كتاني (محمد عبد كبير) Al-Kattani (Mohammad ibn Abdul Kabbir-) - Al-Kattani (Mohammad ibn Abdul Kabbir-)
الكتاني (محمد بن عبد الكبير ـ)
(1290 ـ 1327هـ/1873 ـ 1909م)
أبو الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني الإدريسي الحسني، ينتمي إلى عائلة الكتانية الإدريسية الحسنية التي سكنت فاس في المغرب. والده عبد الكبير بن محمد عبد الواحد بن أحمد ابن عبد الواحد الكتاني الحسني. ووالدته السيدة فضيلة بنت إدريس بن الطايع الكتاني الإدريسي الحسني. فهو من أبوين عربيين ينتهي نسبهما إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما. لقب الكتاني هذا بشيخ الإسلام وحامل لوائه ديناً ودولة. ونشَّأته أسرته تنشئة صالحة، فحفظ القرآن ولمَّا يبلغ الحلم. وحفظ فيما بعد أمهات المتون الإسلامية في علم التفسير وأدواته. وعلم السنة واصطلاحاته، وعلم الأصول والكلام والسيرة والفقه حتى بلغ فيه الاجتهاد. وفلسفة التشريع، وعلم الفقه في النحو والصرف والبيان والبديع والمعاني وأخيراً التصوف. وساعده على هذا النبوغ والتحصيل العلمي المبكر بيت العائلة الذي زخر بعدة من أئمة العلم الكتانيين، ثم شيوخ جامع القرويين، مما هيأ الفتى لأن يبلغ في مرحلة مبكرة من العمر نضجاً عالياً.
بعد أن تم لمحمد بن عبد الكبير هذا التحصيل العلمي خرج إلى الجبال والبوادي يعلِّم الناس الإسلام فقد كان الأعرابي والبربري لا يجيد الشهادتين، فأصبح يحفظ القرآن، ويقال إنه لم يبنِ لنفسه ولا لأولاده بيتاً. بل بنى مئة مسجد وفيها كان يتعلم الناس أخلاق الإسلام وفقهه، ومنها كان يدعوهم إلى الجهاد ضد المستعمر الفرنسي، وكثر أتباعه ومريدوه في المغرب والبلدان الإسلامية، كما كثر حاسدوه، فأوعزوا إلى السلطان عبد العزيز بن الحسن العلوي الإدريسي، أن الكتاني هذا زنديق ويريد الملك، فاستدعاه السلطان إلى مَرَّاكُش في عام 1314هـ، ودعاه إلى المناظرة مع كبار علماء عصره فانتصر عليهم وبُرئت ساحته. وفي عام 1321هـ حج إلى مكة المكرمة. ودرَّس في المسجد الحرام مع بعض تلاميذه وأخذ عنه علماء الحجاز وأجازهم. وفي مصر درَّس في الأزهر الشريف. تتلمذ له كثير من علماء مصر. والتقى بالخديوي إسماعيل واجتمع به فتراتٍ طويلة، وحاول التنسيق بينه وبين الدولة العثمانية والدولة المغربية لمواجهة الاستعمار الفرنسي، لكن جهوده باءت بالإخفاق لغلبة الدنيا على القلوب.
قامت طريقته الصوفية على الأخذ بالكتاب والسنة، ومن زاغ عنهما فليس متصوفاً. ويعني هذا أن طريقته الصوفية تُلزم أتباعها العمل بواجبات السلوك التي فرضها الله على المسلم، وهي التأدب بأخلاق العالم، أي تحصيل العلم والعمل به. وطريقته الصوفية تشبه طريقة ابن عربي التي لا تسقط التكاليف والعبادات عن المتصوف مهما علت رتبته. وقد تلقى التصوف على يد والده الذي أقرأه «الفتوحات المكية» لابن عربي، وساعده على قطع عقبات السلوك على نمط أهل التصوف، كما علّمه والده أوراداً عدة كانت سبباً في إشراق قلبه بالإمدادات الإلهية والفيوضات المحمدية. وجاءه الفتح فتهيأ له أنه اجتمع بالنبي r وأخذ عنه الطريقة الكتانية الصوفية كما يقول في تائيَّتهِ الجميلة التي يحاكي فيها ابن الفارض في الحب الإلهي، وقد نظمها وعمره واحد وعشرون عاماً:
أتينا بغزل الفتح من حضرة الغِنى
بإذن رسول الله شيخي وعمدتي
فعنه أخذنا ما تــدفق جهــرةً
على صغر الأجرام حين شبيبتي
وقد تنبأ في هذه القصيدة بطريقة استشهاده فقال:
على مثلها أفنى وأبلى تحيراً
وأرقص في الأغلال من فرط لوعتي
وقد أجازت الطريقة الكتانية الصوفية الرقص مثل المولوية مع التكبير والهيللة حتى تغلب الحالُ المريدين ويتم العبور من سجن الجسد إلى فضاءات الروح، ويحققوا بذلك الكشف والمشاهدة كل بحسب رتبته. وقد تأثرت الطريقة الشاذلية بالطريقة الكتانية من خلال شيخ الطريقة الشاذلية بفاس الإمام العارف أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الفاسي الذي كان تلميذاً للشيخ الكتاني.
موقفه من سلطان مراكش ومحنته
في عام 1322هـ عاد الشيخ من المشرق إلى المغرب، وكان واضحاً أن فرنسا تستعد لاحتلال المغرب، فنهض الشيخ بإرشاد القبائل للجهاد وتوحيد صفوفها ونزع ما بينها من ثارات قبلية قديمة. وفي عام 1325هـ/1907م بدأت فرنسا باحتلال المغرب وسلطان مرَّاكُش كان غارقاً في لهوه وشؤونه الخاصة، فجمع الشيخ علماء فاس وأوضح لهم واقع الحال، فقضوا بخلع السلطان عبد العزيز وتولية شقيقه السلطان عبد الحفيظ بشرطين أملاهما الشيخ ووافق عليهما علماء المغرب آنذاك. وهما: الشورى والجهاد، وكان ذلك بتاريخ 12/1/1325هـ ولكن السلطان عبد الحفيظ لم يفِ بوعده فلم يحكم بالشورى ولم يأخذ العدة للجهاد، كما أن العلماء تنصلوا من مؤازرتهم للشيخ، وحاولت فرنسا عن طريق قنصلها إغراء الشيخ بالمال والمنصب لكي يسكت عن احتلال الفرنسيين للمغرب، ولكنه رفض وجمع خاصة أهله والمخلصين من أتباعه وسارَ بهم إلى الجبال للجهاد. وعلمت المخابرات الفرنسية بالأمر فأوعزت إلى السلطان أن الشيخ أراد القيام عليه، فأرسل السلطان جيشاً أدرك الشيخ قبل وصوله إلى الجبال وأرجعه على الأمان، ولكن السلطان نكث بوعده، فقيده ووالده وأهله ومريديه وحتى الصبيان بسلاسل الحديد وسِيق الجميع إلى سجن «أبي الخصيصات» بفاس وجلد الشيخ حتى استشهد، وله من العمر سبعة وثلاثون عاماً. وقال فيه العلامة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي: «لقد اقترن استشهاد هذا العالم الجليل باستشهاد أمة بكاملها وهي أمة المغرب».
يذكر نجله محمد الباقر مؤرخ حياته أن والده ترك من المؤلفات ما يربو عدده على الثلاثمئة وأربعين مؤلفاً بين مجلدات كبار وتصانيف في أوراق. يذكر المحدثون منها مئة وستين مؤلفاً منها: «الأمالي في علم الأمهات» ثم «ختمة البخاري» و«الدرَّة البيضاء في معنى الصلاح الذي تطلبه الأنبياء» و«الطلاسم في الكمالات المحمدية» و«لسان المحجة البرهانية في الذب عن شعائر الطريقة الكتانية» و«الكمال المتلالي والاستدلالات العوالي في محاججة أهل التفريط والتغالي وأن فيضان الربوبية والمحمدية لا ينقطع بل متتالي» و«الاستباقات إلى حضور صلة الحق للموجودات» و«مقدمة للشمائل الترمذية».
هيفرو ديركي
الكتاني (محمد بن عبد الكبير ـ)
(1290 ـ 1327هـ/1873 ـ 1909م)
أبو الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني الإدريسي الحسني، ينتمي إلى عائلة الكتانية الإدريسية الحسنية التي سكنت فاس في المغرب. والده عبد الكبير بن محمد عبد الواحد بن أحمد ابن عبد الواحد الكتاني الحسني. ووالدته السيدة فضيلة بنت إدريس بن الطايع الكتاني الإدريسي الحسني. فهو من أبوين عربيين ينتهي نسبهما إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما. لقب الكتاني هذا بشيخ الإسلام وحامل لوائه ديناً ودولة. ونشَّأته أسرته تنشئة صالحة، فحفظ القرآن ولمَّا يبلغ الحلم. وحفظ فيما بعد أمهات المتون الإسلامية في علم التفسير وأدواته. وعلم السنة واصطلاحاته، وعلم الأصول والكلام والسيرة والفقه حتى بلغ فيه الاجتهاد. وفلسفة التشريع، وعلم الفقه في النحو والصرف والبيان والبديع والمعاني وأخيراً التصوف. وساعده على هذا النبوغ والتحصيل العلمي المبكر بيت العائلة الذي زخر بعدة من أئمة العلم الكتانيين، ثم شيوخ جامع القرويين، مما هيأ الفتى لأن يبلغ في مرحلة مبكرة من العمر نضجاً عالياً.
بعد أن تم لمحمد بن عبد الكبير هذا التحصيل العلمي خرج إلى الجبال والبوادي يعلِّم الناس الإسلام فقد كان الأعرابي والبربري لا يجيد الشهادتين، فأصبح يحفظ القرآن، ويقال إنه لم يبنِ لنفسه ولا لأولاده بيتاً. بل بنى مئة مسجد وفيها كان يتعلم الناس أخلاق الإسلام وفقهه، ومنها كان يدعوهم إلى الجهاد ضد المستعمر الفرنسي، وكثر أتباعه ومريدوه في المغرب والبلدان الإسلامية، كما كثر حاسدوه، فأوعزوا إلى السلطان عبد العزيز بن الحسن العلوي الإدريسي، أن الكتاني هذا زنديق ويريد الملك، فاستدعاه السلطان إلى مَرَّاكُش في عام 1314هـ، ودعاه إلى المناظرة مع كبار علماء عصره فانتصر عليهم وبُرئت ساحته. وفي عام 1321هـ حج إلى مكة المكرمة. ودرَّس في المسجد الحرام مع بعض تلاميذه وأخذ عنه علماء الحجاز وأجازهم. وفي مصر درَّس في الأزهر الشريف. تتلمذ له كثير من علماء مصر. والتقى بالخديوي إسماعيل واجتمع به فتراتٍ طويلة، وحاول التنسيق بينه وبين الدولة العثمانية والدولة المغربية لمواجهة الاستعمار الفرنسي، لكن جهوده باءت بالإخفاق لغلبة الدنيا على القلوب.
قامت طريقته الصوفية على الأخذ بالكتاب والسنة، ومن زاغ عنهما فليس متصوفاً. ويعني هذا أن طريقته الصوفية تُلزم أتباعها العمل بواجبات السلوك التي فرضها الله على المسلم، وهي التأدب بأخلاق العالم، أي تحصيل العلم والعمل به. وطريقته الصوفية تشبه طريقة ابن عربي التي لا تسقط التكاليف والعبادات عن المتصوف مهما علت رتبته. وقد تلقى التصوف على يد والده الذي أقرأه «الفتوحات المكية» لابن عربي، وساعده على قطع عقبات السلوك على نمط أهل التصوف، كما علّمه والده أوراداً عدة كانت سبباً في إشراق قلبه بالإمدادات الإلهية والفيوضات المحمدية. وجاءه الفتح فتهيأ له أنه اجتمع بالنبي r وأخذ عنه الطريقة الكتانية الصوفية كما يقول في تائيَّتهِ الجميلة التي يحاكي فيها ابن الفارض في الحب الإلهي، وقد نظمها وعمره واحد وعشرون عاماً:
أتينا بغزل الفتح من حضرة الغِنى
بإذن رسول الله شيخي وعمدتي
فعنه أخذنا ما تــدفق جهــرةً
على صغر الأجرام حين شبيبتي
وقد تنبأ في هذه القصيدة بطريقة استشهاده فقال:
على مثلها أفنى وأبلى تحيراً
وأرقص في الأغلال من فرط لوعتي
وقد أجازت الطريقة الكتانية الصوفية الرقص مثل المولوية مع التكبير والهيللة حتى تغلب الحالُ المريدين ويتم العبور من سجن الجسد إلى فضاءات الروح، ويحققوا بذلك الكشف والمشاهدة كل بحسب رتبته. وقد تأثرت الطريقة الشاذلية بالطريقة الكتانية من خلال شيخ الطريقة الشاذلية بفاس الإمام العارف أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الفاسي الذي كان تلميذاً للشيخ الكتاني.
موقفه من سلطان مراكش ومحنته
في عام 1322هـ عاد الشيخ من المشرق إلى المغرب، وكان واضحاً أن فرنسا تستعد لاحتلال المغرب، فنهض الشيخ بإرشاد القبائل للجهاد وتوحيد صفوفها ونزع ما بينها من ثارات قبلية قديمة. وفي عام 1325هـ/1907م بدأت فرنسا باحتلال المغرب وسلطان مرَّاكُش كان غارقاً في لهوه وشؤونه الخاصة، فجمع الشيخ علماء فاس وأوضح لهم واقع الحال، فقضوا بخلع السلطان عبد العزيز وتولية شقيقه السلطان عبد الحفيظ بشرطين أملاهما الشيخ ووافق عليهما علماء المغرب آنذاك. وهما: الشورى والجهاد، وكان ذلك بتاريخ 12/1/1325هـ ولكن السلطان عبد الحفيظ لم يفِ بوعده فلم يحكم بالشورى ولم يأخذ العدة للجهاد، كما أن العلماء تنصلوا من مؤازرتهم للشيخ، وحاولت فرنسا عن طريق قنصلها إغراء الشيخ بالمال والمنصب لكي يسكت عن احتلال الفرنسيين للمغرب، ولكنه رفض وجمع خاصة أهله والمخلصين من أتباعه وسارَ بهم إلى الجبال للجهاد. وعلمت المخابرات الفرنسية بالأمر فأوعزت إلى السلطان أن الشيخ أراد القيام عليه، فأرسل السلطان جيشاً أدرك الشيخ قبل وصوله إلى الجبال وأرجعه على الأمان، ولكن السلطان نكث بوعده، فقيده ووالده وأهله ومريديه وحتى الصبيان بسلاسل الحديد وسِيق الجميع إلى سجن «أبي الخصيصات» بفاس وجلد الشيخ حتى استشهد، وله من العمر سبعة وثلاثون عاماً. وقال فيه العلامة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي: «لقد اقترن استشهاد هذا العالم الجليل باستشهاد أمة بكاملها وهي أمة المغرب».
يذكر نجله محمد الباقر مؤرخ حياته أن والده ترك من المؤلفات ما يربو عدده على الثلاثمئة وأربعين مؤلفاً بين مجلدات كبار وتصانيف في أوراق. يذكر المحدثون منها مئة وستين مؤلفاً منها: «الأمالي في علم الأمهات» ثم «ختمة البخاري» و«الدرَّة البيضاء في معنى الصلاح الذي تطلبه الأنبياء» و«الطلاسم في الكمالات المحمدية» و«لسان المحجة البرهانية في الذب عن شعائر الطريقة الكتانية» و«الكمال المتلالي والاستدلالات العوالي في محاججة أهل التفريط والتغالي وأن فيضان الربوبية والمحمدية لا ينقطع بل متتالي» و«الاستباقات إلى حضور صلة الحق للموجودات» و«مقدمة للشمائل الترمذية».
هيفرو ديركي