التاريخ بالعربية - Historia En Árabe
(مَـوقـعــة أكــتـيـوم الــبَـحـريّـة - 31 قــبــل الــمـيـلاد)
الحديث عن موقعة أكتيوم يعود بالذاكرة إلى الإسكندر الأكبر، وما تمّ بعد موته حين تُوفي الإسكندر فجأة بالملاريا في عام 323 قبل الميلاد، وقد كان الفراغ الذي تركه أكبر من أن يملأه واحد من قوّاده، كذلك كانت الإمبراطوريّة التي قام بتأسسها بشكل سريع أوسع من أن يَحكُمها شخص واحد، كما أن أيضاً مشاريعه كانت أكبر من طموح أيّ قائد من قواده، لهذا كان لا بُدَّ من حدوث تنازع بين القادة على حُكم الإمبراطوريّة.
ابن الإسكندر الطِفل الذي ولِد بعد وفاته، لم يكُن به من قيمة أمام أطماع خُلفائه الذين استمرّت حروبهم نحو أربعين سنة، ظهر خلالها جيل جديد من القواد، وكان بعضهم من أبناء قادة الإسكندر، كما ظهرت التمرّدات الإقليميّة، وقد مات حِلم القواد الأوائل على وحدة الإمبراطوريّة الأولى الكُبرى التي انقسمت في نهاية الفوضى والقتال إلى ثلاثة ممالك مُستقلّة؛ المملكة المقدونيّة، والمملكة السلوقيّة، والمملكة البطلميّة.
كانت مصر من نصيب البطالمة تحت قيادة القائد بطليموس، أحد حرس الإسكندر الخاص السبعة، وكان من الذكاء العملي بحيث اكتفى في التسوية التي أعقبت وفاة الإسكندر بأن يظفر لنفسه بولاية مصر، وبأن ينقل رُفات الإسكندر إليها، وتوالى على عرش البطالمة مجموعة من الملوك تَسمّى كل منهم باسم (بطليموس) من الأول وحتى الخامس عشر، غير أنّهم كانوا أحياناً يحكمون بالإشتراك مع زوجاتهم أو إخوانهم أو أبنائهم، ومن هؤلاء المشتركين سبعة ملكات، تحمل كُلّ منهم إسم كليوباترا.
إمتدّت إمبراطوريّة البطالمة هذه إلى برقة، وقبرص، وجنوب سوريا، وجُزء من ساحلها، كما كـان من ممتلكاتها أيضاً بعض المُدن الإغريقيّة، وبعض سواحل أسيا الصُغرى، وبعض جُزر بحر إيجه، بالإضافة إلى أراضي مصر حتى النوبة، وكـانت مدينة الإسكندرية هي عاصمة المملكة البطلميّة.
أمّا إسم كليوباترا فقد ظلّ مشهوراً فترات طويلة من التاريخ، وتَسمّى بهذا الإسم –كما أسلفنا– سبع ملِكات، أشهرهن على الإطلاق هي الأخيرة، كليوباترا السابعة، إبنة الملك بطليموس الحادي عشر ..
ولدت كليوباترا عام 69 قبل الميلاد، وتولّت الحُكم في عام 51 ق.م بالإشتراك مع شقيقها وزوجها في نفس ذات الوقت بطليموس الثاني عشر، وهو أصغر منها –كان زواج الإخوة مقبولاً لدى البطالمة– وكانت كليوباترا ذات ثقافة واسعة، وإرادة قوية، وطموح حاولت من خلاله حُكم الإمبراطوريّة الرومانيّة نفسها من خلال يوليوس قيصر، ثُمّ أنطونيو، وهم الذين قد أوقعتهما كليوباترا في شباكها.
يذكُر التاريخ أنّ الملكة كليوباترا، كانت الوحيدة بعد الإسكندر المقدوني التي كانت تحلم بوحدة الجنس البشري، ولكن تحت حُكمها، ويذكر التاريخ أيضاً أنّ روما لم تخُن في تاريخها إلّا عدداً محدوداً من الأعداء المشهورين عندى المؤرّخين، منهم حنّبعل برقة، وزنوبيا، وكليوباترا، وقد حاولت هذه الأخيرة الحِفاظ على استقلال مصر، وضمَان عرش المملكة لأبنائها بكُلّ وسيلة، فاستغلّت كليوباترا إفتنان يوليوس قيصر بها، وأنطونيوس من بعده، لكن قوّة روما وأطماعها كانت أقوى منها بعد أن سقط البحر الأبيض المتوسّط كُلّه بيدها بعد هزيمة كليوباترا في مَـعركة أكتيوم عام 31 قبل الميلاد، وانتحرت كليوباترا بعدها، وبينما كانت تنتحر، كانت مصر تتحوّل إلى ولاية رومانيّة.
ظلّ العالم الروماني ردحاً من الزمن مُقسّماً بين أوكتافيوس، وأنطونيوس، وليبيدوس، فاختص الأولّ أوكتافيوس بالغرب الأصلب عوداً، ثم ثبّت فيه سُلطانه، وكان لأنطونيوس ومعه الملكة كليوباترا الشرق الأكثر بذخاً والأكثر جمالاً، ونصيب ليبيدوس كان تلك العظمة النخرة التي أصبحت للأسف حِطاماً بالية، وهي إفريقيا القرطاجيّة.
تألّق نجم أوكتافيوس وريت يوليوس قيصر، والجدير بالذكر هنا، هو إرتباط مصير الشخصيات الكُبري بمصير كليوباترا، فقد جعلت شغلها الشاغل بعد مقتل يوليوس قيصر، هو أن تتسلّط على مشاعر أنطونيوس وغروره، وهو أحدث سِناً من قيصر بكثير، فاستسلم أنطونيوس في ظلال كليوباترا للهوى ولحلم من المجد الجنسي، ما أثار طمع أوكتافيوس، ورغبته في القضاء على أنطونيوس وكليوباترا.
عمل أوكتافيوس على خلع أنطونيوس من إمرة الشرق، ثُمّ مضى يهاجمه، ودارات بينهما رحي معركة أكتيوم البحريّة الشهيرة في 31 قبل الميلاد، والتقى أسطول أوكتافيوس بأسطول أنطونيوس، وقد انضمّ إليه بطالمة مصر بقيادة كليوباترا، وكان العامل الفاصل في هذه المعركة هو تخلّي كليوباترا عن حليفها أنطونيوس، وفرارها في ستين سفينة حين حمى الوطيس، ويقول بعض المؤرّخين، فمن المحال تماماً أن نعرف أسباب هذا التخلي، فهل حدث ذلك بخيانة مُدّبرة من قبل، أم هو نتيجة نزوة فجائيّة أطاحت برأس إمرأة فتّانة.
أدّى رحيل الملكة كليوباترا بهذا العدد الهائل من السُفن إلى وقوع أنطونيوس ورجاله في حرج وإرتباك شديد، قطعت عليه كل أسباب الرجاء والنجاة، وتفاقم الخطب على الجنود عندما قرّر هذا العاشق الولهان بالهرب في إثر كليوباترا، إذ انطلق خلفها في سفينة سريعة دون أن يُخبر قواده، وبذلك ترك جنوده وقوّاده يقاتلون ويموتون حسبما تراءى لهُم، لقد ظلّوا فترة طويلة يبحثون عنه، ولا يُصدّقون أنّ قائدهم قد تركهم لمصيرهم.
أطبقت شباك أوكتافيوس على مهل حول مُنافِسه، ولا يُستبعد أنّه كان هناك نوع ما من التفاهُم بين كليوباترا وأوكتافيوس، ومرّة أخرى يحاصر أوكتافيوس كل من كليوباترا وأنطونيوس بالإسكندرية، وألقى بعضهم في روع أنطونيوس أن كليوباترا قد إنتحرت، فطعن نفسه طعنة غير قاتلة، جعلته يقضي نحبه على مهل، ثُمّ حمل إليها ليلفظ أنفاسه الأخيرة بين يديها 30 قبل الميلاد، أما كليوباترا، فقد ذكر بعد المؤرخين أنّها ماتت بعد أن لدغتها أفعى سّامة دون أن يشعُر بها أحد من الحرس، وهكذا انتهت حياة كُل من كليوباترا وأنطونيوس بعد الهزيمة التي ذاقوها في موقعة أكتيوم، وتبع ذلك إستيلاء الجيوش الرومانية على مصر والشام، وتحوّل البحر الأبيض المتوسط كُلّة فيما بعد إلى بُحيرة رومانيّة خاصّة يمرح فيها الأسطول الروماني دون وجود أيّ خطر من قريب أو بعيد.
VIA Post: Nasser Saad