اغتذاء ذاتي
Autotrophy - Autotrophie
الاغتذاء الذاتي
الاغتذاء الذاتي autotrophy هو قدرة بعض الكائنات الحية على تناول مواد غذائية تستمدها فقط من مركبات بسيطة غير عضوية. وهي عكس الاغتذاء الغيري heterotrophy الممثَّل بحاجة بعض الكائنات الحية الأخرى إلى تناول مواد غذائية من أصل عضوي.
ويسود الاغتذاء الذاتي في جميع النباتات الخضر، وفي بعض الزمر الجرثومية، ويتمثل بالحصول على الغذاء انطلاقاً من مركبات كيمياوية معدنية مستقرة مثل ثاني أكسيد الكربون، والماء، والأملاح المعدنية المنحلة في الماء، والحموض المعدنية كحمض الآزوت وحمض الفسفور وغيرها، في حين يسود الاغتذاء الغيري في جميع أفراد العالم الحيواني، وفي شعبة الفطريات، وقسم كبير من الجراثيم، وفي جميع النباتات المتطفلة والرمية العاجزة عن القيام بعملية التركيب الضوئي لانعدام اليخضور فيها.
ويُمَيَّز في الاغتذاء الذاتي طريقتان: اغتذاء ذاتي آزوتي، واغتذاء ذاتي كربوني.
الاغتذاء الذاتي الآزوتي
ويتمثل بالقدرة على تمثل المركبات الآزوتية البسيطة. ويتم ذلك بثلاث طرائق: الاغتذاء الذاتي الآزوتي بالأملاح المعدنية، والاغتذاء الذاتي الآزوتي بالنتروجين الحر، والاغتذاء الذاتي الآزوتي بالنتروجين النشادري.
الاغتذاء الذاتي الآزوتي بالأملاح المعدنية: ويتمثل بالحصول على الآزوت من مركبات ملحية، مثل أملاح نترات البوتاسيوم والصوديوم والكلسيوم التي توجد أصلاً في التربة، أو عن طريق محاليل مركبة منسوبة إلى من ركْبها أول مرة، مثل محاليل ساكس Sachx وكنوب Knop ورولان Raulan وهِلَّر Heller وتسود هذه الطريقة في أغلب كائنات العالم النباتي.
الاغتذاء الذاتي الآزوتي بالنتروجين الحر: ويتمثل بالحصول على عنصر الآزوت في حالته الحرة الجوية الموجودة في الهواء وتثبيته في الخلية حيث يستخدم في بناء الخلايا أو يقدم إلى كائنات أخرى متعايشة. وتسود هذه الطريقة في زمرة خاصة من الجراثيم تعرف باسم الجراثيم الآزوتية Azotobacter التي تعيش حرة في التربة، وتوجد أيضاً في عدد من الجراثيم المتعايشة مع النباتات الراقية التي تعرف باسم الجذريات Rhizobium التي تتعايش مع جذور الفصيلة الفولية Fabiaceae على شكل عقد صغيرة قطرها نحو 1مم.
الاغتذاء الذاتي الآزوتي بالنتروجين النشادري: ويتمثل بالحصول على الآزوت من مركبات نشادرية، أي شوارد الأمونيوم القاعدية أو الأساسية. وتسود هذه الطريقة في بعض النباتات الراقية، وفي عدد كبير من المتعضيات الدقيقة.
وتحتل طريقة الاغتذاء الذاتي الآزوتي بالأملاح المعدنية المكانة الأولى قياساً بالطريقتين الأخيرتين، كما تمثل الأملاح المعدنية الآزوتية أفضل موارد الآزوت اللازم للمزارع الطبيعية والمخبرية.
الاغتذاء الذاتي الكربوني
ويتمثل بالقدرة على تمثل الكربون انطلاقاً من غاز ثاني أكسيد الكربون أو من شوارد (أيونات) الكربونات الحامضية الناتجة من انحلال هذا الغاز في الماء مكونة شاردة HCO3، وضم هذا الكربون إلى الماء كلما توافرت الطاقة لتكوين جزيئات عضوية كالسكريات مثلاً. ويتم ذلك بطريقتين: الاغتذاء الذاتي الكربوني بالتركيب الكيمياوي chemosynthesis والاغتذاء الذاتي الكربوني بالتركيب الضوئي photosynthesis.
الاغتذاء الذاتي الكربوني بالتركيب الكيمياوي: وينطوي على الحصول على الطاقة اللازمة للتركيب الكيمياوي للكربون من طاقة متحررة من تفاعلات كيمياوية ناشرة للطاقة كأكسدة بعض المركبات الطبيعية البسيطة. وتسود هذه الطريقة في زمر كثيرة من الجراثيم، فالجراثيم الهدروجينية hydrogen- bacteria تحصل على الطاقة اللازمة للتركيب الكيمياوي للكربون من الطاقة الناتجة من أكسدة الهدروجين، والجراثيم الكبريتية sulfo- bacteria تحصل على الطاقة اللازمة للتركيب من الطاقة المحرَّرة من أكسدة الكبريت أو أكسدة كبريت الهدروجين H2S، والجراثيم الحديدية ferro- bacteria تحصل على الطاقة اللازمة للتركيب الكيمياوي للكربون من الطاقة المنتشرة من أكسدة مركبات حديدية، والجراثيم النترية nitro- bacteria تستمد الطاقة من أكسدة النشادر وأملاح النتريت.
الاغتذاء الذاتي الكربوني بالتركيب الضوئي: تُستمد الطاقة اللازمة للتركيب الكيمياوي للكربون من الطاقة المتحررة من الضوء التي تثبتها مركبات كيمياوية ملونة أبرزها اليخضور، وفق المعادلة الإجمالية التالية:
طاقة + ماء + ثاني أكسيد الكربون ← أكسجين + غلوكوز
6CO2 + 6H2O + 686Lilocalories → C6H12O6 + 6O2
[ر. التركيب الضوئي]
ـ تثبيت الكربون في النبات: تُقتنص الطاقة الضوئية بوساطة أصبغة موجودة في العالم النباتي، أبرزها اليخضور والكاروتين، وتختزن في هيئة جزيئات عضوية بمجموعة من التفاعلات الكيمياوية المعروفة باسم التركيب الضوئي. فالتركيب الضوئي هو تحويل الطاقة الضوئية إلى طاقة كيمياوية عن طريق تثبيت الكربون اللاعضوي في مركبات عضوية من أبرزها السكريات، في حين تتحرر الطاقة في عملية التنفس التي تستهلك الكربون العضوي المحمَّل بالطاقة وتحوله إلى كربون غير عضوي ممثل بثاني أكسيد الكربون وفق التفاعل الإجمالي التالي:
C6H12O6 → 6CO2 + 6H2O + 686Lilocalories
[ر. التنفس]. ويقوم النبات اليخضوري الحي بالتنفس باستمرار، أي إنه يستهلك السكريات أو يحرقها إلا أنه يقوم بعملية التركيب الضوئي للكربون العضوي كلما تعرض للنور عن طريق تثبيت الكربون اللاعضوي.
وتُقَدَّر كمية الكربون المثبتة في النبات بالطريقة الوزنية التالية: توزن في الصباح عند الشروق أجزاء خضر من أوراق عباد الشمس. ثم توزن الأجزاء نفسها في المساء بعد غروب الشمس، فتحصل زيادة في وزن الأوراق تساوي 0.91غ للمتر المربع من الأوراق في الساعة. وهذه الطريقة تهمل كمية الكربون التي تهاجر من سطوح الأوراق إلى أجزاء النبات الأخرى. فإذا ما أعيدت التجربة بعد قطع الأوراق وغَمْرِ ذيولها في الماء لمنع هجرة السكريات تم الحصول على زيادة في الوزن تساوي 1.64غ للمتر المربع في الساعة.
ونتيجة لتفاعل ثاني أكسيد الكربون مع الماء بوساطة اليخضور والضوء تتكون جزيئات عضوية كربونية، بعضها يرفع الضغط الحلولي للعصارة الخلوية، وبعضها الآخر يتحول إلى نشاء[ر] يمكن كشفه بالتجربة التالية: تغطى أجزاء من أوراق خضر بورق أسود يمثل شكلاً من الأشكال أو حرفاً من أحرف الأبجدية، ثم تعرض الأوراق لأشعة الشمس مدة كافية من الزمن، ثم تقطع الأوراق وتثبت مباشرة بالماء المغلي، وتُخَلَّص من يخضورها بغسلها بالكحول الساخن، ثم يُكْشَفُ عن النشاء بمحلول مخفف من اليود، فيلاحظ اللون الأزرق على السطوح الورقية التي كانت قد تعرضت للضوء، دلالة على تثبيت النشاء في هذه المناطق فقط، في حين يلاحظ عدم ظهور اللون الأزرق على المناطق التي كانت مغطاة، دلالة على عدم تكون النشاء فيها. كما يلاحظ عدم تكون النشاء في الأوراق الخالية من اليخضور عند استعمال أوراق بلقاء، إضافة إلى عدم تكون النشاء عند حرمان النبات من ثاني أكسيد الكربون اللاعضوي.
توضح التجربة السابقة ضرورة اشتراك الضوء واليخضور وثاني أكسيد الكربون للحصول على النشاء، علماً أن هناك إمكان تشكل سكريات أخرى غير النشاء في الأوراق، كتركيب السكروز في أوراق بعض الأنواع النباتية من الفصائل الزنبقية Liliaceae والأَمْرِيلية Amarylliotaceae والسحلبية Orchidaceae والنجيلية Graminaceae. كما كشف استخدام النظائر المشعة كالكربون 14 عن تكون مركبات عضوية أخرى كالحموض الكربوكسيلية وبعض الحموض الأمينية والبروتينات.
وتؤكد دراسة الطحالب وجود أصبغة أخرى مُقَنِّعَةٍ للأصبغة اليخضورية، تمكنها من الاستفادة من الضوء الراشح داخل الطبقات المائية المختلفة الأعماق. وهكذا تنتشر في السطوح المائية العليا الطحالب الزرقاء التي يُقَّنع يخضورها بأصبغة اليزروق الطحلبي phycocyanin التي تمتص الأشعة تحت الحمراء والأشعة الحمراء الطويلة الموجات، في حين تنتشر في الطبقات المائية التالية الطحالب الحمر التي يُقَنَّعُ يخضورها بأصبغة اليحمور الطحلبي phycoerythrin واليصفور الطحلبي phycoxanthin التي تمتص الأشعة البنفسجية وفوق البنفسجية القصيرة الموجات (4000 -5000 نانو متر).
ويثبَّتُ الكربون في الأُشَن Lichens (المكونة من تعايش طحلب مع فطر) بوساطة الطحلب الذي يحقق الاغتذاء الذاتي الكربوني، ويثبَّت الآزوت بوساطة الفطر الذي يحقق الاغتذاء الذاتي الآزوتي. وهكذا تستطيع هذه الكائنات الأشنية الحياة في بيئات عالية الجفاف والرطوبة والحرارة، كالصخور والجدران الآجرية والزجاج.
وأما في الرحميات التي تضم البريونيات Bryophyta والنباتات الجناحية Pterydophyta المسماة الجناحيات أو خفيات الإلقاح الوعائية، وعريانات البذور Gymnospermes وأغلب مغلفات البذور Angiospermes فيُثَبَّت الكربون بالاغتذاء الذاتي الكربوني أيضاً، ويستثنى من ذلك بعض مغلفات البذور نصف الطفيلية كالدبق Viscum، والطفيلية كالجعفيل Orobanche والكشوث Cuscuta، والفطرية التغذية mycotrophy كالمَنْطَروفة Monotropa من الفصيلة البرولية Pyrolaceae. وهكذا يأخذ الدبق مثلاً من مضيفه الماء والمركبات الآزوتية والأملاح المعدنية محققاً بذلك اغتذاءً آزوتياً غيرياً، ومعتمداً على يخضوره في تحقيق اغتذاء ذاتي كربوني بآلية حيوية تعرف بالتعايش. كما تقوم أنواع الجعفيل والكشوث بأخذ حاجاتها الآزوتية والكربونية من النبات المضيف (من مغلفات البذور) محققة بذلك اغتذاءً غيرياً كاملاً آزوتياً وكربونياً. وتعرف هذه الآلية الحيوية بالتطفل. كما تقوم المنطروفة بأخذ حاجتها الآزوتية والكربونية من النبات المضيف (الفطريات)، وتعرف هذه الآلية من الاغتذاء الغيري بالاغتذاء الفطري.
الدور الحيوي للاغتذاء الذاتي
يقوم الاغتذاء الذاتي، كربونياً كان أم آزوتياً، بدور حيوي مهم على سطح الكرة الأرضية في الوقت الحاضر، كما قام بمثل هذا الدور في الماضي القريب والماضي البعيد. فدراسة وقائع علم المستحاثات paleontology تدل على انطلاق المسيرة الحيوية الأولى محمولة على جراثيم قريبة من الجراثيم التي تُعرف اليوم، قادرة على اغتذاء ذاتي كربوني كيمياوي واغتذاء ذاتي آزوتي بالأملاح المعدنية وبالآزوت الحر والآزوت النشادري.
وتدل وقائع علم المستحاثات على تدرج جميع الأشكال الحيوية من وحيدات الخلية إلى كثيرات الخلايا في مسيرات عدة، أبرزها من ناحية الاغتذاء الذاتي المسيرات الخضر التي قادتها زمر نباتية كبرى. ففي العصور الجيولوجية الأولى من عمر الحياة على سطح الكرة الأرضية حُمِلَت المسيرة الخضراء على أجسام متعضيات نباتية وحيدة الخلية، ممثلة بالطحالب التي انطوت أجزاء منها في آبار النفط التي تكونت من نشاط بعض الأحياء الدقيقة وعلى رأسها الطحالب المجهرية.
ثم حُمِلَت المسيرة الخضراء في مرحلة تالية على أجسام نباتية تدرجت في سلم التعقيد والتمايز، وتمثلت بنباتات سرخسية اعتمدت كلية على اغتذاء ذاتي كربوني أنجزته سراخس شجرية عملاقة طويت في مناجم الفحم الحجري.
ثم حُمِلَت المسيرة الخضراء في مرحلة ثالثة على أجسام نباتية معاصرة تدرجت في سلم الارتقاء والتمايز حتى حلت مكانها مغلفاتُ بذور تقوم مع غيرها من الزمر النباتية بتحقيق التوازن الطبيعي اللازم للحياة على سطح الكرة الأرضية. وهذه المسيرة الخضراء الأخيرة توفر كتلة المواد الغذائية اللازمة للحياة الغيرية الاغتذاء لجميع الكائنات الأخرى وعلى رأسها الإنسان، هذه المسيرة تمد الإنسان وتمد العالم الحيواني بالسكريات والبروتينات النباتية، كما تمد العالم الحيواني بالأغذية التي تقدم إلى الإنسان كالحليب والزبدة والبيض واللحم.
وتقوم المسيرة الإنسانية في هذا العصر بزيادة طرح ثاني أكسيد الكربون في الجو عن طريق التنفس وحرق الأشجار والنفط والغاز الطبيعي، وحرق كل شيء، لأن الإنسان يريد أن يأخذ كل شيء ولا يترك للآخرين أي شيء. تلك السياسة التي تهدد عالم الإنسان بالفناء إذا لم تدعم فيه المسيرة الخضراء بما يقيم التوازن بين ما هو عضوي وما هو غير عضوي.
عبد الجبار الضحاك
ـ حزي بشارة، بيوكيمياء التركيب الضوئي (جامعة دمشق، مديرية الكتب الجامعية 1982).
Autotrophy - Autotrophie
الاغتذاء الذاتي
الاغتذاء الذاتي autotrophy هو قدرة بعض الكائنات الحية على تناول مواد غذائية تستمدها فقط من مركبات بسيطة غير عضوية. وهي عكس الاغتذاء الغيري heterotrophy الممثَّل بحاجة بعض الكائنات الحية الأخرى إلى تناول مواد غذائية من أصل عضوي.
ويسود الاغتذاء الذاتي في جميع النباتات الخضر، وفي بعض الزمر الجرثومية، ويتمثل بالحصول على الغذاء انطلاقاً من مركبات كيمياوية معدنية مستقرة مثل ثاني أكسيد الكربون، والماء، والأملاح المعدنية المنحلة في الماء، والحموض المعدنية كحمض الآزوت وحمض الفسفور وغيرها، في حين يسود الاغتذاء الغيري في جميع أفراد العالم الحيواني، وفي شعبة الفطريات، وقسم كبير من الجراثيم، وفي جميع النباتات المتطفلة والرمية العاجزة عن القيام بعملية التركيب الضوئي لانعدام اليخضور فيها.
ويُمَيَّز في الاغتذاء الذاتي طريقتان: اغتذاء ذاتي آزوتي، واغتذاء ذاتي كربوني.
الاغتذاء الذاتي الآزوتي
ويتمثل بالقدرة على تمثل المركبات الآزوتية البسيطة. ويتم ذلك بثلاث طرائق: الاغتذاء الذاتي الآزوتي بالأملاح المعدنية، والاغتذاء الذاتي الآزوتي بالنتروجين الحر، والاغتذاء الذاتي الآزوتي بالنتروجين النشادري.
الاغتذاء الذاتي الآزوتي بالأملاح المعدنية: ويتمثل بالحصول على الآزوت من مركبات ملحية، مثل أملاح نترات البوتاسيوم والصوديوم والكلسيوم التي توجد أصلاً في التربة، أو عن طريق محاليل مركبة منسوبة إلى من ركْبها أول مرة، مثل محاليل ساكس Sachx وكنوب Knop ورولان Raulan وهِلَّر Heller وتسود هذه الطريقة في أغلب كائنات العالم النباتي.
الاغتذاء الذاتي الآزوتي بالنتروجين الحر: ويتمثل بالحصول على عنصر الآزوت في حالته الحرة الجوية الموجودة في الهواء وتثبيته في الخلية حيث يستخدم في بناء الخلايا أو يقدم إلى كائنات أخرى متعايشة. وتسود هذه الطريقة في زمرة خاصة من الجراثيم تعرف باسم الجراثيم الآزوتية Azotobacter التي تعيش حرة في التربة، وتوجد أيضاً في عدد من الجراثيم المتعايشة مع النباتات الراقية التي تعرف باسم الجذريات Rhizobium التي تتعايش مع جذور الفصيلة الفولية Fabiaceae على شكل عقد صغيرة قطرها نحو 1مم.
الاغتذاء الذاتي الآزوتي بالنتروجين النشادري: ويتمثل بالحصول على الآزوت من مركبات نشادرية، أي شوارد الأمونيوم القاعدية أو الأساسية. وتسود هذه الطريقة في بعض النباتات الراقية، وفي عدد كبير من المتعضيات الدقيقة.
وتحتل طريقة الاغتذاء الذاتي الآزوتي بالأملاح المعدنية المكانة الأولى قياساً بالطريقتين الأخيرتين، كما تمثل الأملاح المعدنية الآزوتية أفضل موارد الآزوت اللازم للمزارع الطبيعية والمخبرية.
الاغتذاء الذاتي الكربوني
ويتمثل بالقدرة على تمثل الكربون انطلاقاً من غاز ثاني أكسيد الكربون أو من شوارد (أيونات) الكربونات الحامضية الناتجة من انحلال هذا الغاز في الماء مكونة شاردة HCO3، وضم هذا الكربون إلى الماء كلما توافرت الطاقة لتكوين جزيئات عضوية كالسكريات مثلاً. ويتم ذلك بطريقتين: الاغتذاء الذاتي الكربوني بالتركيب الكيمياوي chemosynthesis والاغتذاء الذاتي الكربوني بالتركيب الضوئي photosynthesis.
الاغتذاء الذاتي الكربوني بالتركيب الكيمياوي: وينطوي على الحصول على الطاقة اللازمة للتركيب الكيمياوي للكربون من طاقة متحررة من تفاعلات كيمياوية ناشرة للطاقة كأكسدة بعض المركبات الطبيعية البسيطة. وتسود هذه الطريقة في زمر كثيرة من الجراثيم، فالجراثيم الهدروجينية hydrogen- bacteria تحصل على الطاقة اللازمة للتركيب الكيمياوي للكربون من الطاقة الناتجة من أكسدة الهدروجين، والجراثيم الكبريتية sulfo- bacteria تحصل على الطاقة اللازمة للتركيب من الطاقة المحرَّرة من أكسدة الكبريت أو أكسدة كبريت الهدروجين H2S، والجراثيم الحديدية ferro- bacteria تحصل على الطاقة اللازمة للتركيب الكيمياوي للكربون من الطاقة المنتشرة من أكسدة مركبات حديدية، والجراثيم النترية nitro- bacteria تستمد الطاقة من أكسدة النشادر وأملاح النتريت.
الاغتذاء الذاتي الكربوني بالتركيب الضوئي: تُستمد الطاقة اللازمة للتركيب الكيمياوي للكربون من الطاقة المتحررة من الضوء التي تثبتها مركبات كيمياوية ملونة أبرزها اليخضور، وفق المعادلة الإجمالية التالية:
طاقة + ماء + ثاني أكسيد الكربون ← أكسجين + غلوكوز
6CO2 + 6H2O + 686Lilocalories → C6H12O6 + 6O2
[ر. التركيب الضوئي]
ـ تثبيت الكربون في النبات: تُقتنص الطاقة الضوئية بوساطة أصبغة موجودة في العالم النباتي، أبرزها اليخضور والكاروتين، وتختزن في هيئة جزيئات عضوية بمجموعة من التفاعلات الكيمياوية المعروفة باسم التركيب الضوئي. فالتركيب الضوئي هو تحويل الطاقة الضوئية إلى طاقة كيمياوية عن طريق تثبيت الكربون اللاعضوي في مركبات عضوية من أبرزها السكريات، في حين تتحرر الطاقة في عملية التنفس التي تستهلك الكربون العضوي المحمَّل بالطاقة وتحوله إلى كربون غير عضوي ممثل بثاني أكسيد الكربون وفق التفاعل الإجمالي التالي:
C6H12O6 → 6CO2 + 6H2O + 686Lilocalories
[ر. التنفس]. ويقوم النبات اليخضوري الحي بالتنفس باستمرار، أي إنه يستهلك السكريات أو يحرقها إلا أنه يقوم بعملية التركيب الضوئي للكربون العضوي كلما تعرض للنور عن طريق تثبيت الكربون اللاعضوي.
وتُقَدَّر كمية الكربون المثبتة في النبات بالطريقة الوزنية التالية: توزن في الصباح عند الشروق أجزاء خضر من أوراق عباد الشمس. ثم توزن الأجزاء نفسها في المساء بعد غروب الشمس، فتحصل زيادة في وزن الأوراق تساوي 0.91غ للمتر المربع من الأوراق في الساعة. وهذه الطريقة تهمل كمية الكربون التي تهاجر من سطوح الأوراق إلى أجزاء النبات الأخرى. فإذا ما أعيدت التجربة بعد قطع الأوراق وغَمْرِ ذيولها في الماء لمنع هجرة السكريات تم الحصول على زيادة في الوزن تساوي 1.64غ للمتر المربع في الساعة.
ونتيجة لتفاعل ثاني أكسيد الكربون مع الماء بوساطة اليخضور والضوء تتكون جزيئات عضوية كربونية، بعضها يرفع الضغط الحلولي للعصارة الخلوية، وبعضها الآخر يتحول إلى نشاء[ر] يمكن كشفه بالتجربة التالية: تغطى أجزاء من أوراق خضر بورق أسود يمثل شكلاً من الأشكال أو حرفاً من أحرف الأبجدية، ثم تعرض الأوراق لأشعة الشمس مدة كافية من الزمن، ثم تقطع الأوراق وتثبت مباشرة بالماء المغلي، وتُخَلَّص من يخضورها بغسلها بالكحول الساخن، ثم يُكْشَفُ عن النشاء بمحلول مخفف من اليود، فيلاحظ اللون الأزرق على السطوح الورقية التي كانت قد تعرضت للضوء، دلالة على تثبيت النشاء في هذه المناطق فقط، في حين يلاحظ عدم ظهور اللون الأزرق على المناطق التي كانت مغطاة، دلالة على عدم تكون النشاء فيها. كما يلاحظ عدم تكون النشاء في الأوراق الخالية من اليخضور عند استعمال أوراق بلقاء، إضافة إلى عدم تكون النشاء عند حرمان النبات من ثاني أكسيد الكربون اللاعضوي.
توضح التجربة السابقة ضرورة اشتراك الضوء واليخضور وثاني أكسيد الكربون للحصول على النشاء، علماً أن هناك إمكان تشكل سكريات أخرى غير النشاء في الأوراق، كتركيب السكروز في أوراق بعض الأنواع النباتية من الفصائل الزنبقية Liliaceae والأَمْرِيلية Amarylliotaceae والسحلبية Orchidaceae والنجيلية Graminaceae. كما كشف استخدام النظائر المشعة كالكربون 14 عن تكون مركبات عضوية أخرى كالحموض الكربوكسيلية وبعض الحموض الأمينية والبروتينات.
وتؤكد دراسة الطحالب وجود أصبغة أخرى مُقَنِّعَةٍ للأصبغة اليخضورية، تمكنها من الاستفادة من الضوء الراشح داخل الطبقات المائية المختلفة الأعماق. وهكذا تنتشر في السطوح المائية العليا الطحالب الزرقاء التي يُقَّنع يخضورها بأصبغة اليزروق الطحلبي phycocyanin التي تمتص الأشعة تحت الحمراء والأشعة الحمراء الطويلة الموجات، في حين تنتشر في الطبقات المائية التالية الطحالب الحمر التي يُقَنَّعُ يخضورها بأصبغة اليحمور الطحلبي phycoerythrin واليصفور الطحلبي phycoxanthin التي تمتص الأشعة البنفسجية وفوق البنفسجية القصيرة الموجات (4000 -5000 نانو متر).
ويثبَّتُ الكربون في الأُشَن Lichens (المكونة من تعايش طحلب مع فطر) بوساطة الطحلب الذي يحقق الاغتذاء الذاتي الكربوني، ويثبَّت الآزوت بوساطة الفطر الذي يحقق الاغتذاء الذاتي الآزوتي. وهكذا تستطيع هذه الكائنات الأشنية الحياة في بيئات عالية الجفاف والرطوبة والحرارة، كالصخور والجدران الآجرية والزجاج.
وأما في الرحميات التي تضم البريونيات Bryophyta والنباتات الجناحية Pterydophyta المسماة الجناحيات أو خفيات الإلقاح الوعائية، وعريانات البذور Gymnospermes وأغلب مغلفات البذور Angiospermes فيُثَبَّت الكربون بالاغتذاء الذاتي الكربوني أيضاً، ويستثنى من ذلك بعض مغلفات البذور نصف الطفيلية كالدبق Viscum، والطفيلية كالجعفيل Orobanche والكشوث Cuscuta، والفطرية التغذية mycotrophy كالمَنْطَروفة Monotropa من الفصيلة البرولية Pyrolaceae. وهكذا يأخذ الدبق مثلاً من مضيفه الماء والمركبات الآزوتية والأملاح المعدنية محققاً بذلك اغتذاءً آزوتياً غيرياً، ومعتمداً على يخضوره في تحقيق اغتذاء ذاتي كربوني بآلية حيوية تعرف بالتعايش. كما تقوم أنواع الجعفيل والكشوث بأخذ حاجاتها الآزوتية والكربونية من النبات المضيف (من مغلفات البذور) محققة بذلك اغتذاءً غيرياً كاملاً آزوتياً وكربونياً. وتعرف هذه الآلية الحيوية بالتطفل. كما تقوم المنطروفة بأخذ حاجتها الآزوتية والكربونية من النبات المضيف (الفطريات)، وتعرف هذه الآلية من الاغتذاء الغيري بالاغتذاء الفطري.
الدور الحيوي للاغتذاء الذاتي
يقوم الاغتذاء الذاتي، كربونياً كان أم آزوتياً، بدور حيوي مهم على سطح الكرة الأرضية في الوقت الحاضر، كما قام بمثل هذا الدور في الماضي القريب والماضي البعيد. فدراسة وقائع علم المستحاثات paleontology تدل على انطلاق المسيرة الحيوية الأولى محمولة على جراثيم قريبة من الجراثيم التي تُعرف اليوم، قادرة على اغتذاء ذاتي كربوني كيمياوي واغتذاء ذاتي آزوتي بالأملاح المعدنية وبالآزوت الحر والآزوت النشادري.
وتدل وقائع علم المستحاثات على تدرج جميع الأشكال الحيوية من وحيدات الخلية إلى كثيرات الخلايا في مسيرات عدة، أبرزها من ناحية الاغتذاء الذاتي المسيرات الخضر التي قادتها زمر نباتية كبرى. ففي العصور الجيولوجية الأولى من عمر الحياة على سطح الكرة الأرضية حُمِلَت المسيرة الخضراء على أجسام متعضيات نباتية وحيدة الخلية، ممثلة بالطحالب التي انطوت أجزاء منها في آبار النفط التي تكونت من نشاط بعض الأحياء الدقيقة وعلى رأسها الطحالب المجهرية.
ثم حُمِلَت المسيرة الخضراء في مرحلة تالية على أجسام نباتية تدرجت في سلم التعقيد والتمايز، وتمثلت بنباتات سرخسية اعتمدت كلية على اغتذاء ذاتي كربوني أنجزته سراخس شجرية عملاقة طويت في مناجم الفحم الحجري.
ثم حُمِلَت المسيرة الخضراء في مرحلة ثالثة على أجسام نباتية معاصرة تدرجت في سلم الارتقاء والتمايز حتى حلت مكانها مغلفاتُ بذور تقوم مع غيرها من الزمر النباتية بتحقيق التوازن الطبيعي اللازم للحياة على سطح الكرة الأرضية. وهذه المسيرة الخضراء الأخيرة توفر كتلة المواد الغذائية اللازمة للحياة الغيرية الاغتذاء لجميع الكائنات الأخرى وعلى رأسها الإنسان، هذه المسيرة تمد الإنسان وتمد العالم الحيواني بالسكريات والبروتينات النباتية، كما تمد العالم الحيواني بالأغذية التي تقدم إلى الإنسان كالحليب والزبدة والبيض واللحم.
وتقوم المسيرة الإنسانية في هذا العصر بزيادة طرح ثاني أكسيد الكربون في الجو عن طريق التنفس وحرق الأشجار والنفط والغاز الطبيعي، وحرق كل شيء، لأن الإنسان يريد أن يأخذ كل شيء ولا يترك للآخرين أي شيء. تلك السياسة التي تهدد عالم الإنسان بالفناء إذا لم تدعم فيه المسيرة الخضراء بما يقيم التوازن بين ما هو عضوي وما هو غير عضوي.
عبد الجبار الضحاك
مراجع للاستزادة |