Ferrero أشهر وأصغر مصور للحياة الضارية
يعتبر جان بول فيريرو واحداً من أصغر مصوري الحياة البرية الضارية ، وهو يعمل على تحقيق شهرة عالمية لنفسه عبر تجواله في العالم حيث يعود دائماً بصور من مختلف الأماكن وبين يديه صوراً عن المواضيع التي يحبها .
نحن الآن في وقت متـاخـر من بعـد الظهر داخل اعماق محمية بهاراتبور للحياة البرية في شمال الهند ، حيث تجد بعض اندر الطيور في العالم قابعة تتغذى من البحيرة الضحلة في قلب المحمية . وفي موقع مرتفـع على إحدى الأشجار ، نشاهد شاباً يثابر على التحديق من خلال عدسة كاميرا مثبتة على ركيزة ثلاثية الأرجـل صامدة ومشبكة بإحكام بين اغصان الشجرة ، وما يزال على حاله في المكان ذاته منذ وقت طويل ، وكانه مستقر هناك وعازم على الانتظار الطويل ، حيث يمتزج هكذا مع الريف الذي يحيط به .
هذا الشاب هو جان بول فيريرو وهو قابع في مكانه هذا بانتظار أن تسنح له الفرصة حتى يلتقط صوراً لغرنوق سيبيريا الأبيض - أحـد انـدر الطيور في العالم ـ ففي كل عـام ، يأتي حوالي الثلاثين من هذه الطيور لقضاء فصل الشتاء في بهـاراتبـور ، وهذه المجمـوعـة الصغيرة تمثل على وجه التقريب خمس ما هو مـوجـود في الـعـالـم بـأكمله من تلك الطيـور النادرة .
هذا مع العلم انه بالنسبة لمعظم المصورين الفوتوغرافيين ، وحتى المتخصصين بتصوير الحياة الضارية منهم فإن تسلق الشجرة مع كاميرا وعدسة طويلة سيتطلب بذل جهود عالية بكل تأكيد ، مثلهم مثل فيريرو . يعمد هؤلاء الى انتقاء الموقع بدقة وعناية ، كما يختارون الوقت المناسب من النهار لالتقاط صورهم ، بعد ذلك وعند تسلق شجرتهم التي يقع عليها الاختيار . يركزون انفسهم وكاميرتهم مثبتة على جذع الشجرة .
على أن هناك عنصراً اضافيا هو الذي يميز فيريرو في هذا الفن ، فقد ذهب الى حد تسلق الشجرة ومعه ركيزة ثلاثية الأرجل ضخمة المقاييس حتى يثق تمام الثقة انه اثناء التقاطه لصوره ، سيتوفر له اكبر قدر من العمل المتوفر هناك لكائن بشري ، فإذا سنحت له فرصة التقاط صورة جيدة ، يصبح واثقاً هكذا انه متاهب لها تماماً وفي مجال سعيه لتحقيق هذه النتيجة نجده على اتم الاستعداد للاقدام على أي شيء ..
إصرار فيريرو على النجاح بمهنته التي اختارها كمصور فوتوغرافي للحياة الضاريـة يوازيه حبه للحياة الضارية التي يصورها . وهذان العنصران الرئيسيان جعلا فيريرو واحداً من أكثر مصوري الحياة الضارية الشباب اثارة في عالم اليوم ، فهو يبيع قصصه الى مجلات حياة ضارية ذائعة الصيت وقد جرى تكليفه القيام بالعديد من المهام للمجلة الجغرافيـة ( GEO ) اضافة الى هذا ، سبق لصوره ان استعملت وتستعمل الآن كصور توضيحية في عدد كبير من الكتب والمجلات في جميع أنحاء العالم .
جاء دخول فيريرو الى العالم الفوتوغرافي من خلال اهتمام مبكر بالحيوانات وهو يقول :
- كنت أدرس لأصـبـح خـبـيـرا بـالسلوك الحيواني .... أردت أن أسافر متجولا لأدرس الحيوانات على الطبيعة . فخطر لي أن الطريق الأقصر لتحقيق ذلك هو التقاطي صوراً لهذه الحيوانات .
بدأ بتصوير حيوانات اليفة ، وباع بعض صوره تلك الى مجـلات ، ثـم تـرك مـوطنـه - فرنسا ـ وذهب الى اوستراليا حيث راح يتجول هناك طيلة ثلاثة اشهر لا يحمل معه الا القليـل جدا من المعدات ومن المال .
أما عن أسباب اختيار اوستراليا لمشروعة الذاتي الأول فواضحة جدا ، وتاثرت كثيراً بحقيقة أنه كمبتديء في هذا المجال ، احتاج الى ايجاد منطقة من العالم لم يعمل المصورون الفوتوغرافيون الآخرون للحياة الضارية على تغطيتها بعمق . وهو يقول :
- عندما بدأت عام ١٩٧٣ ، كان علي ان اكتشف مجالا جديداً لتصوير الحياة الضـارية إما في امريكا الجنوبية أو اوستراليا . فوقع اختياري على اوستراليا لأنني كنت أكثر اهتماماً بها .
وكان فيريرو مثابراً على التفكير بهذه البلاد منذ طفولته . وقد تابع يقول :
- كنت اشعـر دائماً بانجذاب شديد نحـو الحياة الضارية .. ذلك أن البراري والأدغال تغص بتلك الحيـوانـات الغريبة على غرار الحيوانات ذات الجراب . والكثير من الأفاعي والضفادع والسحالي .
ثم ازداد اهتمامه القديم مؤخراً ، وهو الآن يخطط لتركيز طاقاته كلها على أوستراليا وغينيا الجديدة ونيوزيلندا .
يتضح هذا التكريس الذاتي لفيريرو جدا من خلال الشهور الستة التي قضاها في أوستراليا مقتصراً تصويره الفوتوغرافي على حيوانات الكونغارو وقال في هذا الصدد :
ـ اذا اردت القيام بعمل جيد ، عليك صـرف كامل وقتك عليه ... عليك القيام به دون التفكير باي شيء آخر ، وعندما صورت حـيـوانـات الكـونغارو ، كنت اريد الحصول على أفضل صور سبق ان التقطت لهـا اطلاقاً . واظنني نجحت . صحيح أن هذا استهلك الكثير من الوقت ، ولكن النتائج كانت جديرة بذلك . انها الطريقة الوحيدة للاعتراف بك ولحصولك على عمل ، فإذا عمدت الى صنع شيء من كل شيء . يكون هذا هدرا لوقتك في مجال العمل والمهنة .
ليس ممكنا دائما لفيـريـرو أن يجد الدعم المالي لمشاريعه طويلة الأمد ، وبدلا من ذلك ، يتدبر الأمر ليكسب معيشته بالانكباب على مهام اقصـر . فبعـد الـعمـل لـعـدد مـن المجـلات الفرنسية ، بدأ القيام بمهام للـ ( GEO ) في أواخر السبعينات ، وقد تراوحت هذه المهام بين قصص جـديـدة حـول الـعـودة لإدخال القـرد البريري الى مراكش ، ومقالات اكثر استفاضة كتلك التي حققها في الآونة الأخيرة ، حول الخيول ، مغطياً مزارع الخيول في فرنسا .
مثله مثـل الكثير من الـمـصـوريـن الفوتوغرافيين المحترفين ، يتميز فيريرو بمهارة تحديد مدى قصر الوقت الذي يصرفه فعلا على المهمة بحد ذاتها يقول :
- أنا أصرف خمسين في المائة من وقتي عاملا على التقاط الصور بالفعل . اما النصف الآخر فيصرف على اخذ ملاحظات ، وكتابة تعليقات . والبحث في الملفات ، وارسال علم وخبر ، وعلى ادارة شؤون العمل بشكل عام كم احب لو اتخلص من هذه الإرهاقـات كلها لاصرف ٢٤ ساعة يومياً وأنا التقط صور الحياة الضارية ؛
إلا ان هذا ليس ممكناً . فعلي دفع الإيجار .
كذلك تساعد مشاريع فيريرو ومهامه على تنمية مكتبة صوره التي يكسب منها الآن مـا يصل الى حوالي ال ٤٠ في المائة من مدخراته وهو يشغل هذه المكتبة شراكة مع عملائه في باريس ولندن . قال عنها :
ـ اتمنى أساسا لو احصل على مزيد من المهام الممتعة فاترك مكتبتي كليا لعملاني ، الا ان هذه ستكون خطوة اكبر من ان أقدم عليها الآن .
هذا . وعلى الرغم من أن الكثير من اعمـالـه يعرض امثلة نموذجية عن استعمال النـور والحـركـة والمحتـوى ، يتردد فيريرو في الاعتراف بان لديه اسلوباً معيناً ، يقول في هذا الصدد :
ـ من الصعب العثور على طريقة تصـويـر فوتوغرافي جديدة ، ولا اشعر انني بحاجة الى اسلوب ، فكلما أشاهد موضوعاً مختلفاً ، تكون لدي طريقة واحدة لتصويره ، ولا أبالي بما سبق وجرى من قبل . اظن ان النور وطبيعة مشاعري في تلك اللحظة يتحكمان بطريقة عملي .
يعترف فيريرو ان عمله يتطور ويتغير بشكل منمق على الدوام وهو يقول :
ازداد اهتمامي الآن بالحركة الى حد كبير وكذلك عرضي للحيوانات في بيئاتها ، كما يتضح من الصورة التي التقطها لسحلية رايتهـا على صخرة فوق قمة بلاف نول في غرب اوستراليا .
وفي سعيه وراء مواضيعه ، وجد فيريرو ايضاً ان التخطيط والبحث والصبر الطويـل ليست وحدها ما تستدعيه الضرورة ، بل عليه كذلك ان يتعلم كيفية التعـامـل مـع بعض المعضلات التي لا نهاية لها ونواجه أي مصور فوتوغرافي يعمل بعيداً جداً عن المصادر التي تعتبر - حضارية ، ، وتحت ظروف محفوفة بالمخاطر في أحيان كثيرة ، قد تتعطل وسائل النقل وسط الصحاري ، وقد حدث في احد الايام واثناء انتظاره لتصوير طائر القاوند انه قضى الليل ساهراً في غابة مطر اوسترالية حيث تغطى جسده بالعلق تماماً .
ولحصوله على صورة ، يسافر فيريرو مع الكثير من المعدات الفوتوغرافية . ذلك انه ينطلق متاهباً لمواجهة اي حدث . قال :
ـ عندما تعتمد على التقاط الصور لكسب ما يؤمن لك العيش ، ليس باستطاعتك ترك نفسك تحت رحمـة الظروف ، وكم أكره ان اكون في موقع ما ، ثم اجدني غير قادر على التقاط الصورة التي اريدها بسبب نقص في المعدات .
نتيجة لذلك ، ينتهي فيريرو مسافراً مع اربع حقائب معدات تزن أكثر من ٦٥ رطلا انجليزيا بمجملها .
هذه تحتوي على كاميرتي نيكسون ( F2 ) و ( FE ) ، وعلى محرك دفع نيكون خاص يلتقط ما يصل الى حتى ١٠ اطارات في الثانية . كذلك يصطحب مجموعة كبيرة من العدسات - ۱۸ و ٢٤ و ١٠٥ و ١٥٠ و ١٥٥ ماکرو و ۱۸۰ و ٤٠٠ و ٥٠٠ ملم ، اضافة الى ذلك ، ياخذ معه تجهيزة بنية متوسطة - ماكسيميا ٦ × ٧ سم مع عدسات ۳۷ و ۵۰ و ۹۰ و ۱۸۰ و ٣٦٠ ملم .
ثم أخذ قرآت ضوئية ، يفضل فيريرو العمل بعداد يدوي ، يقول هنا :
ـ الحقيقة انني لا أحب عدادات ( TTL ) الأوتوماتيكية ذلك أنك تواجه العديد من المتاعب مع البطاريات لا تستطيع الاعتمـاد عليها .
وهو عوضا عن ذلك يستخدم بـانـتـاكس سبوتمیتر ( Panlux Spotmeter ) مع زاوية قبول تبلغ درجة واحدة ، وقد علق على هذا قائلا :
ـ إنه جيد جدا ولكنني استصعب العمل به في باديء الأمر لانك لا تعرف مـا تقيسه .
فقـد ترتكب الأخطاء بسهولة كبيرة ، ولكن حـالما تتعلم كيف تستعمله ، تحصل على تعريضات ضوئية جميلة ، والآن ، بدأت اتعـرف الى الأحوال الضوئية المختلفة ـ اصبح لدي عداد موقعي في عيني .
يسافر فيريرو كذلك ومعه وحدتي فلاش نورمان وركيزة لينهوف ثلاثية الأرجـل يعطيها الكثير من الأهمية بعدما سبق وخـانته ركائز أخرى من أصناف معروفة ومحترمة جداً أثناء عمله على الطبيعة . على أنه لا يستعمل الا القليل من المعدات الخاصة الأخرى ، فيقول :
- مرشحي الأساسي هو مستقطب ( polarizer ) ، وهذا كل ما في الأمر ، رغم انني الجا في بعض الأحيان الى استعمال مرشحات تصحيحية اذا كان لدي فيلم من صنف معين داخل الكاميرا .
وهـو قليـلا مـا ينجذب إلى فيلم الأسود والأبيض ، بل يعمل فيـريـرو بـالألوان دائماً تقريباً ، وعن ذلك يقول :
أفضل الكوداكروم لدقة الوضوح ، ولكنني لا اجيده كثيراً للتمثيل اللوني ، اذ يصعب جداً الحصول على الوان خضراء جيـدة بـه .... وبالنسبة للتمثيل اللوني ، أفضل الإكتاكروم ٦٥ .
كذلك يتعرض فيريرو لأخطاء تحميض من وقت لآخر ، يقول :
- واجهت الكثير من المتاعب التي تاتي على شكـل خدوش وتحولات لونية في فيلمي . من هنا ، وعندما التقط يلفة ٣٦ تعريض ضوئي ، لا التقط الا ۱۲ صورة ممكنة الاستعمال ، لأنني اصور المشهد ذاتـه ثـلاث مرات - ذلك أنتي اتعرض لتحولات لونية على اطارات متتالية مع فیلم کوداکروم : أما عندما احصل على صورة جيدة ، فتاتي هذه نموذجية .
في المستقبل القريب ، من المحتمـل جـداً لفيريرو ان ينتقل كليا الى كاميرا المنظر الواحد ٤ × ٥ بوصة .
وهو يفسر سبب ذلك فيقول :
ـ ذلك لمجرد ضبط عمق المجال واهتزازات الكاميرا كما للحصول على نوع الصورة التي لا أستطيع الحصول عليها بأي شيء آخر سوى کامیرا منظر واحد .
هذا وعلى الرغم من عدم رهبته من الوزن الاضافي لمعدات البنية الكبيرة هذه ، يعرف أنه بحاجة إلى وسيلة نقل موثوقة في مجال عمله .
ففي اوستـراليـا لديه سيارة , لاند روفر .
أما عن منهجه الواقعي شديد التدقيق في التصوير الفـوتـوغـرافي فيؤكد على أخـذه بالمحاذير لمواجهة الحرارة أو الرطوبة فلا يترك لهذه أو تلك أن تؤثر على فيلمه ومعداته .
وهو يقول عن ذلك :
- عندما أسافر في جو حار ، لا أحمل افلامي كلها معي ابدأ ، بل اتوقف في مكان ما لأحفظها في ثلاجة ، وفي الأجواء الاستوائية ، أعمل دائماً على حفظ معداني مرزومة في هلام السليكا داخل علبة محكمة الإغلاق .
هذا ، وعلى الرغم من مقدار المعدات التي نصيحته لمن يريدون التحول الى مصورين يحملها فيريرو معه أثناء انجازه لمهامه ، تبقى فوتوغرافيين للحياة الضارية ، بسيطة ومباشرة جدا : عوضاً عن حمل الكثير من المعدات ابتاعوا جسماً وعدسـة جيدين بـالـفـعـل . ثم اعملوا بدقة وعناية على اختيار الشيء الذي تريدون تصويره والتزموا بـه لأمد طويل .
ويتابع فيريرو قائلا :
ـ المثال على ذلك انكم اذا اردتم تصـويـر الغزال الأحمر ، عليكم امعان النظر في كل الصور التي التقطت له ، وقراءة كل شيء كتب عنه ، ثم اختيار المكان الذي ستصورونه فيه عاملين على استعمال المعلومات التي تراكمت لديكم بدقة وعناية ، ما أريد التأكيد عليه هو صدى الوقت والأعمال اللازمين لموضوع ، أو لتصوير فوتوغرافي من نوع معين . ثم تاتي المعدات بعد ذلك ـ هذه تكتشفونها بينما انتم في صدد التعرف على ما تريدون عمله .
وينهي فيريرو نصيحته بالقول :
- إذا ذهبتم الى كينيا أو أي مكان آخر ، وذلك للتمتع ولاخذ صور للحياة الضارية هناك . لا ينبغي لواحدكم أن يتوقع التحول الى مصور فوتوغرافي للحياة الضارية هكذا بين ليلة وضحاها بل يحتاج الأمر الى وقت أطول بكثير . ذلك التقاط صورة جيدة واحدة فقط هو شيء ، وصنع قصة فوتوغرافية كاملة هو شيء آخـر مختلف كل الاختلاف ، وهو شيء صعب التحقيق للغاية .
السنوات القليلة المنصرمة فقط بدأ فيريرو يشعر أنه أصبح محترفاً بالفعل يحقق نوعيـة الصور التي تنطبق على التعبير . وهو مدرك جداً الى انه لصنع اسم في عالم الاختصاص والتنافس الذي يقـوم عـليـه التـصـويـر الفوتوغرافي للحياة الضارية ، يحتاج ذلك الى الكثير من الوقت ، وهو يقول :
- هناك أقل من ثلاثين مصورة فوتوغرافياً محترفاً للحياة الضارية في العالم كله يعملون بانتظام وتنشر اعمالهم .
اكتشفت كذلك أن جـميـع المـصـورين الفوتوغرافيين الأكثر شهرة بين من يعملون على تصـويـر الحيـاة الضـاريـة هم في أواخـر الاربعينات من أعمارهم .
أمـا كوني في أوائل الثلاثينات من العمر فيعني ان لا أبالغ بالعجلة .
الوقت هـو العنصـر الحـاسم ـ وعـلـيـك ان تنتظر -
فيريرو هذا الذي لا يرغب ان يقال أنه رائـد اصيل في مجاله ، يشير كذلك إلى استمرار تكريسه نفسه للمهنة التي اختارها . مع ذلك يتضح ايضا انه على الرغم من صغر سنه ، فهو يعتبر مصوراً فوتوغرافيا للحياة الضاريـة بالفعل ، كما يعتبر مشهوراً في هذا المجال⏹
يعتبر جان بول فيريرو واحداً من أصغر مصوري الحياة البرية الضارية ، وهو يعمل على تحقيق شهرة عالمية لنفسه عبر تجواله في العالم حيث يعود دائماً بصور من مختلف الأماكن وبين يديه صوراً عن المواضيع التي يحبها .
نحن الآن في وقت متـاخـر من بعـد الظهر داخل اعماق محمية بهاراتبور للحياة البرية في شمال الهند ، حيث تجد بعض اندر الطيور في العالم قابعة تتغذى من البحيرة الضحلة في قلب المحمية . وفي موقع مرتفـع على إحدى الأشجار ، نشاهد شاباً يثابر على التحديق من خلال عدسة كاميرا مثبتة على ركيزة ثلاثية الأرجـل صامدة ومشبكة بإحكام بين اغصان الشجرة ، وما يزال على حاله في المكان ذاته منذ وقت طويل ، وكانه مستقر هناك وعازم على الانتظار الطويل ، حيث يمتزج هكذا مع الريف الذي يحيط به .
هذا الشاب هو جان بول فيريرو وهو قابع في مكانه هذا بانتظار أن تسنح له الفرصة حتى يلتقط صوراً لغرنوق سيبيريا الأبيض - أحـد انـدر الطيور في العالم ـ ففي كل عـام ، يأتي حوالي الثلاثين من هذه الطيور لقضاء فصل الشتاء في بهـاراتبـور ، وهذه المجمـوعـة الصغيرة تمثل على وجه التقريب خمس ما هو مـوجـود في الـعـالـم بـأكمله من تلك الطيـور النادرة .
هذا مع العلم انه بالنسبة لمعظم المصورين الفوتوغرافيين ، وحتى المتخصصين بتصوير الحياة الضارية منهم فإن تسلق الشجرة مع كاميرا وعدسة طويلة سيتطلب بذل جهود عالية بكل تأكيد ، مثلهم مثل فيريرو . يعمد هؤلاء الى انتقاء الموقع بدقة وعناية ، كما يختارون الوقت المناسب من النهار لالتقاط صورهم ، بعد ذلك وعند تسلق شجرتهم التي يقع عليها الاختيار . يركزون انفسهم وكاميرتهم مثبتة على جذع الشجرة .
على أن هناك عنصراً اضافيا هو الذي يميز فيريرو في هذا الفن ، فقد ذهب الى حد تسلق الشجرة ومعه ركيزة ثلاثية الأرجل ضخمة المقاييس حتى يثق تمام الثقة انه اثناء التقاطه لصوره ، سيتوفر له اكبر قدر من العمل المتوفر هناك لكائن بشري ، فإذا سنحت له فرصة التقاط صورة جيدة ، يصبح واثقاً هكذا انه متاهب لها تماماً وفي مجال سعيه لتحقيق هذه النتيجة نجده على اتم الاستعداد للاقدام على أي شيء ..
إصرار فيريرو على النجاح بمهنته التي اختارها كمصور فوتوغرافي للحياة الضاريـة يوازيه حبه للحياة الضارية التي يصورها . وهذان العنصران الرئيسيان جعلا فيريرو واحداً من أكثر مصوري الحياة الضارية الشباب اثارة في عالم اليوم ، فهو يبيع قصصه الى مجلات حياة ضارية ذائعة الصيت وقد جرى تكليفه القيام بالعديد من المهام للمجلة الجغرافيـة ( GEO ) اضافة الى هذا ، سبق لصوره ان استعملت وتستعمل الآن كصور توضيحية في عدد كبير من الكتب والمجلات في جميع أنحاء العالم .
جاء دخول فيريرو الى العالم الفوتوغرافي من خلال اهتمام مبكر بالحيوانات وهو يقول :
- كنت أدرس لأصـبـح خـبـيـرا بـالسلوك الحيواني .... أردت أن أسافر متجولا لأدرس الحيوانات على الطبيعة . فخطر لي أن الطريق الأقصر لتحقيق ذلك هو التقاطي صوراً لهذه الحيوانات .
بدأ بتصوير حيوانات اليفة ، وباع بعض صوره تلك الى مجـلات ، ثـم تـرك مـوطنـه - فرنسا ـ وذهب الى اوستراليا حيث راح يتجول هناك طيلة ثلاثة اشهر لا يحمل معه الا القليـل جدا من المعدات ومن المال .
أما عن أسباب اختيار اوستراليا لمشروعة الذاتي الأول فواضحة جدا ، وتاثرت كثيراً بحقيقة أنه كمبتديء في هذا المجال ، احتاج الى ايجاد منطقة من العالم لم يعمل المصورون الفوتوغرافيون الآخرون للحياة الضارية على تغطيتها بعمق . وهو يقول :
- عندما بدأت عام ١٩٧٣ ، كان علي ان اكتشف مجالا جديداً لتصوير الحياة الضـارية إما في امريكا الجنوبية أو اوستراليا . فوقع اختياري على اوستراليا لأنني كنت أكثر اهتماماً بها .
وكان فيريرو مثابراً على التفكير بهذه البلاد منذ طفولته . وقد تابع يقول :
- كنت اشعـر دائماً بانجذاب شديد نحـو الحياة الضارية .. ذلك أن البراري والأدغال تغص بتلك الحيـوانـات الغريبة على غرار الحيوانات ذات الجراب . والكثير من الأفاعي والضفادع والسحالي .
ثم ازداد اهتمامه القديم مؤخراً ، وهو الآن يخطط لتركيز طاقاته كلها على أوستراليا وغينيا الجديدة ونيوزيلندا .
يتضح هذا التكريس الذاتي لفيريرو جدا من خلال الشهور الستة التي قضاها في أوستراليا مقتصراً تصويره الفوتوغرافي على حيوانات الكونغارو وقال في هذا الصدد :
ـ اذا اردت القيام بعمل جيد ، عليك صـرف كامل وقتك عليه ... عليك القيام به دون التفكير باي شيء آخر ، وعندما صورت حـيـوانـات الكـونغارو ، كنت اريد الحصول على أفضل صور سبق ان التقطت لهـا اطلاقاً . واظنني نجحت . صحيح أن هذا استهلك الكثير من الوقت ، ولكن النتائج كانت جديرة بذلك . انها الطريقة الوحيدة للاعتراف بك ولحصولك على عمل ، فإذا عمدت الى صنع شيء من كل شيء . يكون هذا هدرا لوقتك في مجال العمل والمهنة .
ليس ممكنا دائما لفيـريـرو أن يجد الدعم المالي لمشاريعه طويلة الأمد ، وبدلا من ذلك ، يتدبر الأمر ليكسب معيشته بالانكباب على مهام اقصـر . فبعـد الـعمـل لـعـدد مـن المجـلات الفرنسية ، بدأ القيام بمهام للـ ( GEO ) في أواخر السبعينات ، وقد تراوحت هذه المهام بين قصص جـديـدة حـول الـعـودة لإدخال القـرد البريري الى مراكش ، ومقالات اكثر استفاضة كتلك التي حققها في الآونة الأخيرة ، حول الخيول ، مغطياً مزارع الخيول في فرنسا .
مثله مثـل الكثير من الـمـصـوريـن الفوتوغرافيين المحترفين ، يتميز فيريرو بمهارة تحديد مدى قصر الوقت الذي يصرفه فعلا على المهمة بحد ذاتها يقول :
- أنا أصرف خمسين في المائة من وقتي عاملا على التقاط الصور بالفعل . اما النصف الآخر فيصرف على اخذ ملاحظات ، وكتابة تعليقات . والبحث في الملفات ، وارسال علم وخبر ، وعلى ادارة شؤون العمل بشكل عام كم احب لو اتخلص من هذه الإرهاقـات كلها لاصرف ٢٤ ساعة يومياً وأنا التقط صور الحياة الضارية ؛
إلا ان هذا ليس ممكناً . فعلي دفع الإيجار .
كذلك تساعد مشاريع فيريرو ومهامه على تنمية مكتبة صوره التي يكسب منها الآن مـا يصل الى حوالي ال ٤٠ في المائة من مدخراته وهو يشغل هذه المكتبة شراكة مع عملائه في باريس ولندن . قال عنها :
ـ اتمنى أساسا لو احصل على مزيد من المهام الممتعة فاترك مكتبتي كليا لعملاني ، الا ان هذه ستكون خطوة اكبر من ان أقدم عليها الآن .
هذا . وعلى الرغم من أن الكثير من اعمـالـه يعرض امثلة نموذجية عن استعمال النـور والحـركـة والمحتـوى ، يتردد فيريرو في الاعتراف بان لديه اسلوباً معيناً ، يقول في هذا الصدد :
ـ من الصعب العثور على طريقة تصـويـر فوتوغرافي جديدة ، ولا اشعر انني بحاجة الى اسلوب ، فكلما أشاهد موضوعاً مختلفاً ، تكون لدي طريقة واحدة لتصويره ، ولا أبالي بما سبق وجرى من قبل . اظن ان النور وطبيعة مشاعري في تلك اللحظة يتحكمان بطريقة عملي .
يعترف فيريرو ان عمله يتطور ويتغير بشكل منمق على الدوام وهو يقول :
ازداد اهتمامي الآن بالحركة الى حد كبير وكذلك عرضي للحيوانات في بيئاتها ، كما يتضح من الصورة التي التقطها لسحلية رايتهـا على صخرة فوق قمة بلاف نول في غرب اوستراليا .
وفي سعيه وراء مواضيعه ، وجد فيريرو ايضاً ان التخطيط والبحث والصبر الطويـل ليست وحدها ما تستدعيه الضرورة ، بل عليه كذلك ان يتعلم كيفية التعـامـل مـع بعض المعضلات التي لا نهاية لها ونواجه أي مصور فوتوغرافي يعمل بعيداً جداً عن المصادر التي تعتبر - حضارية ، ، وتحت ظروف محفوفة بالمخاطر في أحيان كثيرة ، قد تتعطل وسائل النقل وسط الصحاري ، وقد حدث في احد الايام واثناء انتظاره لتصوير طائر القاوند انه قضى الليل ساهراً في غابة مطر اوسترالية حيث تغطى جسده بالعلق تماماً .
ولحصوله على صورة ، يسافر فيريرو مع الكثير من المعدات الفوتوغرافية . ذلك انه ينطلق متاهباً لمواجهة اي حدث . قال :
ـ عندما تعتمد على التقاط الصور لكسب ما يؤمن لك العيش ، ليس باستطاعتك ترك نفسك تحت رحمـة الظروف ، وكم أكره ان اكون في موقع ما ، ثم اجدني غير قادر على التقاط الصورة التي اريدها بسبب نقص في المعدات .
نتيجة لذلك ، ينتهي فيريرو مسافراً مع اربع حقائب معدات تزن أكثر من ٦٥ رطلا انجليزيا بمجملها .
هذه تحتوي على كاميرتي نيكسون ( F2 ) و ( FE ) ، وعلى محرك دفع نيكون خاص يلتقط ما يصل الى حتى ١٠ اطارات في الثانية . كذلك يصطحب مجموعة كبيرة من العدسات - ۱۸ و ٢٤ و ١٠٥ و ١٥٠ و ١٥٥ ماکرو و ۱۸۰ و ٤٠٠ و ٥٠٠ ملم ، اضافة الى ذلك ، ياخذ معه تجهيزة بنية متوسطة - ماكسيميا ٦ × ٧ سم مع عدسات ۳۷ و ۵۰ و ۹۰ و ۱۸۰ و ٣٦٠ ملم .
ثم أخذ قرآت ضوئية ، يفضل فيريرو العمل بعداد يدوي ، يقول هنا :
ـ الحقيقة انني لا أحب عدادات ( TTL ) الأوتوماتيكية ذلك أنك تواجه العديد من المتاعب مع البطاريات لا تستطيع الاعتمـاد عليها .
وهو عوضا عن ذلك يستخدم بـانـتـاكس سبوتمیتر ( Panlux Spotmeter ) مع زاوية قبول تبلغ درجة واحدة ، وقد علق على هذا قائلا :
ـ إنه جيد جدا ولكنني استصعب العمل به في باديء الأمر لانك لا تعرف مـا تقيسه .
فقـد ترتكب الأخطاء بسهولة كبيرة ، ولكن حـالما تتعلم كيف تستعمله ، تحصل على تعريضات ضوئية جميلة ، والآن ، بدأت اتعـرف الى الأحوال الضوئية المختلفة ـ اصبح لدي عداد موقعي في عيني .
يسافر فيريرو كذلك ومعه وحدتي فلاش نورمان وركيزة لينهوف ثلاثية الأرجـل يعطيها الكثير من الأهمية بعدما سبق وخـانته ركائز أخرى من أصناف معروفة ومحترمة جداً أثناء عمله على الطبيعة . على أنه لا يستعمل الا القليل من المعدات الخاصة الأخرى ، فيقول :
- مرشحي الأساسي هو مستقطب ( polarizer ) ، وهذا كل ما في الأمر ، رغم انني الجا في بعض الأحيان الى استعمال مرشحات تصحيحية اذا كان لدي فيلم من صنف معين داخل الكاميرا .
وهـو قليـلا مـا ينجذب إلى فيلم الأسود والأبيض ، بل يعمل فيـريـرو بـالألوان دائماً تقريباً ، وعن ذلك يقول :
أفضل الكوداكروم لدقة الوضوح ، ولكنني لا اجيده كثيراً للتمثيل اللوني ، اذ يصعب جداً الحصول على الوان خضراء جيـدة بـه .... وبالنسبة للتمثيل اللوني ، أفضل الإكتاكروم ٦٥ .
كذلك يتعرض فيريرو لأخطاء تحميض من وقت لآخر ، يقول :
- واجهت الكثير من المتاعب التي تاتي على شكـل خدوش وتحولات لونية في فيلمي . من هنا ، وعندما التقط يلفة ٣٦ تعريض ضوئي ، لا التقط الا ۱۲ صورة ممكنة الاستعمال ، لأنني اصور المشهد ذاتـه ثـلاث مرات - ذلك أنتي اتعرض لتحولات لونية على اطارات متتالية مع فیلم کوداکروم : أما عندما احصل على صورة جيدة ، فتاتي هذه نموذجية .
في المستقبل القريب ، من المحتمـل جـداً لفيريرو ان ينتقل كليا الى كاميرا المنظر الواحد ٤ × ٥ بوصة .
وهو يفسر سبب ذلك فيقول :
ـ ذلك لمجرد ضبط عمق المجال واهتزازات الكاميرا كما للحصول على نوع الصورة التي لا أستطيع الحصول عليها بأي شيء آخر سوى کامیرا منظر واحد .
هذا وعلى الرغم من عدم رهبته من الوزن الاضافي لمعدات البنية الكبيرة هذه ، يعرف أنه بحاجة إلى وسيلة نقل موثوقة في مجال عمله .
ففي اوستـراليـا لديه سيارة , لاند روفر .
أما عن منهجه الواقعي شديد التدقيق في التصوير الفـوتـوغـرافي فيؤكد على أخـذه بالمحاذير لمواجهة الحرارة أو الرطوبة فلا يترك لهذه أو تلك أن تؤثر على فيلمه ومعداته .
وهو يقول عن ذلك :
- عندما أسافر في جو حار ، لا أحمل افلامي كلها معي ابدأ ، بل اتوقف في مكان ما لأحفظها في ثلاجة ، وفي الأجواء الاستوائية ، أعمل دائماً على حفظ معداني مرزومة في هلام السليكا داخل علبة محكمة الإغلاق .
هذا ، وعلى الرغم من مقدار المعدات التي نصيحته لمن يريدون التحول الى مصورين يحملها فيريرو معه أثناء انجازه لمهامه ، تبقى فوتوغرافيين للحياة الضارية ، بسيطة ومباشرة جدا : عوضاً عن حمل الكثير من المعدات ابتاعوا جسماً وعدسـة جيدين بـالـفـعـل . ثم اعملوا بدقة وعناية على اختيار الشيء الذي تريدون تصويره والتزموا بـه لأمد طويل .
ويتابع فيريرو قائلا :
ـ المثال على ذلك انكم اذا اردتم تصـويـر الغزال الأحمر ، عليكم امعان النظر في كل الصور التي التقطت له ، وقراءة كل شيء كتب عنه ، ثم اختيار المكان الذي ستصورونه فيه عاملين على استعمال المعلومات التي تراكمت لديكم بدقة وعناية ، ما أريد التأكيد عليه هو صدى الوقت والأعمال اللازمين لموضوع ، أو لتصوير فوتوغرافي من نوع معين . ثم تاتي المعدات بعد ذلك ـ هذه تكتشفونها بينما انتم في صدد التعرف على ما تريدون عمله .
وينهي فيريرو نصيحته بالقول :
- إذا ذهبتم الى كينيا أو أي مكان آخر ، وذلك للتمتع ولاخذ صور للحياة الضارية هناك . لا ينبغي لواحدكم أن يتوقع التحول الى مصور فوتوغرافي للحياة الضارية هكذا بين ليلة وضحاها بل يحتاج الأمر الى وقت أطول بكثير . ذلك التقاط صورة جيدة واحدة فقط هو شيء ، وصنع قصة فوتوغرافية كاملة هو شيء آخـر مختلف كل الاختلاف ، وهو شيء صعب التحقيق للغاية .
السنوات القليلة المنصرمة فقط بدأ فيريرو يشعر أنه أصبح محترفاً بالفعل يحقق نوعيـة الصور التي تنطبق على التعبير . وهو مدرك جداً الى انه لصنع اسم في عالم الاختصاص والتنافس الذي يقـوم عـليـه التـصـويـر الفوتوغرافي للحياة الضارية ، يحتاج ذلك الى الكثير من الوقت ، وهو يقول :
- هناك أقل من ثلاثين مصورة فوتوغرافياً محترفاً للحياة الضارية في العالم كله يعملون بانتظام وتنشر اعمالهم .
اكتشفت كذلك أن جـميـع المـصـورين الفوتوغرافيين الأكثر شهرة بين من يعملون على تصـويـر الحيـاة الضـاريـة هم في أواخـر الاربعينات من أعمارهم .
أمـا كوني في أوائل الثلاثينات من العمر فيعني ان لا أبالغ بالعجلة .
الوقت هـو العنصـر الحـاسم ـ وعـلـيـك ان تنتظر -
فيريرو هذا الذي لا يرغب ان يقال أنه رائـد اصيل في مجاله ، يشير كذلك إلى استمرار تكريسه نفسه للمهنة التي اختارها . مع ذلك يتضح ايضا انه على الرغم من صغر سنه ، فهو يعتبر مصوراً فوتوغرافيا للحياة الضاريـة بالفعل ، كما يعتبر مشهوراً في هذا المجال⏹
تعليق