الغنوصية Gnosticism كلمة يونانية الأصل تعني المعرفة أو العرفان،

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الغنوصية Gnosticism كلمة يونانية الأصل تعني المعرفة أو العرفان،

    غنوصيه

    Gnosticism - Gnosticisme

    الغنوصية

    الغنوصية Gnosticism كلمة يونانية الأصل تعني المعرفة أو العرفان، ثم تطورت واتخذت معنى اصطلاحياً «العرفانية»، وصارت تعبّر عن تذوق المعارف مباشرة أو التوصل بنوع من الكشف والإلهام إلى المعارف العليا، ومثلت الغنوصيَّة نزعة فلسفية صوفية دينية معاً، غايتها معرفة الله بالحدس لا بالعقل، وبالوجد لا بالاستدلال، أي بالذوق والكشف. لهذا تطلق أيضاً على المذاهب الباطنية. ويذهب بعضهم إلى أنها ترجع بأصلها إلى إلهام إلهي منذ البدء وتناقله أهل العرفان (المريدون) سراً.
    جوهر الغنوصية وفلسفتها
    تعدّ الغنوصية مذهباً تلفيقياً، بوصفها مزيجاً غير أصيل من أفكار دينية متباينة الأصول، أساسها التوفيق بين مختلف العقائد التي سادت جميع أنحاء الامبراطورية الرومانية وانتشرت فيها قبل ظهور الديانة المسيحية وحين ظهورها. وقد نظر بعض آباء الكنيسة (أوريجين مثلاً) إلى النزعة الغنوصية على أنها وليدة تزاوج بين المسيحية وبين حركات روحية أخرى، أبرزها: اليونانية، والفارسية، واليهودية، وأن المذاهب الغنوصية نشأت من الديانات السرية ولاسيما (الفيثاغورية والأفلاطونية)، وجوهرها رفض العهد القديم وصبغ الأناجيل بالصبغة اليونانية وجعلها هيلينية، وهذا ما أكده أدولف فون هارنك A.V.Harnackحين زعم أن الغنوصية حركة إضفاء الطابع اليوناني على المسيحية. في حين نفى بعضهم أن تكون الغنوصية هيلينية تماماً، فهي شرقية الأصل، لكن شرقيتها كانت في ثوب هيليني، وحسب رأي بوست W.Bousset، الغنوصية ذات طابع شرقي فارسي. وقد أيد هانز ليزغانغ H.Leisegang رأي هارنك، بأن الغنوصية ضرب من التفكير اليوناني الصوفي، وعموماً تشغل الغنوصية مكاناً وسطاً بين الدين والفلسفة، وبين الشرق والغرب.
    تميزت الغنوصية بخصائص عدة أبرزها القول بالثنائية[ر] dualism، وكشف الأسرار الإلهية أو تجلي الألوهية، وأخيراً تحقيق الخلاص أو النجاة، إذ تقول بوجود مبدأين (إلهين) للوجود هما الروح (الخير والنور) والمادة (الشر والظلمة)، وتجري أحداث الكون حسب ما بينهما من نزاع وتعارض، ودرجة تغلب الواحد منهما على الآخر، فإذا كانت الغلبة للمادة، كان الشر هو الغالب، وإذا كانت الغلبة للروح، كان الخير هو الغالب، وبهذا وضعت الغنوصية تخطيطاً عاماً للوجود أعلاه الله سبحانه وتعالى لأنه خير محض ووجود معقول - مفارق، لا يصدر عنه أي وجود مادي شرير، بل تصدر عنه أرواح زوجية (ذكر وأنثى)، سميت بالأيونات أو الأراكنة، وهي نماذج ومثل العالم اللامتناهي في صور مشخصة، تتدرج مراتبها وألوهيتها بتدرج بُعْدها عن مصدرها، وأحد هذه الأيونات واسمها الحكمة (صوفيا) فاض بها الشوق إلى الله، وامتلأت بالتفكير فيه، فتجرأت وتجاوزت حدودها ومرتبتها، فطردت من مملكة السماء ـ العالم المعقول، ونتيجة خطيئتها فاضت روح الشر أو إلهه الملقب أركون، وصدرت عنه أرواح شريرة مثله، وكذلك العالم المحسوس وما فيه من أجسام، وقد حبس ذلك الأركون الخاطئ النفوس البشرية في أجسامها، فكوَّن الإنسان. ولأن هذه النفوس تهفو إلى الخلاص والصعود إلى عالمها الأول؛ يحدث الصراع العارم في الإنسان بين قوى الخير وقوى الشر. فمن كانت فيه طبيعة الغنوص عاد إليها ربانياً، ومن تغلبت عليه طبيعة المادة بقي في عالمه الأدنى، أي إن الإلهي منها أو الغنوصي يصعد إلى السماء، والأرضي أو المادي يثبت على الأرض، ويتوسطها الحيواني، وهذه تتنازعها السماء والأرض، فصعودها إلى السماء مشروط بانتصارها على شهواتها.
    الغنوصية في الفكر الشرقي
    أول ما ظهر الغنوص في الأديان الفارسية التي جمعها الإسلاميون تحت اسم المجوسية، ويبدو أن أول مَنْ نُسبت إليه الغنوصية في الأساطير الفارسية كيومرت، وقيل إنه اسم آدم، وإنه أول من قال بأصلين للوجود هما يزدان وأهرمن. وتعد الزرادشتية[ر] أيضاً من الديانات الغنوصية الثنائية، وكذلك عُدَّت الديصانية (نسبة إلى ديصان)، والمانوية (نسبة إلى ماني بن فاتك)[ر] والمزدكية[ر] من الفرق الغنوصية. وفي العراق، ولاسيما في الجنوب، كانت المندائية أولى الفرق الغنوصية، ومن ثم مدرسة الحرنانية الغنوصية، والصابئة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم.
    ويمكن الحديث عن غنوصية قبل قيام المسيحية، تلك التي تمثلت في الكتابات الهرمسية في صورتها الأولى التي وُجِدَتْ في الدوائر المصرية المتأغرقة (المتأثرة بالإغريق). وقد اعتقدت أغلب هذه الطوائف الغنوصية بالوجود السابق وبالتجدد الروحي للنفوس البشرية، ونظرية الروح السحرية.
    أما الغنوصية المسيحية فقد ظهرت في بادئ الأمر في السامرة، ثم في الإسكندرية، وازدهرت في القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد. وانتشرت في أغلب بلاد الشرق الأوسط ولاسيما في مصر. وامتد أثرها إلى اليهودية والإسلام، فتمثلت في صور وأشكال مختلفة منها الغنوصية اليهودية والمسيحية والإسلام.
    الغنوصية عند اليهود والمسيحيين
    تجلت الغنوصية عند اليهود فيما يعرف باسم «القبالة»[ر]، فقد كانت القبالة أكبر غنوص عرفه تاريخ الأديان، حيث انتشرت بسرعة من فلسطين إلى الإسكندرية، واختلطت بالفلسفة اليونانية عن طريق فيلون اليهودي Philo الذي مهد لظهور المسيحية، وكان له أكبر الأثر في يوحنا الإنجيلي، وكان من أبرز الشخصيات الغنوصية المسيحية في القرن الثاني الميلادي، ثلاثة هم باسيليدس Basilides وفالنتينوس Valentinus ومرقيون Marcion. يعتمد مذهبهم على المعرفة الصوفية التي تهدف إلى الخلاص من العالم الحسي والاتحاد بالله، وذهبوا في تأويلهم لعقائد المسيحية مذهباً خاصاً بهم، ولاسيما في عدائهم للدين اليهودي، فرفضوا تعصب اليهود وادّعاءهم بأنهم شعب الله المختار، وعارضوا التوراة بالإنجيل وكرهوا إله العهد القديم، فقالوا بإلهين، واحد جبار للعهد القديم، وآخر محب للعهد الجديد، وعدّت الغنوصية الأول إلهاً شريراً خلق العالم المادي مصدر الشر والنقص، ونبذوا التوراة، وقدم الغنوصيون نظرية خاصة بالخلق تقول بوجود قوى روحانية بعد الله أو الإله الأعلى، وعددها 33 قوة ترمز إلى عمر السيد المسيح، منها ذكور ومنها إناث، وكلها مظاهر للإله يكوّن مجموعها الصفات الإلهية، سماها فالنتينوس بالأيونات، وبرأيه أن صوفيا، قوة الحكمة، أحد هذه الأيونات، قد ضلّت، فخلقت العالم بوساطة ابن ماكر لها هو إله اليهود، لكن أيوناً آخراً - وهو المسيح - بُعث ليعيد الحكمة إلى صوابها ويرجعها إلى زمرة المجموعة الروحانية الخيّرة، إذ يعتقد فالنتينوس أن العالم المحسوس هو من خلق يهوا إله اليهود والتوراة، وهو ابن عاق للحكمة الإلهية، غير أن الإله الأعلى الخير لم يترك لإله اليهود الحكم المطلق في العالم فأرسل ابنه في شخص المسيح ليحرر الناس من تعليمات موسى الخاطئة. بيد أن إيرينايوس Irenaeus - أحد المدافعين الأوائل عن المسيحية - حاول حماية العقيدة المسيحية من التضليل، مؤكداً أنه لا إله سوى واحد خيّر.
    في حين ذهب باسيليدس في مذهبه الغنوصي إلى تعظيم الشيطان لدرجة التأليه، وربط بين البوذية والهندوسية في نطاق المسيحية، وسلّم بالتجدد الروحي وأنكر بعث الأجساد، فكان تفسيره للمسيحية بوذياً عميقاً. أما مرقيون فقد نادى بثلاثة مبادئ رئيسية للوجود، الإله المتعالي، والصانع، والمادة الخالدة. ورفض نظرية الفيض[ر]، وأنكر على المسيح الطبيعة البشرية، ورفض العهد القديم، ونبذ الشريعة اليهودية، والكتب العبرانية المقدسة، فأصدر عهداً جديداً غير العهد المعروف يتكون من إنجيل لوقا ورسائل بولس لكن الكنيسة حرمته.
    الغنوصية عند العرب والمسلمين وموقف علماء الكلام
    عرف العرب الغنوصية، وتزندق منهم كثيرون وقالوا بالثنائية. ويذكر النديم من الفرق الغنوصية في الإسلام المغتسلة بنواحي البطائح؛ الذين يزعمون أن الكونين ذكر وأنثى، والجنحيين في جوخي على النهروان (في العراق اليوم بين بغداد وواسط)، والأزرمقانيين نسبة إلى خسرو الأزرمقان؛ ومن الغنوصيين الجعد بن درهم، وابن طالوت، وعبد الكريم بن أبي العوجاء، وبشار بن برد، وإسحاق بن خلق، وأبو العباس الناشئ، والجبهاني محمد بن أحمد بن عبد الملك الزيات، ويحيى بن زيادة، وأبو العتاهية، وكلهم من المتكلمين أو الشعراء أو الحكام، ونفذت الغنوصية إلى غلاة الشيعة، وكانت أساس الشيعة الإمامية والإسماعيلية، لكن علم الكلام، الذي قام أساساً للرد عليهم، قاوم كل هذه الطوائف والدعوات الغنوصية.
    الغنوصية في الفكر الصوفي الإسلامي
    سيطرت الغنوصية على فلسفة التصوف في الإسلام. ومثلت نوعاً من المعرفة الصوفية، يحدث للصوفي بطريق مباشر، أشبه بالومضة، وهو من قبيل الإدراك المباشر الوجداني، في مقابل الإدراك الحسي المباشر والإدراك العقلي المباشر. ودخلت فكرة الثنائية الغنوصية بين الله والمادة في عقائدهم، فأصبح محمد r هو العقل الأول، ومنه خرج النوس (النفس) ثم اللوغوس (الكلمة) ثم الأنتروبوس (الإنسان الكامل)، ثم عدد من الكائنات الروحية (الأيونات) في تدرج تنازلي، وصولاً إلى المادة أصل الشرور في العالم. لكن الإنسان يصعد إلى العقل ثانية بمنهج العرفان (الغنوص). وقد كان الحلاج، والسهروردي، وعين القضاة الهمذاني، وابن سبعين، ومحيي الدين بن عربي من ضحايا الغنوص، حتى ادعى ابن عربي والشلمغاني حلول روح الله فيهما.
    وقد عرف الإسلاميون، من المذاهب الهندية الغنوصية، «البددة» جمع «بد» تحريف بوذا، حتى إن ابن سبعين كتب كتابه «بد العارف» وكان يقصد البوذية وانقسم الهنود إلى السمنية المعطلة التي تقول بالتناسخ[ر]، والبراهمة الملحدة. وقد نفذت هذه المذاهب الهندية إلى التصوف الإسلامي، ومن ثم كان هذا التصوف على أحد أمرين، إما أنه تصوف فلسفي متلق عن هؤلاء، وإما تصوف سني نشأ في رحاب القرآن والسنة. ومما لا شك فيه أنه كان للإسلام موقف عدائي من الغنوص الشرقي، كموقفه من الغنوص الغربي (الأفلاطونية المحدثة).
    الغنوصية وانتشارها في الزمن الحاضر
    ظلت الغنوصية قوية حتى القرن الخامس الميلادي، وذلك من خلال صلتها بالأفلاطونية الجديدة، وفيما بعد حُكم على تعليماتهم بالهرطقة، ومع هذا ما تزال الغنوصية حتى اليوم منتشرة في الهند وباكستان وإيران والعراق وسورية ولبنان والكويت والخليج العربي، وقد تم اكتشاف النصوص الأصلية لكتابات المؤلفين الغنوصيين أنفسهم، ويقارب عددها 51 كتاباً، كان قد عرف القليل منها، لأول مرة في عام 1945/أو 1946 بالقرب من مدينة نجع حمادي بصعيد مصر، أو ناحية قصر الصياد، ضمن مجموعة من المخطوطات القبطية وعددها 13 مخطوطاً كُتبت على ورق البردي ووضعت في جرة. وقد تمكن المتحف القبطي بالقاهرة عام 1952 من الاستيلاء على الجزء الأكبر منها، بعد أن بيع بعضها إلى معهد يونغ Jung في زيورخ (مخطوط يونغ).
    وقد أسهم بعض المصريين في نشر هذه النصوص عام 1956 من أمثال ياهور لبيب وعيسى عبد المسيح، إلى جانب فئة من الأجانب من أمثال بويش Puech، وكويسبل Quispel، وكراوزه Krause، وبولينغ Bohling، وتُرجم بعضها إلى لغات أوربية عدة.
    سوسن بيطار
يعمل...
X