدنية الحديثة، وتعاظم مشاعر الغربة والقلق حيال التطورات الجامحة. ولكن سرعان ما انحازا إلى تجمع آخر التأم عقد مؤيديه حول مجلة «عالم الفن» الذين دعوا إلى مناهضة الأكاديمية والنهج الواقعي realism لدى «الجوالين» ورفعوا شعار (الفن للفن)، بيد أن ولاءهما تبدل في عام 1903 وانتقلا إلى تجمع «شاب الديناري» الذي ضم فنانين من الشباب انتشر في أوساطهم «المزاج المتمرد» كإحدى الظواهر الشائعة والمألوفة لدى المثقفين، مما آل إلى غلبة الفوضى في الطروحات والمفاهيم الجمالية، واللهاث وراء الحرية غير المحدودة لولوج فضاءات تتسم بالجدة والغرابة. وتميزت المعارض التي نظمها هذا التجمع إضافة إلى المعارض الأخرى مثل «ذنب الحمار»، «الدريئة»، بالتوجه نحو المجردات، وتعمُّد الجلافة في تجسيم الأشكال، والتخلي عن الوسط الهوائي، ورفض الفكرة والموضوع، وتغييب مادية الأشياء. (القصد من هذه المسميات ألاَّ تحمل أي دلالات جمالية).
كانت غونتشاروفا على اطلاع ومعرفة بالفن الأوربي، وتأثرت بالتكعيبية cubism والمستقبلية، إلا أنها كانت منحازة للفن الروسي، الأمر الذي دفعها إلى دراسة الفن الكنسي وخاصة الأيقونة Icone، والعودة إلى أشكال الإبداع الشعبي من الرسومات المطبوعة، وتزويق الأدوات الاستعمالية، والدمى، محاولة تلمُّس روح العفوية، والنزعة الزخرفية، وبساطة العلاقات اللونية وعموميتها، وقد وظفت كل ذلك في خدمة موضوعها الأثير (الحياة الشعبية) فتوصلت إلى كلية يندغم فيها الموضوع واللغة في وحدة عضوية، كما عرف عن الفنانة الحيوية والدأب وغزارة الإنتاج ولاسيما في مجال التصوير، إلا أنه لا يمكن الحكم على ما تركته من نتاج فني وفق معايير متساوية، فقد غلب على بعضه طابع العجالة واقتصر على الانفعال الظاهري، أما تجاربها على صعيد التجريد الصرف (اللاشيئية) فكانت غير موفقة وغريبة عليها، ولعل السبب يعود إلى فطرتها المنسجمة مع الأشكال الحياتية المتجددة.
تلوح في أعمالها الأولى تأثيرات الواقعية إلى حد ما مثل «صيد السمك (1908)، متحف تريتياكوف». كما تشي عن نفحات غنائية مثل تلك التصاوير المنفذة بالطباشير (ألوان الباستيل) والتي تمثل ارتجالات عن أطوار الطبيعة. بيد أن الأعمال اللاحقة أخذت تبرز النزعة الزخرفية مثل «تنظيف الذنَب (1910)، متحف تريتياكوف» أو الشغف بمقاربات البدائية primitivism «غسيل الجياد (1911)، متحف تريتياكوف» ويتضح الاعتماد على بهجة الألوان الزاهية المشرقة والتجسيم الحاد على نحو فظ، والتلاعب بالنسب، وتشويه التناسب على نحو متعمد، كانت هذه المقاربات عندها، سبيلاً لتجسيد ما هو فطري أصيل والذوق الطبيعي الذي لم تفسده المدنية البرجوازية، غير أن هذه المعالجة كانت تنطوي على كثير من الاختلاق والتكلف، إضافة إلى ما يدفع المشاهد إلى النفور كما في «الفلاحون جامعو التفاح (1911)، متحف تريتياكوف»، وهناك أعمال يعود تاريخها إلى الفترة ذاتها جاءت وفق منحى آخر، مثل الرسم الغرافيكي «الإسبانيات» الذي يبرز مهارتها في مجال الحفر، أو «الإنجيليون، المتحف الروسي» الذي يكشف ولعها بالفن الروسي القديم، بينما لجأت في «راكبو الدراجات الهوائية (1913)، المتحف الروسي» إلى الطرق المعروفة لدى أتباع المستقبلية.
لفتت غونتشاروفا بنزعتها الزخرفية أنظار المسرحيين، فدعاها سرغي دياغيليف Diaghilev منظم المواسم الروسية في عواصم الغرب، إلى المشاركة بأنشطته وكلفها عام 1914 وضع تصاميم لباليه «الديك الذهبي» للموسيقار ريمسكي كورساكوف R.Korsakov، فجاءت حلولها تعتمد المزاوجة الموفقة بين الأشكال المقتبسة من الإبداع الشعبي الروسي والمنطلقات الجمالية الحديثة.
وتجدر الإشـارة إلى أن تعاونها الناجح مع دياغيليف أثمر إنجازات أضحت علامات مميزة في تاريخ التصميم الفني المسرحي (السينوغرافيا scenography)، وفي مسيرة الباليه الروسي، وتركت غونتشاروفا أثراً مهماً في تاريخ المسرح الموسيقي لدرجة جعل بعضهم يرى في تصاميم بيكاسو Picasso المسرحية نفحة من الذكريات عن غونتشاروفا.
وعملت في مجال فن الكتاب، وخطت مع لاريونوف نهجاً خاصاً، مما يلفت النظر بوجه خاص إلى رسوماتها الإيضاحية لمجموعات شعرية نفذتها بين عامي 1912-1913، فآلفت بين الرسوم والنصوص بوحدة متكاملة تذكر بالمخطوطات الشرقية القديمة.
فيروز هزي
Goncharova (Natalya Serguéievna-) - Goncharova (Natalya Serguéievna-)
غونتشاروفا (ناتاليا سيرغييفنا -)
(1881-1962)
ناتاليا سيرغييفنا غونتشاروفا Natalia Sergeueïvna Gontcharova مصورة روسية ولدت في لاديينو Ladyzhino وتوفيت في باريس Paris، غالباً ما يرد اسمها ضمن لائحة من الفنانين الروس الذين لم يقتصر تأثيرهم في مسيرة الفن الروسي الحديث فحسب، بل طال الساحة الأوربية أيضاً. ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر كاندينسكي Kandinsky، مالفيتش Malévich، شاغال Chagall، شيفتشينكو Shevchenko، ماشكوف Mashkov. فقد تلاقت الطروحات الجمالية لهؤلاء الفنانين مع مثيلاتها في الغرب لتحدث زخماً جارفاً في مسيرة الفن الحديث، ولتؤسس كذلك لظاهرة فن الحداثة modernism.
|
ناتاليا غونتشاروفا «آلة الدينامو» (1913) |
|
ناتاليا غونتشاروفا «عازف الماندولين»(1914) |
|
ناتاليا غونتشاروفا «زهرة» (1920) |
درست ناتاليا النحت في مدرسة التصوير والنحت بموسكو، وتتلمذت على يد الفنان المعروف تروبيتسكوي Troubetskoï، إلا أنها لم تعمل في هذا المجال، لأن اللون كان قد استهواها كلياً وكوَّن لديها الهاجس الدائم طوال تجربتها الفنية.
تكونت رؤيتها الفنية في خضم حراك فني حيوي، وسجالات فكرية حادة تزامنت مع تقلبات سياسية مضطربة عصفت بروسيا القيصرية في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. فقد تميزت هذه الفترة في طور الثقافة الروسية بنشوء تيارات وتجمعات عديدة تبنت مواقف متباينة وطرحت برامج مختلفة حول مسائل المعاصرة والموروث القومي والموقف من الثقافات الوافدة.
انخرطت غونتشاروفا بحماس في المعترك الدائر حولها، وبدأت تشارك في المعارض الفنية منذ عام 1898. وتنقلت مع لاريونوف بين صفوف تجمعات مختلفة، فاقتربا في البداية من تيار المستقبلية futurism الذي برز رداً على المتغيرات الاجتماعية العميقة وما نجم عنها من مظاهر المدنية الحديثة، وتعاظم مشاعر الغربة والقلق حيال التطورات الجامحة. ولكن سرعان ما انحازا إلى تجمع آخر التأم عقد مؤيديه حول مجلة «عالم الفن» الذين دعوا إلى مناهضة الأكاديمية والنهج الواقعي realism لدى «الجوالين» ورفعوا شعار (الفن للفن)، بيد أن ولاءهما تبدل في عام 1903 وانتقلا إلى تجمع «شاب الديناري» الذي ضم فنانين من الشباب انتشر في أوساطهم «المزاج المتمرد» كإحدى الظواهر الشائعة والمألوفة لدى المثقفين، مما آل إلى غلبة الفوضى في الطروحات والمفاهيم الجمالية، واللهاث وراء الحرية غير المحدودة لولوج فضاءات تتسم بالجدة والغرابة. وتميزت المعارض التي نظمها هذا التجمع إضافة إلى المعارض الأخرى مثل «ذنب الحمار»، «الدريئة»، بالتوجه نحو المجردات، وتعمُّد الجلافة في تجسيم الأشكال، والتخلي عن الوسط الهوائي، ورفض الفكرة والموضوع، وتغييب مادية الأشياء. (القصد من هذه المسميات ألاَّ تحمل أي دلالات جمالية).
كانت غونتشاروفا على اطلاع ومعرفة بالفن الأوربي، وتأثرت بالتكعيبية cubism والمستقبلية، إلا أنها كانت منحازة للفن الروسي، الأمر الذي دفعها إلى دراسة الفن الكنسي وخاصة الأيقونة Icone، والعودة إلى أشكال الإبداع الشعبي من الرسومات المطبوعة، وتزويق الأدوات الاستعمالية، والدمى، محاولة تلمُّس روح العفوية، والنزعة الزخرفية، وبساطة العلاقات اللونية وعموميتها، وقد وظفت كل ذلك في خدمة موضوعها الأثير (الحياة الشعبية) فتوصلت إلى كلية يندغم فيها الموضوع واللغة في وحدة عضوية، كما عرف عن الفنانة الحيوية والدأب وغزارة الإنتاج ولاسيما في مجال التصوير، إلا أنه لا يمكن الحكم على ما تركته من نتاج فني وفق معايير متساوية، فقد غلب على بعضه طابع العجالة واقتصر على الانفعال الظاهري، أما تجاربها على صعيد التجريد الصرف (اللاشيئية) فكانت غير موفقة وغريبة عليها، ولعل السبب يعود إلى فطرتها المنسجمة مع الأشكال الحياتية المتجددة.
تلوح في أعمالها الأولى تأثيرات الواقعية إلى حد ما مثل «صيد السمك (1908)، متحف تريتياكوف». كما تشي عن نفحات غنائية مثل تلك التصاوير المنفذة بالطباشير (ألوان الباستيل) والتي تمثل ارتجالات عن أطوار الطبيعة. بيد أن الأعمال اللاحقة أخذت تبرز النزعة الزخرفية مثل «تنظيف الذنَب (1910)، متحف تريتياكوف» أو الشغف بمقاربات البدائية primitivism «غسيل الجياد (1911)، متحف تريتياكوف» ويتضح الاعتماد على بهجة الألوان الزاهية المشرقة والتجسيم الحاد على نحو فظ، والتلاعب بالنسب، وتشويه التناسب على نحو متعمد، كانت هذه المقاربات عندها، سبيلاً لتجسيد ما هو فطري أصيل والذوق الطبيعي الذي لم تفسده المدنية البرجوازية، غير أن هذه المعالجة كانت تنطوي على كثير من الاختلاق والتكلف، إضافة إلى ما يدفع المشاهد إلى النفور كما في «الفلاحون جامعو التفاح (1911)، متحف تريتياكوف»، وهناك أعمال يعود تاريخها إلى الفترة ذاتها جاءت وفق منحى آخر، مثل الرسم الغرافيكي «الإسبانيات» الذي يبرز مهارتها في مجال الحفر، أو «الإنجيليون، المتحف الروسي» الذي يكشف ولعها بالفن الروسي القديم، بينما لجأت في «راكبو الدراجات الهوائية (1913)، المتحف الروسي» إلى الطرق المعروفة لدى أتباع المستقبلية.
لفتت غونتشاروفا بنزعتها الزخرفية أنظار المسرحيين، فدعاها سرغي دياغيليف Diaghilev منظم المواسم الروسية في عواصم الغرب، إلى المشاركة بأنشطته وكلفها عام 1914 وضع تصاميم لباليه «الديك الذهبي» للموسيقار ريمسكي كورساكوف R.Korsakov، فجاءت حلولها تعتمد المزاوجة الموفقة بين الأشكال المقتبسة من الإبداع الشعبي الروسي والمنطلقات الجمالية الحديثة.
وتجدر الإشـارة إلى أن تعاونها الناجح مع دياغيليف أثمر إنجازات أضحت علامات مميزة في تاريخ التصميم الفني المسرحي (السينوغرافيا scenography)، وفي مسيرة الباليه الروسي، وتركت غونتشاروفا أثراً مهماً في تاريخ المسرح الموسيقي لدرجة جعل بعضهم يرى في تصاميم بيكاسو Picasso المسرحية نفحة من الذكريات عن غونتشاروفا.
وعملت في مجال فن الكتاب، وخطت مع لاريونوف نهجاً خاصاً، مما يلفت النظر بوجه خاص إلى رسوماتها الإيضاحية لمجموعات شعرية نفذتها بين عامي 1912-1913، فآلفت بين الرسوم والنصوص بوحدة متكاملة تذكر بالمخطوطات الشرقية القديمة.
فيروز هزي